الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْعِلْمِ
بَابُ النَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُتَّبِعِيهِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقُرْآنِ
[2665]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ ابْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ؛ فَاحْذَرُوهُمْ)).
[خ: 4547]
في هذا الحديث: دليل على أن القرآن فيه محكم ومتشابه، والواجب على المسلم: العمل بالمحكم ورد المتشابه إلى الله عز وجل.
والمحكم هو: واضح المعنى.
والمتشابه نوعان:
النوع الأول: متشابه حقيقي، وهو ما تفرَّد الله عز وجل بعلمه، مثل: كنه الذات، وكنه الصفات، وكنه حقائق الآخرة بما أخبر الله به من الجنة، والنار، والجزاء والحساب.
النوع الثاني: متشابه نسبي إضافي، وهذا يعلمه الراسخون في العلم، وطريقة الراسخين في العلم: العمل بالمحكم، ورد المتشابه إليه حتى يتضح، أما أهل الزيغ فإنهم يتبعون المتشابه، ويتركون المحكم، فإذا رأيت من يفعل ذلك فاحذره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ؛ فَاحْذَرُوهُمْ)).
فمثلًا إذا استدل النصراني على تعدد الآلهة بقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} فقال: دل الجمع على أن الآلهة ثلاثة، فإن الراسخين في العلم يردون هذا المتشابه إلى المحكم، وهو قوله تعالى:{وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} ، ويفسرون:{إنا نحن} في لغة العرب بالواحد المعظِّم نفسَه.
والتأويل له ثلاثة معانٍ اصطلاحية:
الأول: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، والكلام نوعان: خبر، وأمر، فإن كان الكلام خبرًا فتأويل الحقيقة: وقوع المخبَر به، كقوله تعالى:{هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق} ، يعني: يوم يقع تأويله، وهو يوم القيامة، فتأويل ما أخبر الله به عن الجنة والنار والحساب والجزاء هو وقوعه، حينما يقع الحساب والجزاء ودخول المؤمنين الجنة، ودخول الكافرين النار.
ومنه: قول الله تعالى- عن يوسف عليه السلام لما سجد له أبواه وإخوته-: {قال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل} ، يعني: وقع تأويل الرؤيا بعد ثلاثين سنة، أو بعد أربعين سنة.
وإن كان الكلام أمرًا فإن وقوعه فعل المأمور به، كحديث عائشة رضي الله عنها لما نزل قول الله تعالى:{إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا فسبح بحمد ربك واستغفره} -: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده وركوعه: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِي))، يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ))
(1)
، يعني: يفعل ما أُمر به في القرآن.
الثاني: التفسير، ومنه: قول الإمام ابن جرير في تفسيره: القول في تأويل قول الله تعالى كذا، يعني: في تفسيره.
وهذان المعنيان معروفان عند السلف.
الثالث: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح؛ لدليل يقترن به، فهذا اصطلح عليه بعض الفقهاء والأصوليين المتأخرين، وهذا قد يكون محمودًا، وقد يكون مذمومًا.
والآية الكريمة: {وما يعلم تأويله إلا الله} فُسِّر التأويل فيها بالتفسيرَين السابقَين، فإذا كان التأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام صار الوقف على قوله تعالى:{وما يعلم تأويله إلا الله} ، ثم يبدأ يستأنف:{والراسخون في العلم يقولون آمنا به} ، والمعنى:{وما يعلم تأويله} ، أي: الحقيقة التي يؤول لها إلا الله سبحانه وتعالى.
وعلى القول الثاني أن المراد بالتأويل: التفسير، فإن الوقف على قوله:{والراسخون في العلم} ، فيكون المتشابه نسبيًّا إضافيًّا، ويكون المعنى:{وما يعلم تأويله} ، أي: تفسيره {إلا الله والراسخون في العلم} ، أي: أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله- أيضًا.
(1)
أخرجه البخاري (817)، ومسلم (484).
[2666]
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، قَالَ: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ:((إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ)).
في هذا الحديث: التحذير من الاختلاف في الكتاب.
وفيه: دليل على أن هلاك الأولين كان باختلافهم في كتابهم.
والاختلاف في الكتاب نوعان: اختلاف في تنزيله، واختلاف في تأويله.
أما الاختلاف في تنزيله: فأهل الحق على أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، وأما أهل البدع- كالمعتزلة- فيقولون: إن القرآن مخلوق، وإنه غير منزل، وهذا كفر وضلال، والأشاعرة يقولون: إن القرآن هو المعنى دون اللفظ، وأما الألفاظ والحروف فهذه مخلوقة من تأليف جبريل، أو تأليف محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما الاختلاف في تأويله: فالتأويل قد يكون ليس عليه دليل، فيكون باطلًا، وقد يكون عليه دليل، فيكون حقًّا.
[2667]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو قُدَامَةَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا)).
[خ: 5060]
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ جُنْدَبٍ- يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا)).
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: قَالَ لَنَا جُنْدَبٌ- وَنَحْنُ غِلْمَانٌ بِالْكُوفَةِ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ))، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا.
في هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا كان في مناظرة وخشي من تغير القلوب، فالواجب عليه أن يقوم حتى لا تتغير القلوب.
وفيه: تحذير لهذه الأمة من الاختلاف في كتابها؛ لئلا تهلك كما هلك من قبلها من الأمم.
ومما يوضح ذلك: أنهم لما اختلفوا في القراءات على عهد أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه انزعج حذيفة رضي الله عنه، وهو يغازي أرمينية وأذربيجان، وجاء إلى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، وقال: ((أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلافَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي المَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ
فِي المَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ- فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ، أَوْ مُصْحَفٍ- أَنْ يُحْرَقَ))
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (4987).