الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا
.
[2438]
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ جَمِيعًا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي الرَّبِيعِ- حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ)).
[خ: 3895]
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
في هذا الحديث: فضل عائشة رضي الله عنها، فقد جاءه الملك بصورتها ((فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ))، أي: قطعة من حرير، فيكشف عنها فإذا هي، فيقول:((إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمْضِهِ))، وهذا ليس المراد منه الشك أن يكون من عند الله تعالى، وإنما المراد: التحقيق، ويحتمل أن المراد: الشك هل هي من نسائه في الدنيا، أو من نسائه في الجنة، ولكن هذا ليس بواضح.
[2439]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى)) قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: ((أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى))، قُلْتِ:((لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ)) قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ.
[خ: 5228]
وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى قَوْلِهِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ.
في هذا الحديث: أن هذا الذي قالته عائشة رضي الله عنها لعله يكون بسبب الغيرة؛ فلهذا يعفى عنها؛ لأن الغضب على النبي صلى الله عليه وسلم وهجره كبيرة عظيمة؛ ولهذا قالت: ((مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ))، وليس معنى ذلك أنها تبغضه، وإنما هذا الهجر للاسم فقط، بسبب الغيرة التي تصيبها من الضرائر.
[2440]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي، فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ.
[خ: 6130]
حَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ فِي بَيْتِهِ وَهُنَّ اللُّعَبُ.
قولها: ((فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ)): معناه: يتغيبن حياءً منه وهيبةً، وقد يدخلن في بيت ونحوه.
وقولها: ((يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ))، أي: يرسلهن إليَّ.
وفي هذا الحديث: أن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنها كانت صغيرة، فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع سنين، فكانت تأتيها البنات الصغيرات يلعبن معها بعد الزواج في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فكن يذهبن هيبةً من النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلهن إليها، وهذا من خلقه العظيم وسماحته، وحسن معاشرته.
وفيه: أن بعض العلماء احتج بهذا الحديث على جواز اللُّعَب البنات، وصور البنات، قالوا: وهذا مستثنى من الأحاديث التي فيها النهي عن الصور، والأحاديث التي فيها الأمر بطمسها، فمن ذلك: قول علي رضي الله عنه لأبي الهياج الأسدي: ((وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا))
(1)
، فكانت عائشة رضي الله عنها تلعب بهذه اللعب في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينكر عليها، فدل هذا على أنها مستثناة من الأحاديث التي فيها النهي عن الصور، وأنه يجوز اقتناء الصور إذا كانت لعبًا للأطفال وللبنات الصغار، قالوا: لِمَا في ذلك من تدريب البنات على العناية بالأولاد عندما يصرن أمهاتٍ، وفرَّعوا على هذا القول جواز بيعها وشرائها، قال ابن حجر:((واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن قال وذهب بعضهم إلى أنه منسوخ واليه مال بن بطال وحكى عن بن أبي زيد عن مالك أنه كره أن يشتري الرجل لابنته الصور))
(2)
.
ومن قال إن هذا الحديث منسوخ بالأحاديث التي فيها النهي عن الصور، قالوا: لا تجوز اللُّعب للأطفال؛ لأن هذا كان أولًا، ثم جاءت النصوص بالنهي عن اتخاذ الصور، فيشمل اللُّعب وغيرها فهي ممنوعة، ولكن قد يقال: إن اللُّعب التي كانت تلعب بها البنات عبارة عن أعواد وعظام تلبس خرقًا، وليست اللُّعب مثل الصور المتحركة الموجودة الآن التي هي صور كلاب وقطط، تمشي وتتحرك، وتذهب تجيء، وتصدر أصواتًا تشبه أصواتَ الحيوانات الحقيقية.
ومال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله إلى أن الجواز إنما هو في
(1)
أخرجه مسلم (969).
(2)
فتح الباري، لابن حجر (10/ 527).
اللُّعب التي تُجعل من الصوف والأعواد ونحوها، وقد كان هذا موجودًا إلى عهد قريب، وأما الدمى المتحركة التي تشبه الصور الحقيقية فهذه غير داخلة؛ لما فيها من الفتنة والشر، إلا إذا أُزيل الرأس، فإذا أُزيل الرأس كاملًا زال المحذور، قال شيخنا رحمه الله:((الأفضل أن يعطي الصبية الصغار ألعابا أخرى غير الصور، الصور فيها أحاديث عظيمة تدل على وجوب طمسها وإتلافها، فالأحوط للمؤمن والمؤمنة أن يتخذوا للصبية الصغار ألعابا أخرى))
(1)
، فما كان فيه مضاهاة من كلام وحركة ونحوها وتقع به الفتنة فلا يجوز.
[2441]
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
[خ: 2574]
في هذا الحديث: بعض مناقب عائشة رضي الله عنها، وهو أن الناس كانوا يعلمون حبَّ النبي صلى الله عليه وسلم لها، فصاروا يَتَحَرَّون يومَها؛ ليرسلوا إليه بالهدايا؛ ولذلك حصلت غيرة لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بسبب هذا الفعل، حتى طلبن من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: من كان عنده هدية فليُهدِها في أي يوم، ولا ينتظر يوم عائشة رضي الله عنها، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوافقهن على هذا، كما في الحديث الآتي.
(1)
فتاوى نور على الدرب، لابن باز (7/ 320).
[2442]
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ عَائِشَةَ- زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي- فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، وَأَنَا سَاكِتَةٌ قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَيْ بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ ))، فَقَالَتْ: بَلَى قَالَ: ((فَأَحِبِّي هَذِهِ)) قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالَتْ، وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَ لَهَا: مَا نُرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ، فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولِي لَهُ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ- زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ
فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ، كَانَتْ فِيهَا تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ، قَالَتْ: فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِهَا، فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ قَالَتْ: ثُمَّ وَقَعَتْ بِي، فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ، هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا؟ قَالَتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ، قَالَتْ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا
لَمْ أَنْشَبْهَا حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَبَسَّمَ:((إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ)).
وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ: حَدَّثَنِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ فِي الْمَعْنَى، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتُهَا غَلَبَةً.
قولها: ((وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ))، يعني: هي التي تساويها في المنزلة والحظوة عند النبي صلى الله عليه وسلم.
وقولها: ((مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ)): السَّوْرة: الثوران وعجلة الغضب، والحِدَّة: شدة الخُلُق وثورانه.
وقولها: ((تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ))، يعني: سرعان ما ترجع، فما تستمر على ما فيها من الغضب، بل تعود إلى حالها السابقة.
وقولها: ((ثُمَّ وَقَعَتْ بِي))، أي: نالت مني بالوقيعة فِيَّ.
وقولها: ((لَمْ أَنْشَبْهَا))، أي: لم أمهلها.
وقولها: ((حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا))، أي: قصدتها واعتمدتها بالمعارضة، وفي الرواية الثانية:((لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتُهَا غَلَبَةً))، أي: قمعتها وقهرتها.
وفي هذا الحديث: أنه اجتمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسلن فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وقلن لها: قولي للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ))، والعدل الذي كُنَّ يردنه هو: المساواة في المحبة.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يساوي بينهن في القسم والنفقة والكسوة والسكنى، كل واحدة لها ليلة، لكنهن أردنَ العدل في المحبة، والمحبة لا يستطيع الإنسان العدل فيها، ولا يلام عليها.
واعلم أن الواجبَ العدلُ في أربعةِ أشياءَ: النفقة، والكسوة، والسكنى، والقسم، وقال بعض العلماء: إنه يجب أن يقسم حتى للحائض والنفساء،
فلها ليلة يبيت عندها، ولا يلزم بذلك الجماع.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعدل بين نسائه، وكان يقول:((اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا أَمْلِكُ))
(1)
، على أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، هل يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعدل بينهن، أو لا يجب؟ على قولين:
القول الأول: إنه لا يجب عليه العدل، ولكنه يعدل من باب الاستحباب، وإنما العدل يجب على الأمة.
القول الثاني: إنه يجب عليه العدل؛ ولهذا ففي مرض موته صلى الله عليه وسلم استأذن أزواجه رضي الله عنهن أن يُمَرَّض في بيت عائشة رضي الله عنها، فأذِنَّ له في ذلك.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فاطمة رضي الله عنها بحبه لعائشة رضي الله عنها، وقال لها:((أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ ))، فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ:((فَأَحِبِّي هَذِهِ))، فخرجت، وأخبرت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلم يرضين بذلك وقلن لها: ارجعي مرة أخرى، فما أغنيتِ عنا شيئًا، فأبت عليهن ذلك وقالت: لا والله لا أرجع، فأرسلن زينب رضي الله عنها؛ لمكانتها عند النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت زينب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حالته الأولى التي دخلت عليها فاطمة رضي الله عنها وهو مضطجع مع عائشة في مرطها، فقالت له:((يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ))، وهذا من الغيرة؛ فإنها لم تقل: عائشة، بل: ابنة أبي قحافة، ولم يقلن: ابنة أبي بكر، قلن: في ابنة أبي قحافة، فتكلمت زينب رضي الله عنها في عائشة رضي الله عنها بسبب الغيرة وسبتها، ونالت منها، فأرادت عائشة رضي الله عنها أن تقتص لنفسها وترد عليها، وهي ترقب النبي صلى الله عليه وسلم وتنظر إليه هل يأذن لها في ذلك أو لا يأذن؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يرقب ولم يتكلم بشيء، لكنها علمت مما ظهر على وجهه صلى الله عليه وسلم أنه لا يكره أن تنتصر، فردت عليها، فقالت:((فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا))، وفي رواية أخرى:((أَثْخَنْتُهَا غَلَبَةً))، يعني: غلبتها بالكلام، ورددت عليها، وهذا من باب الأخذ بالحق، أي: اقتصت
(1)
أخرجه أحمد (25111)، وأبو داود (2134).
منها، وفي لفظ آخر في غير الصحيح:((فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا قَدْ يَبِسَ رِيقُهَا فِي فَمِهَا))
(1)
، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:((إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ)).
قال النووي رحمه الله: ((اعلم أنه ليس فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة ولا أشار بعينه ولا غيرها، بل لا يحل اعتقاد ذلك؛ فإنه صلى الله عليه وسلم تحرم عليه خائنة الأعين، وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها فلم ينهها، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ)) فمعناه: الإشارة إلى كمال فهمها وحسن نظرها، والله أعلم))
(2)
.
وهذا الذي حصل بينهن من باب الغيرة المتجاوز عنها؛ لأنهن جُبِلن على هذا، ولا يستطعن دفعه؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسامحهن ولا يعاتبهن فيه، ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مرة عند عائشة رضي الله عنها، فجاءت هديةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أزواجه، طعامٌ جاء به الخادم، فلما جاء إلى النبي صلى الله علية وسلم أصابت الغيرة عائشة، فضربت يد الخادم، فسقطت الصحفة، وتكسرت، وسقط الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ))
(3)
.
ولم يسبها صلى الله عليه وسلم أو ينتهرها كما يفعل بعض الناس، بل أبدله بإناء أخذه من بيت عائشة رضي الله عنها، وفي هذا دليلٌ على عظيم خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو كما وصفه الله عز وجل بقوله:{وإنك لعلى خلق عظيم} .
وقولها: ((وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى)): هذا من إنصاف عائشة رضي الله عنها وعدلها في القول، فبرغمِ الغيرة التي كانت بينها وبين زينب رضي الله عنها، وما حصل بينهما من كلام،
(1)
أخرجه أحمد (24620).
(2)
شرح مسلم، للنووي (15/ 207).
(3)
أخرجه البخاري (5225).
وتلاسن أمام النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ذلك لم يحملها على أن تخفي فضائلها، بل أثنت عليها وأشادت بذكرها، وهذه فضيلة أخرى من فضائل عائشة رضي الله عنها.
[2443]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ: ((أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ ))، اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي.
[خ: 1389]
في هذا الحديث: بيان فضيلة أخرى من فضائل عائشة رضي الله عنها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستبطئ يومها ويتحراه؛ لأن نساءه صلى الله عليه وسلم كُنَّ تسعًا، فكان يقول:((أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ ))؛ استبطاءً ليوم عائشة رضي الله عنها وتحرِّيًا له.
وقولها: ((فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي))، السَّحْر: هي الرئة وما تعلق بها، والمراد: الصدر، والنحر معروف، وهو العنق، يعني: لما قبضه الله كان متكئًا بين صدرها ونحرها، وفي اللفظ الآخر قالت:((فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ))
(1)
، وذلك أنه دخل عبد الرحمن رضي الله عنه أخوها ومعه سواك، وكان يحب صلى الله عليه وسلم السواك، فجعل ينظر إليه، قالت:((فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ، فَقَضِمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي))
(2)
، وكان صلى الله عليه وسلم يحب المكان الذي يقع عليه فمُ عائشة رضي الله عنها، فكان يتحرَّى الإناءَ الذي تشرب منه عائشة، فيشرب من الموضع الذي شربت منه
(3)
، فهي رضي الله عنها حين تسوَّكت بالسواك،
(1)
أخرجه البخاري (4451).
(2)
أخرجه البخاري (4450).
(3)
أخرجه مسلم (300).
ومضغته، فكان فيه شيء من ريقها، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم واستاك به، ثم توفي بعد ذلك.
[2444]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَى صَدْرِهَا، وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ:((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ)).
[خ: 4440]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَنْ يَمُوتَ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَتْ: فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ:(({مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا})) قَالَتْ: فَظَنَنْتُهُ خُيِّرَ حِينَئِذٍ.
[خ: 4435]
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح، وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ- فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ- أَنَّ عَائِشَةَ- زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يُرَى مَقْعَدُهُ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ
بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ:((اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى))، قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِذًا لَا يَخْتَارُنَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِ: ((إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ))، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: ((اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى)).
[خ: 4437]
قولها: ((فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ))، يعني: رفع بصره إلى السماء، ولم يحرك جفنه.
وقوله: ((اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى)): الرفيق الأعلى: النبيون الذين يسكنون الفردوس من الجنة.
وفي هذه الأحاديث: أن عائشة رضي الله عنها لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ)) قالت: إنه خُيِّرَ واختار، أي: اختار الموت عليه الصلاة والسلام، وفي لفظ أنها قالت:((إِذًا لا يَخْتَارُنَا)).
[2445]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، فَخَرَجَتَا مَعَهُ جَمِيعًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ مَعَهَا، فَقَالَتْ: حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: أَلَا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ، فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ قَالَتْ: بَلَى، فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ، وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ سَارَ مَعَهَا حَتَّى نَزَلُوا، فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ فَغَارَتْ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ، وَتَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، رَسُولُكَ وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا!
[خ: 5211]
في هذا الحديث: أن القرعة مشروعة في الأشياء المشتركة إذا أراد قسمتها، وكذلك إذا أراد رجل سفرًا وله عدد من الزوجات فإنه يقرع بينهن، فمن استقرت عليها القرعة سافر بها.
وفيه: أنه في هذه المرة أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه، فخرجت القرعة على عائشة وحفصة جميعًا رضي الله عنهما، فخرج بهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سار في الليل يسير مع عائشة رضي الله عنها، ويتحدث معها، فاحتج بعضهم بهذا الصنيع على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجب عليه القسم، ولذلك كان يتحدث مع عائشة رضي الله عنها، ولا يتحدث مع حفصة رضي الله عنها.
وأجيب: بأنه لا يلزم من هذا عدم وجوب القسم؛ لأن المسافر إنما يجب عليه القسم إذا نزل وأقام في مكانٍ ما، وأما إذا كان سائرًا فلا يجب عليه ذلك، فيجوز له الحديث مع أيِّ نسائه شاء، وكذلك الإنسان يجوز له أن يأتي
بيتَ غير صاحبة القسم ليضع فيه شيئًا، أو يأخذ منه شيئًا، أو يتعاهد أطفاله إذا كان عنده أطفال، أو ما شابه ذلك، فهذا ونحوه لا يمنع منه القسم.
وفيه: أن حفصة احتالت على عائشة رضي الله عنهما، وقالت لها: لو نتبادل، تعطيني جملك وأعطيك جملي، قالت: نعم، فركبت عائشة جمل حفصة، وركبت حفصة جمل عائشة رضي الله عنهما، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على عادته إلى جمل عائشة لمحادثتها رضي الله عنها يظن أنها هي، فوجد عليه حفصة، فجعل يكلمها وسار معها على عادته، فأصابت الغيرة عائشة رضي الله عنها، ومن شدة الغيرة أنهم لما نزلوا جعلت تجعل يدها في الإذخر، أي: في الحشيش وبين الشجر، وتدعو على نفسها وتقول:((يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي، رَسُولُكَ وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا! ))، يعني: هذا نبيك ولا أستطيع أن أقول شيئًا، ومعلوم أن الإنسان لا يجوز له أن يدعو على نفسه، كما جاء في الحديث:((لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ))
(1)
، لكن هذا معفو عنه بسبب الغيرة التي أصابتها.
(1)
أخرجه مسلم (920).
[2446]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ- يَعْنِي: ابْنَ بِلَالٍ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)).
[خ: 3769]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ- يَعْنُونَ: ابْنَ جَعْفَرٍ-.ح، وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدٍ- كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ.
[2447]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَيَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:((إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ)) قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
[خ: 3217]
وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُلَائِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا.
وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ- زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ)) قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَهُوَ يَرَى مَا لَا أَرَى.
في هذه الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عائشة رضي الله عنها: ((هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ
عَلَيْكِ السَّلَامَ))، وفي خديجة رضي الله عنها قال:((فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي))
(1)
.
وقوله: ((يَا عَائِشُ)): هذا يسميه النحويون: الترخيم، وهو: حذفُ أواخر الأسماء المفردة تخفيفًا، ولا يكون إلا في النداء
(2)
، كما يقال لفاطمة يا: فاطم، ومنه: قول امرئ القيس في معلقته:
أفاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ
…
وإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (3820)، ومسلم (2432).
(2)
الكتاب، لسيبويه (2/ 239).
(3)
ديوان امرئ القيس (ص 32).