الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجهل أمثال هؤلاء وغيرهم من الذين يظنون أن الشرك بالله تعالى خاص بعبادة الأصنام والأوثان، إن أصل هذا الشرك هو الغلو في تعظيم الصالحين، والتبرك أو التوسل بأشخاصهم؛ لإبطال سنن الله.
وأكبر مصائب الإسلام أن افتتان المسلمين بالصالحين الذين اتبعوا فيه سنن مَن قبلهم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد كان سببًا لإلحاد فريق كبير من الذين يتعلمون علوم العصر، ومنها سنن الخلق والاجتماع ومروقهم من الدين باعتقادهم أن الإسلام دين خرافي هو الذي أضاع ملك المسلمين"1.
وفي قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} 2 يجمل لنا السيد رشيد رضا تفسير أستاذه محمد عبده فيقول: "ثم ذكر أن هذا الشرك قد فشا في المسلمين اليوم، وأورد شواهد على ذلك عن المعتقدين الغالين في البدوي "شيخ العرب" والدسوقي وغيرهما لا تحتمل التأويل، وبيَّن أن الذين يؤولون لأمثال هؤلاء إنما يتكلفون الاعتذار لهم لزحزحتهم عن شرك جلي واضح إلى شرك أقل منه جلاء ووضوحًا؛ ولكنه شرك ظاهر على كل حال، وليس هو من الشرك الخفي الذي وردت الأحاديث بالاستعاذة منه، الذي لا يكاد يَسْلَمُ منه إلا الصديقون"3.
1 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج12 ص246، 247.
2 سورة النساء: من الآية 36.
3 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج5 ص83.
الجانب التهذيبي:
وعُنِيَ أربابُ المدرسة ببيان الفضيلة ودعوة المجتمع إليها والرذيلة وتحذير المجتمع منها، ففي تفسير قوله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 1 يطنب الأستاذ رشيد رضا في بيان حُكْم الصلاة في الإسلام، ثم يقول بعد هذا: "أرأيت هذه الآيات العزيزة والأحاديث الناطقة بالعزيمة، قد
1 سورة البقرة: الآية 238.
نال التأويل منها نيله في الزمن الماضي، وأعرض جماهير المسلمين عنها في الزمن الحاضر؛ حتى كثر التاركون الغافلون والمارقون، وقل عدد المصلين الساهين، وندر المصلون المحافظون؛ ذلك أن الإسلام عند هؤلاء المسلمين الذين يصفون أنفسهم بالمتمدنين قد خرج عن كونه عقيدة دينية إلى كونه جنسية سياسية، آية الاستمساك به والمحافظ عليه والدفاع عنه مدح كبراء حكامه، وإن كانوا لا يقيمون حدوده، ولا ينفذون أحكامه؛ بل رفعوا أنفسهم إلى مرتبة التشريع العام، واستبدال القوانين الوضعية بما نزل الله من الأحكام.
ماذا كان من أثر ترك الصلاة والتهاون بالدين في المدن والقرى والمزارع؟ كان من أثره في المدن فشو الفواحش والمنكرات، تجد حانات الخمر ومواخير الفجور والرقص وبيوت القمار غاصة بخاصة الناس وعامتهم، حتى في ليالي رمضان ليالي الذكر والقرآن، وعَبَدَ الناس المال، لا يبالون أجاء من حرام أم من حلال، وانقبضت الأيدي عن أعمال الخير، وانبسطت في أفعال الشر، وزال التعاطف والتراحم، وقلت الثقة من أفراد الأمة بعضهم ببعض؛ فلا يكاد يثق المسلم إلا بالأجنبي، وغير ذلك من فساد الأخلاق وقبح الفعال في الأفراد، وأكبر من ذلك انحلال الروابط الملية؛ بل تقطع أكثرها.
المحافظ على هذه الصلاة الفضلى ينتهي عن الفحشاء والمنكر.
المحافظ على هذه الصلاة لا يمنع الماعون.
المحافظ على هذه الصلاة لا يخلف ولا يلوي في حق غيره عليه.
المحافظ على هذه الصلاة لا يضيع حقوق أهله وعياله، ولا حقوق أقاربه وجيرانه، ولا حقوق معامليه وإخوانه.
المحافظ على هذه الصلاة يُعظِّم الحق وأهله، ويحتقر الباطل وجنده.
المحافظ على هذه الصلاة لا تجزعه النوائب، ولا تفل غرار عزمه المصائب، ولا تبطره النعم، ولا تقطع رجاءه النقم"1.
ويحث الإمام محمد عبده على خُلُق الصبر في تفسير قوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا
1 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج2 ص440-443، بتلخيص.
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} 1 بقوله: "والصبر خُلُق من أمهات الأخلاق؛ بل مساك كل خلق، قالوا في فضل الصبر: إنه ذُكر في القرآن نحو سبعين مرة، وليس لنا فائدة كبرى في تحديد العدد؛ ولكن جاء في الكتاب العزيز ذكر الصبر ومدح أهله وتبشيرهم بالفوز والفلاح، والصبر مَلَكَةٌ في النفس يتيسر معها احتمال ما يشق احتماله، والرضا بما يكره في سبيل الحق، وهو خُلُق يتعلق به؛ بل يتوقف عليه كمال كل خُلُق، وما أتى الناس من شيء ما أتوا من فقد الصبر أو ضعفه"2.
وعن الخصام والرِّشوة يقول السيد رشيد: "وكم من ثروة نفدت، وبيوت خربت، ونفوس أهينت، وجماعة فرقت، وما كان لذلك من سبب إلا الخصام والإدلاء بالمال إلى الحكام، ولو تأدب هؤلاء الناس بآداب الكتاب الذي ينتسبون إليه لكان لهم من هدايته ما يحفظ حقوقهم، ويمنع تقاطعهم وعقوقهم، ويحل فيهم التراحم والتلاحم محل التزاحم والتلاحم"3.
وفي بيان أحوال الأمم المقهورة يفسر السيد رشيد رضا قوله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} 4 "ذلك أن الأمم إذا قهرها العدو ونكل بها يفسد بأسها ويغلب عليها الجبن والمهابة، فإذا أراد الله تعالى إحياءها بعد موتها ينفخ رُوح الشجاعة والإقدام في خيارها -وهم الأقلون- فيعملون ما لا يعمله الأكثرون، قال الأستاذ الإمام: وفي الآية من الفوائد الاجتماعية أن الأمم التي تفسد أخلاقها وتضعف، قد تفكر في المدافعة عند الحاجة إليها، وتعزم على القيام بها إذا توفرت شرائطها التي يتخيلونها، على حد قول لشاعر:
وإذا ما خلا الجبان بأرض
…
طلب الطعان وحده والنزالا
1 سورة العصر: من الآية 3.
2 تفسير سورة العصر: محمد عبده ص23، 24.
3 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج2 ص201.
4 سورة البقرة: من الآية 246.
ثم إذا توافرت الشروط يضعفون ويجبنون ويزعمون أنها غير كافية؛ ليعذروا أنفسهم، وما هم بمعذورين"1.
وفي ذم بخس الناس أشياءهم يقول السيد رشيد في تفسير قوله تعالى: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} 2: "وهذه النقيصة فاشية بين الأمم والشعوب في هذا العصر؛ فنجد بعضهم يذم بعضًا وينكر فضله كالأفراد، وترى التجار في عواصم أوربا يغالون من الأسعار للغرباء ما يرخصون لأهل البلاد، وترى بعض الغرباء يستحلون من نهب أموال المصريين بضروب الحيل والتلبيس ما لا يستحلون مثله في معاملة أبناء جلدتهم، وأما المصريون وأمثالهم من الشرقيين كما قال الشاعر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد
…
ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة
…
ومن إساءة أهل السوء إحسانا
ويا ليتهم يعاملون أنفسهم ومَن تجمعهم معهم أقوى المقومات هذه المعاملة؛ بل يكثر منهم مَن يبخسون أبناء قومهم وملتهم أشياءهم، ويهضمون حقوقهم، ويعظمون الأجنبي ويعطونه فوق حقه؛ وإنما استذلهم للأجانب حُكَّامهم، فَهُم في جملتهم مبخوسون لا باخسون، ومظلومون لا ظالمون، وهم على ذلك مذمومون لا محمودون، ومكفورون لا مشكورون"3.
ويتحدث الشيخ أحمد مصطفى المراغي في تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} 4 الآية، عن حكمهما، ثم عن مضار كل منهما، وذكر مضار الخمر الصحية بإفساد المعدة، وفقد شهوة الطعام، ومرض الكبد والكُلَى والسل؛ حتى قال أحد الأطباء: اقفلوا لي نصف الحانات أضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات، ثم
1 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج2 ص474.
2 سورة الأعراف: من الآية 85.
3 تفسير المنار: محمد رشيد رضا ج8 ص526.
4 سورة البقرة: من الآية 219.