الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصوير حال قومه وماهم عليه من الغفلة
…
فسن الحراب كناية عن التهيؤ والاستعداد، وترك النوم كناية عن اليقظة وشدة الحيطة والحذر.
ثم ذكر لقومه ما يخيفهم من عدوهم ليحملهم على الاستعداد للقائهم، فالفرس علاوة على استعدادهم ويقظتهم حين ينظرون إليهم ويحدقون بأبصارهم تلمع عيونهم فيخرج منها شعاع كأنه نار محرقة شبت في غابة ضخمة فتصاعد منها اللهب وتطايرت قطعه فملأت الآفاق.
وأخيرا يوضح لهم عزم الفرس على غزوهم وتصميمهم على إبادتهم والخلاص منهم حيث لا يشغلهم شاغل عن هدفهم، بل لا يطيب لهم طعام ولا يسيغ لهم شراب حتى يحققوا غايتهم وينجزوا ما أعتزموا عليه:
لا الحرث يشغلهم بل لا يرون لهم
…
من دون بيضتكم ريا ولا شبعا
3 وبعد أن يرسم صورة حية لأعدائهم ووصف ماهم عليه من الإستعداد واليقظة ناسب ان يصور حال قومه كذلك وماهم عليه من الأنشغال والغفلة ويبدو أنه كان مطلعا على أحوالهم عارفا بأخبارهم، فهم مشغولون بالحرث والزرع، وتربية الإبل وتثمير المال، ويسجل عليهم بذلك غفلتهم وحمقهم وجهلهم بما يدبر لهم حيث إنهم لا يدعون موضعا يصلح للزراعة إلا
شغلوا بزرعه وتلهوا بالعمل فيه، وحين أراد أن يبين أن ذلك عادتهم ودينهم وأنهم قائمون على ذلك لا ينفكون عنه أتى بالمضارع الدال على التجدد والاستمرار في قوله تحرثون، تبغون، تلقحون، تنتجون للدلالة على أن هذه أوصاف كانت لهم في الماضي، وملازمة لهم في الحال وربما لازمتهم في المستقبل، وهذا ما يحزنه، وما حدا به أن يصف فعلهم هذا بالجهل والسفه والبعد عن السداد والرشاد، على أنهم لا ينصرفون إلى الزراعة ورعي الإبل والاستكثار من نتاجها إلا اذا كانوا آمنين، وقد صور ماهم عليه من الاستغراق في الغفلة والدعة بالثياب التي تعمهم وتحيطهم من كل جانب للإشارة إلى أنهم في ثبات عميق:
وتلبسون ثياب الامن ضاحية
…
لا تفزعون وهذا الليث قد جمعا
فهم آمنون مشغولون بجمع المال وتثميره بينما عدوهم يفزع للإنقضاض عليهم ولعل في هذه المقابلة بين حالهم وحال العدو ما يستفزهم، وفي تصوير كسرى بالليث ما يساعد على تحقيق هذا الغرض.
ومرة أخرى يصورهم بالنيام، لأنهم يمرحون ويلهون مستمتعين بحاضرهم، بينما نذر الحرب قد لاحت في الأفق وبدا وقوعها وشيكا
فماضيهم مع الفرس وماجرى بنيهما من الوقائع يدعوهم أن يكونوا دائما على أهبة الاستعداد ومن هنا كان تحسره على قومه في قوله يالهف نفسي وتوجيه اللوم لهم إلى حد أن يدعو عليهم في قوله لا أبالكم وتكاد النفس تذوب حسرات وينفطر قلبه على ما آل إليه حال قومه من الغفلة وترك الاستعداد وكأن الحرب لا تخطر لهم على بال، بينما عدوهم عينه يقظة عليهم، وهذا ما يوحي به قوله:
فاشفوا غليلي برأي منكم حصد
…
يضحي فؤادي لكم ريان قد نقعا
ويخشى أن يشغلهم حب المال عن ملاقاة عدوهم أو يورثهم الجبن فيتحولون إلى حراس للمال ظانين أن المال يخلدهم:
ولا تكونوا كمن بات مكتنعا
…
إذا يقال له افرج غمة كنعا
يسعى ويحسب أن المال مخلده
…
إذا استفاد طريفا زاده طمعا
وهكذا استطاع الشاعر أن يصور حال قومه اللاهيين الغافلين وواقعهم ووضع هذه الصورة بجانب مارسمه لعدوهم من اليقظة وإعداد العدة التهيؤ للغزو.