الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاءة الشاعر بين الشكل والمضمون
…
على أن ألفاظ الشاعر في هذا الجزء من المعلقة جاءت في معظمها بعيدة عن التجهم والعسر، تشفُّ وترق حين يعمد إلى التقرير الفكري، بينما يعروها الجفاف وتبدو عليها ملامح الغرابة حين يعمد إلى الوصف أو يعرض لمشاهد حسية، ويبلغ من ذلك أقصاه حين يصف الناقة مثلا يشتد اتصاله بالحياة البدوية، أما حين يتحدث عن نفسه ومذهبه، أو يبعث لواعج حزنه، أو يصور حبه ولذته، فإنه يطالعنا بصور مشرقة تفيض سلاسة وعذوبة، كما في هذا الجزء من القصيدة.
فهو يلائم بين الشعور والتعبير، أو بين الشكل والمضمون، ونحن
نحس بهذه المقامات كلها مجتمعة في معلقته التي اخترنا منها هذه الأبيات.
وألفاظ القصيدة لا تجري على سنن واحد، بل تتكون حسب الإيقاعات النفسية التي يعانيها الشاعر، فبينما تراه يستخدم ضمير المتكلم إذ به يلجأ إلى ضمير المخاطب، ثم ينزع من ذلك إلى صيغة الغائب، مثال ذلك:
قوله: ولست بحلال التلاع فقد استهل بضمير المتكلم، واقتفى ذلك في الأبيات اللاحقة، ثم خطف فجأة إلى الخطاب بقوله متى تأتني أصبحك كأسا روية وان كنت عنها غانيا فأغن وازدد، ثم يلجأ إلى الغائب في قوله كريم يروي نفسه في حياته.
والشاعر في تردده بين هذه الصيغ كان يحاور ذاته، فهو المتكلم وهو المخاطب ولعل في هذا الحوار تعبيرا عن الأزمة التي كان يعانيها الشاعر، فهو يتنافس ويرد على ذاته إذ يقول: وما زال تشرابي الخمور
…
وسبقي العاذلات.... وكرى إذا نادى المضاف
…
ويقع على صيغة المخاطب في قوله: أيهذا اللائمي أحضر الوغي
…
فإن كنت لا تسطيع فذرني أبادرها.. ستعلم إن متنا غدا
…
وغير ذلك من عبارات تمثل النزعة الحوارية التي تقوم عليها القصيدة.