الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصوير يقظة الفرس واستعدادهم
…
قبله فلا مجال للشك فيه أو التردد في صحة ما يبلغهم، فقد استبان له أمرهم وتحقق له عزمهم على الغزو.
وحين يسوق لهم هذا الإنذار يذكرهم بموقف عدوهم منهم، فقد أجمعوا أمرهم ووحدوا صفوفهم ويخشى أن يكون قومه على خلاف ذلك، بل أنه يتحسر لهذا ويجزع له، ثم أخذ يصور لهم يقظة الفرس واستعدادهم وإصرارهم على غزوهم وكيف أن قلوبهم تفيض حقدا وكراهية لقومه وهو يبغي من وراء ذلك أن يحمسهم ويشحذ هممهم ولا سيما حين يقفون على قوة الخصم وما يبيته لهم، وفي سبيل ذلك ذكر لهم أن ما ساقوه إليهم من الرجال لا يحصى عدده فهم كالجراد كثرة، والرجل الحريص على قومه حين يرى ما يتهددهم وهم عنه في غفلة ينفري كبده وتذهب نفسه حسرات، فيجسم لهم الخطر وهذا ما فعله شاعرنا، فهو يصور لهم جيش العدو بالجراد والنمل ويصدر البيت بالاستفهام التعجبي إذ يتعجب من موقف قومه العابث اللاهي، ويدعو عليهم دعاء المشفق عليهم الحريص على مصلحتهم:
ألا تخافون قوما لا أبا لكم
…
أمسوا إليكم كأمثال الدبا سرعا
أو أنه يدعو عليهم لأنه لا يرضي عن حالهم، حزين لما قد يئول إليه أمرهم من الإختلاف والشقاق:
يالهف نفسي إن كانت أموركم
…
شتى وأبرم أمر الناس فاجتمعا
وحين يسير هؤلاء الخصوم إلى قومه لا يمشون على أقدامهم وإنما يطيرون شوقا إلى منازلتهم والقضاء عليهم، ولقد جمع العدو جموعه مستعدا للزحف نحوهم مزدهيا بقوته متباهيا بجبروته وعظمته، وأن هذه الحشود المجتمعة تصل إلى عدوها في أي مكان، مهما كانت مناعته، في الجبال الشم أو القلاع المحصنة.
وهم جميعا مدججون بالسلاح، وقد عبر عن ذلك بكناية لطيفة فيها جمال الإيجاز ودقة التصوير في قوله:
فهم سراع إليكم بين ملتقط
…
شوكا وآخر يجني الصاب والسلعا
فالصاب والسلع كناية عن العدة والسلاح، فهو بذلك يصور يقظة العدو وما أعده لهم من سلاح بأن كل فرد منهم أما أن يحمل سلاحا أو يحمل الموت الزؤام ليجرعه خصمه المهزوم، وهم يوالون التدريب ويواصلون الاستعداد لا يغفلون عن ذلك ساعة من ليل أو نهار:
في كل يوم يسنون الحراب لكم
…
لا يهجعون إذا ما غافل هجعا