الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أن النبوة مما لا يورث بالنسب، وهو ظاهر، ولو أصلح ذلك بان المراد بالوراثة مجرد إتيان نبي بعد نبي أو ظهور نبي من ذرية نبي بنوع من العناية مجازًا ظهر الإشكال من جهة أخرى؛ وهي عدم ملاءمة ذلك قوله بعد:{وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} ؛ إذ لا معنى لقول القائل: هب لي من لدنك ولدًا نبيًّا واجعله رضيًّا، ولو حُمل على التأكيد كان من تأكيد الشيء بما هو دونه، وكذا احتمال أن يكون المراد بالرضي المرضي عند الناس؛ لمنافاته إطلاق المرضي كما تقدم، مع عدم مناسبته لداعيه كما مر"1.
وقد استطرد بعد ذلك في ردود أخرى على أقوال أخرى بما يطول نقله أو الإشارة إليه؛ فيكفي منها ما نقلناه.
وإن أردت الحق في هذه المسألة فانظر بيانه فيما نقلناه من تفسير الشيخ الشنقيطي في أول هذا البحث.
1 المرجع السابق: ج14 ص11.
قطع يد السارق:
وهذا أيضًا من مسائل الخلاف في الأحكام الفقهية بين أهل السنة والجماعة وبين الشيعة، فقد اتفقت المذاهب الأربعة الإسلامية على أن اليد تُقطع من مفصل الكف، أما الشيعة فلهم رأي آخر.
قال محمد جواد مغنيه في تفسير قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 1 الآية: "أما كيفية القطع فقد اتفقت المذاهب الأربعة على أن الكف اليمنى تقطع من المفصل، وقال الإمامية: تقطع أصابعه الأربعة من الكف اليمنى وتترك الراحة والإبهام"2.
أما الطباطبائي فقد اختصر الحديث هنا على غير عادته فيما نقلناه عنه من أحكام؛ بل قد جاءت عبارته مجملة محتملة؛ حيث قال: "واليد ما دون المنكب
1 سورة المائدة: من الآية 38.
2 التفسير الكاشف: محمد جواد مغنيه ج3 ص55.
والمراد بها في الآية اليمين بتفسير السنة، ويصدق قطع اليد بفصل بعض أجزائها أو جميعها عن البدن بآلة قطاعة"1.
وكلامه هذا مجمل، تدخل تحته كل الأقوال التي قبلت من أن القطع من الكتف أو من المرفق أو من الكف أو أربعة أصابع؛ بل يدخل فيه ما لم يقل به أحد؛ وهو قطع بعض الأصبع.
وأعيدك مرة أخرى إلى تفسير أهل السنة والجماعة معدن الحق ومنهله؛ لتعرف هناك صحيح القول من سقيمه، أعاذنا الله وإياكم من سقمه.
تلكم أمثلة قليلة من آراء الفقه الشيعي المسمَّى بالفقه الجعفري، اقتصرت فيما أوردت من الخلاف بين فقههم وفق أهل السنة على ما ورد في القرآن الكريم -بل بعض ما ورد- أما باقي الخلاف وأكثره ففي آيات أخرى وفي مواضع لم يرد دليلها من الكتاب، وهي اختلافات كثيرة جعلت الفقه الجعفري فقهًا غير معترف به عند العلماء المعتبرَين.
وأذكر في هذه المناسبة واقعة جرت في رابطة العالم الإسلامي، حينما قدم مندوب إيران طلبًا باعتراف الرابطة بالمذهب الجعفري، ومعه وثيقة من بعض الجهات العلمية ذات الوزن الكبير "!! " تؤيده على دعواه وتجيبه إلى طلبه؛ فإن قبلوا طلبه دخلوا مأزقًا، وإن رفضوه واجهوا حرجًا؛ فاقترحوا أن يتولى الأمر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- وكان حينذاك عضوًا في المجلس التأسيسي للرابطة؛ فعقدت جلسة خاصة لذلك، فقال رحمه الله في هذا المجلس: لقد اجتمعنا للعمل على جمع شمل المسلمين والتأليف بينهم وترابطهم أمام خطر عدوهم، ونحن الآن مجتمعون مع الشيعة في أصول هي: الإسلام دين الجميع، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم رسول الجميع، والقرآن كتاب الله، والكعبة قبلة الجميع، والصلوات الخمس وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام، ومجتمعون على تحريم المحرمات؛ من قتل وشرب
1 الميزان في تفسير القرآن: محمد حسين الطباطبائي ج5 ص329.
وزنا وسرقة ونحو ذلك، وهذا القدر كافٍ للاجتماع والترابط، وهناك أمور نعلم جميعًا أننا نختلف فيها، وليس هذا مثار بحثها، فإن رغب العضو الإيراني بحثها واتباع الحق فيها فليختر من علمائهم جماعة ونختار لهم جماعة ويبحثون ما اختلفنا فيه، ويعلن الحق ويلتزم به أو يسحب طلبه الآن، فأقر الجميع قوله -رحمه الله تعالى- وسحب العضو طلبه1.
وما أجمل أن نختم حديثنا عنهم وعن فقههم بهذه الحادثة!!
1 انظر: ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الملحقة في آخر الجزء التاسع من تفسيره أضواء البيان، ص 50، 51.