الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونحن وإن كنا نقول: إنه لا مشاحة في الاصطلاح؛ لكنه ينبغي أن يكون في الاصطلاح ما يميزه عن سواه؛ حتى لا تلتبس الأمور وتتداخل الأسماء؛ ولذا فإني نظرتُ -ونظر غيري- إلى هذه العلوم التي تناولها المفسرون تحت عنوان التفسير العلمي فوجدتها تجمعها التجربة والتجارب، فهي علوم ماثلة للأعيان وخاضعة في غالبها للتجربة؛ إذًا فلِمَ لا نخصها بهذه الصفة؟ فلنسمِّ هذا اللون من التفسير "التفسير العلمي التجريبي للقرآن الكريم"؛ حتى يتيمز هذا اللون من التفسير العلمي عن الألوان العلمية الأخرى من العقائد والفقه ونحوها، وكلها علم لا شك فيه.
ثانيهما: وهو متولد عن الأمر الأول؛ إذ يظهر من إطلاق التفسير العلمي على هذه العلوم في العصر الحديث ان هذه التسمية "التفسير العلمي للقرآن الكريم" تسمية حديثة؛ وإنما قلنا: التسمية، ولم نقل: التفسير العلمي نفسه؛ لأنا نجزم بوجود هذا اللون في وقت مبكر؛ لكنه لم يكن مثل العصر الحديث كثرة ولا مقاربًا له.
بل إن كتب التفسير في العصر الحديث أفردته بمؤلفات خاصة.
وظهرت تفاسير تحمل في عنوانها: "التفسير العلمي" أو "الإعجاز العلمي" ونحو ذلك؛ فكان التفسير العلمي من خصائص العصر الحديث في التفسير وإن وُجِدَ بقلة فيما قبله.
تعريفه:
ومن الطريف أنك لا تكاد تجد في كتب التفسير العلمي وغيره مَن يذكر تعريفه وبيان المراد منه، ولعله لظهروه يغفل أولئك تعريفه؛ ولكنه على كل حال بحاجة إلى تعريف يحدد مجاله؛ فيعرف ما يدخل فيه وما لا يدخل.
ولم أجد من ذكر له تعريفًا إلا الأستاذ أمين الخولي؛ حيث قال: "هو التفسير الذي يُحَكِّمُ الاصطلاحات العلمية في عبارة القرآن، ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها"1.
1 التفسير معالم حياته، منهجه اليوم: أمين الخولي ص19-20.
ونقل هذا التعريف بحروفه الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون1، وهو وإن لم يُشر إلى مصدر التعريف فإن كتاب الخولي من مصادره؛ فتبادر إلى الذهن أنه نقله عنه، والله أعلم.
واختصر هذا التعريف الدكتور موسى شاهين لاشين فقال في تعريفه: "يقصد بالتفسير العلمي التفسير الذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارات القرآن، ويحاول استخراج العلوم المختلفة من آياته"2.
وهذا التعريف الذي ذكره الدكتور موسى هو نفس التعريف السابق مع بعض التغيير، ولم يُشر الدكتور أيضًا إلى مصدره.
وتأثر بهذا التعريف أيضًا الأستاذ محمد الصباغ؛ فقال في تعريفه: "إنه تحكيم مصطلحات العلوم في فَهْمِ الآية، والربط بين الآيات الكريمة ومكتشفات العلوم التجريبية والفلكية والفلسفية"3.
ولعلك تقول بعد هذا: تذكر هذه التعريفات ثم تقول: إنك لا تكاد تجد تعريفًا؟ ومخلصي وعذري من هذا أن التعريفات الثلاثة الأخيرة مرجعها كلها إلى التعريف الأول، فهي إما ناقلة له بحروفه، وإما ناقلة له بتقديم وتأخير، وإما متأثرة به وبألفاظه.
وتجد القاسم المشترك بين هذه التعريفات أنها تصف هذه اللون من التفسير بأنه "تحكيم"!! للمصطلحات العلمية في عبارة القرآن، ولا شك أن في هذا التعبير شيء من القسوة.
وتجد أيضًا أنها اتفقت على عبارة "المصلطحات العلمية"، ولم يذكر أحدهم الحقائق أو النظريات أو المكتشفات
أو المشاهدات العلمية، وهذا يؤيد اتحاد مصدر التعريف عندهم.
1 التفسير والمفسرون: محمد حسين الذهبي ج3 ص140.
2 اللآلئ الحِسَان في علوم القرآن: موسى شاهين لاشين ص377.
3 لمحات في علوم القرآن: محمد الصباغ ص203.
وتجدها أيضًا تصف صاحب التفسير العلمي بأنه "يجتهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية"، والذي أعتقده أن التفسير العلمي بمعناه المعروف لا يشمل إيراد الآراء الفلسفية، كما لا يعم مختلف العلوم؛ بل في أنواع معينة منها كالطب والرياضيات والفلك وعلم الحيوان والنبات والكيمياء وعلم طبقات الأرض، ونحو ذلك من العلوم التجريبية، فلا يشمل مختلف العلوم على إطلاقها.
ولذا فإني أعتقد قصور هذا التعريف، وقد انتقد هذا التعريف أيضًا الشيخ عبد الله الأهدل في رسالته "التفسير العلمي للقرآن الكريم"، فقال عن تعريف الخولي والذهبي:"فقولهما: يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارة القرآن غير دقيق؛ لأنه ما كل تفسير علمي، كذلك وتعبيرهما هذا "يحكم" يُوحي بأن الآية المراد تفسيرها لها معنى آخر، غير المعنى العلمي الذي يراد منها أن تدل عليه، وهذا وإن صدق على بعض التفسير المتمحل والشطحات العلمية، فإنه لا ينطبق على البعض الآخر". ثم قال: "وربما كان التعريف الصحيح للتفسير العلمي أن يقال: "هو تفسير الآيات الكونية الواردة في القرآن على ضوء معطيات العلم الحديث، بغض النظر عن صوابه وخطئه"؛ ليشمل التفسير الصحيح والتفسير الخاطئ"1.
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن التعريف الأقرب إلى أن يكون جامعًا مانعًا أن يقال: "المراد بالتفسير العلمي هو اجتهاد المفسر في كشف الصلة بين آيات القرآن الكريم الكونية ومكتشفات العلم التجريبي، على وجه يظهر به إعجاز للقرآن، يدل على مصدره، وصلاحيته لكل زمان ومكان".
ولا شك أن وصفه بـ"اجتهاد المفسر" يدخل فيه التفسير العلمي المقبول والمرفوض؛ لأن المجتهد قد يخطئ وقد يصيب، وقولنا:"الربط" ليشمل ما هو تفسير وما هو من قبيله؛ كالاستئناس بالآية في قضية من قضاياه ونحو ذلك، وقولنا: "العلم
1 التفسير العلمي للقرآن الكريم: بحث ماجستير أعدَّه الشيخ عبد الله بن عبد الله الأهدل "نسخة مسحوبة على الاستنسل ص15".