الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْقَدَرِ
بَابُ كَيْفِيَّةِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَكِتَابَةِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقَاوَتِهِ وَسَعَادَتِهِ
[2643]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ. ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا أَبِي، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ قَالُوا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ-: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا)).
[خ: 3208]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ. ح، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح، وَحَدَّثَنَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وقَالَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ: أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَمَّا فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَعِيسَى: أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
[2644]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ نُمَيْرٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ- يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ- أَوْ: خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ- لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَثَرُهُ، وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَلَا يُزَادُ فِيهَا، وَلَا يُنْقَصُ)).
[2645]
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، فَأَتَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ الْغِفَارِيُّ- فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: وَكَيْفَ يَشْقَى رَجُلٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَتَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا، فَصَوَّرَهَا، وَخَلَقَ سَمْعَهَا، وَبَصَرَهَا، وَجِلْدَهَا، وَلَحْمَهَا، وَعِظَامَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ، أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَجَلُهُ؟ فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، رِزْقُهُ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ، وَلَا يَنْقُصُ)).
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ حَدَّثَهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ- يَقُولُ: ((إِنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَتَصَوَّرُ عَلَيْهَا الْمَلَكُ- قَالَ زُهَيْرٌ: حَسِبْتُهُ قَالَ: الَّذِي يَخْلُقُهَا- فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى؟ فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَسَوِيٌّ، أَوْ غَيْرُ سَوِيٍّ؟ فَيَجْعَلُهُ اللَّهُ سَوِيًّا، أَوْ غَيْرَ سَوِيٍّ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا رِزْقُهُ؟ مَا أَجَلُهُ؟ مَا خُلُقُهُ؟ ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ اللَّهُ شَقِيًّا، أَوْ سَعِيدًا)).
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ ابْنُ كُلْثُومٍ، حَدَّثَنِي أَبِي كُلْثُومٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ- صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا بِإِذْنِ اللَّهِ لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً))، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ.
[2646]
حَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- وَرَفَعَ الْحَدِيثَ- أَنَّهُ قَالَ:((إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، نُطْفَةٌ؟ أَيْ رَبِّ، عَلَقَةٌ؟ أَيْ رَبِّ، مُضْغَةٌ؟ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقًا قَالَ: قَالَ الْمَلَكُ: أَيْ رَبِّ، ذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الْأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ)).
[خ: 318]
هذه الأحاديث فيها: إثبات القدر، وأن الإيمان به أصل من أصول الإيمان، وهو أحد أركان الإيمان الستة.
والقدر له مراتب أربع، من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر:
المرتبة الأولى: العلم، أي: الإيمان بأن الله تعالى علم الأشياء قبل كونها.
المرتبة الثانية: الكتابة، أي: أن الله كتب مقادير الخلق في اللوح المحفوظ.
المرتبة الثالثة: المشيئة، أي: أن الله أراد كل شيء في هذا الوجود وشاءه.
المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد، أي: أن الله خلق العباد، وأرزاقهم، وآجالهم، وأعمالهم، وصفاتهم، وسعادتهم، وشقاوتهم.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه بيان خلق الإنسان، وأنه يخلقه الله أطوارًا؛ لذلك قال:((يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً))، ثم تنتقل هذه النطفة إلى طور آخر، فتكون ((عَلَقَةً))، أي: قطعة دم أربعين يومًا، ثم تنتقل إلى الطور الثالث، فتكون ((مُضْغَةً))، أي: قطعة لحم، وسُمِّيَت بمضغة؛ لأنها بقدر ما يُمضغ في الفم، فهذه ثلاثة أطوار، كل طور أربعين يومًا، فالمجموع: مائة وعشرين يومًا.
ثم بعد مائة وعشرين يومًا: ((يُرْسَلُ الْمَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ)) والرزق قد يكون حلالًا، وقد يكون حرامًا، خلافًا للمعتزلة الذين يقولون: إن الحرام ليس من زرق الله
(1)
.
وفيها: أن الإنسان لا بد أن يصير إلى ما كتبه الله وقضاه؛ لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا)).
والتقدير أنواع:
الأول: التقدير العام، وهو كتابة الله مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ.
الثاني: التقدير العمري للإنسان، وهو مأخوذ من التقدير العام الذي كُتب في اللوح المحفوظ، وهو موافق له.
(1)
شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبد الجبار (ص 784)، لوامع الأنوار البهية، للسفاريني (1/ 344).
الثالث: التقدير السنوي، وهو ما يُقدَّر في ليلة القدر، حيث يكتب الله عز وجل ما يكون في تلك السنة من سعادة، وشقاوة، وصحة، ومرض، وإعزاز، وإذلال، وإغناء، وفقر، وسميت بليلة القدر؛ لأن الله عز وجل يُقدِّر ما يكون في تلك الليلة للإنسان.
وقيل: لأنها ليلة عظيمة القدر والشأن، ولا مانع من إرادة الأمرين، فهي ليلة عظيمة القدر والشأن، ويقدر الله عز وجل فيها ما يكون في تلك السنة.
الرابع: التقدير اليومي، وهو المذكور في قوله تعالى:{كل يوم هو في شأن} ، يُمرِض، ويُفقِر، ويُغني، ويُعز، ويُذل، ويُسعد، ويُشقي سبحانه وتعالى.
وأما ما جاء في حديث محاجة آدم وموسى عليهما السلام ((أتلومني على شيء كتبه الله علي أن يخلقني بأربعين سنة)) فهو تقدير خاص مأخوذ من التقدير العام.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن كَتْبَ الرزق ومجيء الملك بعد أربعة أشهر، وفي حديث حذيفة الغفاري رضي الله عنه أنه يأتي الملك بعد أربعين يومًا، وفي بعضها: بعد اثنين وأربعين يومًا، وفي بعضها: بعد خمسة وأربعين يومًا، فكيف يكون الجمع بينها؟
والجواب: يحتمل- والله أعلم-: أن بعض النطف يأتيها الملك بعد أربعين يومًا، وبعضها بعد اثنين وأربعين، وبعضها بعد خمسة وأربعين، وبعضها بعد أشهر.
ويحتمل: أن هناك تصويرًا وتخليقًا أوَّليًّا، يأتي بعده تصوير آخر بعد الأربعة أشهر؛ لأن حديث ابن مسعود رضي الله عنه متفق عليه، وهو الموافق للقرآن الكريم، قال الله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن
الخالقين}.
والقدر سر الله في خلقه، قال الطحاوي رحمه الله: ((أصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يَطَّلع على ذلك مَلَك مقرَّب ولا نبي مرسَل.
والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذرَ كلَّ الحذرِ من ذلك نظرًا وفكرًا ووسوسةً؛ فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه:{لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} فمن سأل: لم فعل؟ فقد رَدَّ حكم الكتاب، ومَن رَدَّ حكم الكتاب كان من الكافرين))
(1)
.
(1)
العقيدة الطحاوية، للطحاوي (ص 17).
[2647]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ- قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ:((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً، أَوْ سَعِيدَةً)) قَالَ: فَقَالَ رَجَلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ ! فَقَالَ: ((مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَقَالَ: اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ؛ أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} .
[خ: 1362]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ مَنْصُورٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي مَعْنَاهُ، وَقَالَ: فَأَخَذَ عُودًا، وَلَمْ يَقُلْ: مِخْصَرَةً، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالُوا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ:((مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلِمَ نَعْمَلُ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ ! قَالَ: ((لَا؛ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} إِلَى قَوْلِهِ: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشِ: أَنَّهُمَا سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.
قوله: ((فَقَالَ رَجَلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ ! )) هذا إشكال قديم وقع في الصدر الأول، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حسم هذا الإشكال، وأمر بالعمل، فقال:((اعْمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ))، أي: ميسر لما خُلق له، ((أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ، فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى})).
والإنسان لا يدري ماذا كُتب له، لكنه مأمور بالعمل بطاعة الله عز وجل، والقدر من شؤون الله، وليس من شؤون الإنسان.
وفي هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن ينتهز الفرصة، ويُحدِّث الناس عند القبر؛ لأن الموعظة لها تأثير والحالة هذه؛ ولأن القلوب خاشعة.
وبوَّب البخاري رحمه الله في صحيحه: ((باب موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله))
(1)
.
(1)
صحيح البخاري (2/ 96).
[2648]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ. ح، وَحَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْآنَ، فِيمَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ؟ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؟ قَالَ:((لَا، بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ))، قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ زُهَيْرٌ: ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَسَأَلْتُ مَا قَالَ؟ فَقَالَ:((اعْمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ)).
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْمَعْنَى، وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ)).
قوله: ((جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ))، أي: مضت به المقادير، وكُتب في اللوح المحفوظ، وامتنعت فيه الزيادة والنقصان.
[2649]
حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ الضُّبَعِيِّ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: فَقَالَ: ((نَعَمْ)) قَالَ: قِيلَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: ((كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ)).
[خ: 6596]
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. ح، وَحَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ يَحيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمَعْنَى حَدِيثِ حَمَّادٍ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ.
[2650]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ يَحيَى بْنِ عُقَيْلٍ عَنْ يَحيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ: أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرِ مَا سَبَقَ؟ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَقَالَ: أَفَلَا يَكُونُ ظُلْمًا؟ ! قَالَ: فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: كُلُّ شَيْءٍ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ، فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَقَالَ لِي: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ إِلَّا لِأَحْزِرَ عَقْلَكَ، إِنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ؟ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ:((لَا، بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، وَمَضَى فِيهِمْ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا})).
قول أبي الأسود: ((كُلُّ شَيْءٍ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ، فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)): جواب سديد.
قول عمران رضي الله عنه: ((إِلَّا لِأَحْزِرَ عَقْلَكَ))، أي: لِأُقَدِّرَ عقلَك، وأعرف كم عندك من عقل، وفهم راجح.
[2651]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدٍ- عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ)).
[112]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ- عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ- فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ- وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ- فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ- وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)).
هذا الحديث اختلف العلماء في الجمع بينه وبين حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي فيه: ((فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا)) على قولين:
القول الأول: من العلماء من حمل حديث ابن مسعود رضي الله عنه على هذا الحديث، وقال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة- فيما يبدو للناس- حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار
فيدخلها، وكذلك من يعمل بعمل أهل النار، فيكون حديث سهلِ بنِ سعدٍ السَّاعديِّ رضي الله عنه مقيِّدًا لحديث ابن مسعود رضي الله عنه.
القول الثاني: أنهما حديثان مستقِلَّان، ولا يلزم أن يكون حديث ابن مسعود رضي الله عنه هو حديث سهل رضي الله عنه، أي: قد يكون في بعض الناس من يعمل بعمل أهل الجنة- فيما يبدو للناس- ثم يظهر نفاقه، وقسم آخر يكون حسن السريرة، ولكنه يتغير حاله في آخر حياته، ولم يكن منافقًا، ولكنه بعد ذلك انتكس- نسأل الله العافية والسلامة.
وكذلك من يعمل بعمل أهل النار، ثم يوفق لخاتمة حسنة، كما وُفِّق سحرة فرعون، حتى قيل: إنهم في أول النهار كانوا يحلفون بعزة فرعون {إنا لنحن الغالبون} ، فهم كفرة فجرة، وفي آخر النهار آمنوا بالله، ثم قُتلوا، فصاروا شهداء بررة
(1)
، وكذلك الرجل الذي أسلم، ثم قاتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقُتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((عَمِلَ قَلِيلًا، وأُجِرَ كَثِيرًا))
(2)
.
(1)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (10/ 364).
(2)
أخرجه البخاري (2808).