الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثر عمله في ديوان كسرى على صياغته الفنية
…
ولذلك كانت دعوتهم أن يكون لحيما ضخم الهامة جهير الصوت إذا خطا أبعد، وإذا تؤمل ملأ العين1
وقوله: لا مترفا إن رخاء العيش ساعده..... كناية عن اعتداله واتزانه حال فقره وغناه، فقد اختط لنفسه خطة، ووضع نصب عينيه هدفا وهو الاهتمام بأمر قومه، لا يصرفه عنه غناه كما لا يؤثر فيه فقره، لأنه تحمل فيهم أمانة الريادة وشرف المسئولية، لذا فهو يضع مصلحتهم فوق كل اعتبار لا يثنيه عن ذلك ما يطرأ عليه من غنى وفقر، أو عسر ويسر وهو دائم اليقظة والاستعداد والترقب للقاء العدو، وكنى عن ذلك بقوله:
لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه
…
هم.....
كما أنه كثير التجارب والخبرة بشئون الحياة، صاحب دربة ومران، يلبس لك حالة لبوسها ويضع في حسبانه كل احتمالات الموقف، قد اشتد عوده وقويت عزيمته وأصبح قادرا على اتخاذ القرار في الوقت المناسب:
حتى استمرت على شزر مريرته
…
مستحكم الرأي لا قحما ولا ضرعا
ومن التعبيرات المباشرة التي استخدمها في صفة القيادة بأمر الحرب مضطلعا يريد بذلك قدرته على القتال ومعرفته بأساليب الحرب
1 الكامل للمبرد: جـ 154/3.
وفنونها ومنها تعنيه أموركم فالقائد الذي يكون على مستوى المسئولية هو الذي يضع نصب عينيه أمور قومه ولا يشغل عنها بمصلحته الشخصية، وقوله لا قحما ولا ضرعا أي ليس بالشيخ الفاني ولا الصغير الذي لم يحكم أمره فلا يقوى على تصريف شئون الحياة، وقوله ليس يشغله مال يثمره.... ولا ولد يبغي له الرفعا أي تفرغه التام لأمور القيادة والزعامة فلا يشغل بمال ولا ولد، وهما أهم ما يشغل به الإنسان إذ هما زينة الحياة.
ويلاحظ أن الصفات التي خلعها الشاعر على القائد جاءت خالية من التشبيهات ومن الصور البيانية الفضفاضة التي تحتاج إلى التأنق وإدامة النظر، لأن الموقف لم يكن يسمح بمزيد من التدقيق في رسم الصور الفنية، ولذلك لجأ إلى سرد هذه الصفات فكانت إلى هذه الصور التقريرية.
والقصيدة في جملتها تأخذ طابع التحذير والتنبيه كما يشير إلى ذلك قوله:
ألا تخافون قوما لا أبا لكم
…
أمسوا إليكم كأمثال الدبى سرعا
وقوله:
فهم سراع إليكم بين ملتقط
…
شوكا وآخر يجني الصاب والسلعا
وقوله:
في كل يوم يسنون الحراب لكم
…
لا يهجعون إذا ما غافل هجعا
ولعل تكرار أسلوب النداء على قومه، مع قافية العين المطلقة ما يعطي هذا الإحساس، وكأن الشاعر قد صعد على مكان عال وأشرف منه على قومه، ثم أخذ يصيح فيهم وينادي بأعلى صوته ليحذرهم مباغتة العدو.
وبعد أن أفرغ الشاعر ما في نفسه وأفضى بكل ما لديه من نذر ونصائح صاغها من ذوب نفسه وفيض شعوره، وإحساسه بخطورة الموقف، فجاءت تقطر حبا وإخلاصا أحس بأنه قد أراح نفسه وأرضى ضميره، وأدى واجبه وعليهم وحدهم تقع تبعات الأمور:
لقد بذلت لكم نصحي بلا دخل
…
فاستيقظوا إن خير العلم ما نفعا
هذا كتابي إليكم والنذير لكم
…
لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا