المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صموده أمام خشونة الحياة ونواميس الطبيعة - دراسة في نصوص العصر الجاهلي تحليل وتذوق

[السيد أحمد عمارة]

فهرس الكتاب

- ‌‌‌مقدمة

- ‌مقدمة

- ‌الشنفرى بين نزعة التمرد والإعتصام بالكرامة الإنسانية

- ‌لمحة عن الشاعر

- ‌عزم على الرحيل

- ‌صفات يبرأ منها

- ‌مشاهد من الرحيل

- ‌لوحة مجسدة للذئب الجائع

- ‌سرعة العدو من مؤهلات الصعلوك

- ‌صموده أمام خشونة الحياة ونواميس الطبيعة

- ‌ مظاهر أخرى للصمود

- ‌ قدرته على العدو والتنقل:

- ‌رؤية تاريخية ونظرة في مضمون القصيدة

- ‌ظهر شخصية الشنفرى من خلال لاميته

- ‌تأملات في القصيدة

- ‌وصف القوس

- ‌صورة الذئب الجائع وحولة الذئاب

- ‌مشهد القطا يمثل المعاناة من البحث عن الماء

- ‌التصالح مع الطبيعة

- ‌ألفاظ القصيدة تقتفي أثر التجربة

- ‌المظاهر للإجتماعية في القصيدة

- ‌لقيط بنت يعمر الإيادي في تخويف قومه وتحذيرهم عواقب الغفلة والنسيان

- ‌لمحة عن الشاعر

- ‌إنذار قومه وتخويفهم غزو كسرى

- ‌ غفلة قومه عن الخطر

- ‌ استنفار وتحريض لمجابهة الغزو

- ‌ صفات القائد

- ‌حول القصيدة

- ‌وجهة نظر في تفسير المقدمة

- ‌التصريح في مقدمة القصيدة وموقف النقاد منه

- ‌طريقة الشعراء في الإنتقال من غرض لآخر

- ‌تصوير يقظة الفرس واستعدادهم

- ‌تصوير حال قومه وماهم عليه من الغفلة

- ‌لقيط يرسم لقومه طريقة اللقاء وأسلوب المواجهة

- ‌صفات القائد مستمدة من القيم التي تقوم عليها حياتهم

- ‌أثر عمله في ديوان كسرى على صياغته الفنية

- ‌سر مجيء القصيدة على بحر البسيط

- ‌نماذج من القوة المادية والمعنوية في القصيدة

- ‌القصيدة ذات موضع واحد، والمقدمة ليست بعيدة عن غرضها الأصلي

- ‌سر الاقتصاد في الصور الخيالية

- ‌تأثر بعينية لقيط

- ‌طرفة بن العبد في رؤيته للحياة والموت من خلال معلقته

- ‌لمحة عن الشاعر

- ‌ الفخر الجاهلي:

- ‌اللذات الثلاث

- ‌حتمية الموت

- ‌ فلسفة طرفة

- ‌تعليل عدم ظهور مثل هذا الإتجاه في بقية شعرة

- ‌هل طرفة في لذته يمثل العصر الجاهلي

- ‌ملاءة الشاعر بين الشكل والمضمون

- ‌تلون الأساليب ودلالتها على نفسية الشاعر

- ‌أثر البيئة المادية في شعرة

- ‌زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان

- ‌لمحة عن الشاعر

- ‌النسيب:

- ‌ تصوير حالته النفسية

- ‌ المديح

- ‌تعليل بدء القصائد بأسماء النساء

- ‌رأي بعض الباحين والرد عليه

- ‌ماعيب على زهير في حديثه عن الضفادع والرد على ذلك

- ‌تعليل الانتقال المفاجئ من المقدمة إلى الموضوع

- ‌صفات الممدوح

- ‌زهير يمثل المديح في أصلة الطاهر

- ‌اتسام المدح بالصدق والواقعية

- ‌التصريح في أول القصيدة ورأى النقاد في ذلك

- ‌البراعة في الصياغة الأسلوبية

- ‌تأثر كعب بن زهير بأبية

- ‌التصوير أداة بارزة في فنه

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌صموده أمام خشونة الحياة ونواميس الطبيعة

‌صموده أمام خشونة الحياة ونواميس الطبيعة

وآلَفُ وجه الأرض عند افتراشها

بِأَهْدَأَ تنبيه سنا سِنُ قُحَّلُ

وأَعْدَلُ منحوضًا كأن فصوصه

كعاب دحاها لاعبٌ فهي مُثَّلُ

فإن تبتئس بالشنفرى أُمُّ قَسْطَل

لما اغتبطت بالشنفرى قَبْلُ أَطْوَلُ

طَرِيْدُ جِنَايَاتٍ تَيَاسَرْنَ لَحْمَهُ

عَقِيْرَتُهُ لَأْيَهَا حُمَّ أَوَّلُ

تَنَامُ إِذَا مَا نَامَ يَقْظَى عيونها

حِثَاثًا إلى مكروهِهِ تَتَغَلْغَلُ

وَإِلْفُ هُمُوْمٍ مَا تَزَالُ تَعُوده

إعِيَادًا كَحُمَى الرَّبْعِ أو هي أثْقَلُ

ذَا وَرَدَتْ أَصْدَرْتُهَا ثُمَّ إِنَّهَا

تَثُوبُ فَتَأْتي من تُحَيْتٍ وَمِنْ عَلُ

ص: 44

فإما تَرَيْنِي كَابْنَة الرَّمْلِ ضَاحِيًا

عَلَى رِقَةٍ أَحْفَى وَلَا أَتَنَعَّلُ

فَإِنِّي لَمُوْلِ الصَّبْر أَجْتَابُ بَزَّهُ

عَلَى مِثْل قَلْبِ السَّمْعِ وَالْحَزْم أَنْعَلُ

وَأُعْدِمُ أَحيانًا وأغْنَى وَإِنَّمَا

يَنَالُ الْغِنَى ذو البُعْدَةِ الْمُتَبَذَّلُ

فَلا جَزِعٌ من خُلة مُتَكشف

ولا مَرِحٌ تَحْتَ الْغِنَى أَتَخَيَّلُ

وَلَا تَزد هي الأجْهَالُ حِلْمِي وَلَا أَرَى

سَؤُولًا بِأَعْقَابِ الْأَقَاوِيل أُنْمِلُ

ص: 45

اللغة

42 آلف: من الإلف وهو التعود، والأهدأ: الشديد الثبوت مشتق من الهدوء، وهو نعت لمنعوت محذوف أي بمنكب أهدأ أو جنب أهدأ.

تنبيه: ترفعه وتبعده، يقال: نبا بصره عنه أي تجافى عنه ولم ينظر إليه. السناسن: مفردها سنسن وهي ما يظهر من فقار الظهر أي العمود الفقري، قحل: جمع قاحل وهو اليابس، وفي حديث وقعة الجمل: كيف نرد شيخكم وقد قحل؟ أي مات وجف جلده.

43 أعدل: أتوسد، المنحوض: القليل اللحم -أي: أتوسد ذراعًا منحوضًا، الفصوص: مفاصل العظام الواحد فص يعني مفاصل ذراعه، كعاب: قطع من أنابيب القصب كان يعد للَّعب به، دحاها: بسطها وسواها وهو تعبير قرآني قال تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} 1 مثل: جمل ماثل وماثلة وهو المنصوب المرئي للعين.

44 تبتئس: تحزن، ومنه قوله تعالى:{فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 2، القسطل: الغبار، القصطل بالصاد كذلك.

وأم قسطل: الحرب لأنها تثير الغبار، اغتبطت: فرحت، فالحرب أن حزنت لفراق الشنفرى الآن فطالما اعتبطت به قبل ذلك.

1 سورة النازعات آية 30

2 سورة هود آية 36

ص: 46

45 الطريد: المطرود المبعد -أي: يطارده غيره، والجنايات يعني إغاراته على الأعداء خلال فترة الصعلكة، تياسرن لحمه: اقتسمن لحمه كما يقتسم الجزور في لعب الميسر، العقيرة: جثة المقتول أنسانًا أو حيوانًا أو نفسه. حم: نزل وتحقق، ومنه حم القضاء إذا نزل بصاحبه.

46 تنام إذا نام: أي: تنام الجنايات إذا هو نام، لكنها في نومها يقظى عيونها، حثاثًا: سراعًا إلى مكروهه، تتغلغل: تتعمق وتستقصي البحث عنه.

47 الإلف: التعود، فهو متعود على الهموم حتى آلفها، الربع: بكسر الراء المشددة الحمى التي تنتاب صاحبها كل رابع يوم.

48 إذا وردت: يعني إذا حضرت الهموم صرفتها وطردتها تثوب: ترجع: تحيت تصغير تحت، من عل: من أعلى وهي مبنية على الضم.

49 ابنة الرمل: الحية أو البقرة الوحشية، ضاحيًا: بارزًا، للحر وللبرد/ والمراد هنا التعرض للحر، الرقة: سوء العيش ورقة الحال، يعني ذلك الفقر، أحفى: من الحفاء وهو عدم لبس النعل.

50 مولي الصبر: وليه وصاحبه، اجتاب: اكتسى وألبس، البز: الثياب، أو نوع منه، السمع بكسر السين المشددة ولد الذئب من الضبع وهو أشجع الذئاب، ومثل قلبه يعني شجاعته والحزم ضبط الإنسان أمره

ص: 47

والأخذ فيه بثقة. أنعل، أتخذه نعلًا، أي أتخذ الحزم نعلًا، كناية عن اقتناعه بمسلكه ومضيه فيه بثقة.

51أعدم: افتقر مأخوذ من العَدَم بفتح العين والدال البعدة بكسر الباء وضمها بمعنى الإبعاد والتوغل في الأرض، أو المراد البعيد الهمة العريض الآمال، المتبذل: الذي يبذل نفسه ولا يصونها ولا يهتم بسترها.

52 الجزع: بصيغة المبالغة الذي لا يقدر على الصبر عند المكروه الخلة بفتح الخاء الفقر والحاجة، قال الشاعر:

وإن أتاه خليل يوم مسغبة

يقول لا غائب ما لي ولا جزع

53 تزدهي: تستخف، الأجهال: السفهاء، السئول: الملح في سؤال الناس، أعقاب الأقاويل: أواخر الأحاديث، أُنْمِل: بضم الهمزة وكسر الميم أنقل الحديث بين الناس على جهة النميمة.

ص: 48

التحليل:

ثم يعرض الشاعر الألوان من المخاطر التي يتعرض لها متصديًا لنواميس الطبيعة المهلكة ويسعى إلى النجاة منها، مصورًا هزاله ونحافة جسمه فحين ينام يفترش الأرض دون فراش أو وساد على الرغم من نحوله وضموره ويستعين عن ذلك بظهر يابس العظام، فإذا انبسط على الأرض حالت أضلاعه ورءوس عظام ظهره دون وصول جسمه إليها، فيظل مرتفعًا عنها للدلالة على خلو جسمه من اللحم، فهو هيكل عظمي، وذراعه خال كذلك من اللحم وحين يتوسده، إنما يتوسد عظامًا جافة كأنها قطع من حديد، أو كأن فواصل عظامها كعاب يلعب بها اللاعب فتنتصب أمامه، يريد أنه قليل اللحم وله عظام شديدة.

لقد ألف هذه المشاق وألفتة وتكيف مع هذا الوضع الجديد الذي يدل على عصاميته واعتداده بفرديته وسعادته بانتصاره على الطبيعة والكون من حوله على أنه الآن يشارك في الحروب التي كان يشنها قومه على أعدائهم فقد كان ذلك قبل حياة الصعلكة حيث كانت تعرفه الحروب، ويدلي فيها بدلوه، وتفرح بمزاولته لها وأثارثه إياها، وقد انصرف بعد ذلك إلى الصراع الخاص به والصعاليك، فإن حزنت الحرب لمفارقة الشنفرى لها الآن، فطالما اغتبطت وسرت به قبل ذلك.

ص: 49

ولقد كثرت جناياته وتعددت إغاراته وقتل الكثير من بني سلامان ومن غيرهم حتى بات الناس يطلبونه حيثما وجدوه ليقتلوه، فهو الآن مطارد ومطالب بجنايات تكاثرت عليه بحيث لا يكاد يعرف بأيها تؤخذ نفسه، على أن أصحاب هذه الجنايات باتوا يترصدونه، ويحرصون على الوصول إليه والتمكن منه وإن ناموا ظلت عيونهم يقظى باحثة عنه مترصدة له تدبر الانتقام منه والأخذ بثأرهم مبالغة في تصوير الجد في البحث عنه.

ولذلك فلا عجب أن تألفه الهموم وتعتاده وتتردد عليه في نظام يكاد يكون ثابتًا كأنها الحمى التي تعاود المريض من وقت لآخر، وربما كانت أشد وأثقل عليه منها، فهو تعبير عن ضيقه وقلقه ويظل في صراع مع هذه الهموم، كلما صرفها عادت من حيث أتت فتحدق به من كل جانب وأخيرًا يخاطب صاحبته التي تخيلها على عادة الشعراء الجاهلين معتزًا بشمائله وماركب فيه من صفات، فإن كان مظهره ينبئ عن فقر وحرمان، فيبدو عاري الجسد وكأنه حية تتحرك بجلدها المكشوف لا يجد ما يستر جسمه أو يظله ويقيه حر الشمس، إن كانت تراه كذلك وتراه مرة يمشي حافيًا ومرة يلبس نعلًا فإن جوهره غني بالفضائل فهو حليف الصبر، يلبس ثوبه على قلب شجاع كقلب السمع حتى لا يظن أحد أن الصبر ضعف، وفوق هذا فهو شديد الحزم حتى كأن الحزم نعل في قدميه، ولذلك فلا يجعل المال هدفه ولا يحرص للحصول عليه فشغله الشاغل في ترقب

ص: 50

الهجمة والمباغتة، أما الفقرة والغنى فكلاهما أمر طارئ غير ذي شأن، فلا سلطان لهما عليمه لا يخالف الفقر ولا يجزع منه فيكشف حاجته للناس، ولا يبطره الغنى ويطغيه:

ولست بمفراح إذا الدهر سرني

ولا جزع من صرفه المتقلب

وهكذا المبادئ في حياة أصحابها، تطبعهم على الموقف الواحد الذي لا يعرف التلون أو الخشوع، أما غيرهم ممن يركبون كل موجه فأولئك لا يحرصون على فضيلة أو يلتزمون بقيمة.

ومن تقلب في الأحزان منتجعا

أن اقفر الشام ألفيناه في اليمن

وهكذا كان الشنفرى لا يستخفه الجهلاء والحمقى، ولا يتحدث فيما لا يعنيه ولا يقحم نفسه في أمر لا يهمه ولا يحرصون على إثارة الفتن والإفساد بين الناس فهذا ليس من خلقه، بل كل ما يعنيه أن يجالد في سبيل ما يدين به مهما كانت النتائج.

ص: 51