الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في السنة النبوية في العقيقة
العقيقة اسم أول شعر نبت على رأس الطفل، لأنه يعق اللحم والجلد، أي يشقهما ويخرج، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكره هذا الاسم، سئل عن العقيقة قال:"لا أحب العقوق" فقالوا: نجعل نسكا عن الولد؟ فقال: "من أحب أن يؤدى نسكا في الولد، فعن الغلام شاتان وعن الجارية شاة"(1).
وورد في الحديث الصحيح: "أن الغلام رهينة بعقيقة تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسمه ويسمى"(2) قال الامام أحمد: معنى الحديث: أن الولد محبوس عن أن يشفع لوالديه ما لم يؤديا عنه العقيقة.
وقال بعضهم: هو ممنوع، ومحبوس عن الخيرات، والزيادات، ما لم يؤدوا عنه العقيقة، ووقع في بعض الروايات بدل - ويسمى - ويدمي.
وقال قتادة: تفسيره إن للشاة إذا ذبحت أخذ قليل من صوفها، وجعل في الدم السائل من المذبوح، ثم وضع على رأس الطفل ليسيل من الدم على رأسه، مثل الخيط، ثم يغسل، ويحلق رأسه.
والصواب أن هذا تحريف من بعض الرواة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين، بشاتين ولم يفعل ذلك، وهذا الفعل بعوائد الجاهلية أشبه والله أعلم.
وصح أنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن (3) بشاة وعن الحسين بشاة، وأمر فاطمة بحلق رأسه، وأن تتصدق بوزن شعره فضة، ولما وزن كان قدر درهم. ولكن
(1) أخرجه الترمذي وصححه في كتاب الأضاحي باب ما جاء في العقيقة حديث رقم (1513 ج 4/ 96 - 97)، وابن ماجه (2/ 1056 برقم 3163) في كتاب الذبائح باب العقيقة.
(2)
أخرجه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي، انظر سنن أبي داود في كتاب الأضاحي باب في العقيقة حديث رقم (2838 ج 3/ 106)، والنسائي في كتاب العقيقة باب متى يعق (ج 7 ص 166).
(3)
رواه أبو داود في كتاب الأضاحي باب في العقيقة حديث رقم (2841 ج 3/ 107) ، والنسائي في كتاب العقيقة باب كم يعق عن الجارية (7/ 166) ، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وعبد الحق، لكن رجح أبو حاتم إرساله. انظر سبل السلام (ج 4 ص 189).
حديث: "عن الغلام شاتان" أقوى وأصح، لأنه يرويه جماعة من أكابر الصحابة، وأيضا الفعل يدل على الجواز، والقول أقوى من الفعل وأتم، لأن الفعل يحتمل الاختصاص، وأيضا الفعل يدل على الجواز، والقول على الاستحباب.
وأيضا قصة ذبح العقيقة عن الحسن والحسين، متقدمة على حديث أم ذر، لأنها عام أحد، والعام الذي بعده، وحديث أم ذر عام الحديبية.
وأيضا الحق جل شأنه فضل الذكر عن الأنثى في الميراث، وفي جميع الأمور. وذا يقتضي الفرق في هذا الباب أيضا.
وفي حديث أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح العقيقة عن نفسه بعد النبوة، ولكن في إسناده ضعف، وقال أبو رافع: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي، حين ولدته فاطمة بالصلاة.
وأما تسمية المولود، فالسنة أن يكون في اليوم السابع، وأما الختان، فابن عباس رضي الله عنهما يقول: كانت الصحابة يختنون أولادهم بعد البلوغ، وقال مكحول: ختن ابراهيم صلى الله عليه وسلم ابنه اسحاق عليه السلام في اليوم السابع، وإسماعيل عليه السلام في السنة الثالثة عشر، فبقيت السنة في ولد إسماعيل، أن يختتنوا في الثالثة عشر.
وكان من العادة النبوية: أن يسمى الولد باسم حسن، وقال:"إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة"(1).
وقال: "إن أخنع اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك" وقال: "لا تسمين غلامك يسارا، ولا رباحا، ولا نجيحا، ولا أفلح، فإنك تقول: أثم
(1) أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الأدب، باب: في تغيير الأسماء برقم (4948) ، وأحمد في المسند (ج 5 ص 194). وانظر ضعيف الجامع حيث ضعفه الألباني، وأورده الإمام ابن قيم الجوزية في تحفة المولود بأحكام المولود (ص 81 حديث رقم 115) تحقيق علي أبو العباس. مكتبة القرآن دون تاريخ.
هو؟ فلا يكون، فيقول: لا أما هن أربع فلا تزيدن عليها" (1) وكان إذا سمع اسما مستكرها، غيره باسم حسن، غيّر اسم عاصية وقال: "إنما أنت جميلة، وبرة سماها جويرية" (2).
وقال لشخص ما اسمك؟ فقال: أصرم. فقال: "بلى أنت زرعة"(3) وقال آخر: حزن قال "أنت سهل"(4) وسمى حربا: سلما، "وسمى الضطجع: المنبعث (5).
وبنو الرتبة: بنو الرشدة، وشعب الضلال سماه: شعب الهدى، وغير أسماء كثيرة غير ما ذكرنا.
وأمر الأمة بتحسين الأسماء (6). وفي هذا تنبيه على أن الأفعال ينبغي أن تكون مناسبة للأسماء، لأن الأسماء قوالب الأفعال ودالة عليها.
لا جرم اقتضت الحكمة الربانية أن يكون بينهما ارتباط وتناسب، وأن لا يكون أحدهما أجنبيا من الآخر، بحيث أن لا يكون بينهما تعلق بوجه من الوجوه، لأن الحكمة تأبى ذلك، والواقع المشاهد غير ذلك، وتأثير الأسماء في المسميات، والمسميات في الأسماء ظاهر وبائن، وإلى هذا المعنى أشار القائل:
وقل إن أبصرت عيناك ذا لقب
…
إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
(1) وهذه الجملة الأخيرة ليست من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي من كلام الراوى، والحديث أخرجه مسلم في كتاب الأدب، باب كراهية التسمية بالأسماء القبيحة ونافع ونحوه بألفاظ أخر (10، 11) وأبو داود في الأدب، باب: في تغيير الاسم القبيح (4958، 4959).
(2)
أخرجه مسلم في الآداب، باب: استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن. حديث رقم (15،14) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية وقال: "أنت جميلة" وأبو داود في الأدب، باب: في تغيير الاسم القبيح حديث رقم (2954).
(3)
أخرجه أبو داود في الأدب، باب: في تغيير الاسم القبيح، حديث رقم (2954).
(4)
انظر سنن أبي داود في كتاب الأدب.
(5)
أنظر: تحفة المودود بأحكام المولود (ص 43).
(6)
انظر: صحيح البخاري في الأدب، باب: تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه (ج 4 ص 80) ، ومسلم في الآداب (17، 18، 19) وابن ماجة في الأدب، باب تغيير الأسماء (3732).
وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ تعبير الرؤيا، من معانى الأسماء، كما فعل مرة في منام رآه قال:"أرأيت في منامى كأني في دار عقبة بن رافع وأتينا برطب ابن طاب، فأولت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة لنا في الآخرة، وأن ديننا قد طاب يعني أن الذي اختاره الله لهم، قد أرطب وطاب"(1).
ومرة أخرى أشار أن تحلب شاة، فقام شخص ليحلبها، قال:"ما اسمك؟ " قال: مرة. قال: "اقعد" فقام آخر. فقال: "ما اسمك؟ " قال: حرب. قال: "اقعد". فقام آخر فقال: "ما اسمك؟ " قال: حرب. قال: "اقعد"، فقام آخر فقال:"ما اسمك؟ " فقال: يعيش. قال: "احلب"(2) وكذا الطرق، والمنازل، المكروهة الأسماء، كان يتجنب عبورها والنزول بها، لسبب ارتباط بين الأسماء ومسمياتها.
وكان إياس بن معاوية إذا رأى شخصا. قال: ينبغي أن يكون اسمه كذا، وقلما يخطئ في ذلك، ولما كانت الأنبياء صلوات الله عليهم أشرف الخلق وأكملهم، وأخلاقهم وأعمالهم أشرف الأخلاق والأعمال، وأسماؤهم أشرف الأسماء، فلهذا الوجه أمر صلى الله عليه وسلم بالتسمي بأسمائهم. وفي سنن النسائي:"تسموا بأسماء الأنبياء"(3).
وأما الكنية، ففيها نوع إكرام، وقد كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صهيبا: أبا يحيى وأمير المؤمنين، وعليا: أبا تراب، مع كنيته الأولى أبو الحسن، وكانت أحب كناه إليه، وكنى صنو أنس الطفل: أبا عميرة، ولم يثبت في المنع عن التكني شيء إلا حديث "وتسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي" (4) وللعلماء في هذه المسألة أقوال:
بعضهم يقول: يجوز أن يتكنى أحد بأبي القاسم مطلقا. سواء كان اسمه
(1) لم نعثر عليه وانظر تحفة المولود بأحكام المولود (ص 42) وما بعدها.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الاستئذان، باب: ما يكره من الأسماء، حديث رقم (34) وهو حديث مرسل أو معضل، وصله ابن عبد البر من طريق أبي وهب عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن يعيش الغفاري.
(3)
رواه السيوطي في جميع الجوامع (ج 2 ص 434) وانظر تحفة المولود (ص 86).
(4)
تقدم تخريجه في الحديث قبله.
محمدا أو غير محمد، وهذا القول منقول عن الشافعي.
القول الثاني: أنه لا يجوز الجمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته، كما ورد في حديث الترمذي "ومن تسمى باسمي، فلا يتكنى بكنيتي، ومن تكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي"(1) وهذا الحديث مقيد ومفسر لذلك الحديث.
القول الثالث: أن الجمع بين الاسم والكنية جائز، وهذا مذهب مالك، واستدلاله بحديث أمير المؤمنين عليّ حيث قال:"يا رسول الله: إن ولد لي من بعدك ولد، أسميه باسمك، وأكنيه بكنيتك؟ قال. نعم. قال علي: وكانت رخصة لي"(2) صححه الترمذي.
وحديث عائشة قالت: "جائت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: إني قد ولدت غلاما فسميته محمدا، وكنيته أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك فقال: "ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي"، أو "ما الذي حرم كنيتي وأحل أسمي".
وهذه الطائفة تقول: أحاديث المنع، منسوخة بهذين الحديثين.
القول الرابع، أن التكني بأبي القاسم كان ممنوعا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما بعد وفاته فجائز، لأن سبب المنع: أن شخصا بالبقيع، نادى شخصا، وقال: يا أبا القسم، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المنادى: يا رسول الله أنادي غيرك. فقال: "تسموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي"(3) فيكون مخصوصا بزمانه صلى الله عليه وسلم.
وحديث عليّ، يشير إلى هذا المعنى، وقال بعض العلماء، ممن لا يعرج
(1) أخرجه أبو داود في الأدب. باب من رأى أن لا يجمع بينهما برقم (4966)، وأحمد في المسند (2/ 312، 455) وانظر ضعيف الجامع حيث عزاه إلى أحمد والبيهقي وقال: ضعيف (5535).
(2)
أخرجة أبو داود في الأدب، بادب الرخصة في الجمع بينهما برقم (4967) ، والترمذي في الأدب، باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي وكنيته وقال صحيح (10/ 287) ، وأحمد في المسند (1/ 95).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأدب (ج 4 ص 79).