الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في عباداته صلى الله عليه وسلم في حال الاستسقاء
ثبت في ذلك ستة أوجه:
الوجه الأول: أنه كان يوم الجمعة في أثناء الخطبة يستمطر ويقول: "اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا، اللهم اسقنا اللهم اسقنا، اللهم اسقنا"(1).
الوجه الثاني: أنه كان يعد الصحابة بالخروج في يوم معين إلى المصلى، ويخرج في ذلك اليوم، بعد طلوع الشمس بهيئة الخاشع التواضع، مبتذلا، فإذا وصل إلى المصلى، صعد إلى النبر، وقرأ الخطبة، والمحفوظ منها:"الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم أنت الله الذي لا إله إلا أنت تفعل ما تريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنى ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوتا وبلاغا إلى حين"(2)، ثم رفع يديه وأخذ في التضرع والابتهال والدعاء، وبالغ في الرفع، حتى بدأ بياض إبطيه، ثم استقبل القبلة واستدبر الحاضرين، وقلب رداءه المبارك، حتى صار طرف اليمين، على الجانب الشمال، وطرف الشمال على الجانب اليمين (3).
(1) متفق عليه رواه البخاري في كتاب الاستسقاء باب (6) الاستسقاء في المسجد الجامع حديث رقم (1013 - ج 2 ص 501)، ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء باب (2) الدعاء في الاستسقاء حديث رقم (897 - ج 2 ص 612 - 305) وأبو داود في كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء حديث رقم (1174 - ج 1 ص 304 - 305) والنسائي (ج 3 ص 154 - 155) في الاستسقاء، باب حتى يستقى الإمام، ومالك في كتاب الاستسقاء باب ما جاء في الاستسقاء حديث (3 - ج 1 ص 191).
(2)
أخرجه أبو دارد في كتاب الصلاة باب رفع اليدين في الاستسقاء حديث رقم (1123 - ج 1 ص 304) وقال غريب وإسناده جيد، وذكره الأمير الصنعانى في سبل السلام (ج 2 ص 162).
(3)
رواه أحمد في مسنده وابن ماجه، وذكره الشوكانى في نيل الأوطار (ج 4 ص 4) وذكره الدارقطنى في كتاب الاستسقاء حديث رقم (2) ج 2 ص 66.
وما كان من الرداء داخلا صار خارجا، وما كان خارجا صار داخلا، وكان الرداء أسود اللون، وأخذ في الدعاء كذلك، ثم نزل وشرع في الصلاة، فصلى ركعتين، بغير أذان ولا إقامة، جهر فيهما بالقراءة، وقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} . وفي الثانية {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} .
الوجه الثالث: أنه صعد منبر المدينة في المسجد واستسقى في غير يوم الجمعة، ولم يرد في الاستسقاء صلاة بل مجرد خطبة ودعاء.
الوجه الرابع: أنه استسقى في مسجد المدينة قاعدا من غير قيام، ولا صعود على المنبر، وحفظ من دعاء ذلك اليوم:"اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا طبقا عاجلا غير رائت نافعا غير ضار"(1).
الوجه الخامس: أنه استسقى مرة خارج المسجد النبوى، بالقرب من الزوراء، بمكان يعرف بأحجار الزيت، هو قريب من باب من أبواب المسجد، يقال له: باب السلام وعطف على الجانب الأيمن، وسار نحوه رمية حجر، بلغ إلى المكان المعروف بأحجار الزيت.
الوجه السادس: كان في بعض الغزوات قد سبق المشركون ونزلوا على الماء واستولى العطش على المسلمين. فعرضوا حالهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال المنافقون: لو كان نبيا لاستسقى لقومه، كما استسقى موسى لقومه فبلغ هذا الخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هكذا قالوا، فلا تيأسوا فلعل الله جل ثناؤه أن يسقيكم، ثم رفع يديه ودعا الله. فظهرت سحابة، في الوقت أظلمت الدنيا، ثم أمطرت إلى أن احتنقت الأودية العظيمة بالسيول، والمحفوظ من ذلك الدعاء في الاستسقاء هذه الكلمات: "اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر
(1) تقدم تخريجه. وانظر صحيح مسلم (ج 2 ص 615) حديث رقم (615) وأبي داود (ج 4 ص 326).
رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير رائت" (1).
وفي كل وقت استسقى صلى الله عليه وسلم أجيب، وجاء المطر، واستسقى مرة، فقام رجل من الصحابة يعرف بأبي لبابة وقال: يارسول الله التمر في المربد، ونخشى أن يتلف فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده (2) بإزاره فأمطرت، فاجتمعوا إلى أبي لبابة فقالوا: إنها تقلع حتى تقوم عريانا فتسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل فاستهلت السماء (3).
وكانوا إذا كثر المطر وأفرط طلبوا الصحو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول في الاستصحاء:"اللهم على الأكام، والجبال، والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر"(4).
وكان عند ابتداء المطر يميط ثوبه عن بعض بدنه ليصيبه المطر ويقول: لأنه حديث عهد بربه، وكان إذا سال وادى العقيق وغيره يقول:"اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورًا فنتطهر منه، ونحمد الله تعالى عليه".
وكان إذا رأى الريح، والسحاب، ظهرت الكراهية في وجهه المبارك، وكان يتردد فإذا جاء المطر انبسط وزالت الكراهية.
(1) انظر صحيح البخاري (ج 2 ص 501)، ومسلم (ج 2 ص 612 - 614)، وسنن أبي داود (ج 1 ص 304 - 305).
(2)
المربد: موضع يجفف فيه التمر. وثعلبه: ثقبه الذي يسيل فيه المطر.
(3)
لم نجده فيما اطلعنا عليه من كتب الحديث.
(4)
متفق عليه رواه البخاري ومسلم وأورده الشوكاني في نيل الأوطار (ج 4 ص 13) وقد تقدم تخريجه.
والإكام - بالكسر - جمع أكمة وهي الرابية. والظراب: هي الجبال الصغير.
وثبت أنه قال في بعض أدعيته: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا، مريعا غدقا، مجلالا، عاما، طبقا، سحا، دائما. اللهم اسقنا الغيب، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم بالعباد، والبلاد، والبهائم، والخلق، من اللأواء، والجهد، والضنك، ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء وانبت لنا من بركات الأرض، الله ارفع عنا الجهد، والجوع، والعرى، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا، وكان إذا دعا في الاستسقاء رفع يديه نحو السماء"(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث"(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة"(3)، وعند رؤية الكعبة".
(1) انظر صحيح البخاري (ج 2 ص 518)، ومسلم (ج 2 ص 615)، وأبي داود (ج 4 ص 326 - 327)، والنسائي (3/ 164).
(2)
أخرج نحوه أحمد في مسنده، أبو داود في سننه، الترمذي، وأورده الشوكاني في نيل الأوطار (2/ 55).
(3)
انظر: نيل الأوطار (ج 2 ص 55) وما بعدها.