الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِغْفَارِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ
.
[2702]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، جَمِيعًا عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ- وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ)).
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَغَرَّ- وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ؛ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)).
حَدَّثَنَاه عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ.
[2703]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ- يَعْنِي: سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ-.ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ- يَعْنِي: ابْنَ غِيَاثٍ- كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ. ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ)).
قوله: ((إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي))
قال القاضي عياض: «قيل: ذلك عبارة عن الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان دأبه؛ فيستغفر منه؛ إذ كان أبدًا فيمن يدمن ذلك، فرأى الغفلة عنه ذنبًا.
وقيل: ذلك الغين همه بسبب أمته، وما اطلع عليه من أحوالها بعده،
حتى يستغفر لهم.
وقيل: إن ذلك لما يشغله عن عظيم مقامه من النظر فى أمور أمته ومصالحهم، ومجابهة عدوه، ومداراتهم للاستئلاف، فيرى شغله لذلك- وإن كان من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال- نزولًا عن على درجته، ورفيع مقامه، من حضوره بهمه كله مع الله، ومشاهدته عنده، وفراغه عن غيره إليه، وخلوصه له عمن سواه، فيستغفر لذلك.
وقيل: قد يكون هذا الغين السكينة التى تغشى قلبه، لقوله تعالى:{فأنزل الله سكينته عليه} ، واستغفاره إظهار للعبودية والافتقار وملازمة الخضوع، شكرًا لما أولاه به»
(1)
.
والذي يجعل القلبَ يعتل أمورٌ: الغين، بالنون، وهو ستر رقيق خفيف، ثم الغيم بالميم وهو: ستر أشد، ثم الرَّان، قال تعالى:{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} ، ثم الطبع، قال تعالى:{طبع الله على قلوبهم} ، ثم الختم، قال تعالى:{ختم الله على قلوبهم} ، ثم المرض، ثم الانتكاس، ثم الموت- نعوذ بالله من ذلك كله.
وقد فسر بعضهم- كالنووي رحمه الله الغين بأنه نوع من العبادة، وجعله شيئًا من أعمال التسبيح
(2)
.
قلت: وهذا لا وجه له.
قوله: ((فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)): هذا مع أنه مغفور له عليه الصلاة والسلام، لكنه يفعل ذلك تعبّدًا لله وشكرًا له، وقدوة لأمته كما قال لعائشة:((أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا))
(3)
.
(1)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (8/ 197).
(2)
شرح مسلم، للنووي (17/ 23 - 24).
(3)
أخرجه البخاري (4837)، ومسلم (2820).
وفي هذه الأحاديث: مشروعية الاستغفار والتوبة، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر في المجلس مائة مرة- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- فكيف بنا؟ !
وإنما فعل هذا عليه الصلاة والسلام وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه- تعبدًا لله، وشكرًا له، ولتقتدي به الأمة عليه الصلاة والسلام.
وفيها: دليل على أن التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ))، وهذا كقول الله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} ، وجاء في تفسير الآية: أن المراد بها: طلوع الشمس من مغربها
(1)
، وجاء في الحديث:((لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا))
(2)
.
والتوبة لا بد لها من شروط خمسة:
أولًا: الإقلاع عن المعصية.
ثانيًا: الندم على ما مضى.
ثالثًا: العزم الصادق على عدم العودة إلي المعصية.
رابعًا: إذا كانت بينه وبين أحد مظلمة فلا بد مِن ردِّها.
خامسًا: كونها قبل نزول العذاب، قال الله تعالى:{فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يكن ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} ، ولما تاب فرعون بعد بلوغ الروح إلى الحلقوم قال الله تعالى: {آلآن وقد
(1)
تفسير ابن جرير (8/ 103).
(2)
أخرجه أحمد (16906)، وأبو داود (2479).
عصيت قبل وكنت من المفسدين}، إلا أمة واحدة استثناهم الله عز وجل فقبل توبتهم لما جاءهم العذاب، وهم قوم يونس، قال تعالى:{فلولا أن كانت قريت آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} .