الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التصريح في أول القصيدة ورأى النقاد في ذلك
…
تأملات في القصيدة
القصيدة التي اخترنا منها هذه الأبيات جاءت من بحر البسيط ويجئ الشطر الواحد منه على وزن:
مستفعلن فاعلن، مستفعلن فعلن، وهو بحر عروضي يتسم بالجزالة والفخامة، ويغلب على المنظوم به قوة الأسر وروعة السرد، وصلابة الحبك، هذه المعاني كلها تجسدت في تلك النفثة الشعرية، سواء وهو يتغزل في مقدمتها، أو يصور حالته بعد فراق حبيبته، أو حين يمدح هرمًا.
وربما كان تكرار القاف في القافية في مطلع القصيدة في قوله:
إن الخليط أجد البين فانفرقا
…
وعلق القلب من أسماء ما علقا
وهو ما يسمى بالتصريع ما يمهد للروي، ويعد الأذن لسماعه أو توقعه كما أن حرف المد الذي جاء بعد الروي يعطي للمنشد فرصة لاستغلال مواهبه الصوتية استغلالا ينشر في الجو ضجة وجلبة شديدين.
وقد صرع الشاعر في أول القصيدة شأن الفحول من الشعراء المجودين قديما وحديثا، وامتدح قدامة بن جعفر التصريع، واعتبره دليل تمكن الشاعر من فنه حين قال: وإنما يلجأ الشعراء المطبوعون إلى ذلك -أي التصريع- لأن بنية الشعر إنما هو التصريع والتقفية، فكلما كان الشعر أكثر اشتمالا عليه كان أدخل له في باب الشعر، وأخرج له عن مذهب النثر1 والتصريع ليس إلا ضربا من الموازنة
1 نقد الشعر: صـ58 تحقيق كمال مصطفى ط الخانجي سنة 1978.
والتعادل بين العروض والضرب، يتولد منها جرس موسيقي رخيم، ولذلك كان من أمس الحلي البديعية والشعر وأقربها إليه نسبا.
ونحن حين نرهف آذاننا لإنشاد الشعر، فأول ما نتشوق إليه ونترقبه فيه هذا التصريع الذي يشبه مقدمة موسيقية خفيفة قصيرة، تلهب إحساسنا وتهيئنا لاستماع الشعر، فإن أغفله أو أتى به رديئا أو ركيكا خيل إلينا أن شيئا من الجمال ترك مكانه شاغرا1.
ولم يفت الشعراء أن يشيدوا بمنزلة التصريع، وينوهوا بقيمته، فهذا أبو تمام يقول من قصيدته في مدح أبي سعيد الطوسي2:
وتقفو لي الجدوى بجدوى وإنما
…
يروقك بيت الشعر حين يصرع.
وشعر زهير يمتاز بتهذيب البنية والبراعة في صياغة الأساليب، فحين نراه يؤثر الفعل المضارع على الماضي في قوله: قامت تبدي بذي ضال لتحزنني يعطي إشارة تدل على تكرار الفعل تبدي وتجدد حدوثه منها، وكذلك في قوله:
لتحزنني وكأن حزنه لفراقها
…
وألمه لبينها دائم لا ينقطع.
وهذه الدلالة نفسها هي ما نلحظها حين عبر عن تحننه وعشقه بالمضارع في قوله: ولا محالة أن يشتاق من عشقها ويعبر زهير عن ضعفه أمام سطوة حبها وتياره الجارف الذي يعجز عن مقاومته بأن قلبه قد رحل معها وصار رهينا عندها، ليوحي بحبه الخالص، وشوقه العارم، ثم يصف هذا الرهن بأنه لا فكاك له في قوله: وفارقتك برهن لا فكاك له ليكثف الصورة، فلم يكتف بأنها أسرت قلبه، وإنما أردفه بهذا النعت ليحدد الإطار ويبين أبعاد هذا الحب.
1 يراجع: الشعراء وإنشاد الشعر للأستاذ على الجندي صـ 174 ط دار المعارف بمصر سنة 1969.
2 ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي المجلد الثاني: صـ 322 تحقيق محمد عبده عزام ط الثالثة دار المعارف بمصر.