الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب
غفلة قومه عن الخطر
وأنتم تحرثون الأرض عن سفه
…
في كل معتمل تبغون مزدرعا
وتلقحون حيال الشول آونة
…
وتنتجون بدار القلعة الربعا
وتلبسون ثياب الأمن ضاحية
…
لا تفزعون وهذا الليث قد جمعا
وقد أظلكم من شطر ثغركم
…
هول له ظلم ثغشاكم قطعا
مالي أراكم نياما في بلهنية
…
وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا
فاشفوا غليلي برأي منكم حصد
…
يضحي فؤادي لكم ريان قد نقعا
ولا تكونوا كمن بات مكتنعا
…
اذا يقال له افرج غمة كنعا
يسعى ويحسب أن المال مخلده
…
إذا استفاد طريفا زاده طمعا
28 اللغة:
21 السفه: الجهل والطيش والمراد غفلتهم عن أمرهم، والمعتمل: موضع العمل مأخوذ من الاعتمال وهو أن يعمل الرجل بنفسه دون الاستعانة بأحد، قال الشاعر:
أن الكريم وأبيك يعتمل
…
أن لم يجد يوما على من يتكل
أراد من يتكل عليه، المزدرع: الشيء المزروع، يقال: ازدرع القوم: اتخذوا زرعا لأنفسهم خصوصا أو احترثوا.
22 تلقحون: تجعلون الفحول تقوم بتلقيح الإناث، يقال لقحت الناقة لقحا ولقاحا إذا قبلت ماء الفحل، والشول: إناث الإبل قد شولت ألبانها أي جفت وذهبت، وحيالها: ما حال منها فلم تحمل، آونة: أحيانا واحدها أوان، الربع: الفيصل الذي نتج في أول الربيع، دار القلعة: دار الدنيا وسميت بذلك لأنها دار
تحول وارتحال وفي حديث علي كرم الله وجهه: أحذركم الدنيا فإنها منزل قلعة. أي تحول وارتحال والقلعة من المال ما لا يدوم.
23 ضاحية: ظاهرة علانية، لا تفزعون: لا تخافون حتى تستعدوا للقتال، الليث هنا: كسرى قد جمعا: أي جمع جموعه ووحد صفوفه.
24 أظلكم: دنا منكم كأنه واقع بكم، الشطر: الجهة والناحية ومنه قول الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 1، الثغر: الموضع الذي يخاف منه هجوم العدو، الهول: الشدة والفزع، قطعًا: أي قطعة بعد قطعة.
25 البلهنية: رخاء العيش ورفاهيته، الشهاب: الشعلة الساطعة من النار.
26 الغليل: شدة العطش وحرارته والمراد بشفاء غليله ذهاب حزنه وكمده، حصد: محكم من قولهم حبل حصد وهو المحكم فتله من الحبال والأوتاد والدروع، النقع: ذهاب العطش.
27 المكتنع: المنكمش والمنقبض من قولهم كنعت العقاب: ضمت جناحيها للانقضاض والكنع: تشنج الأصابع وتقبضها، كنعا: خضع وذل، والغمة: الغم والكرب.
1 البقرة 149.
28 الطريف من المال: ما استحدثه الإنسان واكتسبه، وهو خلاف التالد الذي يرثه الإنسان. قال جميل بن معمر:
وقد كان حُبَّيكم طريفا وتالدا
…
وما الحب إلا طارف وتليد
التحليل من 21-28
وبعد أن صور يقظة العدو وتأهبه لملاقتهم والانقضاض عليهم، أخذ في تصوير حال قومه وما هم عليه من الغفلة والانشغال بصغائر الأمور التي لا تغني عنهم وقت الشدة وساعة اللقاء، ثم أخذ يعدد مظاهر هذه الغفلة.
فهم مشغولون بحرث الأرض واستزراعها، يبذلون فيها أقصى طاقتهم، لا يدعون موطنا صالحا للزراعة إلا استغلوه وجعلوا ذلك شغلهم الشاغل واهتمامهم الذي يطغي على ما عداه يربون الإبل، ويستزيدون منها بالتلقيح والولادة.
وهم يأمنون شر عدوهم فلا يخشون هجمته ولا يخافون غدرته، بينما كسرى قد جمع جموعه وأعد عدته استعدادا للقائهم، فقد دنا منهم الخطر وكاد أن يحدق بهم، وهو لا شك خطر عظيم يبدد
أمنهم ويحيلهم إلى أسوأ حال ويتعجب من موقفهم وتملكه الدهشة من أمرهم إذ لا يزالون غافلين لاهين يتمتعون بما تحت أيديهم من زخارف الحياة ومتعها، بينما نذر الحرب قد لاحت في الأفق، وأصبح وقوعها وشيكا وأمرا محققا.
ثم ينصحهم بالتمسك بالرأي الصائب، وأن يجمعوا أمرهم ويوحدوا كلمتهم ويتحلوا بالشجاعة ويصمدوا عند اللقاء، حتى يلوح لهم النصر وتتحق لهم الغلبة، فيشفي الشاعر غليله ويطيب نفسا، وألا يكونوا كالجبناء ينطوون على أنفسهم ويعجزون عن مواجهة عدوهم هؤلاء إذا ما دعوا إلى تفريج كربة أو كشف غمة هربوا من أداء الواجب وتقاعسوا وتلمسوا المعاذير، وراحوا يثمرون مالهم للتكثر من متع الحياة، وكأنهم مخلدون على ظهرها أو أن المال يخلدهم.