الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب طهارة حضرة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم
-
كان في غالب الأوقات، يتوضأ لكل فريضة من الصلاة، وفى بعض الأوقات يصلي بوضوء واحد عدة من الصلوات، ومقدار الماء الذي كان يصرفه في الوضوء دون الرطلين، وكان لا يزيد على أربعة أرطال، وربما توضأ بنحو ثلاثة أرطال. وكان يبالغ في الأمر بتقليل الماء ويبالغ في النهى عن كثرة استعماله.
وقال: "إن للوضوء شيطانا اسمه ولهان فاحترزوا من وسوسته"(1)، ومر صلى الله عليه وسلم بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال:"لا تسرف في الماء". قال سعد: وهل في الماء إسراف؟ قال: "نعم وإن كنت على نهر جار"(2) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ وغسل أعضاء الوضوء مرّة مرّة ولم يزد، وتوضأ وغسلها مرتين مرتين، وتوضأ وغسلها ثلاثا ثلاثا (3)، وتوضأ فغسل بعضها مرتين، وبعضها ثلاثا، وتضمض واستنشق بغرفة وبغرفتين، وبثلاث، استعمل نصف الغرفة في المضمضة، ونصفها في الاستنشاق، فعل ذلك متصلا في الصور الثلاث.
ولم يرد في شيء من الأحاديث الفصل، وحديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده. أنه شاهد الفصل في إسناده ضعف، وكان يستنشق باليمنى
(1) أخرجه الترمذي (1/ 76، 77) في باب كراهية الإسراف في الماء، وابن ماجة برقم (421)، وأحمد في المسند (5/ 136) وانظر ضعيف الجامع (2271).
(2)
روى هذا الحديث الحكيم الترمذي في كتاب (الأكياس والمغتربين) قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد وهو يتوضأ. فقال: "ما هذا السرف يا سعد؟ " فقال: أفي الوضوء سرف يا رسول الله؟ قال: "نعم وإن كنت على شاطئ نهر" انظر: الأكياس والمغتربين، وقد علم نهيه صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في الماء وإخباره أنه سيأتي قوم يعتدون في الوضوء فمن جاوز ما قال الشارع: إنه يجزئ: فقد أسرف فيحرم، وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، إلى خمسة أمداد". متفق عليه. رواه البخاري في كتاب الوضوء باب (47) الوضوء بالمد حديث (1، 2)(ج 1/ 304).
(3)
جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرّة مرّة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين، والاختلاف دليل على جواز ذلك كله وإن الثلاث هي الكمال والواحده تجزئ وقد روى هذه الأحاديث التي تدل على جواز ذلك الأئمة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة. انظر نيل الأوطار للإمام الشوكاني (ج 1 ص - 172، 173).
ويستنثر باليسرى ويمسح جميع رأسه مرّة لا يكرر. وروى التكرار في حديث لكنه ضعيف.
وحيثما اقتصر على مسح بعض الرأس أتم على العمامة، ولم يترك المضمضة والاستنشاق أبدًا، ولم يرو أحد عنه ذلك أبدًا. وكان يتوضأ مرتبًا متواليا، ولم يخل بالترتيب والتوالي أبدًا. وكان يمسح جميع رأسه أحيانًا، وأحيانا يمسح على العمامة، وأحيانًا يمسح على الناصية (1) والعمامة.
ولم يقتصر على مسح بعض الرأس أبدًا، وكان يمسح الأذن ظاهرًا وباطنًا، ولم يثبت في مسح الرقبة حديث، وحيث لم يكن في رجله خف غسل وإلا مسح والأحاديث الواردة في أذكار الوضوء لم يصح منها شيء، والذي صح أنه كان يقول في أول الوضوء:"بسم الله! وفى آخر: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" (2) "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (3) سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك" (4).
قال أبو موسى الأشعري: جئت بماء الوضوء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وسمعته يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي"(5) قال: قلت: يا رسول الله سمعتك تدعو بكذا وكذا قال: "وهل تركت مني شيء؟ ". ولم يكن ينشف أعضاءه بعد الوضوء بمنديل، ولا منشفة. وإن أحضروا له شيئا من ذلك أبعده. والحديث المروى عن عائشة
(1) أخرجه مسلم في صحيحه عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح ناصيته، وعلى العمامة والخفين". أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الطهارة باب رقم (23) حديث رقم (275)(1/ 231).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه برقم (234)، وأورده الترمذي في رياض الصالحين (ص 431 برقم 9/ 1032).
(3)
أخرج هذه الزيادة الإمام الترمذي في سننه برقم (55) وزيادة الترمذي حسنه، وانظر رياض الصالحين (431) ورواه ابن ماجة في حديث أنس وابن السني في عمل اليوم والليلة وغيرهما.
(4)
أخرج هذا الحديث الإمام الحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد بزيادة في آخره. لم يذكرها المصنف. وصحح النسائي أنه موقوف. وانظر سبل السلام (ج 1 ص 117).
(5)
لم أقف عليه. قال النووي: الأدعية أثناء الوضوء لا أصل لها ولم يذكرها المتقدمون.
رضي الله تعالى عنها: "كانت له نشافة ينشف بها بعد الوضوء (1). وحديث معاذ في معناه (2) كلاهما ضعيف، وفي حالة الوضوء، لم يصب الماء عليه أحد إلا في وقت ضرورة.
والحديث الوارد في تخليل اللحية قَبِله بعض أهل الحديث ورده البعض، وأما تخليل الأصابع فكان يفعله أحيانًا، وورد تحريك الخاتم في حديث ضعيف.
فصل
ثبت في الأخبار الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين في السفر والحضر، ومدة الحضر يوم وليلة، فيما أمر، وثلاثة أيام ولياليها في السفر، وكان يمسح على ظاهر الخف (3) وورد في مسح أسفله حديث ضعيف، ولم يثبت في الصحيح، وكان يمسح على الجورب. وحديث الجرموق رواه الترمذي وصححه وضعفه جماعة من الحفاظ، وكان لا يقصد المسح ولا الغسل، لكن إن كان في حالة قصد الوضوء لابسًا، مسح وإلا غسل، ولم يكن يلبس ليمسح ولا ينزع ليغسل، ولما كان للعلماء أقوال في أفضلية المسح أو الغسل بينا ليعلم أن أحسن الأقوال هذا الذي وافق العادة النبوية.
فصل
كلما تيمم صلى الله عليه وسلم ضرب ضربة بكفيه المباركتين على الأرض الطاهرة ومسح بهما وجهه وظاهر كفيه (4)، ولم يرد في الحديث الصحيح أنه ضرب ضربتين
(1) أخرجه الترمذي وفيه أبو معاذ وهو ضعيف، وقال الترمذي: بعد أن روى الحديث ليس بالقائم ولا يصح فيه شيء. انظر: الترمذي في أبواب الطهارة، باب (41 - ج 1 ص 76 وما بعدها).
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك، والترمذي في سننه، أبواب الطهارة باب (41 - 1/ 76).
(3)
انظر صحيح البخاري في كتاب الوضوء باب (49) حديث رقم (206 - 1/ 309، ومسلم في كتاب الطهارة باب (22) المسح على الخفين، وأحمد (2/ 358 و 4/ 245 - 255).
(4)
انظر صحيح البخاري في كتاب التيمم، باب (8) التيمم ضربة، حديث رقم (347) فتح الباري (1/ 455 - 456) ومسلم في كتاب الحيض، باب التيمم حديث رقم (368 - 1/ 380 - 381)، وأبى داود في كتاب الطهارة، باب التيمم حديث رقم (321 - 87 - 88)، والنسائي (1/ 70) في كتاب الطهارة، باب تيمم الجنب.
على التراب، ولم يرد أنه مسح إلى المرفقين، وما ورد من الأحاديث على خلاف ما قلناه فجميعه ضعيف.
وكان يتيمم من الأرض التي يقصد الصلاة عليها ولا يفرق بين التراب والرمل وغير ذلك، وقال:"حيثما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره"(1) وهذا الحديث صريح في أن جنس الأرض طهور، ولم نجد في حديث صحيح أنه تيمم لكل فريضة تيمما جديدًا، بل أمر به مطلقًا، وأقامه مقام الوضوء، والله تعالى أعلم.
(1) راجع مصادر السنة السابقة فقد ذكرت هذا الحديث الذي ذكر منه المصنف طرقًا.