الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المظاهر للإجتماعية في القصيدة
…
على كثير من الألفاظ الغريبة، وتلك سمة من سمات شعر الصعاليك نظرا للمعاناة والمشقة وأسلوب الحياة التي يحيونها.
12 وأسلوب القصيدة يتسم بالتقررية والمباشرة عدا ما يتخلله من بعض صور أنشائية كقوله في مطلع القصيدة: أقيموا بني أمي، وقوله: في معرض الحديث عن عرسة: يطالعها.... كيف يفعل أذئب عس أم عس فرعل، ولعل هذا يساعده على تنوع أفكاره وتحقيق غايته، وكان جنوحه للمباشرة ولأسلوب التقرير؛ لأنه يحكي قصة حياته، أو تجربة عاشها بكل أبعادها، فلم يكن بد من نقلها كما تعرض لها مع تفننه في طريقة العرض ووسيلة الأداء، ولا يجري الأسلوب على طريقة واحدة فهو يتردد بين التكلم والغيبة كما في قوله: وآلف وجه الأرض، ثم بعد ذلك يقول: طريد جنايات تياسرن لحمه وإلف هموم ما تزال تعوده يعود إلى المتكلم ثانية قائلا: إذا ورت أصدرتها، ويترد الأسلوب مرة أخرى بين المتكلم والغيبة في قوله: نصبت له وجهي بصيغة التكلم، ثم يعود إلى الغيبة في قوله: وضاف إذا هبت له الريح طيرت لبائد عن أعطافه، وقوله بعد ذلك: بعيد بمس الدهن والفلى عهده، وربما كان ذلك راجعا لتغيير الجو النفسي، ولما طال نفسه بالقصيدة ناسب أن يلون الأسلوب حتى يمنع عنه الرتابة والملل.
ومن التفصيل بعد الإجمال قوله: ولي دونكم أهلون، ثم يفصله بقوله: سيد عملس وأرقط زهلول وعرفاء جيأل.
وقوله:
ثلاثة أصحاب: فؤاد مشيع وأبيض إصليت وصفراء عيطل.
ومن الطباق الذي جاء عفو الخاطر دون تعمل أو تكلف.
ولست بعل خيره دون شره
فإن تبتئس بالشنفرى........................ لما اغتبطت
وأعدم أحيانا وأغنى........................
فلا جزع من خلة متكشف
ولا مرح.................
إذا وردت أصدرتها
وقد اقتضى الطباق من الشاعر أن ينقض أمرا ويحل محله أمرا آخر أصلح منه، كما ينطوي أحيانا على التفصيل كما في قوله:
وأعدم أحيانا وأغنى، فلا جزع من خلة.......... ولا مرح، فالطباق يكون أحيانا أداء للنقض، أو وسيلة للتفسير والتفصيل.
والقصيدة بعد ذلك حافلة بكثير من المظاهر الاجتماعية التي تعبر عن جانب مهم من الحياة الجاهلية، فيظهر تأثير البيئة الاجتماعية والمادية في الحديث عن المقامرة ولعب الميسر، حين يصور أجسام الذئاب وقد براها البحث عن الطعام حتى غدت كأنها قداح الميسر يحركها لاعبها:
ملهلهة شيب الوجوه كأنها
…
قداح بكفي ياسر تتقلقل
ومرة أخرى يتحدث عن الميسر حين يجعل الجنايات تطالب بدمه، وتتنازع عليه وأخيرا تلجأ على الاستقسام بالأزلام:
طريد جنايات تياسرن لحمه
…
عقيرته لأيها حم أول
وحين يصف شعره المتلبد قي قوله:
بعيد بمس الدهن والفلي عهده
…
له عبس عاف من الغسل محول
ما يكشف هذا عن اعتنائهم بشعرهم عن طريق فليه ودهنه ببعض الدهون.
كما يظهر أثر البيئة المادية في ذكر أسماء الطيور والحيوانات التي وردت في ثنايا القصيدة مثل: الذئب، الضبع، النمر، السمع، الوعول، الحيات، القطا، ثم النحل، وفي توسله بمظاهرها في تشابههه ووصفه، ولا شك أن هذه الرؤية الشعرية التي تبلغ من العمق والرحابة حد الإحساس بالطبيعة والبيئة في عمومها وشمولها، في رملها ونبتها، في وحشها وطيرها هذه الرؤية هي التي أفسحت
لشاعرنا مكانا غير منكور بين الشعراء الصعاليك، بل بين شعراء العصر الجاهلي كله.