الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل تعظيم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة
كان من عوائده الكريمة صلى الله عليه وسلم أن يعظم يوم الجمعة غاية التعظيم، ويخصه بأنواع التشريف والتكريم، ويحفه بأنواع العبادات، كما سنبينه فيما هو آت.
وللعلماء في يوم الجمعة، ويوم عرفة قولان: قال بعضهم: يوم الجمعة أفضل، وقال بعضهم: يوم عرفة أفضل، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة سورة السجدة، وهل أتى على الإنسان.
والمراد تذكير الأمة بما اشتملتا عليه مما كان، وما يكون، لما فيهما من خلق آدم عليه الصلاة والسلام، وذكر المعاد، وحشر الخلائق، وأحوالهم في الجنة والنار، وليس المراد تخصيص هذا اليوم بالسجدة كما ظنوا. وقالوا: إن من لم يتهيأ له قراءتهما، فليقرأ بعض سورة تشتمل على سجدة، أو ليقرأ في أولى بعض سورة السجدة، وفي الأخرى باقيها.
إنما نشأ لهم هذا من عدم اطلاعهم على سر ما قُرئتا له في هذا اليوم، وقراءتهما في صلاة الصبح، من خواص الجمعة.
الخاصية الثانية: أن يستحب الإكثار من الصلاة، على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلتها، وفي الحديث الصحيح:"أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة"(1).
الخاصية الثالثة: صلاة الجمعة، وهي من أعظم فروض الإسلام، ومن تهاون في الإتيان بها ختم على قلبه، وقُرب بعض الأشخاص في يوم المزيد، بحسب تقربهم إلى الله يوم الجمعة.
(1) رواه أحمد في المسند (4/ 8)، وأبو داود في السنن (1/ 275)، والنسائي (3/ 91) وفي الجمعة (28). ابن خزيمة في الصحيح (3/ 118) ، وابن حبان في الصحيح (2/ 132)، والحاكم في المستدرك (1/ 278) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (ج 4 ص 56)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (2/ 566) وفي معرفة الصحابة (2/ 354)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 248) وفي الجامع لشعب الإيمان (6/ 283)، وابن أبى شيبة في المصنف (1/ 477)، والدارمى في السنن (1/ 307) وابن ماجه في السنن (1/ 345، 524) وأحمد المروزى في الجمعة (40)، والطبرانى في المعجم الكبير (ج 1 ص 216).
الخاصية الرابعة: استحباب الغسل في ذلك اليوم، وعند جماعة يجب، ودليل وجوبه أقوى من دليل وجوب الوتر، ومن الوضوء من مس النساء، ومن القهقهة، ومن الرعاف، ومن الحجامة، ومن القئ، ومن وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد.
الخاصية الخامسة: مس الطيب، وهو في هذا اليوم أفضل منه في سائر الأيام.
الخاصية السادسة: استعمال السواك في هذا اليوم مفضل على سائر الأيام.
الخاصية السابعة: التكبير للصلاة.
الخاصية الثامنة: الاشتغال بالصلاة والذكر. والقراءة إلى أن يصعد الإمام إلى الخطبة.
الخاصية التاسعة: الإنصات للخطبة وهو واجب عند أكثر العلماء.
الخاصية العاشرة: قراءة سورة الكهف لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء، يضئ إلى يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين"(1).
الخاصية الحادية عشرة: عدم كراهية صلاة النافلة في وقت الزوال كما هي في سائر الأيام مكروهة، وهذا مذهب أكثر العلماء، لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الصلاة نصف النهار، إلا يوم الجمعة، وقال:"إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة"(2).
(1) رواه البيهقى في الجامع لشعب الإيمان (ج 6 ص 289).
(2)
انظر سنن الدرامى (ج 1 ص 302)، وصحيح البخاري (5/ 264) ، وصحيح مسلم (2/ 589) ، وسنن ابن ماجه (1/ 350)، وسنن أبى داود (1/ 284)، وسنن النسائى (3/ 100)، ومعجم الطبرانى الكبير (7/ 21)، وسنن الدارقطنى (2/ 18) ، وشرح السنة للبغوى (4/ 239).
ورد في الحديث الصحيح: استحباب الصلاة في يوم الجمعة إلى وقت الخطبة، وروى الشافعى بأسانيد متنوعة: نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة (1).
وللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أن وقت الزوال ليس بوقت كرهة مطلقا في حال من الأحوال ولا في يوم من الأيام. وهذا مذهب الإمام مالك.
الثاني: أنه وقت كراهة في الجمعة. وغيرها وهذا مذهب الإمام أبى حنيفة، وأحد قولى الإمام أحمد.
الثالث: أنه وقت كراهة في جميع الأيام غير يوم الجمعة فإنه ليس بوقت كراهة. وهذا مذهب الإمام الشافعى، وجميع المحققين.
الخاصية الثانية عشرة: استحباب قراءة سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة أو سورة سبح والغاشية لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، والاقتصار على بعض سورة الجمعة والمنافقين ليس بمستحب بل هو خلاف السنة، وجهابذة الأئمة يداومون على ذلك.
الخاصية الثالثة عشر: أنها عيد الأمة يكرر في كل أسبوع، وروى ابن ماجه في مسنده عن أبي لبابة يرفعه أن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى، ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله عز وجل آدم دنيه، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا أعطاه ما لم يكن حراما، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا شجر، إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة.
الخاصية الرابعة عشر: استحباب لبس أحسن ثوب تصل القدرة إليه وأجوده، ثبت في مسند الإمام أحمد: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من
(1) انظر مصنف ابن أبي شيبة (1/ 445) ، مسند أحمد (3/ 331)، وصحيح مسلم (2/ 588)، وأحمد المروزى في الجمعة (78)، ومسند أبى يعلى (3/ 434)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 350).
طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة، حتى يأتى المسجد فيركع إن بدا له، ولم يؤذ أحدا، ثم أنصت إذا خرج إمامه، حتى يصلي. كانت كفارة لما بينهما" (1). وفي سنن أبى داود عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة:"ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبى مهنته"(2).
الخاصية الخامسة عشر: استحباب تجمير المسجد بإحراق العود واستعمال الطيب، أمر أمير الؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه بتجمير المسجد (3) في كل جمعة.
الخاصية السادسة عشر: تحريم إنشاء السفر في يوم الجمعة بعد دخول الوقت على من لزمته الجمعة وهذا مذهب جماهير العلماء، وعند أبى حنيفة يجوز، لكن نقل السروجى في شرح الهداية عن أبي حنيفة كراهة ذلك.
وأما مذهب الشافعى فيحرم من قبل الزوال أيضا لما روى الدارقطنى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره"(4).
وقال حسان بن عطية: إذا سافر الرجل يوم الجمعة دعا عليه النهار أن لا يعان على حاجة، ولا يصاحب في سفره.
(1) رواه أحمد في المسند (3/ 81)، وابن خزيمة في الصحيح (3/ 130)، والحاكم في المستدرك (1/ 283)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 243) ، وفي الجامع لشعب الإيمان (6/ 246)، والبغوى في شرح السنة (4/ 230).
(2)
رواه البيهقى في السنن الكبرى (3/ 243) وقال: والصحيح ما رواه مالك عن ابن شهاب مرسلا، ورواه في الجامع لشعب الإيمان (6/ 512).
(3)
أي تبخيره ولم نر أحدا يبخر المسجد يوم الجمعة في عصرنا هذا ولا ممن يدعى التمسك بالسنة، والمسجد خاص بهم ولا أدرى ما جوابهم اللهم إلا تقليد لسكوت كبيرهم على ذلك.
(4)
أخرجه الدارقطنى في الإفراد عن ابن عمر مرفوعا بنفس لفظ المصنف، وفي إسناده ابن لهيعة وهو مختلف فيه، وأخرج نحوه برواية ضعيفة الخطيب في كتاب أسماء الرواة، انظر نيل الأوطار (ج 3 ص 229).
الخاصية السابعة عشر: هي أن من مشى إلى صلاة الجمعة كتب له بكل خطوة ثواب صيام سنة، في مسند الإمام أحمد، ومسند عبد الرازق: من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر (1) ودنا من الإمام وأنصت كان له بكل خطوة يخطوها، صيام سنة وقيامها وذلك على الله يسير.
الخاصية الثامنة عشر: هي أن هذا اليوم مكفر للسيئات، روى سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أتدرى ما يوم الجمعة، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره، ثم يأتى الجمعة فينصت، حتى يقضى الإمام الصلاة، إلا كان كفارة لما بينه وبين الجمعة المقبلة"(2).
وورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة.
الخاصية التاسعة عشر: هي أن جهنم تضرم في كل يوم، عند منتصف النهار، إلا في يوم الجمعة، لأنه أفضل الأيام، والعبادات، والطاعات فيه أزيد من سائر الأيام، والمعاصى فيه أقل، وكثير من أهل الفجور المتغولين الأثام، يجتنبون المعاصى في يوم الجمعة وليلتها بالكلية، وهذا معنى الحديث، الذي يشير إلى أن جهنم لا تضرم في هذا اليوم.
الخاصية العشرون: هي أن في هذا اليوم ساعة إجابة كل عبد سأل فيها حاجة قُبل، وثبت في الصحيحين "أن في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يسأل الله عز وجل شيئا إلا أعطاه إياه، وقال بيده يقللها"(3).
(1) في الصحاح قالوا بكر: أسرع، وابتكر: أدرك الخطبة من أولها وهو من الباكورة.
(2)
رواه الطحاوى في شرح معانى الآثار (1/ 368)، البيهقى في الجامع لشعب الإيمان (6/ 243)، وابن خزيمة في الصحيح (3/ 118)، وأحمد المروزى في الجمعة (72 ، 73)، والطبرانى في المعجم الكبير (6/ 237)، والحاكم في المستدرك (1/ 277) وقال: صحيح الإسناد. ورواه بنحوه الإمام أحمد في المسند (5/ 439، 440)، والطبرانى في المعجم الأوسط (1/ 455).
(3)
رواه البخاري في كتاب الجمعة باب (37) الساعة التي في يوم الجمعة حديث رقم (935 - ج 2 ص 415)، وانظر حديث رقم (5294 و 6400)، ومسلم في كتاب الجمعة، باب في الساعة التي في يوم الجمعة حديث رقم (852 - ج 2 ص 583 - 584) ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب (99) ما جاء في الساعة التي ترجى في الجمعة حديث رقم (1137 - ج 1 ص 360) والنسائي (ج 3 ص 115) في كتاب الجمعة، باب الساعة التي يستجاب فيها للدعاء يوم الجمعة.
وللعلماء في هذه الساعة خلاف على قولين:
قال بعضهم: ليست بباقية بل ارتفعت في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: وهو الصحيح أنها باقية، وفي تعين وقتها خلاف هل هي في وقت معين من يوم الجمعة، أم ليس لها وقت معين من يوم الجمعة؟ والذين قالوا بالتعيين اختلفوا في بيانه على أحد عشر قولا.
القول الأول: مروى عن أبي هريرة: أنها بعد طلوع الفجر، إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى المغرب.
القول الثاني: القول عند الزوال، وذا يروى عن الحسن البصرى، وأبى العالية.
القول الثالث: إذا شرع المؤذن في أذان الجمعة، وذا مروى عن عائشة رضي الله عنها.
القول الرابع: هي ساعة جلوس الإمام على المنبر إلى أن يفرغ من خطبته.
القول الخامس: في زمان صلاة الجمعة.
القول السادس: هي ما بين زوال الشمس إلى وقت صلاة الجمعة.
القول السابع: هي ما بين صيرورة ظل الزوال شبرا، إلى أن يصير ذراعا.
القول الثامن: من وقت العصر، إلى غروب الشمس.
القول التاسع: آخر ساعة في النهار. وذا قول أكثر الصحابة والتابعين.
القول العاشر: من حين خروج الإمام إلى أن يفرغ من الصلاة.
القول الحادى عشر: في الساعة الثالثة من يوم الجمعة وأرجح الأقوال قولان:
القول الأول: من حين يجلس الإمام على المنبر إلى أن تتم الصلاة، ودليل هذا في الحديث الصحيح "هي ما بين أن يجلس الإمام على المنبر، إلى أن تقضى الصلاة".
القول الثاني: أنها بعد العصر، وذا أرجح الأقوال ودليله الحديث الصحيح "أن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه"(1) وهي بعد العصر.
وفي سنن أبى داود، والنسائي، من رواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه فالتمسوها في آخر ساعة بعد العصر"(2).
وفي سنن سعيد بن منصور: أن جماعة من الصحابة اجتمعوا، وبحثوا في هذه الساعة ثم قاموا، ولم يخالف منهم أحد، في أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.
وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن سلام قال: قلت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس -: إنا لنجد في كتاب الله ساعة في يوم الجمعة لا يوافقها عبد مؤمن، يصلى، ويسأل الله فيها شيئا، إلا قضى له حاجته.
قال عبد الله: فأشار إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، "أو بعض ساعة" فقلت: صدقت يا رسول الله، أو بعض ساعة. قلت: أية ساعة هي؟
قال: "آخر ساعة من ساعات النهار" قلت: أنها ليست ساعة صلاة، قال:"بل إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في الصلاة".
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لأى شيء سمى يوم الجمعة؟ قال: "لأن فيها طبعت (3) طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة
(1) ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة باب (99) ما جاء في الساعة التي يرجى في الجمعة حديث رقم (1139 - ج 1 ص 360 - 361) عن عبد الله بن سلام، وأبو داود في كتاب الصلاة باب الإجابة أية هي في يوم الجمعة حديث رقم (1048 - ج 1 ص 275)، والنسائي (ج 3 ص 99 - 100) في كتاب الجمعة باب وقت الجمعة.
(2)
رواه النسائى في سننه، وأبو داود، وأورده الشوكانى في نيل الأوطار (ج 3 ص 346).
(3)
فيها طبعت أي جمعت.
والبعث، وفيها البطش، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له" (1).
الخاصية الحادية والعشرون: هي أن للصدقة في هذا اليوم مزية، على الصدقة في سائر الأيام.
الخاصية الثانية والعشرون: هي أن صلاة الجمعة مقرونة بالخطبة، مشروطة بشرائط ليست لغيرها، مثل اشتراط الإقامة والاستيطان، والجهر بالقراءة وغير ذلك.
الخاصية الثالثة والعشرون: هي أن يوم الجمعة يستحب فيه التفرغ للعبادة، ومزيته على سائر الأيام كمزية شهر رمضان على سائر الشهور، وهو مخصوص بعبادات واجبة ومستحبة، وكما أن لأهل كل ملة يوما متخصصا للعبادة والتخلى عن الأشغال الدنيوية، كذلك تعين يوم الجمعة لهذه الأمة المعصومة، وساعة الإجابة في هذا اليوم، كليلة القدر في شهر رمضان.
ومن هذه الجهة قال العلماء: من حصل له في يوم الجمعة السلامة من الآثام، سلم في الأسبوع، ومن سلم في شهر رمضان من الآثام، سلم في بقية العام، ومن حصل له حج بيت الله الحرام وسلم من المخالفات، سلم في جميع العمر.
فيوم الجمعة ميزان الأسبوع، وشهر رمضان ميزان السنة، وحج بيت الله ميزان العمر.
الخاصية الرابعة والعشرون: لما كان يوم الجمعة في الأسبوع كيوم العيد في السنة والعيد يشتمل على الصلاة والقربان، والجمعة تشتمل على الصلاة، جعل الحق جل شأنه التبكير إلى المسجد بدل القربان، وقائما مقامه.
(1) قال ابن حجر في فتح البارى: قد اختلف في تسمية اليوم بالجمعة مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة بفتح العين وضم الراء وبالموحدة فقيل سمى بذلك لأن كمال الخلق جمع فيه وهو ضعيف وقيل غير ذلك. انظر نيل الأوطار (ج 3 ص 222 - 223).
وفي الحديث الصحيح: "من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثاني فكأنما قرب بقرة. ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة"(1).
وفي هذه المساعات اختلاف، حملها بعض العلماء على الساعات الفلكية، وقال باستحباب التبكير بعد طلوع الشمس، وذا مذهب الشافعى وأكثر العلماء.
وحملها البعض على الساعات العرفية، وهي أجزاء لطيفة من بعد الزوال، وذا مذهب الإمام مالك، وطائفة من أهل المدينة.
الخاصية الخامسة والعشرون: أنه يوم تجلى الحق جل شأنه على عبيده في الجنة.
الخاصية السادسة والعشرون: هي أن الله أقسم بهذا اليوم من بين سائر الأيام، قال الله تعالى {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} (2) قال صلى الله عليه وسلم:"اليوم الموعود: يوم القيامة"(3)، "واليوم المشهود: هو يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، ما طلعت الشمس ولا غربت على أفضل من يوم الجمعة، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو فيها بخير إلا استجاب له أو يستعيذه من شر إلا أعاذه منه" (4).
الخاصية السابعة والعشرون: هي أن السموات والأرضين، والجبال، والبحار، والخلائق كلها، غير بنى آدم، والشياطين، يخافون من يوم الجمعة.
قال كعب الأحبار: ألا أحدثكم عن يوم الجمعة: إذا كان يوم الجمعة فزعت له السموات والأرض، والجبال، والبحور، والخلائق كلها، إلا ابن آدم والشياطين.
(1) متفق عليه رواه البخاري (ج 2 ص 304)، ومسلم برقم (850)، ورياض الصالحين (ص 462).
(2)
سورة البروج آية رقم 3.
(3)
إسناده لا بأس به أخرجه البزار (ج 3 رقم 2283)، والهيثمى في مجمع الزوائد (7/ 136) ررجاله ثقات والحاكم (2/ 519).
(4)
جزء كبير من هذا الحديث في الصحيحين. انظر صحيح البخاري (ج 2 ص 415 حديث رقم 5294).
الخاصية الثامنة والعشرون: إنه يوم ادخره الحق سبحانه لهذه الأمة المرحومة فضلت عنه جميع الأمم: قال صلى الله عليه وسلم: "يوم ادخره الله لنا"(1).
وقال: "وما طلعت الشمس، ولا غربت، على يوم خير من يوم الجمعة، هدانا الله له وأضل الناس عنه، فالناس لنا فيه تبع"(2) الحديث.
الخاصية التاسعة والعشرون: هي أن هذا اليوم خيرة الله من الأيام، كما اختار رمضان من الشهور، وليلة القدر من الليالى، ومكة من القرى.
قال كعب: إن الله عز وجل اختار الشهور، فاختار شهر رمضان، واختار الأيام فاختار يوم الجمعة، واختار الليالى فاختار ليلة القدر.
الخاصية الثلاثون: هي أن أرواح المؤمنين في يوم الجمعة تقرب من قبورهم، ويعرفون من يزورهم فيه فضل معرفة على سائر الأيام.
الخاصية الحادية والثلاثون: كراهة صوم هذا اليوم على انفراده، عند أكثر العلماء، قال محمد بن عباد: سألت جابرا: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قالط: نعم ورب هذه البنية.
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوم قبله أو يوما بعده"(3) اللفظ للبخارى، ولمسلم:"لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم"(4).
(1) لم نعثر عليه.
(2)
رواه مسلم في صحيحه (ج 2 ص 586)، وأحمد المروزي في الجمعة (78)، والنسائي في سننه (3/ 87)، والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان (ج 6 ص 255).
(3)
متفق عليه رواه البخاري في كتاب الصوم باب صوم الجمعة حديث رقم (1985 - ج 4 ص 232)، ورواه مسلم في كتاب الصيام باب كراهية صيام يوم الجمعة متفردا رقم (1144 - ج 2 ص 320)، ورواه أبو داود في كتاب الصوم باب النهى أن يخص يوم الجمعة بصوم حديث رقم (3420)، ورواه الترمذي في كتاب الصوم باب ما جاء في كراهية صوم يوم الجمعة منفردا حديث رقم (743 - ج 3 ص 119).
(4)
رواه مسلم في كتاب الصيام باب كراهية صيام يوم الجمعة منفردا حديث رقم (1144) حديث الباب رقم (148 - ج 2 ص 801).
وعن جويرية بنت الحارث، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة فقال:"أصمت أمس؟ " قالت لا. قال: "تريدين أن تصومى غدا؟ " قالت: لا. قال: "فافطرى"(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا يوم الجمعة وحده" وقال: "يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده"(2).
الخاصية الثانية والثلاثون: اختصاص هذا اليوم باجتماع الؤمنين للموعظة والتذكير.
(1) أورده الأمير الصنعاني في سبل السلام (ج 2 ص 248) ويشهد له ما في الصحيحين انظر صحيح البخاري (ج 4 ص 232) حديث رقم (1985)، ومسلم (ج 2 ص 801)، حديث رقم (1144)، وأورده بلفظه الإمام الشوكانى في نيل الأوطار (ج 4 ص 249).
(2)
رواه أحمد في مسنده، وأورده الشوكانى في نيل الأوطار (ج 4 ص 249).