الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوال المؤيدين:
وليس من السهل ولا من المقبول أن نبسط القول لكل قائل به؛ بل نقتصر من كلامه ونعتصر ما فيه الدلالة؛ فمن هؤلاء:
الجواهري:
وإنما نبدأ به لكونه قد أصبح عَلَمًا في هذا اللون من التفسير، لا يكاد يذكر هذا إلا ويذكر ذاك، وإن كنا سنعرض له بدراسة خاصة ولتفسيره، فإنا نذكر هنا بعض عباراته لتأييد هذا اللون من التفسير، فمن ذلك قوله مثلًا: "يا أمة الإسلام، آيات معدودات في الفرائض اجتذبت فرعًا من علم الرياضيات، فما بالكم -أيها الناس- بسبعمائة آية، فيها عجائب الدنيا كلها، الله أكبر، جل العلم وجلت الحكمة، هذا زمان العلوم، هذا زمان ظهور نور الإسلام، هذا زمان رقيه، يا ليت شعري لماذا لا نعمل في آيات العلوم الكونية ما فعله آباؤنا في آيات الميراث؛ ولكني أقول: والحمد لله إنك تقرأ في هذا التفسير خلاصات من العلوم ودراستها أفضل من دراسة علم الفرائض؛ لأنه فرض كفاية. فأما هذه فإنها للازدياد في معرفة الله، وهي فرض عين على كل قادر.
إن هذه العلوم التي أدخلناها في تفسير القرآن هي التي أغفلها الجهلاء المغرورون من صغار الفقهاء في الإسلام، فهذا زمان الانقلاب وظهور الحقائق، والله يهدي مَن يشاء إلى سواء الصراط"1.
ويقول أيضًا: "لماذا ألَّف علماء الإسلام عشرات الألوف من الكتب الإسلامية في علم الفقه، وعلم الفقه ليس له في القرآن إلا آيات قلائل، لا تصل مائة وخمسين آية، فلماذا كثر التأليف في علم الفقه وقل جدًّا في علوم الكائنات التي لا تخلو منها سورة؛ بل هي تبلغ 750 آية صريحة، وهناك آيات أخرى دلالتها تقرب من الصراحة، فهل يجوز في عقل أو شرع أن يبرع المسلمون في علم آياته قليلة ويجهلون علمًا آياته كثيرة جدًّا، إن آباءنا برعوا في الفقه؛ فلنبرع نحن الآن في علم الكائنات، لنقم به لترقى الأمة"2.
1 الجواهر في تفسير القرآن الكريم: طنطاوي جوهري ج3 ص19، 20.
2 المرجع السابق: ج25 ص55، 56.
رأي الإسكندراني:
وهو محمد بن أحمد الإسكندراني، صاحب كتاب "كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية"، وهو تفسير لا يقل عن تفسير الجواهر السابق في توسعه العلمي، وقد ألمح في مقدمته القصيرة للتفسير عن موضع علم التفسير بقوله:"فموضوع علم التفسير كلام الله تعالى الذي يُتوصل به إلى معرفة الأجرام السماوية والأرضية، والمولدات الثلاثة والتوحيد والأحكام الشرعية، وغايته معرفة جمع الأحكام المستنبطة من الآيات الشريفة القرآنية، فمنفعته عامة لعموم الاحتياج إليه، وفائدته مطلوبة لترتب بقاء الأحكام عليه؛ فلذلك كانت معرفته من أقرب الوسائل إلى الاعتراف بالخالق ذي الصفات العلية، ولا شك أن لهذه الأجرام المشار إليها والآثار مؤثر؛ وهو الإله الموجد للعقول والنفوس والأجسام الفلكية والعنصرية"1.
رأي الكواكبي:
وعبد الرحمن الكواكبي يرى أن القرآن الكريم سبق علماء أوربا وأمريكا بثلاثة عشر قرنًا إلى كثير من الاكتشافات التي تعزى إليهم، فيقول:"إن العلم كشف في هذه القرون الأخيرة حقائق وطبائع كثيرة، تُعزى لكاشفيها ومخترعيها من علماء أوربا وأمريكا، والمدقق في القرآن يجد أكثرها ورد به التصريح أو التلميح في القرآن منذ ثلاثة عشر قرنًا، وما بقيت مستورة تحت غشاء من الخفاء إلا لتكون عند ظهورها معجزة للقرآن، شاهدة بأنه كلام ربٍّ لا يعلم الغيب سواه"2.
رأي محمد مصطفى المراغي:
وأيَّد التفسير العلمي الشيخ محمد المراغي فقال في مقدمته لكتاب "الإسلام والطب الحديث": "قرأت لسعادة الطبيب النطاسي عبد العزيز إسماعيل باشا
1 كشف الأسرار النورانية: محمد أحمد الإسكندراني ج1 ص3.
2 طبائع الاستبداد: عبد الرحمن الكواكبي ص44.
نتفًا مما كان يُكتب له بمجلة الأزهر تحت عنوان "الإسلام والطب الحديث"؛ فأعجبني منه ما توخاه من التوفيق بين معاني بعض الآيات القرآنية الكريمة وبين مقررات الطب الحديث، وحمدت له هذه النزعة العلمية التي لو تحلى بها كل مبرز في فرع من فروع العلم؛ لاجتمع لدينا ذخر عظيم من هذه التطبيقات الثمينة، تستفيد منه النابتة الحديثة زيادة معرفة بإعجاز القرآن، وإيقان بأن الله ما فرط في كتابه من شيء.
لست أريد من هذا أن أقول: إن الكتاب الكريم اشتمل على جميع العلوم جملة وتفصيلًا بالأسلوب التعليمي المعروف؛ وإنما أريد أن أقول: إنه أتى بأصول عامة لكل ما يهم الإنسان معرفته والعمل به؛ ليبلغ درجة الكمال جسدًا ورُوحًا، وترك الباب مفتوحًا لأهل الذكر من المشتغلين بالعلوم المختلفة؛ ليبينوا للناس جزئياتها بقدر ما أوتوا منها في الزمان الذي هم عائشون فيه"1.
رأي محمد رشيد رضا:
أما الشيخ محمد رشيد رضا فيعد هذا نوعًا من أنواع الإعجاز للقرآن، فيقول:"الوجه السابع: اشتمال القرآن على تحقيق كثير من المسائل العلمية والتاريخية التي لم تكن معروفة في عصر نزوله، ثم عرفت بعد ذلك بما انكشف للباحثين والمحققين من طبيعة الكون وتاريخ البشر وسنن ذلك في الخَلْق"2، ثم ذكر الأمثلة لذلك.
رأي محمد فريد وجدي:
وقال الأستاذ وجدي: "من مطالب الأوساط من الدين أن يكون مرنًا يتسع لما يجد من الآراء العلمية ولا يستعصي على ما يثبت أو يرجح من المذاهب الفلسفية، ولا ما يقوم الدليل عليه من الشئون الكونية، والواقع أنه قليل على الإسلام أن يُوصف بالمرونة وسَعَة الصدر للآراء والمذاهب والكونيات؛ لأنه دين
1 الإسلام والطب الحديث: عبد العزيز إسماعيل، مقدمة الشيخ محمد مصطفى المراغي ص5، 6.
2 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج1 ص210.
انطلاق وتعقل وتفكير ومطالبة بالفَهْم وبالدليل، وإشعار بالتبعية الشخصية، ونهي عن التقليد"1.
وقال في موضع آخر: "وخير ينبوع يستمد منه العلم كتاب الله عز وجل، فهو الخضم الغطمطم2 الذي لا ساحل له"، ثم قال: "هنا يتغالى بعضهم فيسألون: هل للتليفون والتلغراف والراديو
…
إلخ إلخ من ذكر في القرآن، مصدقًا لقوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 3؟ هذا التغالي ناشئ من سوء فَهْم الآية الكريمة، قال العلامة البيضاوي في تفسيرها: "المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ، فإنه مشتمل على ما يجري في العالَم من الجليل والدقيق
…
أو القرآن فإنه قد دون فيه ما يحتاج إليه من أمر الدين مفصلًا أو مجملًا".
فأنت ترى أن المفسرين لم يفهموا من هذه الآية ما يريد أن يفهمه الناس اليوم؛ من أن القرآن يحوي كل شيء لفظًا ومعنى، وكل ما يكتشف من العلم في سائر الوجود إلى يوم القيامة إشارة وعبارة؛ لذلك يتكلف المسئولون عن ورود المكتشفات الجديدة في الكتاب أجوبة يصرفون فيها بعض الآيات عن معانيها؛ لتنطبق على ما يسألون عنه مما لا عَلاقة لها به ألبتة"4.
رأي جمال الدين القاسمي:
أما الشيخ جمال الدين القاسمي فقد عقد في مقدمته لتفسيره فصلًا بعنوان: "فصل في بيان دقائق المسائل العلمية الفلكية الواردة في القرآن الكريم"، جاء فيه بعد ان فسَّر بعض الآيات تفسيرًا علميًّا: "فالناس قديمًا فهموا أمثال هذه الآية
1 الإسلام دين الهداية والإصلاح: محمد فريد وجدي ص51.
2 قال في لسان العرب: "الغطم: البحر العظيم الكثير الماء
…
والغَطْمَطَة: التطام الأمواج".
3 سورة الأنعام: من الآية 38.
4 القرآن ينبوع العلوم والعرفان: علي فكري من تقريظ الأستاذ محمد فريد وجدي ص8، 9.
بما يوافق علومهم، حتى إذا كشف العلم الصحيح عن حقائق الأشياء علمنا أنهم كانوا واهمين، وفهمنا معناها الصحيح، فكأن هذه الآيات جعلت في القرآن معجزات للمتأخرين تظهر لهم كلما تقدمت علومهم"1.
رأي مصطفى صادق الرافعي:
أما الرافعي فيقول عن إعجاز القرآن الكريم العلمي وتفسيره به: "ولعل متحققًا بهذه العلوم الحديثة لو تدبر القرآن وأحكم النظر فيه وكان بحيث لا تعوزه أداة الفَهْم، ولا يلتوي عليه أمر من أمره؛ لاستخرج منه إشارات كثيرة تومئ إلى حقائق العلوم، وإن لم تبسط من أنبائها، وتدل عليها وإن لم تسمها بأسمائها"2.
رأي محمود شكري الألوسي:
قال في مقدمة كتابه "ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان": "اعلم أن الشريعة الغراء لم ترد باستيعاب قواعد العلوم الرياضية؛ إنما وردت بما يستوجب سعادة المكلفين في العاجل والآجل، وبيان ما يتوصلون به إلى الفوز بالنعيم المقيم، وربما أشارت لهذه الأغراض إلى ما يستنبط منه بعض القواعد الرياضية.
وقد ورد القرآن الكريم -في بيان ذلك- بما خاطب به العرب مما يعلمونه من علوم تلقوها خلفًا عن سلف، فقد كانت لهم علوم ذكرناها في الكتاب الذي ألفناه في بيان أحوالهم"3.
رأي عبد الحميد بن باديس:
وقال الشيخ عبد الحميد: "من أساليب الهداية القرآنية إلى العلوم الكونية أن يعرض علينا القرآن صورًا من العالَم العلوي والسفلي في بيان بديع
1 محاسن التأويل: محمد جمال الدين القاسمي ج1 ص337.
2 إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: مصطفى صادق الرافعي ص142.
3 ما دل عليه القرآن: محمود شكري الألوسي ص11.
جذاب، يشوقنا إلى التأمل فيها والتعمق في أسرارها، وهنا1 يذكر لنا ما خبأه في السماوات والأرض لنشتاق إليه، وننبعث في البحث عنه، واستجلاء حقائقه ومنافعه، بدافع غريزة حب الاستطلاع، ومعرفة المجهول، وبمثل هذا انبعث أسلافنا في خدمة العلم، واستثمار ما في الكون إلى أقصى ما استطاعوا، ومهدوا بذلك السبيل لمن جاء بعدهم، ولن نعز عزهم إلا إذا فهمنا الدين فَهْمهم وخدمنا العلم خدمتهم"2.
وقال في موضع آخر: "لنقف خاشعين متذكرين أمام معجزة القرآن العلمية؛ ذلك الكتاب الذي جعله الله حجة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وبرهانًا لدينه على البشر مهما ترقوا في العلم وتقدموا في العرفان
…
"3.
رأي محمد أحمد الغمراوي:
أما الأستاذ الغمراوي فهو يرى أن الإعجاز العلمي هو الذي لا يتوقف تقديره والتسليم به على معرفة لغة لا تتيسر معرفتها لكل أحد، ويرى أيضًا أن الناحية العلمية هذه تشمل كل النواحي ما عدا الناحية البلاغية، فتشمل الناحية النفسية والتشريعية والتاريخية والكونية.
ثم قال: "هذه النواحي هي التي ينبغي أن يشمر المسلمون للكشف عنها وإظهارها للناس في هذا العصر الحديث، ولن يستطيعوا ذلك على وجهه حتى يطلبوا العلوم كلها؛ ليستعينوا بكل علم على تفهم ما اتصل به من آيات القرآن، ويستعينوا بها جميعًا على استظهارأسرار آيات القرآن التي اتصلت بالعلوم جميعًا، ولا غرابة في أن يتصل القرآن بالعلوم جميعًا؛ فما العلوم إلا نتاج تطلب الإنسانية أسرار الفطرة، والقرآن ما هو إلا كتاب الله فاطر الفطرة، فلا غرو أن يتطابق القرآن والفطرة، وتتجاوب كلماتها وكلماته، وإن كانت كلماتها
1 ورد هذا النص في تفسيره لقوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] .
2 تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير: عبد الحميد بن باديس ص460.
3 المرجع السابق ص60.
وقائع وسننًا، وكلماته عبارات وإشارات تتضح وتنبههم طبق ما تقتضيه حكمة الله في مخاطبة خَلْقه؛ ليأخذ منها كل عصر على قدر ما أوتي من العلم والفَهْم، وكذلك دواليك على مر العصور
…
".
إلى أن قال: "هذا النوع من الإعجاز يعجز الإلحاد أن يجد موضعًا للتشكيك فيه، إلا أن يتبرأ من العقل؛ فإن الحقيقة العلمية -التي لم تعرفها الإنسانية إلا في القرن التاسع عشر أو العشرين مثلًا، والتي ذكرها القرآن- لا بُدَّ أن تقوم عند كل ذي عقل دليلًا محسوسًا على أن خالق هذه الحقيقة هو منزل القرآن"1.
رأي الدكتور عبد العزيز إسماعيل:
ويرى الطبيب عبد العزيز إسماعيل في كتابه "الإسلام والطب الحديث" أن من إعجاز القرآن فصاحته، وأن المتأخرين أمثالنا أكثرهم لا يقدر الفصاحة حق تقديرها لعدم تبحرهم فيها، وأنه لهذا كان من الضروري إظهار إعجاز القرآن من نواحٍ أخرى "فالقرآن ليس بكتاب طب أو هندسة أو فلك؛ ولكنه يشير أحيانًا إلى سنن طبيعية ترجع إلى هذه العلوم، وبما أنه صادر من واضع السنن كلها كان جميع ما جاء فيه حقًّا لا شبهة فيه، وإن لم يكن ذلك مدركًا وقت نزوله إلا على طريق الإجمال أو التأويل؛ لعدم استبحار العلوم إذ ذاك؛ ولكن مع الترقي في العلوم قلما كان يعمد إلى تأويله، وكثر ما وجب أخذه على ظاهره في ذلك العهد".
إلى أن قال منبهًا: "ويجب أن أنبه إلى نقطة هامة؛ وهي أن العلوم مهما تقدمت فهي عرضة للزلل، فينبغي ألا يطبق على الآيات الكريمة إلا ما يكون قد ثبت ثبوتًا قطعيًّا ولم يقبل الشك، فكثير من النظريات العلمية عرضة للتغيير والتبديل، وهذه لا يجوز تطبيقها على الآيات حتى ولو اتفقت مع ظاهرها؛ إنما يطبق منها ما يكون قد اجتاز دور النظريات وصار حقيقة ثابتة لا شك فيها"2.
رأي حنفي أحمد:
وفي كتابه التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن يرى الأستاذ حنفي
1 الإسلام في عصر العلم: محمد أحمد الغمراوي ص257-259.
2 الإسلام والطب الحديث: الدكتور عبد العزيز إسماعيل ص13، 14.
أحمد أن الحديث في القرآن عن الكائنات جاء كما جاء غيره من الأحاديث مناسبًا لجميع الناس على اختلاف درجات عقولهم وأفهامهم.
ثم قال: "ولكن المتأملين في هذا الحديث من أهل العلم والخبرة بالكائنات يرون في ألفاظه وعباراته فوق معانيها الظاهرة معاني أخرى دقيقة، تنطوي على أصول وجوامع من العلم الواسع الدقيق عن الكائنات الذي لم يكن معروفًا للناس من قبل، ولم يتعرفوا عليه إلا تدريجًا بعد انتشار العلم الحديث بينهم في القرنين الأخيرين، وتنكشف هذه المعاني الدقيقة لهؤلاء المتأملين من أصحاب العقول الراجحة على ضوء علمهم الخاص، إما من صريح النص حينًا وإما من إشارات ورموز فيه حينًا آخر1.
رأي عبد الرزاق نوفل:
أما الأستاذ عبد الرزاق نوفل، فكل كتبه حديث عن الإعجاز العلمي إلا القليل منها، وجاء في أحد مؤلفاته قوله: "إن من ضمن أوجه إعجازه التي تخرص ألسنة كل مكابر الإعجاز العلمي؛ فقد أثبت التقدم الفكري في العلوم في العصر الحديث أن القرآن كتاب علم، قد جمع أصول كل العلوم والحكمة، وكل مستحدث من العلم نجد أن القرآن قد وجه إليه
النظر أو أشار إليه
…
"2.
رأي محمد متولي الشعراوي:
أما الشيخ محمد متولي الشعراوي، فيرى أن القرآن الكريم مزَّق حواجز الغيب الثلاثة
…
مزق حجاب الزمن الماضي، وروى لنا بالتفصيل تاريخ الرسل وحوادث مَن سبقنا مِن الأمم
…
ومزق حجاب المكان، وروى لنا ما يدور داخل نفوس الكفار، والذين يحابرون الإسلام
…
ومزق حجاب المستقبل القريب، وتنبأ بأحداث ستقع بعد شهور.
ثم قال: "ثم بعد ذلك مزق القرآن حجاب المستقبل البعيد؛ ليعطي الأجيال القادمة من إعجازه ما يجعلهم يصدِّقون القرآن ويسجدون لقائله وهو الله؛ ولكن القرآن نزل في زمن لو أن هذه المعجزات المستقبلة جاءت تفصيلية لكفر عدد من المؤمنين، وانصرف
1 التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن: حنفي أحمد ص5، 6.
2 القرآن والعلم الحديث: عبد الرزاق نوفل ص23.
آخرون؛ ذلك أن الكلام كان فوق طاقة العقول في ذلك الوقت؛ ومن هنا وحتى لا يخرج المؤمن عن إيمانه، ويستمر الإعجاز جاء القرآن بنهايات النظريات، بقمة نواميس الكون إذا تليت على المؤمنين في ذلك الوقت
…
مرت عليهم ولم ينتبهوا إلى مدلولها الحقيقي العلمي، وإذا قيلت بعد ذلك على الأجيال القادمة عرفوا ما فيها من إعجاز، وقالوا: إن هذا الكلام لا يمكن أن يقوله شخص عاش منذ آلاف السنين؛ إذًا لَا بُدَّ أن هذا القرآن حق من عند الله، وأن قائله هو الله الخالق"1.
رأي محمود أبو الفيض المنوفي:
وذلك في كتابه "القرآن والعلوم الحديثة"، قال فيه:"إن العلم في عصرنا الحاضر قد كشف عن حقائق قرآنية كثيرة وردت في آياتٍ من كتاب الله قبل أن يرتقي العلم ويشب عن الطوق"2.
وعقد في موضع آخر فصلًا بعنوان: "في أن القرآن هو الإمام الذي أحصى الله فيه كل شيء تصريحًا أو تلميحًا"، وجاء فيه قوله عن القرآن الكريم: "إنه أول كتاب ديني تصدَّى للكلام عن أصول المعارف العلمية والفلسفية أحيانًا تلميحًا وأخرى تصريحًا، ومرة إجمالًا وأخرى تفصيلًا، وكان ذلك طبعًا قبل أن يكتشف العلم أسلوبه الحديث، وقبل أن يخلق العلماء المحدثون، وقد تكلم القرآن إجمالًا عن الكائنات السماوية والأرضية في مجموعها من ألغاز إلى السدم إلى الكواكب والشموس والأفلاك والشهب والنيازك، وعن شمسنا ونظامنا وانشقاق الأرض عنها وباقي السيارات وتوابعها، وتكلم عن بقية الخليقة من جماد ونبات وحيوان، وكيفية تكوين الجنينين النباتي والحيواني وجنين الإنسان
…
"3.
1 معجزة القرآن: محمد متولي الشعراوي ص38، 39.
2 القرآن والعلوم الحديثة: محمود أبو الفيض المتوفي ص18.
3 القرآن والعلوم الحديثة: محمود أبو الفيض المنوفي ص49، 50.
رأي محمود أحمد مهدي:
قال في كتابه البرهان من القرآن: "في القرآن الكريم 750 آية كونية تشرح بإيجاز خلاصة ما أكن الله سبحانه في العوالم الكونية من تراكيب مادية بدقة تدق على العقل، أوجد بها هذه المكونات من سماء وأرض ونبات وحيوان"1.
وقال في موضع آخر: "والآن ونحن في أواخر القرن العشرين، هذا القرن الذي بلغ بزعم عرفائه القمة من إدراك العلم وتحقيق غاياته، يجب أن نواتر من الآيات القرآنية ما يتوافق مع الكشوف العلمية المستحدثة، وما يرد العلم رغمًا عنه إلى الموافقة على عظمة القرآن الكريم، مقارنين كل آية بما يقابلها من التحقيق العلمي الحاضر"2.
رأي محمد بن سعيد الدبل:
وعدَّد الأستاذ محمد الدبل وجوه الإعجاز في القرآن الكريم، وعَدَّ منها الإعجاز العلمي، وقال عنه:"وقد سلك القرآن الكريم في هذا الوجه طريقة الاستدلال على خالق الكون ومنشئه استدلالًا فطريًّا يتناسب مع جميع العقول والأفهام؛ فتحدثت آياته عن كل ما يحيط بالإنسان من عجائب هذا الكون، تحدث عن الأرض والسماء، والليل والنهار، والشمس والقمر، وعن الجبال والبحار، والرياح والنبات والحيوان، وعن الإنسان نفسه، ذلك الآدمي الذي يسخر تلك المخلوقات فيما يزود به معاشه بقدرة الخالق الحكيم، كما أشار القرآن إلى حقائق أماط اللثام عن الحكمة من وجودها، وأشار إلى حقائق تارة بالتلميح وتارة بالتصريح ومرة بالإجمال وأخرى بالتفصيل"3.
رأي الشيخ عبد العزيز بن خلف آل خلف:
قال في كتاب له شحنه بالتفسير العلمي: "فقد أنزل الله القرآن العزيز تبيانًا؛ أي: مبين، ودليل على كل ما يمكن أن يقال له شيء من جميع ما في السماوات
1 البرهان من القرآن: محمود أحمد مهدي ص47، 48.
2 المرجع السابق ص46.
3 النظم القرآني في سورة الرعد: محمد بن سعد الدبل ص29.
وما في الأرض"1.
وقال: "إنه من الواجب على المسلمين -الفرد منهم والجماعة، وعلى أولي العلم أوجب- أن يفتشوا في طياته؛ حتى يظهر الدليل القطعي على كل صغير وكبير، ونطبق معانيه المباركة على صيرورة تلك المستحدثات المصنوعة التي بهرت عقول الجاهلين، كل فرد بمفرده؛ حتى تكون صيرورتها معجزات متتابعات من معجزات القرآن العزيز"2.
وقال: "إن من الحق الذي لا ريب فيه أن القرآن العزيز قد حمل في طياته للبشرية كل هدى، وكل دليل بارز على كل أمر يحدث في هذا الكون ديني أو دنيوي للنفع أو للضرر"1.
رأي الدكتور محمد عبد الله دراز:
قال الدكتور دراز في كتابه "مدخل إلى القرآن الكريم" تحت عنوان حقائق علمية: "ولكن القرآن في دعوته إلى الإيمان والفضيلة لا يسوق الدروس من التعاليم الدينية والأحاديث الجارية وحدها؛ وإنما يستخدم في هذا الشأن الحقائق الكونية الدائمة، ويدعو عقولنا إلى تأمل قوانينها الثابتة، لا بغرض دراستها وفَهْمِها في ذاتها فحسب؛ وإنما لأنها تذكِّر بالخالق الحكيم القدير، ونلاحظ أن هذه الحقائق التي يقدمها تتفق تمامًا مع آخر ما توصل إليه العلم الحديث"، ثم ذكر -رحمه الله تعالى- أمثلة لذلك.
وعلق على ذلك بقوله: "ولكن الحماس دفع بعض المفسرين المحدثين إلى المبالغة في استخدام هذه الطريقة التوفيقية لصالح القرآن؛ بحيث أصبحت خطرًا على الإيمان ذاته؛ لأنها إما أن تقلل من الاعتماد على معنى النص باستنطاقه ما لا تحتمله ألفاظه وجمله، وإما أن تعول أكثر مما يجب على آراء العلماء، وحتى على افتراضاتهم المتناقضة، أو التي يصعب التحقيق من صحتها.
1 دليل المستفيد على كل مستحدث جديد: الشيخ عبد العزيز بن خلف بن عبد الله آل خلف ج1 ص68.
2 المرجع السابق ج1 ص70.
وبعد أن نستبعد هذه المبالغات عن البحث نرى أن من مقتضيات الإيمان -التي لا غنى عنها- أن نضاهي الحقائق الفورية التي نجدها في القرآن مع نتائج العلماء المنهجية البطيئة"1.
رأي حسن البنا:
قسَّم -رحمه الله تعالى- المقررات العلمية إلى قسمين: قسم تظاهرت عليه الأدلة وتوافرت الحجج؛ حتى كاد يلحق بالبدهيات، وقسم لا زال في طور البحث العلمي، وكل الذي بين يدي العلماء الكونيين منه فروض تؤيدها بعض القرائن التي لم ترقَ إلى مرتبة الأدلة القاطعة أو الحجج المقنعة، فما كان من القسم الأول فلا شك أن ما أشار إليه القرآن الكريم منه يوافق كل الموافقة ويطابق كل المطابقة ما عرفه العلماء الكونيون؛ حتى إنه من الحق أن يقال: إن ذلك من إعجاز هذا الكتاب الذي جاء به أمي لم يتعلم في مدرسة، ولم يلتحق بجامعة من الجامعات، ومن أمثلة ذلك إشاراته إلى أطوار الجنين، وتلقيح الرياح، وتَكَوُّن السحاب وصلته بالرياح
…
إلخ.
وما كان من القسم الثاني فمن التجني وظلم الحقيقة أن يوازن بينه وبين ما جاء في القرآن الكريم، فلننتظر حتى يطمئن العلم الكوني إلى ما بين يديه2.
وبعد:
هذه إشارات لآراء بعض مؤيدي التفسير العلمي، ولا شك أني أكثرت من عددهم وإن لم أكن أطلت في بسط آراء كل منهم وعمدًا أكثرت، وقصدًا أوجزت؛ وإنما فعلت ما فعلت لأمور خمسة أمست الكفاية في بعضها قائمة وحجة أحسبها لي.
أول هذه الأمور: أني قصدت بيان مدى انتشار القول بالتفسير العلمي في العصر الحديث، وأنه قد أصبح شائعًا وأضحى مطروقًا.
وثانيها: أني قصدت بيان توزعهم زمنًا؛ حتى كان فيهم مَن تُوفي أوائل
1 مدخل إلى القرآن الكريم: الدكتور محمد عبد الله دراز ص176، 177.
2 مقدمة في التفسير مع تفسير الفاتحة وأوائل سورة البقرة: حسن البنا ص21.
القرن الرابع عشر، ومنهم مَن لا يزال حيًّا يرزق، وكلهم مؤيد له، مدافع عنه، لم يرجع آخرهم عن قول أولهم.
وثالثها: أني قصدت بيان انتشارهم مكانًا؛ ففيهم المصري والشامي والجزائري والعراقي والسعودي وغيرهم.
ورابعها: أني قصدت تعدد مذاهبهم وعقائدهم؛ ففيهم السني وفيهم الشيعي وفيهم الصوفي وغيرهم.
وخامسها: أني قصدت تعدد تخصصهم العلمي؛ ففيهم القاضي وفيهم الطبيب والمهندس والصيدلي والفلكي واللغوي والمعلم الأديب وغيرهم.
وهذه مجتمعة رأيت أنها تشفع لي -بل توجب عليَّ- أن أذكر الكثير من مؤيدي التفسير العلمي؛ حتى أعطي الصورة الحقيقية للواقع، وهي مرادنا.
وأخيرًا، حقيقة يجب أن أنبه إليها أن هؤلاء المذكورين ليسوا كلهم على درجة واحدة في قبولهم للتفسير العلمي؛ فإن فيهم مَن يؤيده كل التأييد ويقبله كل القبول، لا يرد منه شيئًا، ويعتقد أن القرآن تبيان لكل شيء؛ بمعنى أنه مبين لكل شيء بخصوصه ودقائقه وتفاصيله، وفيهم مَن يعتقد أن فيه تأييد كل الحقائق العلمية، وفيهم -أخيرًا- مَن يعتقد قبول التفسير العلمي على أضيق نطاق، وعدم تطبيق الآيات العلمية، ووجد في نصوص الآيات القرآنية ما يدل دلالة صريحة عليها، بمعنى آخر: لا يجوز التفسير العلمي وعندهم إلا بالربط بين حقيقة علمية وحقيقة قرآنية، أما الحقيقة العلمية فواضحة وبينة، أما مرادهم بالحقيقة القرآنية فهي التي تكون الدلالة فيها واضحة بينة، لا تكلف فيها ولا تحريف، ولا صرف للألفاظ عن مدلولاتها، أو تحميلها من المعاني ما لا تستوعبه ألفاظها.
وإنما ساغ لي أن جمعتهم -وهم على هذا الاختلاف- أن قبوله والاعتراف به يجمعهم، وأنهم تناولوه -على تفاوت- في تفاسيرهم؛ فكان هذا رباطًا بينهم، وجامعًا لأقوالهم.
أما الطائفة الأخرى منهم الذين رفضوه، ورفضوا القول به، ورفضوا قبوله، ورفضوا تطبيقه.