الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضْلِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ
[2629]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. ح، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهْرَامَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ- وَاللَّفْظُ لَهُمَا- قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ)).
[خ: 1418]
[2630]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ- يَعْنِي: ابْنَ مُضَرَ- عَنِ ابْنِ الْهَادِ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ- مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ- حَدَّثَهُ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ)).
في هذين الحديثين: فضل الإحسان إلى البنات، وأن الإحسان إليهن بتربيتهن والقيام بشؤونهن من أسباب العتق من النار، ومن أسباب دخول
الجنة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ))، يعني: حجابًا، وفي اللفظ الآخر:((حِجَابًا مِنَ النَّارِ)).
وفيهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قيده بالإحسان إليهن، بإحسان تربيتهن وتعليمهن حتى يزوجهن، ومن إحسان التربية اختيار الزوج الأمثل فالأمثل لهن، وذلك من أسباب دخول الجنة ومن أسباب العتق من النار، مع وجود الشروط الأخرى، وانتفاء الموانع، كالإيمان بالله ورسوله، وأداء الواجبات، وترك المحرمات، يعني: أن غير المؤمن لو كان عنده من البنات ما عنده ولو أحسن تربيتهن فلا يدخلنه الجنة، لأن هذا مقيد بالإيمان؛ ولأن الكافر ليس محسنا في تربيتهن بل هو مسيء في ذلك، فهو يربيهن على دين الكفر، وكذلك الشأن فيمن يفعل الكبائر كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والتعامل بالربا، فهذا متوعد بدخول النار، فلا بد له أولًا من اجتناب الكبائر، وفعل الواجبات.
وقوله: ((مَنِ ابْتُلِيَ)): إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة، قال الله تعالى:{وإذا بشر أحدكم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم} ، فالله تعالى يبتلي بعض عباده بهذه البنات هل يحسن تربيتهن أو يسيء فيها؟ وكذلك الأولاد الذكور، والحياة كلها ابتلاء وامتحان، فالإنسان مبتلًى- أيضًا- بصحته، هل يستعملها في طاعة الله؟ وهو مبتلًى بالغنى، هل يستعمله في طاعة الله؟ وقد يبتلى بالفقر، هل يصبر أو يجزع؟ وقد يبتلى بالمرض، هل يصبر أو يتسخط؟ وما منا إلا وهو مبتلى، قال تعالى:{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} .
[2631]
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ)).
في هذا الحديث: فضل عَوْل الجاريتين، ومعنى عالهما: أحسن إليهما نفقةً وتربيةً وتعليمًا، سواء أكانتا بنتين أم أختين، فهو عام، ولعل هذا يفسر الحديث السابق:((مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ)): فأقل الجمع اثنتان؛ لأن المثنى قد يطلق عليه الجمع، فإذا ضممنا هذا الحديث إلى الحديث السابق دل على أن المراد: من ابتلي بشيء من هذه البنات، يعني: اثنتين فأكثر.
والإسلام جاء ببيان فضل الإحسان إلى البنات وتربيتهن؛ لأنهم في الجاهلية كانوا يكرهون البنات، وكان الواحد منهم يدفن البنت وهي حية؛ خشية العار، ومنهم- أيضًا- من يقتل الأولاد الذكور خشية الفقر، فجاء الإسلام بالأمر بالإحسان إلى البنات، والإحسان إلى الأولاد.
وكان أهل الجاهلية يفرقون بين الذكر والأنثى، وكم من بنت أصلح من الذكور! وكم من الذكور من لا خير فيه! قال الله تعالى:{وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون} .
ومازال هذا الخلق الجاهلي شائعا في المسلمين إلى يومنا هذا، فهناك بعض الناس يكرهون البنات، ويتأثرون تأثرًا شديدًا إذا رُزِقوا بنتًا، حتى إن بعضهم قد يطلِّق زوجته بسبب إنجابها بنتا، فيقال لهذا وأمثاله: هل هذا الأمر بيد هذه المرأة المسكينة؛ لتُنجب لك ما تشتهيه نفسك؟ ! إن الأمر كله بيد الله الخالق القدير، كيف يقول مسلم مثل هذا الكلام؟ هل هي التي
تخلق؟ هل بيدها من الأمر شيء؟ الأمر بيد الله تعالى وحده، وله الحكمة البالغة، قال تعالى:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} .