المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أمثلة من تفسيره: - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر - جـ ٢

[فهد الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثاني: الاتجاهات العلمية في التفسير

- ‌الفصل الأول: المنهج الفقهي في التفسير

- ‌مدخل

- ‌أولا: فقه أهل السنة والجماعة

- ‌مدخل

- ‌تفاسير آيات الأحكام:

- ‌ثانيا: فقه الشيعة الإمامية "الاثنى عشرية

- ‌فرض الرجلين في الوضوء

- ‌صلاة الجمعة:

- ‌خمس الغنائم:

- ‌نكاح المتعة:

- ‌نكاح المشركات والكتابيات:

- ‌الحجاب:

- ‌إرث الأنبياء:

- ‌قطع يد السارق:

- ‌ثالثا: فقه الأباضي

- ‌مدخل

- ‌مسح الرجلين:

- ‌نكاح الكتابيات:

- ‌الإصباح على جنابة:

- ‌الفصل الثاني: المنهج الأثري في التفسير

- ‌المراد به:

- ‌التفسير بالمأثور في القرن الرابع عشر الهجري:

- ‌أولا: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن

- ‌مدخل

- ‌أمثلة من تفسيره:

- ‌ثانيا: الموجز في تفسير القرآن الكريم

- ‌منهجه في التفسير

- ‌أمثلة من تفسيره:

- ‌الفصل الثالث: المنهج العلمي التجريبي في التفسير

- ‌المراد به:

- ‌تعريفه:

- ‌موقف العلماء السابقين من التفسير العلمي التجريبي

- ‌مدخل

- ‌رأي المؤيدين:

- ‌رأي المعارضين:

- ‌موقف العلماء المعاصرين من التفسير العلمي التجريبي

- ‌مدخل

- ‌أقوال المؤيدين:

- ‌أقوال المعارضين:

- ‌الرأي المختار:

- ‌أهم المؤلفات

- ‌نماذج التفسير العلمي التجريبي في العصر الحديث:

- ‌أمثلة من المؤلفات في التفسير العلمي التجريبي

- ‌أولا: تفسير الجواهر في تفسير القرآن الكريم

- ‌ثانيًا: كشف الأسرار النورانية القرآنية

- ‌ثالثًا: الكون والإعجاز العلمي للقرآن

- ‌رابع: مع الطب في القرآن الكريم

- ‌خامسًا: الإعجاز العددي للقرآن الكريم

- ‌رأيي في هذه المؤلفات:

- ‌الباب الثالث: منهج المدرسة الاجتماعية الحديثة في التفسير

- ‌تمهيد

- ‌المراد به:

- ‌العقل في القرآن:

- ‌مكانة العقل في الإسلام:

- ‌نشأة المدرسة العقلية الاجتماعية الحديثة:

- ‌منهج المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير

- ‌الأساس الأول: الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم

- ‌الأساس الثاني: الوَحْدَة الموضوعية في السورة القرآنية

- ‌الأساس الثالث: تحكيم العقل في التفسير

- ‌الأساس الرابع: إنكار التقليد وذمه والتحذير منه

- ‌الأساس الخامس: التقليل من شأن التفسير بالمأثور

- ‌الأساس السادس: التحذير من التفسير بالإسرائيليات

- ‌الأساس السابع: القرآن هو المصدر الأول في التشريع

- ‌الأساس الثامن: الشمول في القرآن الكريم

- ‌الأساس التاسع: التحذير من الإطناب

- ‌الأساس العاشر: الإصلاح الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌الحريَّة:

- ‌التحذير من البدع والمنكرات في العقائد:

- ‌الجانب التهذيبي:

- ‌الإصلاح الاقتصادي:

- ‌قضية المرأة:

- ‌أهم مؤلفات المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير

- ‌مدخل

- ‌أولا: تفسير القرآن الكريم المشهور "بتفسير المنار

- ‌أولا: المؤلف

- ‌ثانيا: التفسير

- ‌ثانيًا: تفسير جزء تبارك

- ‌أولًا: المؤلف

- ‌ثانيًا: التفسير

- ‌رأيي في هذا المنهج:

الفصل: ‌أمثلة من تفسيره:

ذكرنا القراءة الشاذة استشهادًا للبيان بقراءة سبعية، وقراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف ليست من الشاذ عندنا ولا عند المحققين من أهل العلم بالقراءات"1.

وذكر أن الأمر الثاني من مقصوده في هذا التفسير بيان الأحكام الفقهية، فإذا كان مقصوده بيان القرآن وتفسير آيات الأحكام، فهو بلا شك مثال صحيح لهذين المنهجين في التفسير، وإذا كان قد التزم فيهما بمذهب أهل السنة والجماعة لم يحد عنه فهو مثال أيضًا يجب اعتباره.

1 أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: محمد الأمين الشنقيطي ج1 ص3.

ص: 523

‌أمثلة من تفسيره:

ذكرنا آنفًا أن التفسير بالمأثور على ثلاثة طرق؛ أصحها تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة. وعلى هذه الطرق الثلاثة سيكون سيرنا بإذن الله في هذا التفسير المبارك.

أولًا: تفسير القرآن بالقرآن:

وهذا النوع من التفسير هو الذي أبرزه المؤلف في تفسيره واعتنى به عناية كبيرة؛ بل أفرده بدراسة قيِّمة في مقدمة تفسيره، لا أحسبك تجدها بهذا الجمع والتتريب عند سواه، ولولا أنه ذكر من أنواع بيان القرآن بالقرآن أكثر من عشرين نوعًا في أكثر من عشرين صفحة لسقتها لك بحذافيرها؛ فهي الكنز عليك به من معدنه، وتعجب حين تقرأ له بعد أن عدَّد هذه الأنواع قوله:"واعلم -وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه- أن هذا الكتاب المبارك -يعني: تفسيره- تضمن أنواعًا كثيرة جدًّا من بيان القرآن بالقرآن غير ما ذكرنا، وتركنا ذكر غير هذا منها خوف إطالة الترجمة، والمقصود بما ذكرنا من الأمثلة مطلق بيان كثرة الأنواع التي تضمنها واختلاف جهاتها -وفي البعض تنبيه لطيف على الكل- والغرض أن يكون الناظر في الترجمة على بصيرة مما يتضمنه الكتاب في الجملة قبل الوقوف على جميع ما فيه"1.

1 أضواء البيان: محمد الأمين الشنقيطي ج1 ص26.

ص: 523

ولذا فلا تثريب عليَّ أن ذكرت بعض الأمثلة لبعض الأنواع التي جاءت في تفسيره -رحمه الله تعالى- فهي أنواع كثيرة وأمثلة أكثر، فمن ذلك:

بيان الإجمال:

وقد ذكر -رحمه الله تعالى- في مقدمة تفسيره أن الإجمال يكون بسبب الاشتراك، سواء كان الاشتراك في اسم أو فعل أو حرف.

ومن الاشتراك في اسم قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} 1، قال -رحمه الله تعالى- في ذلك: "في المراد بالعتيق هنا للعلماء ثلاثة أقوال:

الأول: أن المراد به القديم؛ لأنه أقدم مواضع التعبد.

الثاني: أن الله أعتقه من الجبابرة.

الثالث: أن المراد بالعتق فيه الكرم، والعرب تسمي القديم عتيقًا وعاتقًا، ومنه قول حسان رضي الله عنه:

كالمسك تخلطه بماء سحابة

أو عاتق كدم الذبيح مدام

لأن مراده بالعاتق الخمر القديمة التي طال مكثها في دنها زمنًا طويلًا، وتسمي الكرم عتقًا، ومنه قول كعب بن زهير:

قنواء في حرتيها لبصير بها

عتق مبين وفي الخدين تسهيل

فقوله عتق مبين؛ أي: كرم ظاهر، ومنه قول المتنبي:

وبين عتق الخيل في أصواتها

أي: كرمها، والعتق من الجبابرة كالعتق من الرق، وهو معروف.

وإذا علمت ذلك فاعلم أنه قد دلت آية من كتاب الله على أن العتيق في الآية بمعنى: القديم الأول، وهي قوله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} الآية، مع أن المعنيين الآخرين كلاهما حق؛ ولكن القرآن دل على

1 سورة الحج: من الآية 29.

ص: 524

ما ذكرنا، وخير ما يفسر به القرآن القرآن"1.

وقد يكون الإجمال بسبب إبهام في اسم جنس جمعًا كان أو مفردًا أو اسم جمع أو صلة موصول أو معنى حرف.

ومثال الإجمال بسبب الإبهام في اسم جنس مجموع قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} 2، قال -رحمه الله تعالى- في ذلك:"لم يبين هنا ما هذه الكلمات؛ ولكنه بيَّنها في سورة الأعراف بقوله: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} "4.

ومثال الإجمال بسبب الإبهام في اسم جنس مفرد قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا} 5 الآية، قال -رحمه الله تعالى- في تفسيرها:"لم يبين هنا هذه الكلمة الحسنى التي تمت عليهم؛ ولكنه بينها في القصص بقوله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} "7.

ومن أمثلة هذا النوع -أعني: أن يكون الإجمال بسبب الإبهام في اسم جنس مفردًا- قوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 8، قال -رحمه الله تعالى-:"فقد بينها بقوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} 9 ونحوها من الآيات"10.

1 أضواء البيان: محمد الأمين الشنقيطي ج5 ص686، 687.

2 سورة البقرة: من الآية 37.

3 سورة الأعراف: من الآية 23.

4 أضواء البيان: محمد الأمين الشنقيطي ج1 ص63.

5 سورة الأعراف: من الآية 137.

6 سورة القصص: الآيتين 5، 6.

7 أضواء البيان: محمد الأمين الشنقيطي ج2 ص297.

8 سورة الزمر: من الآية 71.

9 سورة السجدة: من الآية 13.

10 أضواء البيان: للشنقيطي ج1 ص8.

ص: 525

ومثال الإجمال بسبب الإبهام في اسم جمع قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} 1 الآية، قال -رحمه الله تعالى- في تفسيرها:"لم يبين هنا مَن هؤلاء القوم؛ ولكنه صرح في سورة الشعراء بأن المراد بهم بنو إسرائيل؛ لقوله في القصة بعينها: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيل} 2 الآية، وأشار إلى ذلك هنا بقوله بعده: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} 3 الآية"4.

ومثال الإجمال بسبب الإبهام في صلة موصول قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] قال -رحمه الله تعالى- في تفسيرها: "لم يبين هنا مَن هؤلاء الذين أنعم الله عليهم، وبيَّن ذلك في موضع آخر بقوله: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} "5.

ومثال الإجمال بسبب الإبهام في معنى حرف قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} 6، وقال -رحمه الله تعالى- في تفسيرها:"عبر في هذه الآية الكريمة بمن التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله بعض ماله لا كله، ولم يبين هنا القدر الذي ينبغي إنفاقه، والذي ينبغي إنفاقه هو الزائد على الحاجة وسد الخلة التي لا بد منها، وذلك كقوله: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} 7، والمراد بالعفو: الزائد على قدر الحاجة التي لا بد منها على أصح التفسيرات، وهو مذهب الجمهور"8.

1 سورة الأعراف: من الآية 137.

2 سورة الشعراء: من الآية 59.

3 سورة الأعراف: من الآية 137.

4 أضواء البيان: محمد الشنقيطي ج2 ص297.

5 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص35، والآية من سورة النساء:69.

6 سورة البقرة: من الآية 3.

7 سورة البقرة: من الآية 219.

8 أضواء البيان: محمد الشنقيطي ج1 ص38.

ص: 526

ومن أنواع البيان: بيان الإجمال الواقع بسبب احتمال في مفسر الضمير، ومن أمثلته قوله تعالى:{وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد} 1.

قال -رحمه الله تعالى-: "فإن الضمير يحتمل أن يكون عائدًا إلى الإنسان، وأن يكون عائدًا إلى رب الإنسان المذكور في قوله: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود} 1؛ ولكن النظم الكريم يدل على عوده إلى الإنسان، وإن كان هو الأول في اللفظ؛ بدليل قوله بعده: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} 1، فإنه للإنسان بلا نزاع وتفريق الضمائر بجعل الأول للرب والثاني للإنسان لا يليق بالنظم الكريم"2.

ومن أنواع البيان: أن يذكر شيء في موضع ثم يقع سؤاله عنه في موضع آخر؛ كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} 3، قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:"لم يبين هنا ما العالَمون، وبيَّن ذلك في موضع آخر بقوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} 4 الآية"5.

ومن أمثلته قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} 6، قال -رحمه الله تعالى-:"لم يبينه هنا وبينه في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} 7 الآية"8.

ومن أنواع البيان التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى أن يذكر أمر في موضع، ثم يذكر في موضع آخر شيء يتعلسق بذلك الأمر، كأن يذكر له سبب أو مفعول او ظرف مكان أو ظرف زمان أو متعلق.

1 سورة العاديات: الآيات 6-8.

2 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص9، 10.

3 سورة الفاتحة: الآية الأولى.

4 سورة الشعراء: من الآيتين 23، 24.

5 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص33.

6 سورة الفاتحة: الآية 4.

7 سورة الانفطار: الآيات 17-19.

8 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص34.

ص: 527

فمثال ذكر سببه قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} 1، قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:"لم يبين هنا سبب قسوة قلوهم؛ ولكنه أشار إلى ذلك في موضع آخر كقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} 2، وقوله: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} 3 الآية"4.

ومن أمثلة المتعلق قوله تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَان} 5 الآية، وقوله:{وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَة} 6، وقوله:{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} 7 فقد ذكر لانشقاقها متعلقًا في الفرقان في قوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} 8 الآية9.

هذه بعض الأمثلة الكثيرة جدًّا، والتي وردت في تفسيره -رحمه الله تعالى- على أصح طرق التفسير؛ ألا وهو تفسير القرآن بالقرآن، وهو النوع الأول من التفسير بالمأثور.

ثانيا: تفسير القرآن بالسنة

أما تفسير القرآن بالسنة ومن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أورد -رحمه الله تعالى- عددًا كثيرًا منها، وهذه بعضها:

فمن ذلك: تفسيره لقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ

1 سورة البقرة: من الآية 74.

2 سورة المائدة: من الآية 13.

3 سورة الحديد: من الآية 16.

4 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص16.

5 سورة الرحمن: من الآية 37.

6 سورة الحاقة: من الآية 16.

7 سورة الانشقاق: الآية الأولى.

8 سورة الفرقان: الآية 25.

9 أضواء البيان: محمد الشنقيطي ج1 ص15.

ص: 528

وَلا الضَّالِّينَ} 1، قال:"قال جماهير من علماء التفسير: "المغضوب عليهم" اليهود "الضالون" النصارى، وقد جاء الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه"2.

وقال في تفسير قوله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 3، وأما الذين قالوا الأطهار فاحتجوا بقوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِن} 4 "قالوا: عدتهن المأمور بطلاقهن لها الطهر لا الحيض كما هو صريح الآية، ويزيده إيضاحًا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتفق عليه: "فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمره الله"5، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم صرح في هذا الحديث المتفق عليه بأن الطهر هو العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء، مبينًا أن ذلك هو معنى قوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِن} ، وهو نص من كتاب الله وسنة نبيه في محل النزاع.

قال مقيده -عفا الله عنه- الذي يظهر لي أن دليل هؤلاء هذا فصل في محل النزاع؛ لأن مدار الخلاف هل القروء الحيضات أو الأطهار؟ وهذه الآية وهذا الحديث دل على أنها الأطهار.

ولا يوجد في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يقاوم هذا الدليل، لا من جهة الصحة، ولا من جهة الصراحة في النزاع؛ لأنه حديث متفق عليه مذكور في معرض بيان معنى آية من كتاب الله تعالى"6.

وفي تفسير قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} 7، قال -رحمه الله تعالى-: "أنكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة على مَن يتقي غيره؛ لأنه لا ينبغي أن يتقي إلا

1 سورة الفاتحة: من الآية 7.

2 أضواء البيان: محمد الشنقيطي ج1 ص37.

3 سورة البقرة: من الآية 228.

4 سورة الطلاق: الآية الأولى.

5 البخاري: التفسير ج6 ص67، مسلم: الطلاق ج2 ص1093.

6 أضواء البيان: محمد الشنقيطي ج1 ص130.

7 سورة النحل: من الآية 52.

ص: 529

من بيده النفع كله والضَّر كله؛ لأن غيره لا يستطيع أن ينفعك بشيء لم يرده الله لك، ولا يستطيع أن يضرك بشيء لم يكتبه الله عليك" -إلى أن قال- وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" 1، وفي حديث ابن عباس المشهور:"واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"3.

وفي تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} 4 الآيتين، قال: وهذا الذي دلت عليه الآيتان من الزجر عن النظر إلى ما لا يحل جاء موضحًا في أحاديث كثيرة.

منها ما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس بالطرقات"، قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدث فيها، قال:"فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه"، قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال:"غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" انتهى.

هذا لفظ البخاري في صحيحه5، وذكر -رحمه الله تعالى- عددًا من الأحاديث غير هذا.

والأمثلة في تفسيره القرآن بالسنة كثيرة جدًّا؛ منها ما هو تفسير مُبهم، ومنها ما هو تخصيص للعام، ومنها ما هو مقيد لمطلق، ومنها ما هو بيان لمعنى أو متعلقه،

1 البخاري: كتاب الأذان ج1 ص205، مسلم: كتاب الصلاة ج1 ص347.

2 رواه الإمام أحمد في سنده ج1 ص293، والترمذي في سننه: كتاب القيامة، باب 59 ج4 ص667.

3 أضواء البيان: محمد الشنقيطي ج3 ص256، 257.

4 سورة النور: الآيتين 30، 31.

5 أضواء البيان: محمد الشنقيطي ج6 ص190، وانظر البخاري: كتاب المظالم ج3 ص103.

ص: 530

ومنها ما هو بيان أحكام زائدة على ما جاء في القرآن، ومنها ما هو بيان للناسخ والمنسوخ، ومنها ما هو تأكيد لما جاء في القرآن، وغير ذلك.

ثالثا: تفسير القرآن بأقوال الصحابة:

والمؤلف -رحمه الله تعالى- كثيرًا ما يستشهد بالتفسير الصحيح لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثيرًا ما يذكر لتفاسيرهم شواهد من آيات القرآن الكريم أو من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ففي تفسير قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} .

قال -رحمه الله تعالى-: " {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} وقع نظيره قطعًا لأهل مكة لما لجوا في الكفر والعناد، ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف" 2، فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء حتى أكلوا الجيف والعلهز -وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه- وأصابهم الخوف الشديد بعد الأمن، وذلك الخوف من جيوش رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته وبعوثه وسراياه، وهذا الجوع والخوف أشار لها القرآن على بعض التفسيرات؛ فقد فسر ابن مسعود آية "الدخان" بما يدل على ذلك".

ثم ذكر -رحمه الله تعالى - بعض الروايات عن ابن مسعود رضي الله عنه وعقب عليها قائلًا: "وفي تفسير ابن مسعود رضي الله عنه لهذه الآية الكريمة- ما يدل دلالة واضحة أن ما أذيقت هذه القرية المذكورة في "سورة النحل" من لباس الجوع أذيقه أهل مكة حتى أكلوا العظام، وصار الرجل منهم

1 سورة النحل: الآية 112.

2 البخاري: كتاب التفسير ج6 ص39، صحيح مسلم: كتاب صفات المنافقين ج4 ص2157.

ص: 531

يتخيل له مثل الدخان من شدة الجوع، وهذا التفسير من ابن مسعود رضي الله عنه له حكم الرفع لما تقرر في علم الحديث من أن تفسير الصحابي المتعلق بسبب النزول له حكم الرفع، كما أشار له صاحب طلعة الأنوار بقوله:

تفسير صاحب له تعلق

بالسبب الرفع له محقق

وكما هو معروف عند أهل العلم"1.

وقال -رحمه الله تعالى- مثل هذا التوثيق لتفسير الصحابي عند تفسيره لقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} 2، فساق الحديث الذي رواه الشيخان وأبو داود والترمذي3، عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول؛ فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} 4، ثم علق على ذلك قائلًا:"فظهر من هذا أن جابرًا رضي الله عنه يرى أن معنى الآية: فائتوهن في القبل على أية حالة شئتم ولو كان من ورائها"5، ثم قال:"والمقرر في علوم الحديث"

إلخ النص السابق قبل أسطر.

وفي تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 6 الآية، قال -رحمه الله تعالى-: "لا يخفى ما يسبق إلى الذهن في هذه الآية الكريمة من عدم ظهور وجه الربط بين هذا الشرط وهذا الجزاء؛ وعليه ففي الآية نوع إجمال، والمعنى كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنه كان الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره، فإن كانت جميلة تزوجها

1 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص340-342.

2 سورة البقرة: من الآية 222.

3 البخاري: كتاب التفسير ج5 ص160، مسلم: النكاح ج2 ص1058، سنن أبي داود: النكاح ج2 ص249، والترمذي: التفسير ج5 ص215.

4 سورة البقرة: من الآية 223.

5 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص124.

6 سورة النساء: من الآية 3.

ص: 532

من غير أن يقسط في صداقها، وإن كانت دميمة رغب عن نكاحها وعضلها أن تنكح غيره؛ لئلا يشاركه في مالها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن

وهذا المعنى الذي ذهبت إليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه يبينه ويشهد له قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} 1.

وقالت رضي الله عنها: إن المراد بما يُتلَى عليكم في الكتاب هو قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية؛ فتبين أنها يتامى النساء؛ بدليل تصريحه بذلك في قوله: {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} الآية، فظهر من هذا أن المعنى: وإن خفتم ألا تقسطوا في زواج اليتيمات فدعوهن، وانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن، وجواب الشرط دليل واضح على ذلك؛ لأن الربط بين الشرط والجزاء يقتضيه، وهذا هو أظهر الأقوال لدلالة القرآن عليه"2.

وكذا في تفسير قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} 3، قال -رحمه الله تعالى-:"في معنى هذه الآية أوجه للعلماء؛ منها: أن المعنى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين يوم القيامة سبيلًا، وهذا مروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم ويشهد له قوله تعالى في أول الآية: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ} الآية، وهو ظاهر"4.

وفي تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} 5، قال -رحمه الله تعالى-: "والتحقيق أن المراد بالكلالة عدم الأصول والفروع، وهذا قول

1 سورة النساء: من الآية 127.

2 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص266، 267.

3 سورة النساء: من الآية 141.

4 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص377.

5 سورة النساء: من الآية 12.

ص: 533

أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأكثر الصحابة، وهو الحق إن شاء الله تعالى"1.

هذه بعض الأمثلة لتفسير الصحابة رضي الله عنهم التي أوردها المؤلف -رحمه الله تعالى- في تفسيره، والمطلع على تفسيره يدرك بحق اهتمامه -رحمه الله تعالى- بتحري تفسير الصحابة -الصحيح منه- والقول به، والاستشهاد لما يعضده من الآي والحديث.

ومن هذه الأمثلة التي سقناها من تفسيره القرآن بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة رضي الله عنهم يظهر أثر التفسير بالمأثور في تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن "بما يجعله في مقدمة التفاسير في العصر الحديث من غير منازع حسب ما اطعلت عليه من التفاسير".

1 أضواء البيان: الشنقيطي ج1 ص275.

ص: 534

‌نماذج التفسير العلمي التجريبي في العصر الحديث:

لا شك أن هذا التفسير لو لم يُربط بينه وبين النصوص القرآنية لكان من الحديث في الأمور الغيبية بلا برهان، فكيف والأمر تجاوز هذا إلى تفسير النصوص القرآنية به، أحسب هذا أمرًا لا ينبغي من مسلم يلتزم بأحكام دينه حتى ولو كان ذا قصد سامٍ في الدعوة إلى الله، فليس هذا بالطريق الحق والله الهادي.

خامسًا: قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} 1.

قال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: " {عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} على أن نجمع بعضها إلى بعض فنردها كما كانت مع لطافتها وصغرها، فكيف بكبار الأعضاء؛ فنبه سبحانه بالبنان وهي الأصابع على بقية الأعضاء، وأن الاقتدار على بعثها وإرجاعها كما كانت أَوْلَى في القدرة من إرجاع الأصابع الصغيرة اللطيفة المشتملة على المفاصل والأظافر والعروق اللطاف والعظام الدقاق، فهذا وجه تخصيصها بالذكر"2.

أما الأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم فقال في تفسيرها: "تدل عبارة تسوية البنان على معنى لم يكشف العلم سره إلا بعد نزول الآية بأكثر من ألف سنة؛ حينما عرف أن لكل بنان بصمة خاصة به، تختلف فيها اتجاهات خطوطها اختلافًا واضحًا بين فرد وآخر وبين جمع البشر، وقد استخدم الإنسان هذه الاختلافات في تحقيق الشخصية عن طريق البصمات، وقد أفادت هذه الحقيقة في التعرف على الأشخاص عن طريق بصماتهم، في حالة وقوع جرائم يترك الجناة فيها بصماتهم على أي شيء تناولوه"3.

قلت: والذي يجمع بين تفسيري السلف والعلم الحديث أن كلًّا منهما يؤكد أن تخصيص البنان بالذِّكْرِ يدل على أن مَن أعاد خلقها فهو أقدر على إعادة خلق غيرها من بقية الأعضاء، وإن اختلف التعليل عند هؤلاء وهؤلاء؛ فالشوكاني

1 سورة القيامة: 3، 4.

2 فتح القدير: الإمام الشوكاني ج5 ص336.

3 القرآن وإعجازه العلمي: محمد إسماعيل إبراهيم ص111.

ص: 526

حسب العلة صغرها ولطافتها ودقة عظامها، ومحمد إسماعيل عللها بأن لكل بنان بصمة خاصة به من بين جميع البشر، وفي الأمر سَعَة لتعليل الكل، والله أعلم.

سادسًا: قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} 1.

قال الطبري -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} : "وهذا مَثَلٌ من الله تعالى ذكره، ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه -أي: إلى الإسلام- مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه، لأن ذلك ليس في وُسْعِه"2.

وقال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقال ابن المبارك عن ابن جريج: ضيقًا حرجًا بلا إله إلا الله، حتى لا تستطيع أن تدخل قلبه كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه، وقال سعيد بن جبير يجعل صدره ضيقًا حرجًا قال: لا يجد فيه مسلكًا إلا صَعِدَ، وقال السدي: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} من ضيق صدره، وقال عطاء الخراساني: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد إلى السماء، وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} يقول: فكما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يستطيع أن يدخل التوحيد والإيمان قلبه حتى يُدخله الله في قلبه"3.

ذلكم تفسير السلف، أما التفسير العلمي فيقدمه الأستاذ محمد عفيفي الشيخ فقال في ذلك: "الله سبحانه وتعالى يقرر أن الارتفاع إلى عِنَانِ السماء يصحبه ضيق الصدر والشعور بالاختناق، وقد اكتشف العلماء أخيرًا أن ذلك بسبب نقص الضغط الجوي وكميات الأكسيجين التي تستقبلها الرئتان، وهذه

1 سورة الأنعام: الآية 125.

2 جامع البيان: الإمام الطبري ج12 ص109.

3 تفسير ابن كثير: ج2 ص189.

ص: 527