الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضْلِ الضُّعَفَاءِ وَالْخَامِلِينَ
[2622]
حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ)).
قوله: ((أَشْعَثَ)): الأشعث: الملبد الشعر المغبر غير مدهون ولا مرجل.
وقوله: ((مَدْفُوع بِالأَبْوَابِ))، يعني: لا يؤبه له، لأنه ليس له مكانة في المجتمع، ليس من أصحاب الأموال أو الوظائف الكبيرة، وليس من رؤساء القبائل المعروفين، هو شخص لا يؤبه له، لكن له منزلة عند الله بسبب عمله الصالح، واستقامته على طاعة الله، وأدائه الواجبات، وتركه المحرمات.
وفي هذا الحديث: أنه قد يوجد في المسلمين من يكون أشعثَ الرأس غيرَ متنعم ولا مترفه، لا يسرح شعره ولا يدهنه، وربما تكون ثيابه- أيضًا- مرقعةً وغيرَ نظيفة، فهو مدفوع بأبواب الملوك والوجهاء والأمراء والأغنياء؛ لكونه غيرَ معروف، ولكون هيئته تدل على أنه فقير- ولكن له وزنه عند الله تعالى، فلو أقسم على الله تعالى لأبره، فلو حلف على الله مثلًا، وقال: والله يا رب ليهزِمَنَّ هذا الجيشُ العدوَّ، لأجاب الله تعالى طلبه، وأكرمه بإيقاع ما حلف عليه.
وقد كان سعد بن أبي قاص رضي الله عنه مستجابَ الدعوة، وكان يدعو على جيوش كسرى وقيصر، يقسم على الله تعالى أن تُهزم جيوشهم فتُهزم
(1)
، وكان البراء بن مالك وجماعة يقسمون على الله تعالى فيبرهم!
(2)
.
(1)
تهذيب الكمال، للمزي (10/ 309 - 311)، الإصابة، لابن حجر (3/ 62).
(2)
الاستيعاب، لابن عبد البر (1/ 154).
ومن أمثلة ذلك- أيضًا- قصة الرُّبَيِّع أخت أنس بن النضر رضي الله عنه، فإنها كسرت ثنية جارية متعمدة، فطلب أهلها القصاص، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تُكسر ثنية الربيع؛ لأنها اعتدت وكسرت ثنية الجارية، فجاء أخوها أنس بن النضر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((يَا رَسُولَ اللهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟ ! قال: ((نَعَمْ، يَا أَنَس، كِتَابُ اللهِ القَصَاصُ)): فَقَالَ أَنَس: وَاللهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَجَاءَ أَهْلُهَا، فَقَالُوا: عَفَوْنَا عَنِ القَصَاصِ، فَقَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ))
(1)
.
ومن أمثلة ذلك أيضًا: ما حصل من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض الغزوات التي بين المسلمين والتتار، لَمَّا أُعد جيش المسلمين ليُلاقي جيش الكفار وفي صفوف المسلمين الرافضة، فقال الشيخ: أخرجوا الرافضة من جيش المسلمين، والله لتنصرن، قالوا: كيف نخرج الرافضة وهم ثلث الجيش؟ ! ، فقال: أخرجوهم، والله لتنصرن، فقالوا: قل: إن شاء الله، فقال: أقولها تحقيقًا لا تعليقًا، فأخرجوا الرافضة، فنصر الله المسلمين!
(2)
.
ولكن ما الفرق بين التألي على الله والإقسام عليه؟
الجواب: في حديث الباب السابق أن التألي على الله كبيرة من كبائر الذنوب، وفي حديث هذا الباب أن الإقسام على الله من صفات عباد الله الصالحين، والفرق بينهما: أن المتألي على الله يحجر على الله، وعلى رحمته وجُوده وإحسانه وكرمه، وهو مسيءُ الظن بالله، متشائم، قانط من رحمته؛ ولهذا فهو يحجر على الرب أن يرحم العاصي أو يغفر له.
أما المقسم على الله فإنه محسن للظن بالله، طامعٌ في كرمه وجوده وبره، متعبد لله بذلك، والإنسان مأمور بحسن الظن بالله ومنهي عن سوء الظن به،
(1)
أخرجه البخاري (2703).
(2)
البداية والنهاية، لابن كثير (14/ 28).
كما في الطِّيَرَة والفأل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الطِّيَرة، وقال:((أَحْسَنُهَا الفَأْلُ))
(1)
، والطِّيَرة هي التشاؤم، وهي سوء ظن بالله، وأما الفأل فهو مستثنى من الطيرة؛ لأنه حسن ظن بالله، والمتفائل يأمل الخير ويرجو بر الله، فالفرق بين الإقسام على الله والتألي على الله كالفرق بين الفأل والطيرة.
(1)
أخرجه أبو داود (3919)، والبيهقي في الكبرى (16521).