الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضَائِلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه
.
[2485]
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ))؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
[خ: 3212]
حَدَّثَنَاه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ حَسَّانَ قَالَ فِي حَلْقَةٍ فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ.
[2486]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ- قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: ((اهْجُهُمْ- أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ)).
[خ: 3213]
حَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
قوله: ((أَنْشُدُكَ اللَّهَ)): من النَّشد: وهو رفع الصوت، فهو طلب مع رفع الصوت، يعني: أسألك بالله.
وقوله: ((اهْجُهُمْ- أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ))؛ لأن في هذا الشعر نصرًا للإسلام والمسلمين، وإضعافًا للكفرة، وهجاءً للمشركين، وحضًّا على الجهاد، وبيانًا لما عليه الكفرة من الكفر والشرك، وتهييج للمسلمين في غزوهم وقتالهم ودعوتهم إلى الله.
في هذه الأحاديث: منقبة لحسان رضي الله عنه، فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:((اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ))، وروح القدس هو جبريل عليه السلام.
وفيها: جواز إنشاد الشعر في المسجد إذا لم يكن فيه محذور، من غزل ولا هجاء، فإذا كان شعرًا طيبًا فلا بأس به.
وفيها: أن عمر نظر بمؤخر عينه إلى حسان رضي الله عنهما وهو ينشد الشعر في المسجد كالمنكِر له، فعرف حسان رضي الله عنه إنكاره عليه، فقال:((قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ))، أي: ولم ينكر عَلَيَّ، فسكت عمر رضي الله عنه.
ثم استشهد حسان بأبي هريرة رضي الله عنهما، قال:((أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ))؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ))، يعني: أستحلفك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
وفيها: أنه إذا كان في الشعر محذور، من كذب، أو هجاء، أو غزل وتشبيب بالنساء فهذا لا يجوز، لكن إذا كان في نصرة الحق وفي بيانه، ورد الباطل، وفي وصف الإسلام ووصف المسلمين فهذا لا بأس به، كما في شعر حسان رضي الله عنه، وكعب بن زهير، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما.
وكذلك إذا كان في هجاء الكفار والتحذير من شرهم والحض على الجهاد، وكذلك النظم إذا كان في العلوم الشرعية كنظم الفرائض والفقه وأصوله، والنظم في العقائد، كل هذا جائز ومطلوب.
[2487]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَبَبْتُهُ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي دَعْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[خ: 3531]
حَدَّثَنَاه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
قوله: ((عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ)): هشام هو ابن عروة، وأبوه عروة بن الزبير ابن أسماء أخت عائشة رضي الله عنهم.
وقولها: ((يَا ابْنَ أُخْتِي دَعْهُ))، يعني: لا تسبه؛ لأنه كان يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسبب سبه كما سيأتي: أنه كان ممن تكلم في الإفك في قصة عائشة هو وحمنة بنت جحش ومسطح بن أثاثة رضي الله عنهم، فجلدهم النبي صلى الله عليه وسلم الحد ثمانين جلدة، فكان طهارة لهم.
وفيه: دليلٌ على أن أهل بدر ليسوا معصومين من الكبائر؛ ولهذا فمسطح بن أثاثة وكذلك حسان رضي الله عنهما كانا بدريَينِ ولكنهما وقعا في هذه الكبيرة، فتابا، وأقيم عليهما حد القذف، وكان طهارة لهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بدر:((وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ))
(1)
والمعنى: أنهم إذا وقعوا في ذنب، أو في كبيرة فإنهم يوفقون إما للتوبة، أو لإقامة الحد فيكون طهارة لهم.
وفيه: أن الإنسان إذا فعل ما يوجب الحد، ثم أقيم عليه فهو طهارة له، وكذلك إذا تاب فهي طهارة له، ولو لم يقم عليه الحد.
والحد والتوبة كل واحد منهما مطهِّر، كما جاء في الحديث: ((اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ وَلْيُتُبْ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ
(1)
أخرجه البخاري (3007)، ومسلم (2494).
لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ عز وجل)
(1)
.
[2488]
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ- يَعْنِي: ابْنَ جَعْفَرٍ- عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ، فَقَالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ = وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ، قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، فَقَالَتْ: فَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ ! إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ- أَوْ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[خ: 4146]
حَدَّثَنَاه ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، فِي هَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: قَالَتْ: كَانَ يَذُبُّ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَذْكُرْ: حَصَانٌ رَزَانٌ.
قوله: ((يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ)): معناه: يتغزل.
وفي هذا الحديث: شعر عظيم لحسان رضي الله عنه في وصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي حقيقة بهذا الوصف، فهي حصان: حصينة مطهرة، ورزان: رزينة قوية العقل، ما تزن بريبة، يعني: ما تتهم بريبة، وتصبح غرثى، يعني: خالية، من لحوم الغوافل، يعني: لا تغتاب الغوافل، وهي جمع غافلة، وهذه أوصاف عظيمة لها، وهو يمدحها ويثني عليها رضي الله عنه.
وقولها: ((لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ)): هذا من باب أنه وقع في نفسها شيء عليه؛ لأنه ممن تكلم بالإفك، فقالت: أنت لست كذلك، ولكنه رضي الله عنه تاب لما وقع في هذه الهفوة، وطُهِّر بالحد، وكان يفدي النبي صلى الله عليه وسلم وعرضه بنفسه، كما سيأتي في أبياته.
(1)
أخرجه الحاكم (7615)، والبيهقي في الكبرى (17601).
وقوله: ((لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ، قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؟ فَقَالَتْ: فَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ ! إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم): ظاهر هذا الحديث: أن الذي تولى كبر الإفك هو حسان رضي الله عنه، قال تعالى:{إن الَّذِينَ جَاؤوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .
والصواب: أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أُبِّي بن سلول رئيس المنافقين، كما هو في البخاري عن عائشة رضي الله عنها
(1)
، وليس حسان بن ثابت رضي الله عنه، الذي أقيم عليه الحد؛ لأنه ثبت عنه الخوض في ذلك، وأما ابن سلول فإنهم لم يثبت عنه شيء في ذلك؛ ولهذا لم يجلد.
وكان مسطح بن أثاثة منهم، وكان ابن خالة أبي بكر رضي الله عنه، وكان فقيرًا، فلما وقع في الإفك أقسم أبو بكر رضي الله عنه أن يقطع عنه النفقة بسبب ذلك، فأنزل الله هذه الآية:{وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} لا يأتل، أي: لا يحلف أولو الفضل منكم والسعة ألا ينفقوا على أولي القربى والمساكين والمهاجرين، ومسطح كان قريبًا لأبي بكر رضي الله عنهما، ومسكينًا، ومهاجرًا، ثم قال تعالى:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر رضي الله عنه:((بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي))
(2)
، فأرجع النفقة إلى ابن خالته مسطح رضي الله عنه.
(1)
أخرجه البخاري (4749).
(2)
أخرجه البخاري (2661)، ومسلم (2770).
[2489]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ حَسَّانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:((كَيْفَ بِقَرَابَتِي مِنْهُ؟ )) قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْخَمِيرِ، فَقَالَ حَسَّانُ:
وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ = بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ
قَصِيدَتَهُ هَذِهِ.
[خ: 3531]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا سُفْيَانَ، وَقَالَ: بَدَلَ الْخَمِيرِ الْعَجِينِ.
في هذا الحديث: أن أبا سفيان هذا هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤذيه، ثم أسلم وحسن إسلامه، وليس هو أبا سفيان صخر بن حرب، بل هو ابن الحارث بن عبد المطلب، وقد كان في أول الإسلام يعادي النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذيه، فاستأذن حسان رضي الله عنه في أن يهجوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((كَيْفَ بِقَرَابَتِي مِنْهُ؟ ))، أي: فقد ينالها هجاؤك، فقال حسان رضي الله عنه:((وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْخمِيرِ))، وفي لفظ:((مِنَ الْعَجِينِ))
(1)
، وهما بمعنى واحد، ومعناه: لأتلطفن في تخليص نسبك من هجوهم، بحيث لا يبقى جزء من نسبك في نسبهم الذي ناله الهجو، كما أن الشعرة إذا سلت من العجين لا يبقى منها شيء فيه، بخلاف ما لو سلت من شيء صلب فإنها ربما انقطعت فبقيت منها فيه بقية، ثم قال هذا البيت رضي الله عنه:
وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
…
بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ
(1)
أخرجه البخاري (6150)، ومسلم (2490).
وبعد هذا بيت لم يذكره مسلم رحمه الله تعالى، وبذكره يتم المراد والفائدة، وهو:
وَمَنْ وَلَدَتْ أَبْنَاءُ زَهْرَةَ مِنْهُمُ
…
كِرَامٌ وَلَمْ يَقْرَبْ عَجَائِزَكَ الْمَجْدُ
وقوله: ((بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ)): المراد ببنت مخزوم: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم عبد الله والزبير وأبي طالب
(1)
.
وقوله: ((وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ)): هذا هجاء لأبي سفيان بن الحارث، ومعناه: أن أم الحارث بن عبد المطلب والد أبي سفيان هذا هي سمية بنت موهب، وموهب غلام لبني عبد مناف، وكذا أم أبي سفيان بن الحارث كانت كذلك، وهو مراده بقوله:((وَلَمْ يَقْرَبْ عَجَائِزَكَ الْمَجْدُ))، يعني: لا من جهة الأم، ولا من جهة الأب.
ومن اللطائف: أن حسان بن ثابت رضي الله عنه عاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، وكذلك أبوه، وجده، وأبو جده، كل منهم عاش مائة وعشرين، أربعة على نسق واحد.
(1)
شرح مسلم، للنووي (16/ 47).
[2490]
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ))، فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ، فَقَالَ:((اهْجُهُمْ))، فَهَجَاهُمْ، فَلَمْ يُرْضِ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ، ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ، فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((لَا تَعْجَلْ؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي))، فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِحَسَّانَ: ((إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))، وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((هَجَاهُمْ حَسَّانُ، فَشَفَى وَاشْتَفَى)).
قَالَ حَسَّانُ:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ
…
وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرًّا حَنِيفًا
…
رَسُولَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي
…
لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءٌ
ثَكِلْتُ بُنيتي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا
…
تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءُ
يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ
…
عَلَى أَكْتَافِهَا الأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ
…
تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا
…
وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ
…
يُعِزُّ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَالَ اللَّهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا
…
يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ
وَقَالَ اللَّهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا
…
هُمُ الأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِيْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ
…
سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ
…
وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرَهُ سَوَاءُ
وَجِبْرِيلُ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا
…
وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
قوله: ((ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ، فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ))، يعني: أخرج لسانه من شفتيه، وجعل يحركه يمينًا وشمالًا.
وقوله: ((لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ))، يعني: لأشقنهم، والأديم هو الجلد، يقول: لأمزقن أعراضهم كما يمزق الجلد.
وقوله: ((لَا تَعْجَلْ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي))، أي: لا تعجل، والجأ إلى أبي بكر رضي الله عنه فهو أعلم قريش بالأنساب، فذهب إلى أبي بكر فأعلمه بالأنساب وأفهمه، ثم بعد ذلك هجا المشركين ولم يتعرض للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لنسبه.
وقوله: ((إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)): روح القدس هو جبريل عليه السلام، ونافحت أي: دافعت.
وقوله: ((اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ)): هذا أمر بالهجاء، وفيه: دليل على استحباب هجاء المشركين وذمهم وعيبهم وعيب دينهم، وهو مطلوب شرعًا.
وفي هذا الحديث: البراءة من النفاق والشرك، وأما الذي لا يتبرأ من دين المشركين ولا يكرههم فليس بمسلم، فلا بد من البراءة من دين المشركين، وذمهم وعيبهم، وبيان ما هم فيه من الكفر، وأنه باطل، وهذا
هو معنى: لا إله إلا الله.
وقوله: ((قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ))، يعني: وصف نفسه بأنه أسد، وهذا هو الواقع، فقد أُرسل إلى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فهجا المشركين لكنه لم يشفِ، وكذلك كعب بن مالك رضي الله عنه، ثم أُرسل إلى حسان رضي الله عنه فشفى واشتفى، أي: شفى المؤمنين، واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها، ونافح عن الإسلام والمسلمين.
وحسان رضي الله عنه ممن أحياه الله لنصرة الإسلام، ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه وعن عرضه، فجبريل عليه السلام يسدده ويؤيده ويثبته، والملائكة تؤيد المؤمنين وتثبتهم وتربط على قلوبهم، وأما الكفار فإنها تزعزعهم وتقذف في قلوبهم الرعب، كما حصل في غزوة بدر وغيرها، وهذا هو النصر بالرعب الذي خُصَّ به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:((نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ))
(1)
، فلو كان عند المشركين أقوى الأسلحة والعتاد، وقذف الله في قلوبهم الرعب لم تكن تلك الأسلحة لتنفعهم.
وقوله: ((هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ
…
وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ)): يقول: هجوت يا أبا سفيان محمدًا صلى الله عليه وسلم فدافعتُ عنه، وجزائي على ذلك عند الله تعالى وحده.
وقوله: ((هَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرًّا حَنِيفًا
…
رَسُولَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ)): بَرًّا: يفعل البِّر والخير بأنواعه، حنيفًا: مائلًا عن الشرك وعن الفواحش إلى الحق والتوحيد، شيمته الوفاء: خُلُقُه عليه الصلاة والسلام الوفاءُ.
(1)
أخرجه البخاري (335)، ومسلم (521).
وقوله: ((فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي
…
لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءٌ))، يعني: أقي عرض النبي صلى الله عليه وسلم بنفس ووالدي ووالديه، فكلنا وقاء لعرضه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ((ثَكِلتُ بُنيتي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا
…
تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ)): ثكلتُ بنيتي، يعني: فقدتها، فهو يدعو على نفسه، إن لم تروها- يعني: الخيل- تثير النقع: الغبار، من كنفي كداء، أي: جانبَي كداء، وكداء ثنية على باب مكة، والعرب تقول: دخل من كَدا، وخرج من كُدا، وأهل مكة يقولون: افتح وادخل واضمم واخرج؛ فالدخول من كَدا، والخروج من كُدا؛ ولهذا لما فتحت مكة قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:((ادخلوها مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانُ))
(1)
، فهو يتهددهم ويتوعدهم، ويقول: يا أيها الكفار استعدوا للغزو، فسوف يغزوكم النبي صلى الله عليه وسلم من كنفي كداء، وقد تحقق كلامه رضي الله عنه.
وقوله: ((يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ
…
عَلَى أَكْتَافِهَا الأَسَلُ الظِّمَاءُ))، يعني: أن الخيل يجاذبن الأعنة: جمع عِنان، وهو حبل اللِّجام الذي يُمسَك به الفرسُ، مصعدات، أي: مقبلات إليكم ومتوجهات، والأسل: الرماح، والظماء: الدقيقة، فكأنها لقلة مائها عطاش، وقيل: المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء، فهو يتهددهم بقوله: سوف تغزوكم خيلنا القوية، وعليها الرماح الظامئة للشرب من دمائكم.
وقوله: ((تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ
…
تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ))
(1)
أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (5/ 66).
متمطرات، يعني: مسرعات يسبق بعضها بعضًا، تُلطمهن بالخمر النساء، يعني: تمسح النساءُ الغبارَ عن تلك الجياد بخمورهن، جمع خمار وهو الغطاء الذي يكون على رأس المرأة، يعني: أن الخيل لهن عندهم مكانة، حتى إن النساء من عنايتهن بهن يمسحن الغبار عنهن بِخُمُرِهِنَّ، يقول: تبعثهم الخيل فتنبعث النساء يضربن خدود الخيل بخُمُرهن لتردها، وكأن حسان رضي الله عنه أُوحى إليه بهذا، وتكلم به عن ظهر الغيب، فقد رووا
(1)
أن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل ليرددنها
(2)
.
وقوله: ((فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا
…
وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ)): يقول: إذا تركتمونا ندخل مكة فتحناها واعتمرنا، وإن أبيتم فاصبروا ليوم سوف تجدون فيه منا الضرب والطعان، والقتال والمنازلة، وهذا فيه إضعافٌ لقلوب المشركين وإدخال للرعب فيها، فمثل هذه الأبيات مما يؤثر تأثيرًا كبيرًا في المشركين.
قال الأبي رحمه الله: ((ظاهر هذا- كما قال ابن هشام-: أنه كان قبل الفتح في عمرة الحديبية، حين صُدَّ عن البيت))
(3)
.
وقوله: ((يُعِزُّ اللَّهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ)): قال الأبي رحمه الله: ((هذا من تجاهل العارف؛ لأن حسان رضي الله عنه يعلم أن الله تعالى قد أعز دينه بقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، وغيرها من الآيات، وقد دل على ذلك في البيت الذي بعده))
(4)
.
(1)
أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (5/ 66).
(2)
شرح ديوان حسان بن ثابت، للبرقوقي (ص 5).
(3)
إكمال إكمال المعلم، للأُبِّي (6/ 325).
(4)
إكمال إكمال المعلم، للأُبِّي (6/ 325).
وقوله: ((وَقَالَ اللَّهُ قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا
…
يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ)): وهو محمد عليه الصلاة والسلام، يقول الحق ليس به خفاء، فهو واضح لكل أحد.
وقوله: ((وَقَالَ اللَّهُ قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا
…
هُمُ الأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ)): المعنى: قال الله: قد هيأت جندًا وأرصدتهم، هم أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجاهدون معه وينصرون دينه، ((عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ))، أي: مقصودها ومطلوبها لقاء الأعداء، يريد أن الأنصار أقوياء على القتال همتها وديدنها لقاء الصناديد.
وقوله: ((لَنَا فِيْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ
…
سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ)): يريد أنهم شجعان، متمرنون على الحرب، لا يخشون شيئًا، فلهم في كل يوم من معدٍّ- يريد قريشًا؛ لأنهم من ولد معد بن عدنان- سِباب، أو هِجاء، أو قِتال.
وقوله: ((فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ
…
وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرَهُ سَوَاءُ)): يقول: نحن لا نبالي بكم فمن ينصر رسول الله ويمدحه منكم سواءٌ هو ومن يهجوه ويخذله، فأنتم من الهوان بحيث لا يؤبه لكم.
وقوله: ((وَجِبْرِيلُ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا
…
وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ))، أي: وجبريل عليه السلام رسول الله فينا، وليس أحد يكافئه، أو يدافعه.