الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلون الأساليب ودلالتها على نفسية الشاعر
…
ومن جهة أخرى تجد أساليب الشاعر يغلب عليها الشروط ويطغى على معظمها: فإن تبغني -وإن تقتنصني في الحوانيت- وإن يلتق الحي الجميع -متى تأتني أصبحك كأسا -إذا نحن قلنا: أسمعينا انبرت لنا-
إذا رجعت في صوتها، وما إلى ذلك من التعابير الشرطية.
ويصاحب أداة الشرط صيغ الأمر في بعض الأبيات، وذلك راجع إلى طبيعة الموضوع الجدلي مثل: فاغن وازدد، أسمعينا، فدعني، فذرني أروي هامتي.
ولا شك أن هذه الصيغ وتلك الأساليب المتعددة تدل على نفسية قلقة، كما تعبر عن الأحوال النفسية التي تطرأ عليه وهو يعاني وطأة المصير الذي ينتظره، بالإضافة إلى أنها تساعد على إثارة انتباه السامع والقارئ وتمهد السبيل لإقناعه، ولم يكن طرفة مفتنا في صوره الخيالية وتشبيهاته المجتلبة، ومع ذلك كان صادقا فيها، وأهم ما كان يعتمد عليه في فنه التشبيه الذي كان المرتكز الأول للعمل الفني، شأنه في ذلك شأن الشعراء الجاهليين، إذ يعتمد عليه الشاعر في عرض أفكاره، وفي صياغتها ويستمد مادته من البيئة المحيطة به.
فحين يتحدث عن أصحابه يشبههم بالنجوم نداماي بيض كالنجوم، فهم كالنجوم في تألق وجوههم للدلالة على حريتهم
وبياض بشرتهم، أو للدلالة على سمو مكانتهم وعلو منزلتهم، ويقع على التشبيه حين يمثل عزلته وانخلاعه عن قبيلته وأفردت إفراد البعير المعبد، وهذا التشبيه بالإضافة إلى واقعيته فإنه يدل على التعاطف مع البيئة واتخاذها مصدرا يستمد منه تشبيهاته لتمثيل ما يذهب إليه، ويلجأ إلى التشبيه كأداة للتفصيل كقوله:
وكرى إذا نادى المضاف محنبا
…
كسيد الغضا نبهته المتورد
وكقوله:
أرى قبر نحام بخيل بماله
…
كقبر غوي في البطالة مفسد
كما نجده يلجأ إلى الكناية للتعبير عن أفكاره كقوله: ولست بحلال التلاع كناية عن بروزه وظهوره للضيف، ومن يلتمس قضاء حاجته، كما كنى بالبيت المصمد عن شرف الأصل وبنى غبراء عن الفقراء والصعاليك، وبالطراف الممدد عن الغنى والثراء.
ومن الإجمال الذي يعقبه التفصيل قوله:
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى
…
وجدك لم أحفل متى قام عودي
ثم يفصل بعد ذلك في قوله: فمنهن سبقى العاذلات، وكري إذا نادى المضاف، وتقصير يوم الدجن.