الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَقْنِيطِ الْإِنْسَانِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
[2621]
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ:((أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ؟ ! فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ))، أَوْ كَمَا قَالَ.
في هذا الحديث: وعيد شديد لمن يتألى ويحلف على الله، والألية: الحلف، ومنها قول الشاعر:
قَلِيلُ الأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ
…
فَإِنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الأَلِيَّةُ بَرَّتِ
(1)
وقال تعالى: {والذين يؤلون من نسائهم} يعني: يحلفون.
وجاء في الحديث الآخر من حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ، وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ، فَيَقُولُ: أَقْصِرْ، فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ: أَقْصِرْ، فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟ ! فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا، أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرِ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّار: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ)).
(2)
وهذا وعيد شديد يدل على أن الحلف على الله من كبائر الذنوب، وأنه يؤدي إلى حبوط العمل، ويحتمل أن يكون التألي على الله والتحجير على
(1)
ديوان كثير عزة (ص 325)
(2)
أخرجه أحمد (8292)، وأبو داود (4901).
رحمته كفرًا؛ لأنه يحبط العمل؛ لأن الرب سبحانه وتعالى قال: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} ، وهذا ظاهره، فيحتمل أنه كفر يبطل العمل، أو أنه كبيرة دون ذلك.
والحلف على الله تعالى فيه جرأة عظيمة عليه، وتحجير على رحمته، ومنع له من المغفرة للعاصي.
والنووي رحمه الله تأول ذلك، وقال:((ويتأول حبوط عمل هذا على أنه أُسقطت حسناته في مقابلة سيئاته، وسمي إحباطا مجازا، ويحتمل أنه جرى منه أمر آخر أوجب الكفر، ويحتمل أن هذا كان في شرع من قبلنا وكان هذا حكمهم))
(1)
.
وقول الرب سبحانه وتعالى عن العاصي: ((فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ)): دليل على أن المعاصي التي دون الشرك- ولو لم يتب منها الإنسان- هي تحت المشيئة، قد يغفرها الله تعالى، وقد لا يغفرها، كما قال تعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ، وفيه: رد على المعتزلة والخوارج الذين يقولون: إن الكبيرة يكفر بها الإنسان ويخلد في النار، وهذا المتألي على الله إنما فعل ذلك من باب الغيرة على محارم الله، وهذه غيرة غير منضبطة بميزان الشرع؛ ولذا فقد حملت صاحبها على الوقوع في هذه الجريمة العظيمة.
(1)
شرح مسلم، للنووي (16/ 174).