المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأساس الأول: الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر - جـ ٢

[فهد الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثاني: الاتجاهات العلمية في التفسير

- ‌الفصل الأول: المنهج الفقهي في التفسير

- ‌مدخل

- ‌أولا: فقه أهل السنة والجماعة

- ‌مدخل

- ‌تفاسير آيات الأحكام:

- ‌ثانيا: فقه الشيعة الإمامية "الاثنى عشرية

- ‌فرض الرجلين في الوضوء

- ‌صلاة الجمعة:

- ‌خمس الغنائم:

- ‌نكاح المتعة:

- ‌نكاح المشركات والكتابيات:

- ‌الحجاب:

- ‌إرث الأنبياء:

- ‌قطع يد السارق:

- ‌ثالثا: فقه الأباضي

- ‌مدخل

- ‌مسح الرجلين:

- ‌نكاح الكتابيات:

- ‌الإصباح على جنابة:

- ‌الفصل الثاني: المنهج الأثري في التفسير

- ‌المراد به:

- ‌التفسير بالمأثور في القرن الرابع عشر الهجري:

- ‌أولا: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن

- ‌مدخل

- ‌أمثلة من تفسيره:

- ‌ثانيا: الموجز في تفسير القرآن الكريم

- ‌منهجه في التفسير

- ‌أمثلة من تفسيره:

- ‌الفصل الثالث: المنهج العلمي التجريبي في التفسير

- ‌المراد به:

- ‌تعريفه:

- ‌موقف العلماء السابقين من التفسير العلمي التجريبي

- ‌مدخل

- ‌رأي المؤيدين:

- ‌رأي المعارضين:

- ‌موقف العلماء المعاصرين من التفسير العلمي التجريبي

- ‌مدخل

- ‌أقوال المؤيدين:

- ‌أقوال المعارضين:

- ‌الرأي المختار:

- ‌أهم المؤلفات

- ‌نماذج التفسير العلمي التجريبي في العصر الحديث:

- ‌أمثلة من المؤلفات في التفسير العلمي التجريبي

- ‌أولا: تفسير الجواهر في تفسير القرآن الكريم

- ‌ثانيًا: كشف الأسرار النورانية القرآنية

- ‌ثالثًا: الكون والإعجاز العلمي للقرآن

- ‌رابع: مع الطب في القرآن الكريم

- ‌خامسًا: الإعجاز العددي للقرآن الكريم

- ‌رأيي في هذه المؤلفات:

- ‌الباب الثالث: منهج المدرسة الاجتماعية الحديثة في التفسير

- ‌تمهيد

- ‌المراد به:

- ‌العقل في القرآن:

- ‌مكانة العقل في الإسلام:

- ‌نشأة المدرسة العقلية الاجتماعية الحديثة:

- ‌منهج المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير

- ‌الأساس الأول: الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم

- ‌الأساس الثاني: الوَحْدَة الموضوعية في السورة القرآنية

- ‌الأساس الثالث: تحكيم العقل في التفسير

- ‌الأساس الرابع: إنكار التقليد وذمه والتحذير منه

- ‌الأساس الخامس: التقليل من شأن التفسير بالمأثور

- ‌الأساس السادس: التحذير من التفسير بالإسرائيليات

- ‌الأساس السابع: القرآن هو المصدر الأول في التشريع

- ‌الأساس الثامن: الشمول في القرآن الكريم

- ‌الأساس التاسع: التحذير من الإطناب

- ‌الأساس العاشر: الإصلاح الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌الحريَّة:

- ‌التحذير من البدع والمنكرات في العقائد:

- ‌الجانب التهذيبي:

- ‌الإصلاح الاقتصادي:

- ‌قضية المرأة:

- ‌أهم مؤلفات المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير

- ‌مدخل

- ‌أولا: تفسير القرآن الكريم المشهور "بتفسير المنار

- ‌أولا: المؤلف

- ‌ثانيا: التفسير

- ‌ثانيًا: تفسير جزء تبارك

- ‌أولًا: المؤلف

- ‌ثانيًا: التفسير

- ‌رأيي في هذا المنهج:

الفصل: ‌الأساس الأول: الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم

‌منهج المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير

‌الأساس الأول: الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم

منهج المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير:

يقوم منهج التفسير لدى المدرسة العقلية الاجتماعية على أسس متعددة، ولئن كان لا يسعنا أن نطيل الحديث في بيانها فإنه لا يسعنا أن نوجزه إيجازًا مخلًّا، فليكن أمرنا فيه وسطًا بين هذا وذاك، والأسس التي استطعت أن أضبطها هي:

الأساس الأول: الوَحْدَة الموضوعية في القرآن الكريم

وقد أيد كثير من علماء السلف الوَحْدَة الموضوعية في القرآن الكريم؛ ومنهم ابن العربي الذي قال: "ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم"1.

وقال ولي الدين الملوي ردًّا على مَن أنكر الوَحْدَة الموضوعية: "قد وهم مَن قال: لا يطلب للآي الكريمة مناسبة"، إلى أن قال:"والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول كل شيء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها، ففي ذلك علم جم، وهكذا في السور يُطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له"2.

ومال رجال المدرسة العقلية الاجتماعية إلى هذا الرأي فقالوا بالوَحْدَة الموضوعية في سور القرآن الكريم، وعدوه أساسًا في فَهْم القرآن الكريم، فقال محمد رشيد رضا: "مَن نظر في ترتيب السور كلها في المصحف يرى أنه قد رُوعي في ترتيبها الطول والتوسط والقصر في الجملة، ومن حكمته أن في ذلك عونًا على تلاوته وحفظه، فالناس يبدءون بقراءته من أوله فيكون الانتقال من السبع الطوال إلى المئين فالمثاني فالمفصل أنفى للملل وأدعى إلى النشاط، ويبدءون بحفظه من آخره؛ لأن ذلك أسهل على الأطفال؛ ولكن في كل قسم من الطول والمئين والمفصل تقديمًا لسور قصيرة على سور أطول منها، ومن حكمة

1 الاتقان في علوم القرآن: السيوطي ج2 ص108، والبرهان: للزركشي ج1 ص36.

2 الإتقان: السيوطي ج2 ص108.

ص: 718

ذلك أنه قد رُوعي التناسب في معاني السور مع التناسب في الصور؛ أي: مقدار الطول والقصر"1.

ثم تحدث -رحمه الله تعالى- عن التناسب بين سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام، أما الفاتحة فلم يراعِ مناسبتها لما بعدها وحده؛ إذ هي فاتحة القرآن كله، فقال عن المناسبة بين هذه السور: "سورة البقرة أجمع سور القرآن لأصول الإسلام وفروعه، ففيها بيان التوحيد، والبعث، والرسالة العامة والخاصة، وأركان الإسلام العملية، وبيان الخَلْق والتكوين، وبيان أحوال أهل الكتاب والمشركين والمنافقين في دعوة القرآن، ومحاجة الجميع، وبيان أحكام المعاملات المالية والقتال والزوجية، والسور الطوال التي بعدها متممة لما فيها؛ فالثلاث الأولى منها مفصلة لكل ما يتعلق بأهل الكتاب؛ ولكن البقرة أطالت في محاجة اليهود خاصة، وسورة آل عمران أطالت في محاجة النصارى في نصها الأول، وسورة النساء حاجتهم في أواخرها، واشتملت في أثنائها على بيان شئون المنافقين مما أُجمل في سورة البقرة، ثم أتمت سورة المائدة محاجة اليهود والنصارى فيما يشتركان فيه، وفيما ينفرد كل منهما به.

ولما كان أمر العقائد هم الأهم المقدَّم في الدين، وكان شأن أهل الكتاب فيه أعظم من شأن المشركين؛ قدمت السور المشتملة على محاجتهم بالتفصيل، وناسب أن يجيء بعدها ما فيه محاجة المشركين بالتفصيل؛ وتلك سورة الأنعام، لم تستوفِ ذلك سورة مثلها، فهي متممة لشرح ما في سورة البقرة مما يتعلق بالعقائد، وجاءت سورة الأعراف بعدها متممة لما فيها ومبينة لسنن الله تعالى في الأنبياء المرسلين وشئون أممهم معهم، وهي حجة على المشركين وأهل الكتاب جميعًا؛ ولكن سورة الأنعام فصَّلت الكلام في إبراهيم الذي ينتمي إليه العرب وأهل الكتاب في النَّسَب والدين، وسورة الأعراف فصَّلت الكلام في موسى الذي ينتمي إليه أهل الكتاب، ويتبع شريعته جميع أنبيائهم حتى عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام.

ولما تم بهذه السورة تفصيل ما أُجمل في سورة البقرة من العقائد في

1 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج7 ص287.

ص: 719

الإلهيات والنبوات والبعث، ناسب أن يذكر بعدها ما يتم ما أجمل فيها من الأحكام، ولا سيما أحكام القتال والمنافقين، وكان قد فصَّل بعض التفصيل في سورة النساء؛ فكانت سورتا الأنفال والتوبة هما المفصلتين لذلك، وبهما يتم ثلث القرآن"1.

وقال ايضًا بهذا القول من رجال المدرسة العقلية الاجتماعية محمود شلتوت -رحمه الله تعالى- فقال: "إن جميع ما في القرآن، وإن اختلفت أماكنه، وتعددت سوره وأحكامه؛ فهو وَحْدَة عامة، لا يصح تفريقه في العمل، ولا الأخذ ببعضه دون البعض"2.

ولتأكيد الوَحْدَة الموضوعية بين سور القرآن الكريم نرى رجال المدرسة العقلية الاجتماعية يوازنون بين التفاسير؛ فيختارون منها ما يرونه ملتئمًا مع السياق؛ ولهذا فلربما استعرضوا آراء المفسرين السابقين في تفسير آية أو كلمة قرآنية ورفضوها لمخالفتها لهذا الأساس؛ فالإمام محمد عبده -رحمه الله تعالى- مثلًا عند تفسيره لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} 3 يستعرض آراء المفسرين، ثم يقول بعد ذلك: "هذا تقرير ما جرى عليه المفسرون في الآيات، وإذا وازنا بين سياق آية {مَا نَنْسَخْ} وآية {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} 4 نجد أن الأولى ختمت بقوله تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} 3، والثانية بقوله:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} 4، ونحن نعلم شدة العناية في أسلوب القرآن بمراعاة هذه المناسبات، فذكر العلم والتنزيل ودعوى الافتراء في الآية الثانية يقتضي أن يُراد بالآيات فيها آيات الأحكام، وأما ذكر القدرة والتقرير بها في الآية الأولى فلا يناسب موضوع الأحكام ونسخها؛ وإنما يناسب هذا ذكر العلم

1 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج7 ص288، 289.

2 الإسلام عقيدة وشريعة: محمود شلتوت ص487.

3 سورة البقرة: الآية 106.

4 سورة النحل: من الآية 101.

ص: 720

والحكمة فلو قال: "ألم تعلم أن الله عليم حكيم" لكان لنا أن نقول: إنه أراد نسخ آيات الأحكام لما اقتضته الحكمة من انتهاء الزمن أو الحال التي كانت فيها تلك الأحكام موافقة للمصلحة، وقد تحير العلماء في فَهْم الإنساء على الوجه الذي ذكروه؛ حتى قال بعضهم: إن معنى "ننسها" نتركها على ما هي عليه من غير نسخ، وأنت ترى أن هذا -وإن صح لغة- لا يلتئم مع تفسيرها؛ إذ لا معنى للإتيان بخير منها مع تركها على حالها غير منسوخة.

"قال"1: والمعنى الصحيح الذي يلتئم مع السياق إلى آخره أن الآية هنا هي ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم؛ أي: "ما ننسخ من آية" نقيمها دليلًا على نبوة من الأنبياء؛ أي: نزيلها ونترك تأييد نبي آخر بها، أو ننسها الناس لطول العهد بمن جاء بها، فإننا بما لنا من القدرة الكاملة والتصرف في الملك نأتي بخير منها في قوة الإقناع وإثبات النبوة أو مثلها في ذلك، ومن كان هذا شأنه في قدرته وسَعَة ملكه فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه"2.

وانطلاقًا من هذا الأساس لدى رجال المدرسة العقلية الاجتماعية، فإنا نرى الأستاذ محمد عبده يرفض تحديد "فجر" بعينه أو "ليال عشر" بعينها من قوله تعالى:{وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} 3؛ بل هما مطلقان، والعلة في ذلك الوَحْدَة الموضوعية في آيات القرآن الكريم.

قال: "كثر خلاف المفسرين والرواة في معنى كل من الفجر وليال عشر إلى آخر ما أقسم به، وقد يفسر الواحد منهم الفجر بمعنى ثم يأتي في الليالي العشر بما لا يلائمه، وغالب ذلك يجري على خلاف ما عودنا الله في نسق كتابه الكريم، وقد جرت سنة الكتاب بأنه إذا أريد تعيين يوم أو وقت ذكره بعينه؛ كيوم القيامة في {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} 4، وكاليوم الموعود في سورة {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} 5، وكليلة القدر في سورتها، فإذا أطلق الزمن ولم يقيد كان المراد ما يعمه معنى الاسم، كما سبق في قوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا

1 أي: الأستاذ الإمام محمد عبده.

2 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج1 ص416، 417.

3 سورة الفجر: الآيتين 1، 2.

4 سورة القيامة: الآية الأولى.

5 سورة البروج: الآية الأولى.

ص: 721

عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} 1، فالفجر هنا -على هذا- هو جنس ذلك الوقت المعروف الذي يظهر فيه بياض النهار في جلد الليل الأسود، وينبعث الضياء لمطاردة الظلام، وهو وقت تنفس الصبح، وهو معهود في كل يوم؛ فصح أن يُعرَّف بالألف واللام"2، وقال نحو هذا في "وليال عشر".

واستنادًا إلى هذا الأساس أيضًا ينفي عن تفسير الآية القرآنية كل ما لا يتفق عنده مع مفهوم الوَحْدَة الموضوعية في القرآن الكريم؛ فتراه ينفي عن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} 3 الآيات، ينفي الأستاذ الإمام عن تفسير هذه الآيات قصة الغرانيق التي يلصقها بعضهم في تفسير الآية، فقال: "ما أقرب هذه الآيات في مغازيها إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} 4، وقد قال بعد ذلك:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّار} 5، ثم قال:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} 6 إلخ الآيات.

وكأن إحدى الطائفتين من القرآن شرح للأخرى؛ فالذين في قلوبهم زيغ هم الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، والراسخون في العلم هم الذين أوتوا العلم، وهؤلاء هم الذين يعلمون أنه الحق من ربهم؛ فيقولون: آمنا به كل من عند ربنا؛ فتخبت له قلوبهم، وإن الله ليهديهم إلى صراط

1 سورة التكوير: الآيتين 17، 18.

2 تفسير جزء عم: محمد عبده ص76.

3 سورة الحج: الآية 52.

4 سورة آل عمران: الآية 7.

5 سورة آل عمران: الآية 10.

6 سورة آل عمران: الآية 12.

ص: 722

مستقيم، وأولئك هم الذين يفتنون بالتأويل، ويستغلون يقال وقيل ما يلقي إليهم الشيطان ويصرفهم عن مرامي البيان ويميل بهم عن محجة الفرقان، وما يتكئون عليه من الأموال والأولاد لن يغني عنهم من الله شيئًا فستوافيهم آجالهم، وتسقبلهم أعمالهم، فإن لم يوافهم الأجل على فراشهم فسيغلبون في هواشهم1، وهذه سُنة جميع الأنبياء مع أممهم، وسبيل الحق مع الباطل من يوم رفع الله الإنسان إلى منزلة يميز فيها بين سعادته وشقائه، وبين ما يحفظه وما يذهب ببقائه، وكما لا مدخل لقصة الغرانيق في آيات آل عمران لا مدخل لها في آيات سورة الحج"2.

وبهذا الأساس أيضًا فسر الأستاذ عبد القادر المغربي "المرسلات" بالرياح قائلًا: "وقلما ذكر القرآن إطلاق الرياح إلا عبَّر عنه بفعل أرسل ففي؛ سورة فاطر: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} 3، وفي الحجر: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} 4، وفي الأحزاب: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} 5، وفي الأعراف: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} 6، وفي الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاح} 7، وفي آيات أخرى غيرها، فقوله تعالى هنا: {وَالْمُرْسَلات} من هذا القبيل"8.

ويتضح مدى التزامهم لهذا الأساس حين نراهم يذمون رواة اسباب النزول الذين عمدوا إلى الآيات ذوات أسباب النزول؛ ليفردوها عن بقية الآيات، ويتناولوها بالتفسير والشرح من هذا الجانب، وهم بهذا -كما يقول الأستاذ محمد

1 الهراش: المواثبة والمخاصمة.

2 الإثارة الثالثة: محمد عبده ص182-184، ضمن تفسير الفاتحة وست سور من خواتيم القرآن رشيد رضا.

3 سورة فاطر: من الآية 9.

4 سورة الحجر: من الآية 22.

5 سورة الأحزاب: من الآية 9.

6 سورة الأعراف: من الآية 57.

7 سورة الروم: من الآية 46.

8 تفسير جزء تبارك: عبد القادر المغربي ص126.

ص: 723