الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ
[2589]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ ))، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ))، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ((إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)).
في هذا الحديث: بيان الغيبة، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:((أَتَدْرُونَ مَا الغِيبَةُ؟ )): وأتى بالاستفهام حتى يُشوِّق السامع إلى الجواب، ثم عرَّفها بأنها:((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ))، والغيبة- كما قيل- هي الكبيرة التي يغشاها الصالحون، وهي فاكهةُ مجالس كثير من الناس، فتراهم يقولون: فلان قصير، وفلان طويل، فلان لئيم، وفلان بخيل، فلان قال كذا، وفلان فعل كذا، وهكذا.
والغيبة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي من كبائر الذنوب، قال الله تعالى:{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ، والنهي للتحريم كما هو معروف، وقال عليه الصلاة والسلام:((إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُم، وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ))
(1)
، وقد نفَّر الله تعالى عنها تنفيرًا عظيمًا بقوله:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} ، فهل يستطيع الإنسان أن يأكل لحمًا ميتًا؟ فكيف إذا كان هذا اللحمُ الميت لحمَ أخيه المسلم؟ !
فالغيبة- كما بيَّنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ))، هذا إذا كان الكلام
(1)
أخرجه البخاري (67)، ومسلم (1679).
الذي قيل فيه موجودًا فيه، وأما إذا لم يكن فيه فهذا يعدُّ بهتانًا، والبهتان: هو الباطل.
ولكن يُستثنى من الغيبة إذا كان الكلام لغرض شرعي صحيح وهي ستةُ أمور:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: فلان ظلمني وأخذ حقي، فهذا مستثنى؛ لأنه لا بد أن يطالب بحقه، ولا بد أن يتكلم في عرضه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:((لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ))
(1)
، يعني: أن مماطلته تُحِلُّ عرضَه وعقوبته.
الثاني: الاستعانة على تغيير منكر، فيقول لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك، أو يقول ذلك لبعض إخوانه ليساعدوه في إزالة المنكر.
الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان، أو زوجي بكذا فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه ودفع ظلمه عني؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، كما استفتت هند بنت عتبة رضي الله عنها زوجة أبي سفيان رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقالت:((يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لا يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ، بِالْمَعْرُوفِ))
(2)
.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر والفساد، والمجرمين وأهل البدع، ومن ذلك: جرح الرواة، كأن يقول: فلان ضعيف، فلان يتكلم في القَدَر، فلان يرى مذهب الخوارج، فلان رافضي، فهذا ونحوه ليس بغيبة، وإنما هو نصيحة لله، ولرسوله، ولكتابه، ولعامة المسلمين، وذلك جائز
(1)
أخرجه أحمد (17946)، وأبو داود (3628)، والنسائي (4689)، وابن ماجه (2427).
(2)
أخرجه البخاري (5364).
بالإجماع، بل واجب صونا للشريعة.
ومنه: الإخبار بالعيب عند المشاورة، فمن ذلك لما جاء ثلاثة يخطبون فاطمة بنت قيس رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما طلقت، وهم: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وأبو جهم رضي الله عنه، وأسامة بن زيد رضي الله عنه، فجاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:((أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ))
(1)
، وهذا من باب النصيحة، ولا بد من بذلها للمستشير.
الخامس: الكلام في الفاسق والمبتدع المعلن بفسقه وبدعته، فهذا لا غيبة له؛ لأنك تذكره بما فيه، وهو الذي فضح نفسه علنًا، ومن ذلك قول النبي ضلى الله عليه وسلم:((فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ)) أما الإنسان المتستر الذي أغلق عليه بابه ولم يعلن فهذا لا يتكلم فيه إلا لمصلحة كالأمور التي سبقت.
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب لا يعرف إلا به، كالأعمش والأعرج، والأصم، والأحول وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أَولى، مثل ابن علية، فإنه كان يكره أن يقال: ابن علية، ولكن المحدثين كانوا ينسبونه هكذا؛ لأنه لم يكن يعرف إلا بهذا.
فهذه الأمور الستة مستثناة من الغيبة.
(1)
أخرجه مسلم (1480).