الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تغزل بها الشعراء نحو ليلى، وهند، وسلمى، ودعد، ولبنى، وعفراء، ثم قال: إنها أسماء تخفُّ على ألسنتهم وتحلو في أفواههم، وكثيرا ما يأتون بها زورًا.... ويقول: وربما أتى الشعراء بالأسماء الكثيرة في القصيدة إقامة للوزن وتحلية للنسيب1
وهو بذلك يؤيد وجهة النظر التي تقول: إن الشعراء يأتون بها في مفتتح قصائدهم مراعاة للتقليد الفني الذي جرى عليه العرف في البدء بأسمائهم واستشهد لذلك بما رواه مالك بن زغبة الباهلي، أن الأصمعي أنشده قوله:
وما كان طبي حبها غير أنه
…
يقام بسلمى للقوافي صدورها
رأي بعض الباحين والرد عليه
…
ويرى بعض الباحثين أن أسماء النساء في مطلع القصائد ليست سوى رموز، ويتخذون من الفلسفة ومعمياتها متكأ يعتمدون عليه، يقول الأستاذ نجيب البهبيتي: الافتتاحية الغزلية صورة رمزية، فالمرأة في ذلك رمز، وأسماء النساء أسماء تقليدية تجري في الشعر عند الشعراء دون وقوع على صاحباتها2
ويزيدون على ذلك فيجعلون أسماء رمزًا للخصب وخولة رمزًا للوصل ونحو ذلك3.
والواقع أن في هذا تأولًا لا دليل عليه، وجريًا وراء خيالات جامحة بعيدة عن طبيعة أدبنا العربي، فالأسماء رموز لمسمياتها، إلا أن
1 العمدة: جـ 122/2.
2 تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري: صـ 100، نجيب البهبيتي، ط دار الثقافة الدار البيضاء.
3 السابق: صـ 103.
بعض هذه الأسماء علم لمسمياتها، أي لمسميات حقيقية وجدت في حياة الشاعر وخصوصًا المسميات التي تواترت الأخبار على وجودها، كأم أوفى بالنسبة لزهير مثلًا، فقد ثبت أنها كانت زوجًا له، ونحوها كثيرات، فزهير كما يقول عنه الدكتور طه حسين: صاحب غزل، ولكنه مقتصد فيه، أو معجل عنه، لا يمنحه من وقته وجهده وتفكيره ما ينبغي1 وأسماء التي ذكرها الشاعر في مفتتح هذه القصيدة، قد تكون موجودة في حياته وفي تجاربه العاطفية، وله معها ذكريات يلذ له أن يعطف عليها ويرددها في شعره، وقد يكون ذكرها مجرد تقليد واتباع لسنن الشعراء في البدء بالغزل في مستهل قصائدهم، فهو يتغزل ليرضي سامعيه، لا ليعبر عن شعوره الفياض، وعاطفته المتدفقة نحو من يتحدث عنها، فهو غزل تقليدي متبع، وهذا واضح من قوله في بعض قصائده إن قلبه قد انصرف عن صاحبته وسلا حبها2:
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو
…
وأقفر من سلمى التعانيق فالثقل
وقوله3:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله
…
وعُرِّىَ أفراس الصبا ورواحله
1 حديث الأربعاء: جـ 98/1.
2 شرح ديوان زهير: صـ 96.
3 شرح ديوان زهير: صـ 124.
ويعلق الدكتور شوقي ضيف على غزله في هذه القصيدة حين يصور جيد أسماء بجيد ظبية مغزلة امتلأ قلبها بالحنين إلى ولدها، فهي تخذل رفاقها لتقيم عليه ترعاه وتدفئه بعطفها وحنانها، وحين يصور ريقها بالخمر المعتقة التي مزجت بالسلسبيل لحدتها وشدتها، يعلق على ذلك بقوله: إنهما صورتان أريدتا لأنفسهما، أو رسمهما ليدل سامعه على قدرته الفنية، أما بعد ذلك، فلا عاطفة ولا حب حقيقي، ولذلك يكرر دائمًا أن قلبه صحا عن حبه، وأنه راجع نفسه، فكفَّت عن الهوى، وما يتبع الهوى على شاكلة قوله:
لقد طالبتها ولكل شيء
…
وإن طالت، لحاجته انتهاء
فهو إذن ليس من العشاق، ولا ممن يشغلون أنفسهم بالغزل، وبيان لوعة الحب، وإنما يتحدث في ذلك مترسمًا سننًا موضوعة كي يظهر قدرته على التصوير الفني2.
ب وتسلل زهير من حديث الغزل إلى الحديث عن الوصف الممزوج بالغزل، حيث أخذ يصف حالته النفسية بعد أن بان الخليط ورحلت عنه ابنة البكري، فقد أجهش بالبكاء، وانهمرت دموعه انهمارًا كما ينهمر الماء من الدلو، واستطرد من ذلك إلى وصف الدلو التي يفيض الماء على جوانبها فهي لا تمتلئ مرة واحدة، وإنما تمتلئ ثم تفرغ مرات ومرات، وهكذا ما تزال تهبط فارغة ثم تصعد ممتلئة لتسقي بستانًا فسيحًا واسع الأرجاء ممتد النواحي.
1 شرح ديوان زهير: صـ 61.
2 العصر الجاهلي: صـ 315 د شوقي ضيف، ط دار المعارف، الطبعة السابعة.