الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طرفة بن العبد في رؤيته للحياة والموت من خلال معلقته
لمحة عن الشاعر
…
طرفة بن العبد:
طرفة هو عمرو بن العبد بن سفيان يمتد نسبه إلى بكر بن وائل ليصله إلى ربيعة فهو واحد من شعراء ربيعة1، وطرفة بالتحريك لقبه وهي واحدة الطرفاء ضرب من الشجر، والعرب تسمى أبناءها بما غلظ وخشن من الشجر تفاؤلا، نحو طلحة وسمرة وقتادة كما تسمى بأسماء الحيوان وخاصة ما يستنكره منها كأسد وحنظلة وحرب وعلقمة لأنها تشعر بالشدة والقوة لدى سامعيها، بينما يسمون عبيدهم بما يستحب كرباح وأيمن، وذلك لأنها سمت أبناءها لأعدائها وسمت عبيدها لأنفسها2 وطرفة من أسرة شاعرة نبغ فيها أكثر من شاعر فخاله المتلمس الضبعي وأخته الخرنق شاعرة ومن أسرته الحارث بن حلزة صاحب المعلقة والمرقش الأصغر والمرقش الأكبر، فالأصغر عم طرفة، والأكبر عم الأصغر فورث بذلك الموهبة الفنية كما يرث الناس المال أو الشرف.
وطرفة صاحب شخصية واضحة في شعره وصاحب مذهب واضح في حياته، فهو داعية من دعاة اللهو واللذة، جمع إلى فتوة الشباب وطيشه حكمة الشيوخ وتفكيرهم.
كان أبوه شابا قويا ظاهر الفتوة والجرأة، مات وطرفة طفل صغير وقد ترك غير طرفة ابنا آخر اسمه معبد ورد ذكره في معلقة طرفة:
1 الشعر والشعراء: جـ191/1 تحقيق أحمد شاكر ط دار التراث العربي 1977.
2 الاشتقاق لابن دريد صـ4.
إذا مت فانعيني بما أنا أهله
…
وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
وأم طرفة تسمى وردة ورد ذكرها في شعره يقول:
ما تنظرون بحق وردة فيكم
…
صغر البنون ورهط وردة غيب
وكان طرفة وقومه يعيشون في البحرين وكانت خاضعة للحيرة، والحيرة يومئذ ملتقى الأفكار والديانات والمذاهب المختلفة، والنصرانية منتشرة فيها، فلا بد أن يكون لكل هذه العوامل أثر في عقلية أبنائها وتفكيرهم في الحياة وفي تفكير وعقلية شاعرنا بوجه خاص، فوجئ طرفة وهو صغير بوفاة والده فكان لذلك أثره البالغ في نفسه فكلفه أعمامه وقاموا بواجب تربيته وبعثت بيئته وحياته ووراثته مواهب الشاعرية في نفسه فنظم الشعر وهو صغير، كما كان ليتمه أثره الواضح فشب متوقد الذهن مضطرم الشعور حاد العاطفة سريع التأثر والغضب، يفزع إلى هجاء من يشعر منه بتقصير نحوه كذلك كان لحسبه ومجد قومه أثره في اعتزازه بنفسه وتمجيده لشخصيته فيذهب إلى حوانيت الخمر يشربها مع نداماه وأصدقاء لهوه، فأخذ أهله يلومونه وينصحونه ويعاتبونه حتى ضاق بهم وسار متنقلا بين القائل.
فمضى يطوف في أرض الجزيرة لا يستقر في مكان، حيث ذهب إلى اليمن، ثم رحل إلى النجاشي في الحبشة، ولما أفزعته الغربة وأشتد حنينه إلى بلده، عاد إلى الوطن الذي هجره فأمده أخوه معبد من ماله، ولكنه أتلفه في لذاته ولهوه.
أخيرا قصد عمرو بن هند ملك الحيرة أملا في اصطلاح حاله، وفد عليه مع خاله المتلمس فأحسن وفادتهما لكنه ما لبث أن تطاول على عمرو بن هند وأخيه قابوس فهجاهما حيث قال:
فليت لنا مكان الملك عمرو
…
رغوثا حول قبتنا تدور
لعمرك أن قابوس بن عمرو
…
ليخلط ملكه نوك كثير
وقد نقل أهاجي طرفة ابن عمه عبد عمرو، فأثار ذلك حفيظة الملك عليه، وحمله رسالة إلى عامله بالبحرين يأمره بقتل طرفة، ولم يدر طرفة ما بداخل الصحيفة حتى وصل إلى عامل البحرين فدفع إليه كتاب عمرو، وتقول بعض الراويات أنه حين قرأ الكتاب وعرف أن طرفة مقتول، قال له اختر لنفسك ميتة، قال طرفه إن كان ولا بد فاسقني الخمر وافصدني، ففعل به ذلك فما زال ينزف دمه حتى مات، وكان سنه إذ ذاك خمسا وعشرين سنة أوستا وعشرين على اختلاف الروايات، إذ تقول أخته الخرنق تبكيه:
عددنا له ستًّا وعشرين حجةً
…
فلما توفاها استوى سيدا ضخما
وليت شعري ماذا كنا ننتظر من هذا الشاعر الشاب لو قدر له أن يعيش طويلا، وقد تفتحت شاعريته هذا التفتح المبكر في تلك السن المبكرة التي عاجله الموت فيها؟
وقد عده ابن سلام في قمة الطبقة الرابعة طرفة بن العبد، وعبيد بن الأبرص، وعلقمة بن عبدة، وعدى بن زيد، وقال عن طرفة: أما طرفة فأشعر الناس واحدة، وهي قوله1:
لخولة أطلالٌ ببرقة ثمهد
…
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وشهد له بذلك ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء قيل للبيد ابن ربيعة: من أشهر العرب؟ فقال: الملك الضليل، قيل: ثم من؟ قال: ابن العشرين، قيل: ثم من؟ قال: الشيخ أبو عقيل يعني بذلك نفسه.
1 طبقات فحول الشعراء: السفر الأول 138.