المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌30 - باب صلاة الليل - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٢

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌12 - باب الرُكُوع

- ‌13 - باب السُجود وفَضْله

- ‌14 - باب التَّشهُّدِ

- ‌15 - باب الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضْلِها

- ‌16 - باب الدُعاء في التَّشهُدِ

- ‌17 - باب الذِّكر بعد الصَّلاة

- ‌18 - باب ما لا يَجُوزُ من العَمَل في الصَّلاة وما يُباحُ منه

- ‌19 - باب سُجُود السَّهْوِ

- ‌20 - باب سُجود القُرآن

- ‌21 - باب أَوقات النَّهْي عن الصَّلاة

- ‌22 - باب الجَماعة وفَضْلِها

- ‌23 - باب تَسْوية الصَّفِّ

- ‌24 - باب المَوْقِفِ

- ‌25 - باب الإِمامةِ

- ‌26 - باب ما علَى الإِمامِ

- ‌27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق

- ‌28 - باب مَنْ صلَّى صلاةً مرَّتَين

- ‌29 - باب السُّنَن وفَضْلها

- ‌30 - باب صلاة الليل

- ‌31 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌32 - باب التَّحريض على قِيَام اللَّيل

- ‌33 - باب القَصْد في العمَل

- ‌34 - باب الوِتْر

- ‌35 - باب القُنوت

- ‌36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان

- ‌37 - باب صلاة الضُّحى

- ‌38 - باب التطوع

- ‌39 - باب صلاة التَّسْبيح

- ‌40 - باب صلاة السَّفَر

- ‌41 - باب الجُمُعة

- ‌42 - باب وجوبها

- ‌43 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌44 - باب الخُطبة والصَّلاة

- ‌45 - باب صلاة الخَوف

- ‌46 - باب صَلاةِ العِيْد

- ‌فصل في الأُضحيَة

- ‌47 - باب العَتِيْرةِ

- ‌48 - باب صلاة الخُسُوف

- ‌فصل في سجود الشكر

- ‌49 - باب الاستِسقاء

- ‌فصل في صفة المَطَر والرِّيح

- ‌5 - كِتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب عِيَادة المَريض وثَواب المَرَض

- ‌2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره

- ‌3 - باب ما يقال لمَنْ حَضَرَهُ الموتُ

- ‌4 - باب غسْلِ المَيِّت وتكفينه

- ‌5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها

- ‌6 - باب دَفْن الميِّت

- ‌7 - باب البُكاء على المَيت

- ‌8 - باب زيارة القبور

- ‌6 - كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌2 - باب ما يجب فيه الزكاةُ

- ‌3 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - باب من لا يحل له الصَّدَقة

- ‌5 - باب مَنْ لا تَحِل له المَسْألة ومَنْ تَحِل له

- ‌6 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌7 - باب فضل الصدقة

- ‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

- ‌9 - باب صدَقة المَرأَة من مال زَوجها

- ‌10 - باب مَنْ لا يَعْود في الصَّدقَة

- ‌7 - كِتَابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رُؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

الفصل: ‌30 - باب صلاة الليل

"وقالت عائشة رضي الله عنها: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط، فدخل عليَّ، إلا صلى أربعَ ركعات، أو ستَّ ركعات"، وهذه الأربع أو الست هي مع الركعتين الراتبتين، وهذه الركعات غير الوتر.

* * *

844 -

عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} الركعتينِ قبلَ الفجرِ، و {وَإِدْبَارَ الْسُّجُودِ} الركعتين بعدَ المغربِ".

"وعن ابن عباس، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنَّه قال: {وَإِدْبَرَ النُّجُومِ} [الطور: 49] "؛ أي: عقيب ذهاب نجوم الليل.

"الركعتين قبل الفجر": وهما سنة الصبح؛ لأن وقتَ سنة الصبح وقتُ ذهاب النجوم وغروبها.

"و {وَإِدْبَارَ الْسُّجُودِ} "؛ أي: عقيب فريضة المغرب.

"الركعتين بعد المغرب": وهما سنة المغرب، أطلق السجود وأراد به الصلاة إطلاقًا للجزء الأعظم على الكل.

* * *

‌30 - باب صلاة الليل

(باب صلاة الليل)

مِنَ الصِّحَاحِ:

845 -

عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلي فيما بين أنَّ يَفْرُغَ من صلاةِ العشاءِ إلى الفجرِ إحدى عشرةَ ركعةً، يُسلِّم من

ص: 141

كل ركعتينِ، ويُوتِر بواحدةٍ، فيسجدُ السجدةَ من ذلك قدرَ ما يقرأُ أحدكم خمسينَ آيةً قبلَ أنْ يرفعَ رأسَه، فإذا سكتَ المؤذِّنُ من صَلاةِ الفجرِ وتبيَّن له الفجرُ؛ قامَ فركعَ ركعتينِ خفيفتينِ، ثم اضطجَع على شِقِّه الأيمنِ حتى يأتيَهُ المؤذِّنُ للإقامةِ، فيخرجُ.

"من الصحاح":

" عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي فيما بين أنَّ يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين، ويُوتِرُ بواحدة": مضمومة إلى الشَّفعِ الذي قبلها.

قيل: بنى الشافعيُّ مذهبه في الوتر على هذا الحديث، وقال: إن أكثره إحدى عشر ركعة، والفصل أفضل من الوصل، وجعل وقته ما بين فرض العشاء وطلوع الفجر.

"فيسجد السجدة من ذلك"؛ أي: من المذكور من صلاة الليل، و (من) تبعيضية؛ أي: قد كان بعض سجوده طويلًا.

"قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أنَّ يرفع رأسه، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر"؛ أي: فرغ من آذانها.

"وتبيَّن له الفجرُ، قام فركع ركعتين خفيفتين": وهما سنة الصبح.

"ثم اضطجع على شقه الأيمن"؛ للاستراحة عن تعب قيام الليل؛ ليصلي فريضة الصبح على نشاط.

"حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج" للصلاة.

* * *

ص: 142

846 -

وقالت عائشة: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإنْ كُنْتُ مستيقظةً حدَّثني وإلا اضطجعَ.

"وقالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا صلى ركعتي الفجر": المراد بهما: سنة الفجر.

"فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا"، أي: وإن لم أكن مستيقظة "اضطجع".

فيه دليل على أنَّ الفصل بين السنة وبين الفريضة جائزٌ، وعلى أنَّ الحديث مع الأهل سنة.

* * *

847 -

وقالت عائشة رضي الله عنها: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى ركعتَي الفجرِ اضطجعَ على شِقِّهِ الأيمنِ.

وقالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر، اضطجع على شقه الأيمن".

* * *

848 -

وقال القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً منها الوِتر، وركعتا الفجرِ.

"وقال القاسم بن محمد": وهو محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

"عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة؛ منها الوِترُ، وركعتا الفجر": والبقيةُ غيرُ أربع الفرض وركعتي السنة؛ لأن السؤالَ عن صلاة التهجد، وإنما ألحقت الوترَ وركعتي الفجر بالتهجد؛ لأن الظاهر أنَّه عليه الصلاة والسلام -

ص: 143

كان يصلي الوتر آخر الليل، ويبقى مستيقظًا إلى الفجر، ويصل ركعتي الفجر بتهجُّده.

* * *

849 -

وقال مسروق: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها عن صلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالليلِ؟، فقالت: سبعٌ وتسعٌ وإحدى عشرةَ سوى ركعتَي الفجرِ.

"قال مسروق: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالليل، فقالت: سبع، وتسع، وإحدى عشرة ركعة"؛ يعني: كان يصلي في بعض الليالي سبع ركعات مع الوتر، وفي بعضها: تسعًا معه، وفي بعضها: إحدى عشرة معه، وهذا كله "سوى ركعتي الفجر"؛ لأن هذا السؤال أيضًا عن التهجد، والوتر معها، لأنه كان يصلها بالتهجد.

* * *

850 -

وقالت عائشة رضي الله عنها: كانَ النبيُّ إذا قامَ من الليلِ لِيُصلي افتتحَ صلاتَه بركعتينِ خفيفتينِ.

"وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي، افتتحَ صلاته بركعتين خفيفتين"؛ ليرتفع عنه الثقل، ويحصل به نشاطٌ في الصلاة، ويعتاد بها، ثم يزيدُ عليها بعد ذلك.

* * *

851 -

وقال أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قامَ أحدُكم من الليل فليفتتحْ صلاتَه بركعتينِ خفيفتينِ".

"وقال أبو هريرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنَّه قال: إذا قام

ص: 144

أحدكم من الليل، فليفتتحْ صلاتَهُ بركعتين خفيفتين"، وهذا إشارة إلى أنَّ من يريد أنْ يَشرَعَ في أمرٍ شرعَ قليلًا قليلًا.

* * *

852 -

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّه قال: بِتُّ عندَ خالتي ميمونَة ليلةً والنبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَها، فتحَدَّثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مع أهلِهِ ساعةً ثم رقدَ، فلمَّا كان ثلثُ الليلِ الآخرُ أو بعضُه قعدَ فنظرَ إلى السماء فقرأ:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} حتى خَتَمَ السورةَ، ثم قامَ إلى القِربةِ، فأَطلقَ شِناقَها، ثم صبَّ في الجَفَنة، ثم توضأَ وضوءًا حسنًا بين الوضوءينِ لم يُكْثِرْ وقد أَبْلَغَ، فقامَ يصلي، فقمتُ فتوضأتُ فقمتُ عن يسارِهِ، فأخذَ بأُذُني عن يمينِهِ، فَتَتَامَّتْ صلاتُه ثلاثَ عشرةَ ركعةً، ثم اضطجعَ فنامَ حتى نفخَ، وكان إذا نامَ نفخَ، فآذَنَهُ بلالٌ بالصلاةِ فصلَّى ولم يتوضأ، وكانَ في دعائه:"اللهمَّ اجعلْ في قلْبي نُوْرًا، وفي بصري نورًا، وفي سَمْعي نُورًا، وعن يَميني نُورًا، وعن يَساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأَمامي نُورًا، وخلْفي نُورًا، واجعل لي نُورًا - وزاد بعضهم - وفي لِساني نورًا - وذكر - وعصَبي، ولَحمي، ودمي، وشَعْري، وبشَري".

وفي روايةٍ: "واجعل في نفسي نورًا، وأَعظِم لي نورًا".

وفي روايةٍ: "اللهمَّ أَعطني نوُرًا".

وفي روايةٍ: عن ابن عباس أنَّه رقدَ عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فاستيقظَ فتسوَّكَ وتوضأ وهو يقول:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} حتى ختمَ السورةَ، ثم قامَ فصلى ركعتينِ أطالَ فيهما القيامَ والركوعَ والسجودَ، ثم انصرفَ فنامَ حتى نفخَ، ثم فعلَ ذلك ثلاثَ مراتٍ ستَّ ركعاتٍ، كلُّ ذلكَ يَسْتَاكُ ويتوضأُ ويقرأُ هؤلاء الآياتِ، ثم أوترَ بثلاثٍ.

ص: 145

"عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: بتُّ عند خالتي ميمونة" وهي أم المؤمنين "ليلةً والنبيُّ عليه الصلاة والسلام عثدها، فتحدث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد"؛ أي: نام.

"فلما كان ثلث الليل الآخر": صفة (ثلث)؛ أي: بقي ثلثها.

"أو بعضه"؛ أي: بعض الثلث؛ أي: أقل منه.

"قعد فنظر إلى السماء، فقرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] حتى ختم السورة، ثم قام إلى القِربةِ"؛ أي: قاصدًا إليها.

"فأطلق"؛ أي: حلَّ "شِناقها": بكسر الشين؛ أي: حبل القربة الَّذي يشدُّ به رأسها.

"ثم صب"؛ أي: أراق الماء منها.

"في الجفنة، ثم توضأ وضوءً حسنًا بين الوُضوءين"؛ أي: من غير إسراف ولا تقتير، يدل هذا على أنَّ ما كان بين طرفي الإفراط والتفريط فهو حسن.

"لم يكثر" إراقة الماء: بيان للوضوء الحسن، وهو إرشاد إلى عدم الإفراط.

"وقد أبلغَ" الماءَ إلى محالِّه المفروضة: إرشاد إلى عدم التفريط.

"فقام وصلى فقمت وتوضأت، فقمت عن يساره، فأخذ بأذني، فأدارني عن يمينه": (عن) هنا بمعنى: الجانب؛ أي: أدارني عن جانب يساره إلى جانب يمينه.

"فتتامَّت صلاته": بتشديد الميم من (تم)؛ أي: صارت صلاته تامة.

"ثلاث عشرة ركعة"، وبه استدل من قال: الوتر ثلاث عشرة ركعة.

ص: 146

"ثم اضطجع، فنام حتى نفخ"؛ أي: تنفس بصوتٍ حتى يسمع منه صوت النفخ، كما يسمع من النائم.

"وكان إذا نام نفخ، فآذنه بلال"؛ أي: أعلمه بالصلاة، فصلى ولم يتوضأ، وهذا من خصائصه؛ لأنه نامت عيناه، ولم ينمْ قلبه، ولا يبطل وضوءه بمثل هذا.

"وكان في دعائه: اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا": اعلم أنَّ القلب ممرٌّ للفكر في آلاء الله، والبصر محل النظر في آيات الله تعالى، والسمع محل السماع الحق، والشيطان يأتي الناس في هذه الأعضاء، فيوسوسهم بوسوسة شبيهة بظُلمةٍ، فدعا عليه الصلاة والسلام أن يدفعها الله بإثبات النور فيها، أراد بالنور ضياء الحق؛ يعني: استعمِلْ هذه الأعضاء مني في الحق، واجعلْ تصرفي وتقلبي فيها على سبيل الصواب.

"وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا": وإنما أورد في هذين الجانبين؛ لأن الأنوار تتجاوز عن قلبه وبصره وسمعه إلى من عن يمينه وشماله من الخلق.

"وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا": وفي عدم إيراد حرف الجر في هذه الجوانب إشارة إلى تمام الإنارة وإحاطته؛ إذ الإنسان تحيط به ظلمات البشرية والشهوات النفسانية لم يتخلص منها إلا بالأنوار الإلهية.

"واجعل لي نورًا": هذا إجمال بعد التفصيل، أراد به نورًا عظيمًا جامعًا للأنوار كلها.

"وزاد بعضهم: وفي لساني نورًا، وذكر"؛ أي: الرواي: "وعصبي ولحمي، ودسي، وشعري، وبشري، وفي رواية: واجعل في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا، وفي رواية: اللهم أعطني نورًا.

وفى رواية ابن عباس: أنَّه رقد عند النبي عليه الصلاة والسلام -

ص: 147

فاستيقظ"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام من نومه.

"فتسوك وتوضأ": تجديدًا للوضوء؛ لعدم بطلانه بنومه عليه الصلاة والسلام.

"وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 164] حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك": إشارة إلى ما ذكر من قوله: (فتسوك). . . إلى قوله: (حتى نفخ).

"ثلاثَ مرات ستَّ ركعات": قيل: منصوب بإضمار (أعني)، أو بيان لـ (ثلاث)، وكذا "كل ذلك" بيانٌ له أيضًا؛ أي: كل مرة، ويجوز أن يكون مفعولًا.

"يستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث": ركعات.

وهذا الحديث يدل على أن الركعات الست كانت تهجده، وأن الوتر ثلاث ركعات، وإليه ذهب أبو حنيفة.

* * *

853 -

وعن زيد بن خالدٍ الجُهَني رضي الله عنه أنه قال: لأَرْمُقَنَّ صلاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الليلةَ، فصلَّى ركعتَينِ خفيفتَينِ، ثم صلَّى ركعتينِ طويلتينِ طويلتينِ طويلتينِ، ثم صلى ركعتينِ وهما دونَ اللتينِ قبلَهما، ثم صلَّى ركعتينِ وهما دونَ اللَّتينِ قبلهما، ثم صلى ركعتينِ وهما دونَ اللتينِ قبلهما، ثم صلى ركعتينِ وهما دون اللتينِ قبلَهما، ثم أَوْتَرَ فذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً.

"وعن زيد بن خالد الجهني: أنه قال: لأرمقنَّ"، أي: لأنظرن وأحفظن "صلاةَ رسول الله" - صلى الله تعالى عليه وسلم - بلحاظ عينيَّ "الليلة"؛ أي: في

ص: 148

هذه الليلة حتى أرى كم يصلي.

"فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين": وإنما كرر تأكيدًا لطول الركعتين الموصوفتين.

"ثم صلى ركعتين وهما دون"؛ أي: أقل من الركعتين "اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين فبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة": وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث؛ لأنه صلى عشرًا في خمس دفعات.

* * *

854 -

قالت عائشةُ رضي الله عنها: لمَّا بَدَّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَثَقُلَ؛ كانَ أكثرُ صلاتِهِ جالسًا.

"وقالت عائشة: لما بدَّن رسولُ الله" صلى الله تعالى عليه وسلم: بالتشديد من (التبدين)، وهو: الكبر والضعف؛ أي: أسنَّ وكبر، ويروى بالتخفيف؛ أي: كثر لحمه، قيل: المختار هو الأول؛ لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يُوصَف بكثرة اللحم.

"وثقل"؛ أي: ضعف.

"كان كثير صلاته": في التطوع "جالسًا".

* * *

855 -

وقال عبد الله بن مَسْعود رضي الله عنه: لقد عرفتُ النَّظائرَ التي كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرِنُ بينهن - فذكر عشرينَ سورةً من أولِ المُفَصَّل على تأليفِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه سورتينِ في كل ركعةٍ، آخرُهنَّ حم الدُّخان، وعمَّ يتساءلون.

ص: 149

"وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لقد عرفت النظائر": جمع النظيرة وهي المثل والشبه؛ أي: السور المماثلة بعضها ببعض في الطول والقصر.

"التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرن"؛ أي: يجمع.

"بينهن": في ركعة.

"فذكر"؛ أي: ابن مسعود.

"عشرين سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود"؛ أي: على جمعه؛ فإنه جمع القرآن على نسقٍ غير النسق الذي جمع زيد بن ثابت بإذن أبي بكر على خلافته، ورضي به الخلفاء الثلاثة وسائر الصحابة، وهو المتلوُّ الآن المكتوب في المصاحف.

وتأليف ابن مسعود رضي الله عنه غير ملتفت إليه؛ لأنه شاذٌّ جمعه بعد زيد، ولم يتبعه فيه أحد؛ أي: ذكر أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ عشرين سورة في عشر ركعات يقرن بين "سورتين في آخرهن"؛ أي: آخر تلك العشرين سورة: " {حم} الدخان، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} ": ذكر أبو داود في "صحيحه" السور التي يقرن بينهن عليه الصلاة والسلام في صلاته {الرَّحْمَنُ} و {النَّجْمُ} في ركعة، و {اقْتَرَبَتِ} و {الْحَاقَّةُ} في ركعة، {وَالطُّورِ} {وَالذَّارِيَاتِ} في ركعة، و {إِذَا وَقَعَتِ} و {ن وَالْقَلَمِ} في ركعة، و {سَأَلَ سَائِلٌ} {وَالنَّازِعَاتِ} في ركعة، و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} و {عَبَسَ} في ركعة، و {الْمُدَّثِّرُ} و {الْمُزَّمِّلُ} في ركعة، و {هَلْ أَتَى} و {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} في ركعة، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} {وَالْمُرْسَلَاتِ} في ركعة، و (الدخان) و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} في ركعة.

* * *

مِنَ الحِسَان:

856 -

عن حُذيفة رضي الله عنه: أنه رَأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصلي من الليلِ فكانَ

ص: 150

يقولُ: "الله أكبر - ثلاثًا - ذا الملكوتِ والجَبَرُوتِ والكبرياءِ والعظَمةِ"، ثم استفتحَ فقرأ البقرةَ، ثم ركعَ فكانَ ركوعه نحوًا من قيامه يقول:"سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم"، ثم رفع رأسه فكان قِيامُه نحوًا من ركوعِه يقولُ:"لِرَبي الحمدُ"، ثم سجدَ فكان سُجودهُ نحوًا من قيامِهِ يقول:"سبحانَ ربي الأعلى"، ثم رفعَ رأسَه، وكان يقعدُ فيما بينَ السجدتينِ نحوًا من سجودِه يقولُ:"ربِّ اغفرْ لي ربِّ اغفرْ لي"، فصلَّى أربعَ ركعاتٍ قرأَ فيهنَّ البقرةَ وآلَ عمرانَ والنساءَ والمائدةَ.

"من الحسان":

" عن حذيفة: أنه رأى رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي من الليل، فكان يقول: الله أكبر ثلاثًا، ذو الملكوت"؛ أي: الملك.

"والجبروت"؛ أي: العظمة.

"والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحوًا"؛ أي: مثلًا، "من قيامه"، ثم "يقول: سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه فكان قيامه نحوًا من ركوعه يقول: لربي الحمد، ثم سجد فكان سجوده نحوًا من قيامه يقول: سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوًا من سجوده يقول: ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي، فصلى أربع ركعات، قرأ فيهن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة".

* * *

857 -

عن عبد الله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قامَ بعشْرِ آياتٍ لم يُكتبْ من الغافلينَ، ومَن قامَ بمائةِ آيةٍ كُتِبَ من القانتينَ، ومن قامَ بألف آيةِ كُتب من المُقَنْطِرين".

ص: 151

"عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من قام بعشر آيات"؛ أي: قرأ في صلاته بالليل عشر آيات على التدبر والتأني.

"لم يكتب من الغافلين"؛ لأن من فعل هذا لم يكن غافلًا بل حاضرًا، أو مواظبًا على الطاعة.

"ومن قام بمئة آية، كتب من القانتين"؛ أي: المطيعين على الطاعة، أو المطوِّلين في القيام.

"ومن قام بألف آية، كتب من المُقَنْطِرِينَ"؛ أي: المكثرين الثواب، والمراد بهم: العمال لله تعالى في أرضه؛ لأنهم بلغوا في حيازة الثواب مبلغ المقنطر فحب حيازة الأموال، والمقنطر: صاحب القناطير، كأنه جمع المال فقنطره، من (القنطار)، وهو: سبعون ألف دينار، وقيل: أربعة آلاف دينار، وقيل: مِلْءُ جلد ثور ذهبًا، وقيل: ثمانون ألفًا، وقيل: جملة كثيرة مجهولة المقدار.

* * *

858 -

وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كانت قراءَةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالليلِ يرفعُ طَوْرًا ويخفضُ طَوْرًا.

"وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كانت قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالليل يرفع طورًا"؛ أي: يرفع صوته مرة، "ويخفض طورًا".

* * *

859 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت قراءةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على قَدْرِ ما يَسمعُهُ مَن في الحُجرةِ وهو في البيت.

ص: 152

"وعن ابن عباس أنه قال: كانت قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على قدر ما يسمعه"؛ أي: قدر قراءةٍ يسمعه "مَنْ في الحجرة"؛ يعني: لا يرفع صوته كثيرًا، ولا يُسِرُّ بحيث لا يسمعه أحد، وهذا إذا كان يصلي ليلًا، "وهو في البيت"؛ أي: في بيته، وأما في المسجد فكان يرفع صوته فيها أكثر من ذلك.

* * *

860 -

عن أبي قَتادة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكرٍ، مررتُ بكَ وأنتَ تصلي تخفِضُ صوتَك"، قال: قد أَسْمَعْت مَن ناجَيتُ يا رسولَ الله، وقال لعُمر:"مررتُ بكَ وأنتَ رافعٌ صوتَك"، فقال: أُوقِظُ الوَسْنَان وأَطردُ الشيطانَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"يا أبا بكرٍ، ارفعْ مِن صوتِكَ شيئًا"، وقال لعمر:"اخفِضْ من صوتِكَ شيئًا".

"وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: يا أبا بكر! مررت بك وأنت تصلي تخفضُ صوتك، قال أبو بكر: قد أسمعتُ من ناجيتُ يا رسول الله"؛ يعني: أناجي ربي، وهو يسمع لا يحتاج إلى رفع الصوت.

"فقال لعمر: مررت بك وأنت رافعًا صوتك، قال: أوقِظُ الوَسْنان"؛ أي: أنبه النائمَ.

"وأطرد الشيطان"؛ أي: أبعده.

"فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: يا أبا بكر! ارفع من صوتك شيئًا، وقال لعمر: اخفض من صوتك شيئًا"، وهذا يدل على أن الإفراط والتفريط غير محمود، بل خير الأمور أوسطها.

* * *

ص: 153

861 -

عن أبي ذر قال: قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى أَصْبَحَ بآية، والآيةُ:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

"وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"؛ أي: أحيا الليلَ كله في الصلاة.

"حتى أصبح بآية"؛ أي: كررها متفكرًا في معناها إلى الصبح؛ لما حصل له من الذوق من هذه الآية الشريفة.

"والآية: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] "، ومعنى الآية: أن عيسى عليه السلام ناجى ربه قائلًا: إن تعذب أمتي فإنهم عبادك، والرب إذا عاقب عبده فلا اعتراضَ لأحد عليه، و {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ}؛ أي: إن توفقهم للإيمان والطاعة، {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ}: القوي القادر على ما تشاء، {الْحَكِيمُ}: الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب.

* * *

862 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّى أحدُكم ركعتي الفجرِ فليضطجعْ على يمينِهِ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر، فليضطجعْ على يمينه": هذا في حقِّ من تهجد في الليل وأصابه تعب، فإنه يستحب له أن يضطجع بعد سنة الفجر لحظة؛ ليستريح، ثم يصلي الفريضة على نشاط، ومَنْ لا فلا.

* * *

ص: 154