الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ وَغَيْرَهَا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ عَمَّا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ
[2663]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ- زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ)) قَالَ: وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْقِرَدَةُ- قَالَ مِسْعَرٌ: وَأُرَاهُ قَالَ-: وَالْخَنَازِيرُ مِنْ مَسْخٍ، فَقَالَ:((إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا، وَلَا عَقِبًا، وَقَدْ كَانَتِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ)).
حَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ بِشْرٍ عَنْ مِسْعَرٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ بِشْرٍ، وَوَكِيعٍ جَمِيعًا: مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَحَجَّاجُ ابْنُ الشَّاعِرِ- وَاللَّفْظُ لِحَجَّاجٍ- قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَا يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ، وَلَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، لَكَانَ خَيْرًا لَكِ)) قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مُسِخَ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا- أَوْ: يُعَذِّبْ قَوْمًا- فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ)).
حَدَّثَنِيهِ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَآثَارٍ مَبْلُوغَةٍ، قَالَ ابْنُ مَعْبَدٍ: وَرَوَى بَعْضُهُمْ: قَبْلَ حِلِّهِ، أَيْ: نُزُولِهِ.
قوله: ((إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا، وَقَدْ كَانَتِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ))، يعني: أن الممسوخ لا يُنسِل ولا يتكاثر بل، يفنى بفناء الممسوخين أنفسهم، وقد كانت الخنازير موجودة قبل المسخ في بني إسرائيل.
وفي هذا الحديث: دليل على أن الدعاء يتفاضل، وأن الدعاء بالاستعاذة من عذاب القبر، وعذاب النار، ومضلات الفتن، وسؤال الله العفو والعافية أفضل من الدعاء بطول عمر الأبوين، أو الإخوة، أو الأبناء، وأفضل من طلب الدنيا، ولكن لم يَنْهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّ حبيبةَ رضي الله عنها عن قول:((اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ))، وإنما بيَّن لها أن الأفضل من هذا: أن تسأل الله أن يعيذها من عذاب القبر، وعذاب النار.
وفيها: إثبات أن قدر الإنسان قد قدَّره الله لأيام مضروبة، وآجال معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يُؤخَّر شيء منها بعد حِلِّه، ولن يُعجَّل شيء قبل حله؛ فالأرزاق والآجال محدَّدة، لا تزيد ولا تنقص، قال الله تعالى:{ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها} ؛ ولهذا كان الإمام أحمد يكره أن يدعى له بطول العمر، ويقول: إن هذا أمر فُرغ منه
(1)
، لكن ظاهر حديث أم حبيبة أنه جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ في النَّارِ أَوْ عَذَابٍ في القَبْرِ كَانَ خَيرًا))، ولم يقل: إنه ممنوع، فدل
(1)
شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز (ص 66).
على جوازه، لكن ينبغي أن يُقَيَّد بالطاعة، فإذا قلتَ: أطال الله عمرك على طاعته؛ فهذا حسن، فقد جاء في سنن الترمذي من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: ((مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ))، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: ((مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ))
(1)
.
والقضاء والقدر إذا اجتمعا يكون بينهما فرق، وإذا أُطلق أحدهما بمفرده دخل فيه الآخر.
والقضاء يستعمل في اللغة على وجوه: فالقضاء بمعنى: الأمر، كقوله تعالى:{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} معناه: أمر.
والقضاء بمعنى: الخلق، كقوله:{فقضاهن سبع سماوات في يومين} ، يعني: خلقهن.
والقضاء بمعنى: الحكم، كقوله تعالى:{فاقض ما أنت قاض} ، يعني: احكم ما أنت تحكم.
والقضاء بمعنى: الفراغ، كقوله:{قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} ، أي: فرغ منه، ومنه: قوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم} ، وقوله تعالى:{فإذا قضيت الصلاة} .
والقضاء بمعنى: الإرادة، كقوله تعالى:{إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} .
والقضاء بمعنى: العهد، كقوله تعالى:{وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر}
(2)
.
(1)
أخرجه الترمذي (2330).
(2)
تفسير القرطبي (10/ 237).