الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمثلة من تفسيره:
تفسير القرآن بالقرآن:
ففي الفاتحة مثلًا فسَّر "يوم الدين: من قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} 1 بقوله: "وبينه الله تعالى في سورة الانفطار بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} "2 [الانفطار: 17-19] .
وفسر قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 1 بقوله: "ويعني: الأنبياء والمؤمنين، وقد بينه في سورة النساء بقوله: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} "3 [النساء: 96] .
وفسر قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 1 بقوله: "وقال السهيلي: وشاهد ذلك قوله تعالى في اليهود: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} 4، وفي النصارى:{قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا} 5، 6.
ومن سورة البقرة مثلًا فسر قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} 7 الآية، بقوله:"ونحن ذاكرون لك -إن شاء الله- ما يجلي المعنى في الآية، مقتفين أثر ابن العدل8 والقرطبي فيما قالاه في معنى "كان"، وأنها للثبوت لا للمضي، غير أنا نقدم لك ما جاء في كتاب الله من وصف الأمة بالواحدة، والمعنى من ذلك الوصف في مواضعه المختلفة؛ ليكون في ذلك توضيح لما نقصد إليه، وسند لنا فيما إليه نعمد، والله الموفق.
1 سورة الفاتحة: الآيتين 4، 7.
2 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج1 ص8.
3 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج1 ص9.
4 سورة البقرة: من الآية 90.
5 سورة المائدة: من الآية 77.
6 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج1 ص9.
7 سورة البقرة: من الآية 213.
8 هكذا ولعلها "ابن العربي".
ورد وصف الأمة بالواحدة في قوله تعالى في سورة الأنبياء {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [21: 92، 93] جاءت هذه الآية الكريمة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} إلخ بعد ذكر جمع من الأنبياء -صلوات الله عليهم- وذكر ما كان من شأنهم مع قومهم، والخطاب فيها للأنبياء كما يفسره قوله تعالى في سورة المؤمنين بعدما ذكر من أحوال الأنبياء والمرسلين وما كان من أقوامهم معهم:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ، فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [23: 51-54] .
وقد جاء لفظ "أمة" بالنصب في الآيتين على الحال، والخبر قد تم في قوله:{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} أي: هذا الجمع من الأنبياء والمرسلين أمتكم؛ أي: جماعتكم حال أنها أمة واحدة؛ أي: ليس جمعًا تربطه الروابط البعيدة، كما يقال: أمة الهند على اختلاف مللها وتفرق كلمتها؛ بل هي أمة تربطها رابطة قريبة هي رابطة الاهتداء بنور الله، والدعوة إلى توحيده، والقيام على شرعه، وحمل الناس على اتباع أحكامه، فهي مجتمعة على أمر واحد لا تعدد فيه هو الحق والعدل، فهي جديرة بأن تكون أمة واحدة، وإن شئت قلت كما قالوا: إن الأمة بمعنى الملة -في الآيتين- يراد بذلك أن الله يخبر المرسلين بأن هذا الذي سبق في الكلام من السير في الناس بهداية الله، والمثابرة على ذلك، وعدم المبالاة بما يكون منهم من تكذيب أو تعذيب، هذه هي ملتكم ودينكم وهو أمر واحد لا تعدد فيه، يأتي به السابق، ويتبعه عليه اللاحق، لا يختلف فيه نبي عن نبي، ولا يناكر فيه مرسل مرسلًا.
هذا المعنى من الوَحْدَة هو الذي جاء في قوله تعالى في سورة هود: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين} [11: 118]، وفي قوله في سورة الشورى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِير} 1 [42: 8] ".
1 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج1 ص187، 188.
هذا بعض ما قاله المؤلف جزاه الله خيرًا، وقد وأطال في الحديث عن هذه الآيات ونحوها وصلة بعضها ببعض.
وفي سورة آل عمران في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} 1 الآية، قال بعد بيان:"واعلم أن نص القرآن دل على أنه تعالى حين رفعه ألقى شبهه على غيره، قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 157، 158] "2.
ومنه أيضًا تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} 3، قال:"وهذا هو الغيب الذي أمر المكلفون بالإيمان به ومدحوا عليه في مثل قوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [2: 1، 2] والدليل على كون المراد أن من يجتبيهم من رسله يطلعهم على ما شاء أن يبلغوه لعباده من خبر الغيب هو مثل قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ} [72: 26-29] "4.
ومن سورة النساء قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا} 5، قال في تفسيرها: "في الكلام إضمار تقديره: {وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} فقرينهم الشيطان {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا} والقرين:
1 سورة آل عمران: من الآية 55.
2 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج1 ص388.
3 سورة آل عمران: من الآية 179.
4 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج1 ص526.
5 سورة النساء: من الآية 38.
المقارن؛ أي: الصاحب والخليل، والمعنى: مَن قَبِلَ من الشيطان في الدنيا فقد قارنه؛ أي: أن الحامل لأولئك المتكبرين على ما ذكر هو وسوسة الشيطان التي عبر عنها في آية البقرة بقوله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [2: 268] ، فبيَّن أن هؤلاء قرناء الشيطان"1.
ومن سورة المائدة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} 2، قال:"إلا ما يُتلى عليكم مما حرم؛ أي: يقرأ عليكم في القرآن والسنة من قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة} 3 الآية، من هذه السورة، وقوله عليه الصلاة والسلام: "وكل ذي ناب من السباع حرام"، وهو الذي استثناه"3.
ومن سورة الأنعام في قوله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} 4، قال:"أي: قرأت الكتب، وقيل: "دارست" أي: دارست أهل الكتاب وتعلمت منهم، رُوي هذا عن ابن عباس، وأولى القراءات بالصواب عند الطبري قراءة مَن قرأ: "وليقولوا درست" بتأويل قرأت وتعلمت؛ لأن المشركين كذلك كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وقد أخبر الله عن قيلهم ذلك بقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] فهذا خبر من الله ينبئ عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما يتعلم محمد ما يأتيكم به من غيره"5.
هذه بعض الأمثلة على تفسيره القرآن بالقرآن أصح طرق التفسير بالمأثور؛ بل أصح طرق التفسير على الإطلاق.
1 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج2 ص58.
2 سورة المائدة: الآية الأولى.
3 المرجع السابق: ج2 ص234.
4 سورة الأنعام: الآية 105.
5 المرجع السابق: ج2 ص498.
تفسير القرآن بالسنة:
فمن ذلك مثلًا تفسيره لقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} 1،: قال: "يقول: لا تجعلوا الله بالحلف به مانعًا لكم من أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس؛ ولكن إذا حلفتم على ألا تصلوا رحمًا ولا تتصدقوا ولا تصلحوا وعلى أشباه ذلك من أبواب البر؛ فكفروا وائتوا الذي هو خير، وفي الحديث: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فائتِ الذي هو خير وكفر عن يمينك" 2 "3.
وفي قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا} 4 الآية، قال:"وفي الحديث: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء" 5، 6.
وفي قوله تعالى عن امرأة عمران لما وضعت ابنتها مريم: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} 7، قال:"وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يُولد فيستهل صارخًا من مس الشيطانه إيَّاه إلا مريم وابنها"، ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} "8.
1 سورة البقرة: الآية 224.
2 صحيح البخاري: كتاب الإيمان ج7 ص216، وصحيح مسلم: كتاب الإيمان ج11 ص116، إلا أن الحديث فيهما بتقديم "فكَفِّر عن يمينك" على "وائت الذي هو خير".
3 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج1 ص213.
4 سورة البقرة: من الآية 275.
5 رواه الإمام أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، والنسائي في سننه عن أبي سعيد الخدري.
6 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج1 ص271.
7 سورة آل عمران: من الآية 36.
8 الموجز في تفسير القرآن: محمد رشدي حمادي ج1 ص370، صحيح البخاري: التفسير ج5 ص166، ومسلم: الفضائل ج4 ص1838.
وفي تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 1، قال:"وفي الصحيحين عن ابن مسعود لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله: "ليس هو كما تظنون؛ إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} " 2، 3.
ولولا خشية الإطالة لسقنا أكثر من ذلك من تفسيره القرآن بالسنة، وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله.
تفسير القرآن بأقوال الصحابة:
وهي الدرجة الثالثة من التفسير بالمأثور، وقد أورد الأستاذ محمد رشدي حمادي كثيرًا من هذا النوع من التفسير في تفسيره، نذكر منه:
في تفسيره: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} 4، قال:"وعن ابن عباس في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي: قاضي يوم الدين، وهو يوم الحساب والقضاء فيه بين الخلائق؛ أي: يوم يدان فيه الناس بأعمالهم لا قاضي غيره"5.
وفي قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 6 الآية، قال:"عن ابن عباس: هو قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة، لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين"7.
وفي قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 8، قال:
1 سورة الأنعام: الآية 82.
2 سورة لقمان: من الآية 13.
3 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج2 ص 464.
4 سورة الفاتحة: من الآية 4.
5 المرجع السابق: ج1 ص8.
6 سورة البقرة: من الآية 225.
7 المرجع السابق: ج1 ص214.
8 سورة البقرة: من الآية 228.
"وفي كتاب أبي داود والنسائي عن ابن عباس قال في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق بها، وإن طلقها ثلاثًا فنسخ ذلك وقال: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} الآية"1.
وفي تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} 2 قال: "ورُوي عن ابن عباس أيضًا أنه قال: هذا مَثَلٌ ضربه الله للمرائين بالأعمال يبطلها يوم القيامة أحوج ما كان إليها كمثل رجل كانت له جنة وله أطفال لا ينفعونه، فكَبِرَ وأصاب الجنة أعصار؛ أي: ريح عاصف فيه نار فاحترقت؛ ففقدها أحوج ما يكون إليها"3.
وفي تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} 4، قال:"قال ابن عباس: أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه -وهو خبيثه- فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا"5.
وبعد هذه بعض الأمثلة أيضًا من تفسيره للقرآن بأقوال الصحابة، وبهذا يكون هذا التفسير محتويًا على أنواع التفسير بالمأثور الثلاثة: تفسير القرآن بالقرآن، وتفسيره بالسنة، وتفسيره بأقوال الصحابة.
رأيي في هذا التفسير:
والحق أن هذا التفسير مع حرصه على إيراد التفسير بالمأثور إلا أنا نراه لم يلتزم تمامًا بما وعد به في مقدمة تفسيره.
فهو تفسير لم يخلُ من الإسرائيليات كما وعد صاحبه؛ بل إنه ينقل عن هذه
1 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج1 ص215.
2 سورة البقرة: من الآية 266.
3 المرجع السابق: ج1 ص266.
4 سورة البقرة: من الآية 267.
5 المرجع السابق: ج1 ص267.
الكتب مباشرة؛ أعني: التوراة والإنجيل، وعن غيرها من مصادر الإسرائيليات، وأحسب أن الذي أدَّى به إلى ذلك توسعه في التاريخ القديم منه توسعًا يوقعه أحيانًا في الإسرائيليات وما لا فائدة تُرجَى من تناوله.
ومن المآخذ عليه أيضًا تلك الأبحاث العلمية والفلكية التي يتوسع فيها أحيانًا توسعًا مذمومًا في تفسيره للقرآن؛ ومن ذلك مثلًا: ذلك الحديث المسهب1 عن علم الفلك الذي تحدث فيه عن علم الفلك عند علماء المسلمين، وتسلسل هذا العلم إلى نزول رجلين على سطح القمر، ثم حديث عن المجموعة الشمسية والمسافات بينها ودرجات الحرارة فيها، ثم حديث عن المجرات، ثم حديث عن علم النجوم، وكان الأَوْلَى لمثل تفسيره ألا يعرض فيه مثل هذه الأبحاث خاصة أنه وعد في المقدمة بأن تفسيره خلا من التفسير بالرأي، فهل هذه المعلومات خارجة عن الرأي؟!
ومنها أيضًا ذلك البحث الذي ألحقه بالجزء الأول تحت عنوان "تفسير فواتح السور"2، أدرج فيه ما سماه بتفسير علمي لفواتح سور القرآن، وذلك فيه أيضًا ما ينبغي تنزيه مثل هذا التفسير عنه.
ومآخذ أخرى هي أقل شأنًا مما ذكرنا، ومع هذا فتبقى لهذا التفسير محاسنه من التفسير بالمأثور، ومن معالجته لشئون الحكومة الإسلامية، ووجوب تعديل القوانين حتى توافق التشريع الإسلامي، وتكراره لذلك عند كل مناسبة، ثم تشخيصه لداء العالم الإسلامي في العصور الحديثة، ووصفه الدواء لكثير من مشاكله.
رأيي في تفاسير هذا اللون في القرن الرابع عشر:
الحق أني لم أجد مثل هذين التفسيرين عناية بالمأثور مع الفارق الكبير بين عناية الأول منهما -أعني: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- وعناية الثاني -أعني:
1 انظر تفسيره ج2 ص480.
2 انظر تفسيره أيضًا ج1 ص547.
المستشار محمد رشدي حمادي- فقد تفوق الأول بلا نزاع في هذا اللون من التفسير تفوقًا لا يدانيه الثاني، ومع هذا يبقى للأستاذ محمد رشدي حمادي درجته المتقدمة في هذا اللون.
ومع هذا وذاك فلا يزال ميدان التفسير بالمأثور يعاني قلة خائضي عبابه، وكم كنت أتمنى أن يقوم مَن آتاه الله سَعَة في العلم بتأليف أو بجمع الآيات التي يفسر بعضها بعضًا وأن يضم إليها سعة في العلم بتأليف أو بجمع الآيات التي يفسر بعضها بعضًا، وأن يضم إليها الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، مبينًا درجة كل حديث، ويرتب هذا كله حسب ترتيب المصحف، وليس له فيما جمع إلا الربط بين آية وآية أو آية وحديث، وله أيضًا مع هذا تخريج الأحاديث ليس إلا، وأحسب أن العلماء والعامة بحاجة ماسة إلى هذا التفسير، وعسى أن يكون فرجًا قريبًا.
وإن كان لي من رأي بعد هذا أقوله في الموجود من التفاسير الحديثة فهو أنها -أو غالبها- لا تهتم بالتفسير بالمأثور، حاشى أن أتهمهم بقصد هذا؛ ولكن الأمر فيما أظن اعتقاد بعضهم أن الناس قد انصرفوا عن هذا اللون من التفسير، وإيراد بعضهم الآخر التفسير بالمأثور بالمعنى من غير إيراد الآيات أو الأحاديث بنصوصها، وانشغال بعض ثالث إلى مباحث أخرى على حساب التفسير بالمأثور، وقد يكون هنا تعليلات أخرى، والله الموفق.