الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل صيام النبي صلى الله عليه وسلم
-
كان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، وكان يستغرق أوقاته بالذكر والصلاة والاعتكاف، والتلاوة، ويخص هذا الشهر العظيم بأنواع العبادات. وكان يواصل في بعض لياليه، وينهى غيره عن الوصال، فقالوا: أتواصل وتنهانا يا رسول الله؟ قال: "لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي" وفي لفظ: "أظل عند ربي يطعمني ويسقيني"(1).
وللعلماء في ذا الطعام أقوال:
أحدها: أنه طعام وشراب محسوس، فإن هذا حقيقة اللفظ، وليس في الظاهر ما يوجب العدول عن الحقيقة فتعين الحمل على الحقيقة.
الثاني: أن المراد غذاء روحاني، يحصل من المعارف، ولذة المناجاة، وفيضان اللطائف الإلهية الواردة على قلبه الكريم وتوابعها من نعيم الأرواح، ومسرة النفس، والروح والقلب، ونور البصر، ويحصل بذلك من القوة، والمسرة، ما يستغنى به عن الغذاء الجسمانى.
لها أحاديث من ذكراك تشغلها
…
عن الشراب وتلهها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضئ به
…
ومن حديثك في أعقابها حادى
إدا اشتكى من كلال السير واعدها
…
روح القدوم فتحيا ضد ميعاد
وهذا القول الثاني هو المختار، لأنه يتصور الوصال لو حمل على حقيقة الطعام والشراب بل يبطل الصيام.
(1) متفق عليه رواه البخاري في كتاب الصوم، باب التنكيل لمن أكثر الوصال حديث رقم (1965 ج/4 ص 205 - 206)، ومسلم في كتاب الصيام، باب النهى عن الوصال في الصوم، حديث رقم (1103 ج 2 ص 741 - 775)، والموطأ في كتاب الصيام، باب النهى عن الوصال في الصيام حديث رقم (31 ج 1 ص 301).
وكان من العادة أن لا يشرع في صيام رمضان إلا بعد رؤية الهلال على التحقيق، أو بشهادة الواحد العدل كما صام مرة بشهادة ابن عمر، ومرة بشهادة أعرابى، واكتفى بمجرد اختبارهما، ولم يكلفهما لفظ الشهادة، فإن لم ير ولم يشهد به أتم شعبان ثلاثين يوما (1)، ثم صام وأمر الناس أن يصوموا بشهادة شخص واحد، ويفطروا بشهادة شخصين، وكان يعجل الفطر (2) ويواظب على السحور ويؤخره، وأمر الأمة بالسحور وتأخيره، وأمر أن يفطر الصائم بثلاث رطبات، فإن لم يجد فثلاث تمرات، فإن لم يجد فالماء.
وهذا غاية الشفقة على الأمة، لأن الطبيعة أوآن خلو المعدة، تقبل على الطعام أتم إقبال، فإذا كان الحلو أول واصل إلى المعدة ينتفع البدن بقبوله، غاية الانتفاع، على الخصوص القوة الباصرة، فإن انتفاعها بالحلو يكون أزيد من انتفاع سائر القوى، ولما كان التمر حلو الحجاز، وطبائعهم قد نشأت عليه، كان انتفاعهم به أزيد من انتفاعه بغيره من أنواع الحلواء من جهة الطب.
وأما وجهة الشرع، وأسرار ذلك، فالحق جل شأنه جعل تمر المدينة ترياقا، ودواءً لكل الهموم، ببركة سيد العالم، صلوات الله عليه وسلامه، ومن ثم قال:"إن في عجوة العالية شفاء من كل داء وأنها ترياق أول البكرة"(3) وقال في موضع آخر "من تصبح بسبع تمرات مما بين لابتيها لن يضره ذلك اليوم ولا سحر"(4).
(1) انظر صحيح البخاري في كتاب الصيام باب (11) حديث رقم (1909 ج 4 ص 119).
(2)
متفق عليه صحيح البخاري في كتاب الصوم باب (45) تعجيل الإفطار حديث رقم (1957 ج 4 ص 198)، ومسلم في كتاب الصيام باب فضل السحور وتأكيد استحبابه حديث رقم (1068 ج 2 ص 771)، والترمذي برقم (699 ج 3 ص 82)، ومالك في كتاب الصيام، باب ما جاء في تعجيل الفطر حديث رقم (6 ج 1 ص 288).
(3)
انظر صحيح ابن خزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم، وسبل السلام (ج 3 ص 316).
(4)
انظر المصادر المتقدمة.
وليس يظهر للأطباء الرسميين في هذا المقام غير التحير، ودوران الرأس، وسر ذلك يعلمه أطباء القلوب، وفي وقت الإفطار، كان يقول هذا الدعاء:"اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم"(1)، وفي إسناده مقال.
وثبت في سنن أبي داود أنه كان يقول: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت"(2) وجاء في بعض الروايات أنه كان يقول: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر"(3).
وكان ينهى الصائم عن الرفث، وعن الجهل، وقال:"إن قاتله أحد أو شاتمه فليقل إنى صائم"(4) وللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
قال بعضهم: السنة أن يقول في جوابه هذا اللفظ بلسانه وذا أظهر الأقوال.
قال بعضهم: يقول بقلبه ويذكر نفسه أنه صائم لئلا يشتغل بالجواب.
قال بعضهم: إن كان صومه فرضا يقول بلسانه وإن كان سنة يقول بقلبه ليكون أبعد عن الرياء.
(1) إسناده ضعيف كما ذكر المصنف انظر نيل الأوطار (ج 4 ص 321).
(2)
رواه أبو داود في سننه، وأررده الشوكاني في نيل الأوطار (ج 4 ص 320).
(3)
رواه الطبرانى في معجمه الكبير. والدارقطنى من حديث ابن عباس بسند ضعيف، ورواه أبو داود والنسائي والحاكم وغيرهم عن ابن عمر، وأورده الشوكاني في نيل الأوطار (ج 4 ص 221).
(4)
متفق عليه رواه البخاري (ج 4 ص 88، 89، 101)، ومسلم برقم (1151)، وأخرجه مالك في الموطأ (ج 1 ص 310)، وأبو داود برقم (2363)، والنسائي (ج ص 163) وذكره النووى في رياض الصالحين (ص 486).