الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الطيلسان فإنَّه كان يلبسه حال الحر، كما في اليوم الذي أمر فيه بالهجرة، فإنَّه جاء في نصف الليل إلى بيت أبي بكر وهو مطيلس، وأما حديث أنس كان يكثر القناع يعني يلبس الطيلسان كثيرا - فحمله بعضهم على أوقات الضرورة - في السفر، وكان يلبس جبة ضيقة الكمين، وكان يلبس الإزار والرداء في بعض الأحيان، طول الرداء ستة أذرع، وعرضه ثلاثة أزرع وشبرا وطول الإزاء أربعة أذرع وشبر، وعرضه ذراعان وشبر. والله تعالى أعلم" (1).
فصل في العادة النبوية في معاشرة أزواجه الطاهرات ومباشرتهن
قال صلى الله عليه وسلم: "حبب إلى من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عينى في الصلاة"(2) وبعض المصنفين يزيد لفظ ثلاث وذلك غلط، وحيث لم يستقم أولوه بتأويلات كلها سهو. فإن الصلاة ليست من أمور الدنيا، وأحب الأشياء إليه من أمور الدنيا النساء والطيب، وفي كثير من الليالى كان يطوف على جميع نسائه التسع، وأكرمه الله بقوة ثلاثين رجلا من الأقوياء. لا جرم أبيح له ما شاء من النساء. وكان يسوى بينهن في المبيت والإيواء، والنفقة، وجميع الأمور.
وأما في المحبة فقال: "اللهم هذا قسمتى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك"(3) يعني في المحبة والمجامعة.
(1) انظر تفاصيل ذلك في المصدر السابق (ص 110 و 111 و 112).
(2)
أخرجه أبو الشيخ الأصبهانى في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (ص 247) وتقدم تخريجه.
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب النكاح باب القسم بين النساء حديث رقم (2134 ج 2 ص 242)، والترمذي في كتاب النكاح باب ما جاء في التسوية بين الحرائر حديث رقم (1140 ج 3 ص 446)، والنسائي (7/ 64) وابن ماجه 1/ 634 حديث رقم (1971).
وفي وجوب رعاية المساواة بينهن عليه قولان:
أحدهما وجوب القسم.
الثاني أنَّه كان يجوز له أن يعاشرهن بغير قسم وذا من خصائصه، وطلق بعضهن وراجع، وآلى مؤقتا بشهر، ولكن ما ظاهر، وبعض الفقهاء قال ظاهر أيضًا، وهو غلط واضح، وسهو فاضح، وسيرته معهن أحسن السير، وقد قال:"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى"(1).
وكان يسوق بنات الأنصار إلى عائشة ليلاعبوها، وإذا التمست أمرًا ليس فيه محظور وافق، وتابع. وشربت من كوز فأخذه صلى الله عليه وسلم ووضع شفته موضع شفتها ثمَّ شرب، ورفعت عظما فنهشت مما عليه من اللحم، فأخذه صلى الله عليه وسلم من يدها، وأكل من موضع فمها، وكان يتكئ عليها، ويقرأ القرآن، وكان يجعل رأسه في حضنها، ويتلو، وإن كانت حائضا.
وفي حالة الحيض كان يأمرها بشد الإزار، ثمَّ يعانقها فوقه، ويلصق سائر بشرته بها، وكان يقبلها في أيام الصيام، ومن كمال لطفه، وغاية مكارم أخلاقه مع أهل بيته، أنَّه كان يمكنها من اللعب باللعب، كما هي عادة البنات، واتكأت على كتفه لتنظر إلى الحبشة ورقصهم.
وفي السفر سابقها مرتين راجلا، سبقته عائشة في المرّة الأولى، وفي المرّة الثانية كانت عائشة قد بدنت فسبقها صلى الله عليه وسلم فقال:"هذا بذاك" وخرجا مرة من الحجرة معا وتدافعا عند محلّ الباب، حتى خرجا، وكان إذا عزم على سفر أقرع بينهن، فمن وقعت قرعتها ذهب بها، ولم يقض للمقيمات عند العود وربما لاعب احداهن، ووضع يده عليها بحضور الجميع، وكان يطوف على
(1) أخرجه الترمذي في أبواب المناقب باب في فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (ج 5 ص 369) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والدارمي في كتاب النكاح باب في حسن معاشرة النساء (ج 2 ص 82) وليس فيه:(وأنا خيركم) وابن حبان في كتاب النكاح باب في عشرة النساء موارد الظمآن (ص 318)، والبيهقي في الأربعون الصغرى (ص 213).
الحجرات كلها في كل يوم بعد العصر، يتفقد أحوال أهلها، فإذا جن الليل بات في حجرة صاحبة النوبة، وقسم بين ثمانية من نسائه، لأنَّ سودة رضي الله عنها وهبت نوبتها لعائشة، فكانت لعائشة ليلتان (1) وللأخريات ليلة ليلة.
والذي وقع في صحيح مسلم، عن عطاء، أنَّه قال: الزوجة التي لم يقسم لها هي صفية، غلط صريح من عطاء، وسبب هذا الوهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفية في بعض الأيام، فاضطربت صفية وقالت لعائشة: إن استطعت أن ترضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عني وهبتك نوبتى، فقالت عائشة: بلى، ثمَّ جاءت وقعدت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم نوبة صفية فقال:"أبعدى فإن اليوم ليس نوبتك" قالت عائشة: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وحكت له، فرضى صلى الله عليه وسلم عن صفية.
وهذه الحالة إنما كانت في يوم واحد، ونوبة واحدة لا غير. فإذا وهم بعض الرواة، وحديث كان يقسم ثمان صحيح، وكان من السادة النبوية أنَّه إذا واقع في أول الليل اغتسل، ثمَّ نام في بعض الأحيان.
وفي بعضها كان يتوضأ وينام، ثمَّ يغتسل في آخر الليل، والحديث المروى عن عائشة أنها قالت: ربما نام ولا يمس ماء، غلط من بعض الرواة، وربما طاف على جميعهن واغتسل في الآخر غسلا واحدا. وربما اغتسل عقيب كل مواقعة، وكان إذا قدم من السفر، لا يدخل البيت ليلًا (2).
(1) أخرجه الشيخان البخاري في كتاب النكاح باب (98) المرأة تهب يومها في زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك حديث رقم (5212) فتح البارى (9/ 312)، ومسلم في كتاب الرضاع باب جواز هبتها نوبتها لضرتها حديث رقم (1463 ج 2 ص 1085).
(2)
انظر صحيح البخاري (9/ 296، 297)، ومسلم (9/ 1528) رقم حديث الباب (184)، وسنن أبى داود (2776) و (2778)، والترمذي (2713).