الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جـ
استنفار وتحريض لمجابهة الغزو
فاقنوا جيادكم واحموا ذماركم
…
واستشعروا الصبر لا تستشعروا الجزعا
ولا يدع بعضكم بعضا لنائبة
…
كما تركتم بأعلى بيشة النخعا
صونوا جيادكم واجلوا سيوفكم
…
وجددوا للقسى النبل والشرعا
أذكوا العيون وراء السرح واحترسوا
…
حتى ترى الخيل من تعدائها رجعا
واشروا تلادكم في حرز أنفسكم
…
وحرز أهليكم لا تهلكوا هلعا
فإن غلبتم على ضن بداركم
…
فقد لقيتم بأمر الحازم الفزعا
لا تلهكم إبل ليست لكم إبل
…
إن العدو بعظم منكم قرعا
لا تثمروا المال للأعداء إنهم
…
إن يظهروا يحتووكم والتلاد معا
هيهات لا مال من زرع ولا إبل
…
يرجى لغابركم إن أنفكم جدعا
والله ما انفكت الأموال مذ أبد
…
لأهلها إن أصيبوا مرة تبعا
ياقوم إن لكم من إرث أولكم
…
مجدا قد أشفقت أن يفني وينقطعا
ماذا يرد عليكم عز أولكم
…
إن ضاع آخره أو ذل واتضعا
ياقوم لا تأمنوا أن كنتم غيرا
…
على نسائكم كسرى وما جمعا
ياقوم بيضتكم لا تفجعن بها
…
إني أخاف عليها الأزلم الجذعا
هو الجلاء الذي يجتث أصلكم
…
فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا
اللغة:
29 اقنوا جيادكم: الزموا خيلكم، الزمار: كل ما يلزمك حفظه وحمايته والدفاع عنه، إن ضيعته لزمك اللوم، وأصل الشعار ما ولى جسد الإنسان من الثياب دون سواه، الجزع: ضد الصبر.
30 النائبة: النازلة والمصيبة، بيشة: اسم قرية في بلاد اليمن، النخع: قبيلة من الأزد أو من اليمن رهط إبراهيم النخعي.
31 الشرع: الأوتاد الواحدة شرعة مادام مشدودا على القوس أو هو الوتر مشدودا على القوس أو غير مشدود.
32 اذكوا العيون: أكثروا من إرسال الطلائع والجواسيس لكشف العدو، أو المراد: أحدوا النظر، السرح: شجر كبار عظام يستظل بظله، التعداء: العدو السريع، رجعا: جمع رجيع وهو الضامر الذي قد ذهب لحمه فقيل له رجيع سفر.
33 اشروا: من شرى ضد باع، التلاد: المال القديم الموروث، الحرز: المكان الذي يحفظ فيه المال، والهلع: شدة الجزع.
34 على ضن بداركم: عدم التفريط فيها والتقصير في الدفاع عنها، الحازم: العاقل المميز ذو الحنكة
35 القراع والمقارعة: الضرب بالسيوف، قال النابغة الذبياني1:
..................... بهن فلول من قراع الكتائب
36 ثمر المال: نماه وكثره، إن يظهروا: إن يغلبوكم، وفي التنزيل {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} 2 يحتووكم: يأخذونكم جميعا من حويت الشيء بمعنى جمعته وأحرزته وفي الحديث أن امرأة قالت: إن ابني هذا كان بطني له حواء.
37 الغابر: من غبر بمعنى مكث ويريد بهم الذين يعيشون معهم ويبقون بعد الحرب، الجدع: القطع البائن في الأنف والأذن والشفة واليد ونحوها، وجدع الأنف هنا كناية عن الذل والخضوع.
40 العز: القوة، ومنه المثل من عزيز، اتضع: ذل وأصبح مهينا.
41 غير: جمع غيور، من الغيرة وهي الحمية والأنفة والمغيار: الشديد الغيرة، قال النابغة الذبياني
شمس موانع كل ليلة حرة
…
يخلقن ظن الفاحش المغيار
42 بيضة القوم: وبيضة الدار: وسطها ومعظمها، وفي الحديث ولا تسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيح بيضتهم يريد
1 الديوان 44
2 الكهف آية 20.
جماعتهم وأصلهم أي مجتمعهم وموضع سلطانهم، الفجيعة: المصيبة المؤلمة توجع الإنسان يعز عليه من مال أو صديق أو حميم. الأزلم الجزع: الدهر الشديد المر المتعلق به البلاء والمنايا، قال عباس بن مرداس:
إني أرى لك أكلا لا يقوم به
…
من الأكولة إلا الأزلم الجذع
وأصل الأزلم الجذع الوعل، وقد ذكر أن الوعول والظباء لا يسقط لها سن فهي جذعان أبدا، وأصل الجذع الصغير السن من الإبل والشاة والخيل فاستعير للدهر لأنه جذع أبدا لا يتغير أي هو فتى لا يلحقه هرم.
43 الجلاء: الطرد، يجتث أصلكم: يقتلعه من جذوره.
التحليل من 29-42
ثم بعد أن سجل عليهم غفلتهم وتوانيهم عما يدبرلهم أخذ يستنفرهم ليهبوا من غفلتهم ويستعدوا للقاء العدو وبدأ يرسم لهم سبل مواجهته منها العناية بالخيل والحفاظ علهيا وإذا كان العربي بطبيعته يحب الخيل ويتفانى في خدمتها فإنه يؤكد لهم على رعايتها والقيام عليها لما لها من أثر في حياتهم، فهي عدتهم في الحياة وذخيرتهم في الشدة ولذلك كانوا يهيؤون لها أفضل الأطعمة فيخصونها بألبان الإبل في أوقات الشدة والجدب وربما لا ينال أحد من الأهل ذلك الاهتمام كما أشار إلى ذلك عمرو بن معديكرب1:
خيل مربطة على أعلافها
…
يقفين دون الحي بالألبان
وربما كانوا يفضلونها على أبنائهم كما يوحي بهذا قول ربيعة بن مقروم الضبي2:
وجردا يقربن دون العيال
…
خلال البيوت يلكن الشكيما
يؤكد لهم على الخيل ليدافعوا بها عن وطنهم ويحموا عرضهم، ويدعوهم أن يتحلوا بالصبر والثبات والا يجعلوا للخوف والجزع
1 شعر عمرو بن معديكرب 161 جمعة وحققه مطاع الطرابيشي.
2 شرح المفضليات للتبريزي جـ683/2
سلطانا على نفوسهم، وأن يشد كل منهم على يد الآخر ليكونوا جميعا على قلب رجل واحد، لا سيما في وقت الشدة وساعة المحنة التي تدعو إلى جمع الشمل ووحدة الكلمة حتى يتمكنوا بذلك من دفع الأذى ورد البلاء، ثم يلح على ضرورة العناية بالخيل والمحافظة عليها وملازمة التدريب بها، لأنه يدرك الأهمية القصوى والغاية من وراء اشتراك الخيل والاعتماد عليها في ساحة القتال، كما يطلب إليهم أن يعدوا سيوفهم ويصقلوها، ويجددوا القسى ويشدوا أوتارها ومن تمام الاستعداد وأخذ الحذر أن يبثوا عيونهم ويبعثوا بطلائعهم من الرجال خلف خطوط العدو، يسترقون أخبارهم ويهتكون أستارهم ليقفوا على قوتهم ومدى استعدادهم وأن يكون ذلك شيئا أساسيا في مواجهتهم، يبذل هؤلاء الرقباء جهدهم في إنجاح مهمتهم ولو اقتضى ذلك أن يعودوا بخيولهم هزيلة قد نحل شعرها وذاب شحمها.
وبعد أن يأخذوا بالأسباب، فإن ظهروا على عدوهم وانتصروا عليهم تحقق ما يرجون، وإن لم يكتب لهم النصر فقد قدموا لأنفسهم عذرا ونحوا عنهم اللوم. ثم أراد أن يبين لهم أن ما يشغلون به أنفسهم من تنمية المال وتثميره لا قيمة له إن فاجأهم العدو وتغلب عليهم، فنهاهم، عن التلهي بالإبل والانشغال بها بعد أن بدت نذر الحرب، وأصبح العدو منهم قاب قوسين أو أدنى، يقول لهم ليست لكم إبل أي هي ليست لكم إن حلت بكم الهزيمة وظفر بكم عدوكم
لأنهم حينئذ سوف يأخذونكم جميعا، ويصبح مالكم غنيمة في أيديهم يستوي في ذلك التالد منه والطريف، فإن لم يستجيبوا لنصحه وينصاعوا لتحذيره، فكأنما يثمرون مالهم لعدوهم، ولن ينتفع به من بقي منهم، بل يذهب بذهابهم، ثم يقسم لهم أن المال منذ الأزل تابع لأصحابه يذهب بذهابهم ويربو ويتجدد بعزهم وقوتهم.
ويحتال الشاعر للنفاذ إلى قلوبهم فيسلك كل السبل ليجد تحذيره آذانا صاغية وقلوبا واعية، فيذكرهم بماضيهم التليد وعزهم الغابر ويطلب منهم أن يهبوا للحفاظ عليه فإنه يخشى على هذا المجد أن يتبدد أو يضيع فتحل عليهم لعنة الأقوام، ويصبحوا سبة في جبين الدهر.
ويؤكد على ثبات هذا المجد بأكثر من مؤكد إن واللام واسمية الجملة على أن هذا الماضي لن يفيدهم بشيء ولن يغني عنهم إن ضيعوا حاضرهم وفرطوا فيما بين أيديهم، بل سيظل شاهدا على تقصيرهم وعجزهم عن اللحاق بأسلافهم الأماجد وآبائهم الأكرمين.
ماذا يرد عليكم عز أولكم
…
إن ضاع آخره أو ذل واتضعا
ومرة أخرى يتسلل إلى قلوبهم من ناحية الحفاظ على العرض فيقول إنهم إن تغلبوا عليكم فسوف ينتهكون حرماتكم ويستبيحون نساءكم، ويلطخون شرفكم، فلا تقوم لكم بعد ذلك قائمة، وما قيمة الحياة إذا عجز الإنسان فيها عن أن يحمي عرضه ويصون كرامته، إنها حياة الخسة والعار الموت أهون منها.
وكان الشاعر بارعا في ذلك إذ يعرف كيف يثير حميتهم ويبث فيهم روح القتال، فهم إن قصروا في الاستعداد لعدوهم أو توانوا في الدفاع عن أرضهم فسوف يفجعهم الدهر بما لا قبل لهم به، وتكون النتيجة أن يقتلع العدو جذورهم ويستأصل شأفتهم ويمزقهم شر ممزق، فليتهم يشاركونه الرأي، فيسمعون لما يقول ويرون ما رأى..
هو الجلاء الذي يجتث أصلكم
…
فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا