المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أقوال المعارضين: وهم ولا شك وإن كانوا الأقل إلا أنهم ليسوا - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر - جـ ٢

[فهد الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثاني: الاتجاهات العلمية في التفسير

- ‌الفصل الأول: المنهج الفقهي في التفسير

- ‌مدخل

- ‌أولا: فقه أهل السنة والجماعة

- ‌مدخل

- ‌تفاسير آيات الأحكام:

- ‌ثانيا: فقه الشيعة الإمامية "الاثنى عشرية

- ‌فرض الرجلين في الوضوء

- ‌صلاة الجمعة:

- ‌خمس الغنائم:

- ‌نكاح المتعة:

- ‌نكاح المشركات والكتابيات:

- ‌الحجاب:

- ‌إرث الأنبياء:

- ‌قطع يد السارق:

- ‌ثالثا: فقه الأباضي

- ‌مدخل

- ‌مسح الرجلين:

- ‌نكاح الكتابيات:

- ‌الإصباح على جنابة:

- ‌الفصل الثاني: المنهج الأثري في التفسير

- ‌المراد به:

- ‌التفسير بالمأثور في القرن الرابع عشر الهجري:

- ‌أولا: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن

- ‌مدخل

- ‌أمثلة من تفسيره:

- ‌ثانيا: الموجز في تفسير القرآن الكريم

- ‌منهجه في التفسير

- ‌أمثلة من تفسيره:

- ‌الفصل الثالث: المنهج العلمي التجريبي في التفسير

- ‌المراد به:

- ‌تعريفه:

- ‌موقف العلماء السابقين من التفسير العلمي التجريبي

- ‌مدخل

- ‌رأي المؤيدين:

- ‌رأي المعارضين:

- ‌موقف العلماء المعاصرين من التفسير العلمي التجريبي

- ‌مدخل

- ‌أقوال المؤيدين:

- ‌أقوال المعارضين:

- ‌الرأي المختار:

- ‌أهم المؤلفات

- ‌نماذج التفسير العلمي التجريبي في العصر الحديث:

- ‌أمثلة من المؤلفات في التفسير العلمي التجريبي

- ‌أولا: تفسير الجواهر في تفسير القرآن الكريم

- ‌ثانيًا: كشف الأسرار النورانية القرآنية

- ‌ثالثًا: الكون والإعجاز العلمي للقرآن

- ‌رابع: مع الطب في القرآن الكريم

- ‌خامسًا: الإعجاز العددي للقرآن الكريم

- ‌رأيي في هذه المؤلفات:

- ‌الباب الثالث: منهج المدرسة الاجتماعية الحديثة في التفسير

- ‌تمهيد

- ‌المراد به:

- ‌العقل في القرآن:

- ‌مكانة العقل في الإسلام:

- ‌نشأة المدرسة العقلية الاجتماعية الحديثة:

- ‌منهج المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير

- ‌الأساس الأول: الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم

- ‌الأساس الثاني: الوَحْدَة الموضوعية في السورة القرآنية

- ‌الأساس الثالث: تحكيم العقل في التفسير

- ‌الأساس الرابع: إنكار التقليد وذمه والتحذير منه

- ‌الأساس الخامس: التقليل من شأن التفسير بالمأثور

- ‌الأساس السادس: التحذير من التفسير بالإسرائيليات

- ‌الأساس السابع: القرآن هو المصدر الأول في التشريع

- ‌الأساس الثامن: الشمول في القرآن الكريم

- ‌الأساس التاسع: التحذير من الإطناب

- ‌الأساس العاشر: الإصلاح الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌الحريَّة:

- ‌التحذير من البدع والمنكرات في العقائد:

- ‌الجانب التهذيبي:

- ‌الإصلاح الاقتصادي:

- ‌قضية المرأة:

- ‌أهم مؤلفات المدرسة العقلية الاجتماعية في التفسير

- ‌مدخل

- ‌أولا: تفسير القرآن الكريم المشهور "بتفسير المنار

- ‌أولا: المؤلف

- ‌ثانيا: التفسير

- ‌ثانيًا: تفسير جزء تبارك

- ‌أولًا: المؤلف

- ‌ثانيًا: التفسير

- ‌رأيي في هذا المنهج:

الفصل: ‌ ‌أقوال المعارضين: وهم ولا شك وإن كانوا الأقل إلا أنهم ليسوا

‌أقوال المعارضين:

وهم ولا شك وإن كانوا الأقل إلا أنهم ليسوا بقلة، وفوق هذا منهم أعلام لرأيهم قيمته ومكانته، وذِكْرُنا لذلك العدد من المؤيدين يوجب علينا ذِكْرَ مثلهم أو ما يقاربه من المعارضين؛ التماسًا للحياد في العرض، والعدالة في القسمة؛ فمن هؤلاء:

محمود شلتوت:

وهو من أبرز المعارضين للتفسير العلمي وأشهرهم؛ فقد ذكر في تفسيره ناحيتين يجب تنزيه التفسير عنهما، وجعل تفسير القرآن على مقتضى النظريات العلمية الناحية الثانية منهما، فقال:

"وأما الناحية الثانية: فإن طائفة أخرى هي طائفة المثقفين الذين أخذوا بطرف من العلم الحديث، وتلقنوا أو تلقفوا شيئًا من النظريات العلمية والفلسفية والصحية وغيرها، أخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة، ويفسرون آيات القرآن على مقتضاها.

نظروا في القرآن فوجدوا الله سبحانه وتعالى يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 1؛ فتأولوها على نحو زين لهم أن يفتحوا في القرآن فتحًا جديدًا؛ ففسروه على أساس من النظريات العلمية المستحدثة، وطبقوا آياته على ما وقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية، وظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام، ويدعون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية.

1 سورة الأنعام: من الآية 38.

ص: 578

نظروا في القرآن على هذا الأساس؛ فأفسد ذلك عليهم أَمْرَ علاقتهم بالقرآن، وأفضى بهم إلى صورمن التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله، فإذا مرت بهم آية فيها ذِكْر للمطر، أو وصف للسحاب، أو حديث عن الرعد أو البرق؛ تهللوا واستبشروا، وقالوا: هذا هو القرآن يتحدث إلى العلماء الكونيين، ويصف لهم أحدث النظريات العلمية عن المطر والسحاب، وكيف ينشأ، وكيف تسوقه الرياح".

ولم يزل الشيخ شلتوت يذكر بعض الأمثلة الخاطئة في التفسير العلمي، ثم عقب عليها ببيان جوانب الخطأ في هذا الاتجاه بقوله:

"هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك؛ لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتابًا يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف.

وهي خاطئة من غير شك؛ لأنها تحمل أصحابها والمغرمين بها على تأويل القرآن تأويلًا متكلفًا، يتنافى مع الإعجاز، ولا يسيغه الذوق السليم.

وهي خاطئة؛ لأنها تعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير، فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصح غدًا من الخرافات.

فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة؛ لعرضناه للتقلب معها، وتحمل تبعات الخطأ فيها، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفًا حرجًا للدفاع عنه.

فلندع للقرآن عظمته وجلالته، ولنحفظ عليه قدسيته ومهابته، ولنعلم أن ما تضمنه من الإشارة إلى أسرار الخَلْق وظواهر الطبيعة؛ إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر؛ ليزداد الناس إيمانًا مع إيمانهم.

وحسبنا أن القرآن لم يصادم -ولن يصادم- حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول"1.

1 تفسير القرآن الكريم: محمود شلتوت ص11، 13، 14.

ص: 579

وهأنت ترى أن الشيخ شلتوت يرفض هذا اللون من التفسير، ويعده مما يجب أن ينزه عنه التفسير، ويذكر جوانب الخطأ فيه، ويدعو إلى أن ندع للقرآن عظمته وجلالته، مع اعترافه أن القرآن لم يصادم -ولن يصادم- حقيقة علمية.

والذي أعتقده أن الشيخ شلتوت ما اتخذ هذا الموقف إلا كردِّ فعل لما شاهده في عصره من جُرأة كثير من المفسرين ونحوهم على آيات القرآن، يفسرونها بكل ما فيه مسحة من العصر علمية، معرضين أو غافلين عن التفريق بين حقها وباطلها؛ مما أوقعهم وسيوقعهم في حرج شديد حين ظهور بطلان ما اتكئوا عليه من النظريات، وهو بُعْدُ نظر منه رحمه الله.

أمين الخولي:

ولئن كان الشيخ شلتوت من أبرز المعارضين ومن أشهرهم، فإن أمين الخولي هو أبرزهم وأشهرهم إن كان مقياس ذلك قوة الرفض وضعفه؛ فقد عقد أمين الخولي في رسالة له صغيرة عن "التفسير معالم حياته منهجه اليوم" عقد بحثًا عنوانه:"إنكار التفسير العلمي"، ذكر فيه قِدَمَ الاتجاه إلى التفسير العلمي، وقِدَمَ المخالفة في صحته، وعرض فيه أدلة الشاطبي وأقواله في إنكار هذا اللون من التفسير، ثم عقب على هذا بقوله:

"وإذا كان هذا هو الرأي القديم العهد في فهم القرآن فهمًا يجعله مصدر العلوم المختلفة، ويأخذ كَلِمَه باصطلاحات حادثة بعده بأزمنة غير قصيرة؛ فإنك لتضم إلى هذا البيان من النظرات الحديثة ما يؤيده ويعززه؛ فمنها:

1-

الناحية اللغوية في حياة الألفاظ وتدرج دلالتها، لو ملكنا منها ما لَا بُدَّ لنا أن نملكه في تحديد هذا التدرج، وتأريخ ظهور المعاني المختلفة للكلمة الواحدة، وعهد استعمالها فيها؛ لوجدنا من ذلك ما يحول بيننا وبين هذا التوسع العجيب في فَهْم ألفاظ القرآن، وجعلها تدل على معاني وإطلاقات لم تعرف لها ولم تستعمل فيها، أو إن كانت تلك الألفاظ قد استعملت في شيء منها، فباصطلاح حادث في الملة بعد نزول القرآن بأجيال.

2-

الناحية الأدبية أو البلاغية -إن شئت- والبلاغة -فيما يقال- مطابقة

ص: 580

الكلام لمقتضى الحال، فهل كان القرآن على هذا النحو المتوسع من التفسير العلمي كلامًا يوجه إلى مَن خُوطب به من الناس في ذلك العهد، مرادًا به تلك المعاني المذكورة، مع أنها معانٍ من العلم لم تعرفها الدنيا إلا بعدما جازت آمادًا فسيحة، وجاهدت جهادًا طويلًا، ارتقى به عقلها وعلمها!!! وهب هذه المعاني العلمية المدعاة كانت هي المعاني المرادة بالقرآن، فهل فهمها أهل العربية منه إذا ذاك وأدركوها؟!

وإذا كانوا قد فهموها فما لنهضتهم العلمية في علوم الحياة المختلفة لم تبدأ بظهور القرآن، ولم تقم على هذه الآيات الشارحة لمختلف نظريات العلوم المفهمة لدقائقها!! وإن كانت لم تفهم منها، ولم يدركها أصحاب اللغة الخُلَّص من عبارتها كما هو الواقع فعلًا فكيف تكون معاني القرآن المرادة؟ وكيف تكون تلك الألفاظ مفهمة لها؟ وهل هذه هي المطابقة لمقتضى الحال؟!

3-

وهناك الناحية الدينية أو الاعتقادية؛ وهي التي تبين مهمة كتاب الدين، وهل هو كتاب يتحدث إلى عقول الناس وقواهم العالمة عن مشكلات الكون وحقائق الوجوه العلمية؟ وكيف يساير ذلك حياتهم ويكون أصلًا ثابتًا لها تختم به الرسالات السماوية كما هو الشأن في القرآن، مع أن هؤلاء المتدينين لا يقفون من معرفة هذه الحقائق عند غاية محدودة، ولا ينتهون منها عند مدى ما! فكيف تؤخذ جوامع الطب والفلك والهندسة والكيمياء من القرآن على نحو ما سمعت آنفًا، وهي جوامع لا يضبطها اليوم أحد إلا تغير ضطبه لها بعد يسير من الزمن أو كثير، وما ضبطه منها القدماء قد تغير عليهم فيما مضى، ثم تغير تغيرًا عظيمًا فيما تلا!!

والحق البيِّن أن كتاب الدين لا يُعنَى بهذا من حياة الناس، ولا يتولاه بالبيان، ولا يكفيهم مؤنته حتى يلتمسوه عنده، ويعدوه مصدرًا فيه.

وأما ما اتجهت إليه النوايا الطيبة من جعل الارتباط بين كتاب الدين والحقائق العلمية المختلفة ناحية من نواحي بيان صدقه أو

إعجازه أو صلاحيته للبقاء

إلخ، فربما كان ضَرُّه أكثر من نفعه، على أنه إن كان لَا بُدَّ لأصحاب

ص: 581

هذه النوايا ومَن لف لفهم من أن يتجهوا إليه؛ ليدفعوا مناقضة الدين للعلم، فلعله يكفي في هذا ويفي، ألا يكون في كتاب الدين نص صريح يصادم حقيقة علمية يكشف البحث أنها من نواميس الكون ونظم وجوده، وحسب كتاب الدين بهذا القدر صلاحية للحياة ومسايرة للعلم وخلاصًا من النقد"1.

هذا ما يراه أمين الخولي، وفيه ما يُقبل وفيه ما يُرد، وما توقفت عند نصوصه مثل وقوفي عند قوله: "والحق البيِّن أن كتاب الدين لا يُعنَى بهذا من حياة الناس ولا يتولاه بالبيان

إلخ"؛ إذ لا أدري على أي أساس قال هذا، وما هي المقدمات التي كانت نتائجها الفصل بين الدين والعلم، ولن أقف طويلًا في محاورته؛ إذ الحديث آتٍ بعدُ، إن شاء الله.

محمد حسين الذهبي:

أما الشيخ الذهبي -رحمه الله تعالى- فهو كالخولي يعقد فصلًا عنوانه: "إنكار التفسير العلمي"، بسط فيه رأي الشاطبي وأدلته وأطال في ذلك، ثم تحدث الذهبي عن اختياره في هذا الموضوع، قال فيه:"أما أنا فاعتقادي أن الحق مع الشاطبي رحمه الله لأن الأدلة التي ساقها لتصحيح مدعاه أدلة قوية، لا يعتريها ضعف، ولا يترطق إليها خلل، ولأن ما أجاب به على أدلة مخالفيه أجوبة سديدة دامغة، لا تثبت أمامها حججهم ولا يبقى معها مدعاهم، وهناك أمور أخرى يتقوى بها اعتقادنا أن الحق في جانب الشاطبي ومن لفَّ لفه"2.

ثم ذكر الذهبي -رحمه الله تعالى- نفس الأمور الثلاثة التي ذكرها قبله أمين الخولي في إنكار التفسير العلمي، مع بعض الاختلاف في بعض العبارات، وإن كانت المعاني في كل واحدة، والأمور الثلاثة -كما مر- هي:

1-

الناحية اللغوية.

1 التفسير معالم حياته منهجه اليوم: أمين الخولي ص25، 26.

2 التفسير والمفسرون: محمد حسين الذهبي ج3 ص157.

ص: 582

2-

الناحية البلاغية.

3-

الناحية الاعتقادية.

ثم عقب على هذه الأمور الثلاثة نحو تعقيب الخولي فقال: "وإذا كان أرباب هذا المسلك في التفسير يستندون إلى ما تناولته بعض آيات القرآن من حقائق الكون ومشاهده، ودعوة الله لهم بالنظر في كتاب الكون وآياته التي بثها في الآفاق وفي أنفسهم، إذا كانوا يستندون إلى مثل هذا في دعواهم أن القرآن قد جمع علوم الأولين والآخرين؛ فهم مخطئون ولا شك؛ وذلك لأن تناول القرآن لحقائق الكون ومشاهده، ودعوته إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض وفي أنسهم، لا يراد منه إلا رياضة وجدانات الناس، وتوجيه عامتهم وخاصتهم إلى مكان العظة والعبرة، ولفتهم إلى آيات قدرة الله ودلائل وحدانيته، من جهة ما لهذه الآيات والمشاهد من روعة في النفس وجلال في القلب، لا من جهة ما لها من دقائق النظريات وضوابط القوانين، فليس القرآن كتاب فلسفة أو طب أو هندسة.

وليعلم أصحاب هذه الفكرة أن القرآن غنيٌّ عن أن يعتز بمثل هذا التكلف الذي يوشك أن يخرج به عن هدفه الإنساني الاجتماعي في: إصلاح الحياة، ورياضة النفس، والرجوع بها إلى الله تعالى.

وليعلم أصحاب هذه الفكرة أيضًا أن من الخير لهم ولكُتَّابهم ألا ينحوا بالقرآن هذا المنحى في تفسيرهم؛ رغبة منهم في إظهار إعجاز القرآن وصلاحيته للتمشي مع التطور الزمني، وحسبهم ألا يكون في القرآن نص صريح يصادم حقيقة علمية ثابتة، وحسب القرآن أنه يمكن التوفيق بينه وبين ما جد ويجد من نظريات وقوانين علمية تقوم على أساس من الحق، وتستند إلى أصل من الصحة"1.

والذهبي كما ترى يرفض التفسير العلمي أو تطبيق آيات القرآن عليه كل

1 التفسير والمفسرون: محمد حسين الذهبي ج2 ص159، 160.

ص: 583

الرفض، ويبدو لي أنه متأثر بهذا برجلين؛ أولهما: الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى- فقد بسط رأيه وأدلته مؤيدًا لها. وأما ثانيهما: فأمين الخولي؛ فقد أورد نفس حججه وأدلته التي زادها على أدلة الشاطبي.

محمد عزة دروزة:

رفض الأستاذ دروزة التفسير العلمي واستخراج النظريات العلمية والفنية والكونية من الكلمات والآيات عند تفسيره لقوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} 1، فقال: "ولقد قرأنا مقالًا أراد كاتبه أن يجعل صلة بين اختصاص البنان بالذكر وبين ما ظهر حديثًا من علم بصمات الأصابع، وما صار له من خطورة في إثبات شخصيات الناس، وتمشيًا مع الفكرة التي سادت بعض الناس من استخراج النظريات العلمية والفنية والكونية من الكلمات والآيات القرآنية للتدليل على صدق القرآن وإعجازه، ومعجزات الله المشار إليها فيه، وفي هذا في اعتقادنا تحميل لكلمات القرآن وآياته غير ما تتحمل، وإخراج له من نطاق قدسيته وغايته، وتعريض له للجدل والنقاش.

ولقد نزل القرآن بلسان العرب على قوم يفهمونه، وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بشرحه وتبيانه، والنظريات الحديثة لم تكن معلومة ولا مكشوفة، ولا يصح لمسلم مهما حسنت نيته أن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف جميع ما تضمنته آيات القرآن"2.

عباس العقاد:

أما العقاد رحمه الله فقد رفض التفسير العلمي، وجعل سبب رفضه تجدد العلوم الإنسانية، وأنها لا تستقر على حال، وقد تتقوض قاعدة علمية بعد أن رسخت؛ ولهذا فهو يرفض أن يربط بين النص القرآني المحكَم مع هذه النظريات.

قال رحمه الله تعالى: "تتجدد العلوم الإنسانية مع الزمن على سنة

1 سورة القيامة: الآية 4.

2 التفسير الحديث: محمد عزة دروزة ج2 ص7.

ص: 584

التقدم، فلا تزال بين ناقص يتم وغامض يتضح، وموزع يتجمع، وخطأ يقترب من الصواب، وتخمين يترقى إلى اليقين، ولا يندر في القواعد العلمية أن تتقوض بعد رسوخ أو تتزعزع بعد ثبوت، ويستأنف الباحثون تجاربهم فيها بعد أن حسبوها من الحقائق المفروغ منها عدة قرون.

فلا يطلب من كتب العقيدة أن تطابق مسائل العلم، كلما ظهرت مسألة منها لجيل من أجيال البشر، ولا يطلب من معتقديها أن يستخرجوا من كتبهم تفصيلات تلك العلوم، كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة؛ لأن هذه التفصيلات تتوقف على محاولات الإنسان وجهوده، كما تتوقف على حاجاته وأحوال زمانه.

قد أخطأ أناس في العصور الأخيرة؛ لأنهم أنكروا القول بدوران الأرض واستدارتها، واعتمادًا على ما فهموه من ألفاظ بعض الآيات"1.

ثم ذكر أمثلة أخرى نحو هذا من الأخطاء من التفسير العلمي وعقب عليها قائلًا: "وخليق بأمثال هؤلاء المعتسفين أن يحسبوا من الصديق الجاهل؛ لأنهم يسيئون من حيث يقدرون الإحسان، ويحملون على عقيدة إسلامية وزر أنفسهم وهم لا يشعرون.

كلَّا، لا حاجة بالقرآن الكريم إلى مثل هذا الادعاء؛ لأنه كتاب عقيدة يخاطب الضمير، وخير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير، ولا يتضمن حُكْمًا من الأحكام يشل حركة العقل في تفكيره، أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ما استطاع، وكل هذا مكفول للمسلم في كتابه، كما لم يكفل قط في كتاب من كتب الأديان"2.

عائشة عبد الرحمن:

حين ألف الدكتور مصطفى محمود كتابه "محاولة لفهم عصري للقرآن"

1 الفلسفة القرآنية: عباس محمود العقاد ص15.

2 المرجع السابق ص16، 17.

ص: 585

أصدرت بنت الشاطئ الدكتورة عائشة كتابها "القرآن والتفسير العصري" ردت فيه على الدكتور مصطفى.

ثم كتبت "مستخلصًا" لكتابها هذا، وألحقته بكتاب آخر لها هو "القرآن وقضايا الإنسان"، وزادت عليه ردودًا حتى جاء أضعاف الكتاب الأصلي.

وقد تساءلت وأجابت على تساؤلها بقولها: "فماذا عسانا أن نصنع لنرسخ الإيمان في ضمائر الشاب وعقولهم، ممن يدرسون علوم العصر، ويدخلون المشرحة والمعمل والمصنع، ويتابعون جهود علماء الفضاء ورحلات القمر!

هل نأتيهم بقرآن غير هذا الذي نزل على نبي أمي في بيئة بدوية، أو نضحك على عقولهم ببدع من التأويلات تقدم لهم من القرآن كل علوم الدنيا وعصريات التكولوجيا؟!

أبناء الجيل ليسوا من البلاهة والغفلة والسذاجة؛ بحيث يجوز عليهم أن يقول لهم قائل: إننا عرفنا الطائرات النفاثة؛ إذ عذنا برب الفلق من {شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} واهتدنيا إلى أسرار الذرة بـ {مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ! 1.

إلى أن قالت: "وخطر على عقلية الجماهير أن نخايلها بهذه الألفاظ المضخمة من بدع التأويلات العصرية العلمية، تمسخ عقليتهم، ويختل بها منطقهم، وتخدر وعيهم بغرور السبق إلى علوم العصر"2.

وقالت: "الإسلام يتجه إلى العقل في ترسيخ الإيمان، وكتابه المحكم يفصل الآيات لقوم يعقلون ويعلمون ويؤمنون، ويضرب الأمثال لعلنا نتفكر ونفقه ونؤمن. وقد حرر القرآن الإنسان من الأغلال التي تعوق تحقيقه لآية إنسانيته المكرمة أو تقيد مسعاه الطامح إلى ما سخر له الله: كل ما في السموات وما في الأرض.

1 القرآن وقضايا الإنسان: عائشة عبد الرحمن ص426.

2 المرجع السابق ص428.

ص: 586

بغير العقل لا يتميز حق من باطل، ولا هدى من ضلال، وبغير العلم لا سبيل إلى تسخير شيء مما في الأرض أو في السماء.

ولا حرج من الدين في أن يقرأ أبناؤنا نظرية التطور وأصل الأنواع في بحوث "دارون"، والنظرية المادية في إعلان "ماركس" ومؤلفاته، وشروح تلاميذه العلماء وإضافتهم.

لكن المحظور أن يقرءوا النظرية مشوهة ممسوخة مدسوسة على القرآن باسم العلم والعصرية والإيمان.

وأبناؤنا المسلمون يدرسون علوم العصر وأسرار الرياضيات والتكنولوجيا في موسكو ولندن وباريس وأدنبرة وفيينا وبرلين وبراج، ويطلبون العلم ولو كان في الصين.

ويحظر عليهم دينهم أن يطلبوا أيَّ علم إلا ممن وضح أنه أحاط بكل شيء علمًا، ووسع علمه السماوات والأرض والدنيا والآخرة.

أذكر أن فقيهًا من علمائنا سأله سائل في آية {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 1، فهل يُعلم من القرآن كم رغيفًا يخبز من إردب قمح؟ قال: نعم، واتصل تليفونيًّا بمخابز "الرمالي" فأعطاه مدبرها الجواب، قال السائل: لكن هذا ليس من القرآن؟ رد شيخنا: بلى، في القرآن:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 2، وقد فعلت.

ومن أهل الذكر نلتمس العلم، ونطلب الدين؛ فنرجح فيه إلى الله وإلى الرسول في الكتاب والسنة وفقه الأئمة وبحوث العلماء"3.

وهذا الموقف الذي وقفته من التفسير العلمي يبدو لي أنه متأثر بموقف أستاذها وزوجها أمين الخولي، الذي تأثرت به بنت الشاطئ كثيرًا، فلعل هذا من ذاك.

1 سورة الأنعام: من الآية 38.

2 سورة النحل: من الآية 43.

3 القرآن وقضايا الإنسان: عائشة عبد الرحمن ص428-430.

ص: 587

محمد كامل حسين:

وهو من أكثر المعارضين معارضة؛ بل إنه وصف التفسير العلمي بأوصاف لم يسبق إليها، فقال عنه خاصة الآيات الكونية:"إنه دعوى لا دليل عليها، ولا حاجة للمؤمنين بها، وأن هذه الآيات يجب أن تُفهم على ما فهمه المسلمون الأولون؛ حيث قالوا: هذا شيء نؤمن به ولا نصوره تصويرًا واقعيًّا، والذين يفسرون الآيات الكونية تفسيرًا علميًّا يدلون بذلك على ضعف إيمانهم، ولو كانوا مؤمنين حقًّا ما كانت بهم حاجة إلى شيء من ذلك يقوى به إيمانهم، فليس مقصودًا بالآيات الكونية غير الوعظ، والتفسير الحق هو الذي يقربها من أذهاننا تقريبًا يؤدي إلى الموعظة والعبرة، وكل تعمق في تصويرها تصويرًا واقعيًّا هو بدعة حمقاء"1.

ولم يكتفِ بوصفه على عجل بأنه بدعة حمقاء؛ بل جعل هذا الوصف عنوان فصل هو "التفسير العلمي بدعة حمقاء" وقال: "كنت أحسب أن أمر هذه البدعة لا يُعنَى به أحد ولا يقام له وزن حتى اعتنقها طبيب كبير، وقال بها قاضٍ ممتاز، ودافع عنها كيميائي معروف، وخُيِّل إلى الناس أن مفكرين وعلماء من هذا الطراز إذا قالوا: إن العلم الحديث موجود في القرآن؛ فلا بد أن يكون قولهم حقًّا"2.

ومما لا شك فيه أن في عباراته وألفاظه ما لا يُقبل ولا يصح، لا نريد نقدها وليس هذا هدفنا، وإن كان مرادنا يتحقق بإثبات كونه من الرافضين المعارضين.

شوقي ضيف:

فقد تحدث شوقي ضيف في مقدمة كتابه "سورة الرحمن وسور قصار" عن منهج ابن تيمية وابن قيم الجوزية، ثم عن منهج الشيخ الإمام محمد عبده، إلى أن قال: "وقد تلت الشيخ الإمام تفاسير كثيرة؛ منها ما اهتدى بهديه، ومنها ما خاض

1 الذكر الحكيم: محمد كامل حسين ص59.

2 المرجع السابق ص182.

ص: 588

في مباحث علمية كنت ولا أزال أراها تجنح عن الجادة؛ إذ القرآن فوق كل علم، ومن الخطأ أن يُتخذ ذريعة لإثبات نظرية علمية في الطبيعة والعلوم الكونية والفلكية، وهو لم ينزل لبيان قواعد العلوم ولا لتفسير ظواهر الكون، وما ذكر فيه من خلق السماوات والأرض والأفلاك والكواكب إنما يراد به بيان حكمة الله، وأن للوجود خالقًا أعلى يدبره وينظم قوانينه، ولا ريب في أن القرآن يدعو أتباعه دعوة عامة إلى العلم والتعلم للعلوم الرياضية والطبيعية والكونية؛ ولكن هذا شيء والتحول بالقرآن إلى كتاب تستنبط منه النظريات العلمية شيء آخر لا يتصل برسالته ولا بدعوته، إنه دين لهداية البشرية يزخر بما لا يُحصى من قيم رُوحية واجتماعية وإنسانية، وحسب المفسر أن يُعنَى ببيان ما فيه من هذه القيم، ومن أصول الدين الحنيف وتعالميه، التي أضاءت المشارق والمغارب أضواء غامرة1.

الدكتور صبحي الصالح:

عدَّد الدكتور صبحي الصالح آفاق الدراسات القرآنية الحديثة؛ فعد الأفق الحديث الثاني التوفيق العلمي، وقال عنه:"هذا الأفق الثاني مدعاة إلى الزلل لدى أكثر الذين خاضوا فيه من المعاصرين؛ لأن عملية التوفيق تفترض غالبًا محاولة للجمع بين موقفين يتوهم أنهما متعاديان ولا عداء، أو يُظن أنهما متلاقيان ولا لقاء؛ أعني: أنه لا ينبغي أن يحالف النجاح بصورة حتمية كل عملية من عمليات التوفيق"2.

إلى أن قال: "وقد تولى كبر هذا التوفيق المحفوف بكثير من الزلل طنطاوي جوهري في تفسيره الجواهر الذي قيل فيه: إن فيه كل شيء ما عدا التفسير! "3.

ثم ذكر نصًّا للجوهري فيه دفاع عن منهجه، وعقَّب عليه بذكر أمور

1 سورة الرحمن وسور قصار: الدكتور شوقي ضيف ص10.

2 معالم الشريعة الإسلامية: الدكتور صبحي الصالح ص291.

3 المرجع السابق ص292.

ص: 589

أخذت على تفسير الجوهري، ثم قال:"لذلك انتقد شيخ الأزهر المرحوم محمود شتلوت هذه المحاولات التوفيقية الخاطئة التي تبعد الناس عن هداية القرآن"1، وساق بعد ذلك قول الشيخ محمود شلتوت.

أحمد محمد جمال:

عارض الأستاذ أحمد محمد جمال تفسير الآيات تفسيرًا علميًّا والخوض بها في ذلك، فقال في ذلك: "أجل

القرآن الكريم هو كتاب الإسلام وحامل معجزاته الباهرة؛ من أنباء وقصص وغيوب غابرة وحاضرة وآتية، بعضها تحقق فعلًا، وبعضها يتحقق على مدار الزمن، وتعاقب الأجيال.

ولكن "القرآن" مع ذلك ليس كتابًا علميًّا؛ أي: ليس كتاب نظريات علمية، وليس من شأنه أن يكون كذلك؛ فالنظريات العلمية تتناقض وتصدق اليوم، أو هكذا يبدو أنها صادقة، ثم تكذب غدًا.

وحاشى القرآن ما تناقض قَطُّ في أنبائه، ولا في قصصه، ولا في مبادئه التشريعية والخلقية.

ويخطئ بعض المثقفين من المسلمين حتى يحاولون تطبيق بعض إشارات القرآن أو بعض لفتاته المعجزة على الاكتشافات أو النظريات الحديثة، وهم يظنون أنهم يرفعون بذلك شأن القرآن؛ بينما يعرِّضونه بادعاءاتهم للتناقض والانتقاد والتعارض، ويضعونه دون موضعه من التقديس والتصديق"2.

وقد عرض الأستاذ أحمد جمال بعض التفاسير العلمية الحديثة وناقشها بما يبطلها.

عبد المجيد المحتسب:

أما الأستاذ عبد المجيد فهو ينكر نزعة التفسير العلمي للقرآن الكريم، ولا يسوغ إخضاع الآيات القرآنية للعلوم الكونية والطبيعية ألبتة، ولا يوافق

1 المرجع السابق ص293.

2 على مائدة القرآن مع المفسرين والكُتَّاب: أحمد محمد جمال ص323.

ص: 590

الذين يستخرجون النظريات العلمية من الآيات القرآنية، وعلل ذلك بـ"أن القرآن الكريم ليس كتاب علم؛ مثل: الكيمياء والذرة والهندسة والفلك والفيزياء وغير ذلك؛ وإنما هو كتاب أنزله الله تعالى على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام؛ ليكون هدى ورحمة للناس1.

ثم ذكر أربعة أدلة لاتخاذه هذا الموقف من التفسير العلمي، وقد فصَّل القول في أدلته بعض التفصيل، فقال ما خلاصته:

"أولها: إن جعل الارتباط بين القرآن وبين الحقائق العلمية المختلفة ناحية من نواحي بيان صدقه أو إعجازه أو صلاحيته للبقاء هو خلط بين علم التفسير وعلم إعجاز القرآن.

وثانيها: من المعروف بداهة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفهم القرآن جملة وتفصيلًا، ومن الطبيعي كذلك أن يفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في جملته؛ أي: بالنسبة لظاهره وأحكامه، وكل مَن يرجع إلى كتب السنة يجد أنها قد أفردت للتفسير بابًا من الأبواب التي اشتملت عليها، ذكرت فيه كثيرًا من التفسير المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا أمعنا النظر في هذا التفسير المأثور فإنا لا نجد فيه أي أصل من أصول العلوم المختلفة التي يتبجح بها أنصار وأصحاب الاتجاه العلمي في تفسير القرآن.

ثالثها: أن القرآن إما أن يكون من عند الله أو من العرب أو من محمد، ولا يمكن أن يكون من العجم؛ لأن العرب عجزوا عن الإتيان بسورة من مثله؛ فالأعاجم بالضرورة أعجز، فالقرآن ليس من عند العرب، أما محمد عليه السلام فلو كان القرآن من عنده لكان أسلوب الحديث هو نفس أسلوب القرآن، والمعروف أن القرآن يختلف عن أسلوب الحديث؛ إذًا فالقرآن ليس من عند محمد، وإذا لم يكن القرآن من عند محمد عليه السلام ولا من عند العرب فهو من عند الله سبحانه وتعالى.

1 اتجاهات التفسير في العصر الراهن: عبد المجيد المحتسب ص314.

ص: 591

هذه هي الطريقة الصحيحة لإثبات صدق القرآن وصلاحيته للحياة، وليست طريقة إثبات ذلك نظريات علمية في القرآن الكريم.

رابعها: أن القرآن الكريم يشير كثيرًا إلى أشياء في الكون؛ مثل: الشمس والقمر والأهلة والنجوم والرياح، وحث الإنسان على أن يتدبر خلق السماوات والأرض، كل ذلك لتهيئة الإنسان إلى الإيمان عن طريق العقل بالخالق، وليربط الإيمان بالله عن طريق الفطرة بالإيمان بالله عن طريق العقل؛ ولكن الله سبحانه وتعالى لم يطلق العِنَانَ للعقل البشري في بحث كل ما ورد في القرآن الكريم؛ لأن عقل الإنسان قاصر، وقد يضيع في متاهات إذا بحث بعض الموضوعات.

وقد يكون التقدم العلمي في أحوال كثيرة عاملًا مساعدًا على الوصول إلى الإيمان بالخالق الواجب الوجود، وقد يكون خلاف ذلك؛ ولكن هذا شيء، وإخضاع الآيات القرآنية للعلوم المختلفة شيء آخر، وبخاصة النظريات المتغيرة"1.

هذه خلاصة الأدلة التي أوردها الأستاذ عبد المجيد المحتسب في ردِّه التفسير العلمي للقرآن الكريم.

والذي يظهر لي أن في بعضها ضعفًا في الاستدلال لا يقوى على الاحتجاج به؛ وإنما ذكرتها كوجهة نظر لأحد الباحثين أولًا، ولأنها تقوى بإضافتها إلى حُجج العلماء الآخرين وتقويها، أحسبها كذلك.

سيد قطب:

وكما ختمت آراء المؤيدين برأي حسن البنا -رحمه الله تعالى- وهو مَن هو؛ فإني أختم آراء المعارضين برأي سيد قطب -رحمه الله تعالى- وهو مَن هو.

وقد أفاض -رحمه الله تعالى- الحديثَ في نقد التفسير العلمي، وعذرًا إن أكثرت من نقل جواهره، وإن كان لي من ملاحظات ليس على جواهره تلك؛ وإنما على تصنيفه مع الرافضين؛ فسأرجِئُه إلى آخر نصوصه حتى يُفهم عَنِّي ما أردت قوله.

1 اتجاهات التفسير في العصر الراهن: عبد المجيد المحتسب ص314-323، باختصار.

ص: 592

قال -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} 1: "لقد كان القرآن بصدد إنشاء تصور خاص، ونظام خاص، ومجتمع خاص، كان بصدد إنشاء أمة جديدة في الأرض، ذات دَوْرٍ خاص في قيادة البشرية؛ لتنشئ نموذجًا معينًا من المجتمعات غير مسبوق، ولتعيش حياة نموذجية خاصة غير مسبوقة، ولتقر قواعد هذه الحياة في الأرض، وتقود إليها الناس.

والإجابة "العلمية" عن هذا السؤال ربما كانت تمنح السائلين علمًا نظريًّا في الفلك إذا هم استطاعوا، بما كان لديهم من معلومات قليلة في ذلك الحين أن يستوعبوا هذا العلم، ولقد كان ذلك مشكوكًا فيه كل الشك؛ لأن العلم النظري من هذا الطراز في حاجة إلى مقدمات طويلة، كانت تعد بالقياس إلى عقلية العالم كله في ذلك الزمان معضلات.

من هذا عدل عن الإجابة التي لم تتهيأ لها البشرية ولا تفيدها كثيرًا في المهمة الأولى التي جاء القرآن من أجلها، وليس مجالها على أية حال هو القرآن؛ إذ القرآن قد جاء لما هو أكبر من تلك المعلومات الجزئية، ولم يجئ ليكون كتاب علم فلكي أو كيمياوي أو طبي، كما يحاول بعض المتحمسين له أن يلتمسوا فيه هذه العلوم، أو كما يحاول بعض الطاعنين فيه أن يتلمسوا مخالفاته لهذه العلوم!

إن كلتا المحاولتين دليل على سُوء الإدراك لطبيعة هذا الكتاب ووظيفته ومجال علمه. إن مجاله هو النفس الإنسانية والحياة الإنسانية. وإن وظيفته أن ينشئ تصورًا عامًّا للوجود وارتباطه بخالقه، ولوضع الإنسان في هذا الوجود وارتباطه بربه، وأن يقيم على اساس هذا التصور نظامًا للحياة يسمح للإنسان أن يستخدم كل طاقاته، ومن بينها طاقته العقلية، التي تقوم هي بعد تنشئتها

1 سورة البقرة: من الآية 189.

ص: 593

على استقامة، وإطلاق المجال لها لتعمل بالبحث العلمي في الحدود المتاحة للإنسان وبالتجريب والتطبيق، وتصل إلى ما تصل إليه من نتائج ليست نهائية ولا مطلقة بطبيعة الحال.

إن مادة القرآن التي يعمل فيها هي الإنسان ذاته: تصوره واعتقاده، ومشاعره ومفهوماته، وسلوكه وأعماله، وروابطه وعَلاقاته. أما العلوم المادية والإبداع في عالم المادة بشتى وسائله وصنوفه، فهي موكولة إلى عقل الإنسان وتجاربه وكشوفه وفروضه ونظرياته؛ بما أنها أساس خلافته في الأرض، وبما أنه مهيأ لها بطبيعة تكوينه.

والقرآن يصحح له فطرته كي لا تنحرف ولا تفسد، ويصحح له النظام الذي يعيش فيه كي يسمح له باستخدام طاقاته الموهوبة له، ويزوده بالتصور العام لطبيعة الكون وارتباطه بخالقه، وتناسق تكوينه، وطبيعة العَلاقة القائمة بين أجزائه -وهو أي الإنسان أحد أجزائه- ثم يدع له أن يعمل في إدراك الجزئيات والانتفاع بها في خلافته، ولا يعطيه تفصيلات؛ لأن معرفة هذه التفصيلات جُزْءٌ من عمله الذاتي.

وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه، وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها، كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه!

إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها؛ لأنه هو الإنسان ذاته الذي يكشف هذه المعلومات وينتفع بها.

والبحث والتجريب والتطبيق من خواص العقل في الإنسان، والقرآن يعالج بناء هذا الإنسان نفسه، بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره، كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح لهذا الإنسان بأن يحسن استخدام هذه الطاقات المذخورة فيه، وبعد أن يوجد الإنسان السليم التصور والتفكير والشعور، ويوجد المجتمع الذي يسمح له بالنشاط، يتركه القرآن يبحث ويجرب، ويخطئ ويصيب، في مجال العلم والبحث والتجريب، وقد ضمن له موازين التصور والتدبر والتفكير الصحيح.

ص: 594

كذلك لا يجوز أن نعلق الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن أحيانًا عن الكون في طريقه لإنشاء التصور الصحيح لطبيعة الوجود وارتباطه بخالقه، وطبيعة التناسق بين أجزائه، لا يجوز أن نعلق هذه الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن بفروض العقل البشري ونظرياته، ولا حتى بما يسميه "حقائق علمية" مما ينتهي إليه بطريق التجرِبة القاطعة في نظره.

إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة. أما ما يصل إليه البحث الإنساني -أيًّا كانت الأدوات المتاحة له- فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأداواتها. فمن الخطأ المنهجي -بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته- أن نعلق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية، وهي كل ما يصل إليه العلم البشري!

هذا بالقياس إلى "الحقائق العلمية"، والأمر أوضح بالقياس إلى النظريات والفروض التي تُسمى "علمية"؛ ومن هذه النظريات والفروض كل النظريات الفلكية، وكل النظريات الخاصة بنشأة الإنسان وأطواره، وكل النظريات الخاصة بنفس الإنسان وسلوكه، وكل النظريات الخاصة بنشأة المجتمعات وأطوارها

فهذه كلها ليست "حقائق علمية" حتى بالقياس الإنساني؛ وإنما هي نظريات وفروض، كل قيمتها أنها تصلح لتفسير أكبر قدر من الظواهر الكونية أو الحيوية أو النفسية أو الاجتماعية، إلى أن يظهر فرض آخر يفسر قدرًا أكبر من الظواهر، أو يفسر تلك الظواهر تفسيرًا أدق! ومن ثم فهي قابلة دائمًا للتغيير والتعديل والنقص والإضافة؛ بل قابلة لأن تنقلب رأسًا على عقب؛ بظهور أداة كشف جديدة، أو بتفسير جديد لمجموعة الملاحظات القديمة!

وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة -أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسلفنا- تحتوي أولًا على خطأ منهنجي أساسي، كما أنها تنطوي على معانٍ ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن الكريم:

الأولى: هي الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن

ص: 595

والقرآن تابع؛ ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم، على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه ونهائي في حقائقه، والعلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس، وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق؛ لأنه مقيد بوسط الإنسان وعقله وأدواته، وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة.

والثانية: سُوء فَهْم طبيعة القرآن ووظيفته؛ وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتفق -بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية- مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي؛ حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله؛ بل يصادقه ويعرف بعض أسراره، ويستخدم بعض نواميسه في خلافته، نواميسه التي تكشف له بالنظر والبحث والتجريب والتطبيق، وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له ليعمل، لا ليتسلم المعلومات المادية جاهزة.

والثالثة: هي التأويل المستمر -مع التمحل والتكلف- لنصوص القرآن؛ كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يجد فيها جديد.

وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن، كما أنه يحتوي على خطأ منهجي كما أسلفنا.

ولكن هذا لا يعني ألا ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات ومن حقائق عن الكون والحياة والإنسان في فَهْمِ القرآن

كلا! إن هذا ليس هو الذي عنينا بذلك البيان، ولقد قال الله سبحانه:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} 1، ومن مقتضى هذه الإشارة أن نظل نتدبر كل ما يكشفه العلم في الآفاق وفي الأنفس من آيات الله، وأن نوسع بما يكشفه مدى المدلولات القرآنية في تصورنا.

فكيف ودون أن نعلق النصوص القرآنية النهائية المطلقة بمدلولات ليست نهائية ولا مطلقة؟ هنا ينفع المثال:

1 سورة فصلت: الآية 53.

ص: 596

يقول القرآن الكريم مثلًا: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} ، ثم تكشف الملاحظات العلمية أن هناك موافقات دقيقة وتناسقات ملحوظة بدقة في هذا الكون؛ الأرض بهيئتها هذه ويبعد الشمس عنها هذا البعد، وبعد القمر عنها هذا البعد، وحجم الشمس والقمر بالنسبة لحجمها، وبسرعة حركتها هذه، ويميل محورها هذا، وبتكوين سطحها هذا، وبآلاف من الخصائص

هي التي تصلح للحياة وتوائمها، فليس شيء من هذا كله فلتة عارضة ولا مصادفة غير مقصودة

هذه الملاحظات تفيدنا في توسيع مدلول: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} 1، وتعميقه في تصورنا، فلا بأس من تتبع مثل هذه الملاحظات لتوسيع هذا المدلول وتعميقه

وهكذا.

هذا جائز ومطلوب؛ ولكن الذي لا يجوز ولا يصح علميًّا هذه الأمثلة الأخرى:

يقول القرآن الكريم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِين} 2، ثم توجد نظرية في النشوء والارتقاء لوالاس ودارون تفترض أن الحياة بدأت خلية واحدة، وأن هذه الخلية نشأت في الماء، وأنها تطورت حتى انتهت إلى خلق الإنسان، فنحمل نحن هذا النص القرآني ونلهث وراء النظرية لنقول: هذا هو الذي عناه القرآن!!

لا، إن هذه النظرية أولًا ليست نهائية؛ فقد دخل عليها من التعديل في أقل من قرن من الزمان ما يكاد يغيرها نهائيًّا، وقد ظهر فيها من النقص المبني على معلومات ناقصة عن وحدات الوراثة التي تحتفظ لكل نوع بخصائصه، ولا تسمح بانتقال نوع إلى نوع آخر ما يكاد يبطلها، وهي معرضة غدًا للنقض والبطلان؛ بينهما الحقيقة القرآنية نهائية، وليس من الضروري أن يكون هذا معناها؛ فهي تثبت فقط أصل نشأة الإنسان، ولا نذكر تفصيلات هذه النشأة، وهي نهائية في النقطة التي تستهدفها، وهي أصل النشأة الإنسانية

وكفى ولا زيادة.

1 سورة الفرقان: آية 2.

2 سورة المؤمنون: آية 12، وقد جاءت هذه الآية في الأصل "خَلْقَ الْإنْسَانِ".

ص: 597

ويقول القرآن الكريم: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} 1، فيثبت حقيقة نهائية عن الشمس؛ وهي أنها تجري، ويقول العلم: إن الشمس تجري بالنسبة لما حولها من النجوم بسرعة قدرت بنحو 12 ميلًا في الثانية؛ ولكنها تجري في دورانها مع المجرة التي هي واحدة من نجومها تجري جميعًا بسرعة 170 ميلًا في الثانية؛ ولكن هذه الملاحظات الفلكية ليست هي عين مدلول الآية القرآنية. إن هذه تعطينا حقيقة نسبية غير نهائية قابلة للتعديل أو البطلان. أما الآية القرآنية فتعطينا حقيقة نهائية -في أن الشمس تجري- وكفى؛ فلا نعلق هذه بتلك أبدًا.

ويقول القرآن الكريم: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} 2، ثم تظهر نظرية تقول: إن الأرض كانت قطعة من الشمس فانفصلت عنها؛ فنحمل النص القرآني ونلهث لندرك هذه النظرية العلمية، ونقول: هذا ما تعنيه الآية القرآنية!

لا، ليس هذا هو الذي تعنيه! فهذه نظرية ليست نهائية، وهناك عدة نظريات عن نشأة الأرض في مثل مستواها من ناحية الإثبات العلمي! أما الحقيقة القرآنية فهي نهائية ومطلقة، وهي تحدد فقط أن الأرض فُصِلَتْ عن السماء، كيف؟ ما هي السماء التي فُصلت عنها؟ هذا ما لا تتعرض له الآية؛ ومن ثم لا يجوز أن يقال عن أي فرض من الفروض العلمية في هذا الموضوع: إنه المدلول النهائي المطابق للآية!

وحسبنا هذا الاستطراد بهذه المناسبة؛ فقد أردنا به إيضاح المنهج الصحيح في الانتفاع بالكشوف العلمية في توسيع مدلول الآيات القرآنية وتعميقها، دون تعليقها بنظرية خاصة أو بحقيقة علمية خاصة تعليق تطابق وتصديق، وفرق بين هذا وذاك"3.

1 سورة يس: الآية 38.

2 سورة الأنبياء: من الآية 30.

3 في ظلال القرآن: سيد قطب ج1 ص181-184.

ص: 598

ذلكم الرأي الواضح البيِّن لسيد قطب -رحمه الله تعالى- سقناه بطوله وبحروفه لما فيه من استفياء واستقصاء وشمول، ولئن سماه رحمه الله "استطرادًا "فإني لا أسميه إلا وفاء وجلاء للحق، وإني أعترف أني قد حاولت أن أختصر هذا النص مع الوفاء بالمعنى فما استطعت، وما توقفت عند جملة أريد حذفها إلا ورأيت تمام المعنى لا يقوم إلا بها.

وقد وعدت قبل أن أسوق النص أن أوضح لِمَ صنفتُه -رحمه الله تعالى- مع المانعين للتفسير العلمي، ولعل معترضًا يقول: كيف تضعه هنا وهو يقول في النص المنقول نفسه مستدركًا: "ولكن هذا لا يعني ألا ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات ومن حقائق عن الكون والحياة والإنسان في فَهْم القرآن

".

وللإجابة على هذا أقول: إنه رحمه الله بيَّن أن مادة القرآن التي يعمل فيها هي الإنسان ذاته: تصوره واعتقاده

إلخ، أما

العلوم المادية، فهي موكولة إلى عقل الإنسان وتجاربه وكشوفه

إلخ.

وأقول: إنه رحمه الله يعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرى، ووصفهم بأنهم:

1-

يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه.

2-

وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه.

3-

وأن يستخرجوا منه جزئيات في علم الطب والكيمياء والفلك وما إليها، فإذا كان وَصَفَهُمْ بهذا فكيف يكون مؤيدًا أو أن يقبل قولهم!!

وأقول: إنه -رحمه الله تعالى- وصف حقائق القرآن بأنها نهائية، ووصف ما يصل إليه البحث الإنساني بأنها حقائق غير نهائية ولا قاطعة، ثم وصف تعليق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية بأنه خطأ منهجي.

هذا في "الحقائق العلمية"، أما النظريات والفروض العلمية فوصف كل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بها -إضافة إلى الخطأ المنهجي- بأنها تنطوي على ثلاثة معانٍ، كلها لا تليق بجلال القرآن.

ص: 599