المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌7 - باب فضل الصدقة - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٢

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌12 - باب الرُكُوع

- ‌13 - باب السُجود وفَضْله

- ‌14 - باب التَّشهُّدِ

- ‌15 - باب الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضْلِها

- ‌16 - باب الدُعاء في التَّشهُدِ

- ‌17 - باب الذِّكر بعد الصَّلاة

- ‌18 - باب ما لا يَجُوزُ من العَمَل في الصَّلاة وما يُباحُ منه

- ‌19 - باب سُجُود السَّهْوِ

- ‌20 - باب سُجود القُرآن

- ‌21 - باب أَوقات النَّهْي عن الصَّلاة

- ‌22 - باب الجَماعة وفَضْلِها

- ‌23 - باب تَسْوية الصَّفِّ

- ‌24 - باب المَوْقِفِ

- ‌25 - باب الإِمامةِ

- ‌26 - باب ما علَى الإِمامِ

- ‌27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق

- ‌28 - باب مَنْ صلَّى صلاةً مرَّتَين

- ‌29 - باب السُّنَن وفَضْلها

- ‌30 - باب صلاة الليل

- ‌31 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌32 - باب التَّحريض على قِيَام اللَّيل

- ‌33 - باب القَصْد في العمَل

- ‌34 - باب الوِتْر

- ‌35 - باب القُنوت

- ‌36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان

- ‌37 - باب صلاة الضُّحى

- ‌38 - باب التطوع

- ‌39 - باب صلاة التَّسْبيح

- ‌40 - باب صلاة السَّفَر

- ‌41 - باب الجُمُعة

- ‌42 - باب وجوبها

- ‌43 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌44 - باب الخُطبة والصَّلاة

- ‌45 - باب صلاة الخَوف

- ‌46 - باب صَلاةِ العِيْد

- ‌فصل في الأُضحيَة

- ‌47 - باب العَتِيْرةِ

- ‌48 - باب صلاة الخُسُوف

- ‌فصل في سجود الشكر

- ‌49 - باب الاستِسقاء

- ‌فصل في صفة المَطَر والرِّيح

- ‌5 - كِتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب عِيَادة المَريض وثَواب المَرَض

- ‌2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره

- ‌3 - باب ما يقال لمَنْ حَضَرَهُ الموتُ

- ‌4 - باب غسْلِ المَيِّت وتكفينه

- ‌5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها

- ‌6 - باب دَفْن الميِّت

- ‌7 - باب البُكاء على المَيت

- ‌8 - باب زيارة القبور

- ‌6 - كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌2 - باب ما يجب فيه الزكاةُ

- ‌3 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - باب من لا يحل له الصَّدَقة

- ‌5 - باب مَنْ لا تَحِل له المَسْألة ومَنْ تَحِل له

- ‌6 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌7 - باب فضل الصدقة

- ‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

- ‌9 - باب صدَقة المَرأَة من مال زَوجها

- ‌10 - باب مَنْ لا يَعْود في الصَّدقَة

- ‌7 - كِتَابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رُؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

الفصل: ‌7 - باب فضل الصدقة

‌7 - باب فضل الصدقة

(باب فضل الصدقة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

1331 -

قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " مَن تَصَدَّقَ بعِدْلِ تَمْرةٍ من كَسْبٍ طَيِّبٍ - ولا يقبلُ الله إلا الطيِّبَ - فإنَّ الله يتقبَّلُها بيمينِهِ، ثم يُرَبيها لصاحِبها كما يُرَبي أحدكم فَلُوَّه حتى تكونَ مِثْل الجَبَلِ ".

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: من تصدَّق بعدل تمرة": عدل الشيء - فتحًا وكسرًا -: مثله، وقيل: بالفتح: ما يعادله من غير جنسه، وبالكسر: من جنسه، وقيل بالعكس؛ يعني: من تصدق بتمرة أو مثلها "من كسب طيب"؛ أي: حلال.

"ولا يقبل الله إلا الطيب": جملة معترضة بين الشرط والجزاء، وفيه إشارة إلى أن غيرَ الحلال غيرُ مقبولة، وأن الحلالَ المكتسبَ يقع بمحلٍّ عظيم.

"فإن الله تعالى يتقبلها بيمينه": كناية عن حسن قَبولها، والرضاء بها؛ لأن الشيء المرضي يُتلقَّى باليمين في العادة.

"ثم يربيها لصاحبها": تربيها كناية عن زيادتها؛ أي: يزيدها، أو يعظم ذاتها حتى تثقل في الميزان.

"كما يربي أحدكم فَلُوَّهُ": بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو: المهر الصغير، وهذا تمثيل لزيادة التفهيم، خصه به لأن زيادته بينة.

ص: 461

"حتى تكون مثل الجبل": ذكر التربية في الصدقة دون غيرها من العبادات إشارًة إلى أنها - فريضة كانت، أو نافلة - أحوجُ إلى تربية الله؛ لثبوت نقيصة فيها بسبب حب الطبع الأموال.

* * *

1332 -

وقال: "ما نقصَتْ صدَقةٌ مِنْ مالٍ، وما زادَ الله عبْدًا بعفْوٍ إلا عِزًا، وما تَواضَعَ أَحَدٌ للهِ إلا رَفَعهُ الله".

"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال ": (ما) نافية، و (من) إما للتبعيض، أو للتبيين، أو زيادة؛ أي: ما نقصت صدقة بعض مال أو شيئًا من مال أو مالًا، بل تزيد أضعاف ما يعطي منه.

"وما زاد الله عبدًا بعفو": الباء للسببية؛ أي: بسبب أن يعفو ذلك العبد عمن ظلم عليه مع قدرته على الانتقام منه.

"إلا عزًا"؛ أي: زاد عزًا ورفعة.

"وما تواضَع أحدٌ لله إلا رفعه الله ".

* * *

1333 -

وقال: "مَن أَنْفَقَ زَوجَينِ من شيءٍ من الأشياءِ في سبيلِ الله دُعِيَ من أَبوابِ الجنةِ، وللجنةِ ثمانية أبوابٍ، فمَن كانَ مِن أهلِ الصلاةِ، دُعيَ من بابِ الصلاةِ، ومَن كانَ مِن أَهلِ الجهادِ دُعيَ من بابِ الجهادِ، ومَن كان من أهلِ الصدقةِ دُعي من باب الصَّدَقةِ، ومَنْ كانَ مِن أهلِ الصِّيامِ دُعي من بابِ الرَّيانِ"، فقالَ أبو بَكْرٍ: ما على مَن دُعيَ من تلكَ الأبوابِ مِن ضرورةٍ، فهل

ص: 462

يُدعَى أحدٌ من تلك الأبواب كلِّها؟، قال:" نعم، وأَرجُو أنْ تكونَ مِنْهم".

"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: من أنفق زوجين من شيء من الأشياء": الزوج يطلق على الاثنين وعلى واحد منهما؛ لأنه زوجٌ مع آخر، وهو المراد هنا؛ لما جاء في بعض الروايات أنه قيل: يا رسول الله! وما الزوجان؟ قال: "فرسان، أو عبدان، أو بعيران من إبله".

"في سبيل الله"؛ أي: في وجوه الخير.

"دعي من أبواب الجنة، وللجنة ثمانيةُ أبواب، فمن كان من أهل الصلاة"؛ أي: من كان يكثر صلاة النافلة، "دُعِي من باب الصلاة"؛ أي: ينادى من بابها إلى دخول الجنة.

"ومن كان من أهل الجهاد، دُعِي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دُعِي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دُعِي من باب الريان": وهو ضد العطشان، اسمٌ لباب من أبواب الجنة.

والمعنى: أن أهل الصيام بتعطيشهم أنفسهم في الدنيا يدخلون من باب الريان، ويسقون من ذلك الباب شرابًا طهورًا قبل تمكنهم في الجنة؛ ليزولَ عطشهم.

"فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما على من دُعِي من تلك الأبواب من ضرورة": (ما) نافية، و (من) في (من ضرورة) زائدة؛ أي: ليس على أحد يدعى من باب من تلك الأبواب ضرورة واحتياج إن لم يدع من سائرها؛ لحصول مراده، وهو دخول الجنة.

"فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم": تكون جماعة كثيرة يدعون من جميع الأبواب؛ لكثرة صلاتهم وجهادهم وصيامهم وغير ذلك من أبواب الخير.

ص: 463

"وأرجو أن تكون" أنت يا أبا بكرًا "منهم": وفي قوله: (أرجو) إشارة إلى أن ثواب الأعمال ينبغي أن لا يجزم به، بل يُرجى أن يوصل إليه لخفاء مقبوليتها.

* * *

1334 -

وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: "من أَصْبَحَ منكُم اليومَ صائمًا؟ "، قال أبو بكر: أنا، قال:" فمَن تبعَ منكُم اليومَ جنازةً؟ "، قال أبو بكر: أنا، قال:" فمَن أَطعمَ منكُم اليومَ مِسْكينًا؟ "، قال أبو بكر: أنا، قال:"فمَن عادَ منكم اليومَ مَريضًا؟ "، قال أبو بكر: أنا، فقال رسولُ الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -:"ما اجتَمَعْنَ في امرئٍ إلا دخَلَ الجنَّةَ".

"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ ": (من) استفهامية، و (أصبح) بمعنى: صار، وخبره (صائمًا)، أو بمعنى: دخل في الصباح، فتكون تامة، و (صائمًا) حال عن ضميره.

"قال أبو بكر: أنا، قال "؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام: "فمن تبعَ منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؛ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا، قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: ما اجتمعنَ"؛ أي: هذه الخصال المذكورة على الترتيب المذكور في يوم واحدًا "في امرئ إلا دخل الجنة": قيل: معناه بلا محاسبة، وإلا فمجرد الإيمان يكفي بمطلق الدخول.

* * *

1335 -

وقال: "اتَّقُوا النارَ ولو بِشِقِّ تَمْرةٍ، فإنْ لم تَجدْ فبكلِمةٍ طَيِّبةٍ".

ص: 464

"وعن عدي بن حاتم أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه - وسلم: اتقوا النار"؛ أي: ادفعوها عن أنفسكم بالخيرات، "ولو بشق تمرة"؛ أي: ولو كان الانتقاء بتصدُّقِ [بـ] بعض تمرة؛ يعني: لا تستقلُّوا شيئًا من الصدقة.

"فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة"؛ أي: فليتقِ منها بقولِ حسن يُطيِّبُ به قلب المسلم.

* * *

1336 -

وقال: "يا نساءَ المُسلِماتِ، لا تحقِرَنَّ جارةٌ لِجَارتها ولو فِرْسِنَ شاةٍ".

"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: يا نساء المسلمات": بنصب (نساء) وجر (المسلمات)؛ أي؛ يا نساء الطوائف المسلمات.

"لا تحقِرَنَّ جارةٌ لجارتها": قيل: جارة المرأة امرأة زوجها.

"ولو كان فرسِنَ شاة"؛ أي: ظلفها هدية؛ يعني: لا تمنع إحداكن من الهدية لجارتها احتقارًا للموجود عندها، ويجوز أن يكون الخطاب لمن أُهدِي إليهن، فالمعنى: لا تحقرن إحداكن هدية جارتها، بل تقبلها وإن كانت قليلةً.

وفيه حثٌّ على الهدية واستجلاب القلوب.

* * *

1337 -

وقال: " كلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقةٌ".

"عن جابر وحذيفة أنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه - وسلم: كل معروف"؛ أي: ما عُرِفَ فيه رضاء الله من الأقوال والأفعال.

ص: 465

"صدقة"؛ أي: ثوابه كثواب الصدقة.

* * *

1338 -

وقال: "لا تحقِرَنَّ من المَعْروفِ شيئًا ولو أَنْ تَلقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلِيقٍ".

"عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق": وهو الذي فيه البشاشة والسرور، فإنه يصل إلى قلبه سرور، ولا شكَّ أن إيصالَ السرور إلى قلوب المسلمين حسنة.

* * *

1339 -

وقال: "على كلِّ مُسلِمٍ صدَقةٌ"، قالوا: فإن لم يجدْ؟، قال:"فيعملُ بيدَيهِ، فينفعُ نفسَه، ويتصدَّقُ"، قالوا: فإنْ لم يستطِعْ أَوْ لم يفعلْ؟، قال: فلْيُعِنْ صاحِبَ الحاجةِ المَلْهُوف"، قالوا: فإنْ لم يفعلْ؟ قال: "فليَأمُرْ بالخَيرِ"، قالوا: فإن لم يفعل؟، قال: "فليُمْسِكْ عَن الشَّرِّ، فإنَّه له صدَقةٌ".

"وعن أبي موسى أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: على كلِّ مسلم صدقة": شكرًا لنعمة الله عليه.

"قالوا: فإن لم يجد"؛ أي: ما يتصدق به.

"قال: فليعمل بيديه"؛ أي: فليكتسبْ مالًا بعمل يديه.

"فينفع نفسَه ويتصدَّق، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: فيعين ذا الحاجة الملهوف"؛ أي: المحزون المتحير في أمره.

"قالوا: فإن لم يفعله؟ قال: فيأمر بالخير، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال:

ص: 466

فليمسكْ عن الشر؛ فإنه"؛ أي: الإمساك عن الشر "له صدقة": يتصدق به على نفسه؛ لأنه إذا أمسك عنه لله تعالى، كان له أجرٌ على ذلك، كما أن للمتصدق بالمال أجرًا.

* * *

1340 -

وقال: "كلُّ سُلامَى من الناسِ عليهِ صدقةٌ، كلَّ يومٍ تطلُعُ فيه الشَّمسُ يعدِلُ بين الاثنينِ صدقةٌ، ويعينُ الرجلَ على دابَّتِهِ، فيَحمِلُ عليها أو يرفعُ عليها مَتاعَه صدَقةٌ، والكَلِمةُ الطَّيِّبةُ صدَقةٌ، وكلُّ خُطْوةٍ يَخطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقة، ويُميطُ الأذَى عن الطَّريقِ صدَقةٌ".

"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: كلُّ سُلامى من الناس عليه صدقة": أوجب الصدقة على السّلامى مجازًا، وفي الحقيقة واجبة على صاحبه؛ يعني: على كل واحد من الإنسان بعدد كل مفصلٍ في أعضائه. "صدقة"؛ شكرًا الله تعالى بأن جعل في عظامه مفاصل، يقدر على قبض أصابعه ويديه ورجليه وغير ذلك وبسطها، فإن هذه نعمة عظيمة.

"كل يوم": نصب على الظرفية.

"تطلع فيه الشمس، تعدل بين الاثنين"؛ أي: تصلح بين الخصمين، وتدفع ظلم ظالم عن مظلوم، وهو في تأويل المصدر مبتدأ، خبره (صدقة).

"وتعين الرجل"؛ أي: إعانتك إياه "على دابته، فتحمل عليها، أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكلُّ خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى"؛ أي: إزالتك إياه "عن الطريق صدقة".

* * *

ص: 467

1341 -

وقال: "خُلِقَ كلُّ إنسانٍ من بني آدمَ على ستِّينَ وثلاثمائةِ مَفْصِلٍ، فمَنْ كبَّر الله، وحَمِدَ الله، وهَلَّلَ الله، وسبَّح الله، واستغفرَ الله، وعزَلَ حجَرًا عن طَريقِ النَّاسِ، أو شَوكةً، أو عَظْمًا، أو أَمرَ بمَعْروفٍ أو نهَى عن مُنْكَرٍ عَددَ تِلكَ الستينَ والثلاثمائةِ فإنَّه يَمْشِي يومَئذٍ وقد زَحْزَحَ نفسَهُ عن النَّارِ".

"وعن عائشة أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: خُلِقَ كلُّ إنسان من بني آدم على ستين وثلاث مئة مفصل": بالإضافة، وهو - بكسر الصاد وفتحها -: ملتقى العظمين في البدن.

"فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله"؛ أي: قال: لا إله إلا الله.

"وسبح الله، واستغفر الله، وعزل"؛ أي: أبعد "حجرًا عن طريق الناس، أو شوكة، أو عظمًا، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر عددَ": متعلق بالأذكار وما بعدها، نصبه بفعل مقدر؛ يعني: من فعل الخيرات المذكورة ونحوها عدد "تلك الستين والثلاث مئة، فإنه يمشي يومئذ، وقد زحزح نفسه"؛ أي: باعدها "عن النار".

* * *

1342 -

وقال: "إِنَّ بِكلِّ تَسْبيحةٍ صدقًة، وكلِّ تَكْبيرةٍ صدَقةٌ، وكلِّ تَحْميدةٍ صدقةٌ، وكل تَهْليلةٍ صدَقةٌ، وأَمرٍ بالمَعرُوفِ صدَقةٌ، ونهي عنْ مُنكرٍ صدَقة، وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ"، قالوا: يا رسولَ الله!، أيأتِي أَحدُنا شهوتهُ ويكونُ له فيها أجرٌ؟، قال:"أَرأَيتُم لَو وَضَعَها في حَرامٍ، أكانَ عليهِ فيهِ وِزْرٌ؟، فكذلكَ إذا وضَعَها في الحَلالِ كانَ له أجْرٌ".

"وعن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة،

ص: 468

وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضْعِ أحدكم"؛ يعني: في جماعة.

"صدقة": وإنما لم يقل: وببضع أحدكم، إشارة إلى أنه إنما يكون صدقة إذا نوى فيه عفاف نفسه، أو زوجته، أو حصول ولد صالح.

"قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها"؛ أي: شهوة بضعه "في حرام أكان عليه وزر؟ ": الاستفهام فيه للتقرير، "فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".

* * *

1343 -

وقال: "نِعْمَ الصَّدَقةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، والشَّاةُ الصَّفيُّ مِنحة، تَغْدُو بإناءٍ، وتَرُوحُ بآخَرٍ ".

"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: نعم الصدقة اللَّقْحَةُ": بالكسر أو الفتح ثم السكون: الناقة الحلوب.

"الصَّفيُّ": الناقة الغزيرة اللبن، وكذا الشاة.

"منحةً": نصب على التمييز، أو الحال، والمنحة عند العرب تُطَلق على العطية التي يملكها المعطَى له، وعلى العارية؛ لينتفع بلبنها ووبرها ثم يردها، وهو المعني بقوله - صلى الله تعالى عليه وسلم -:"المنحة مردودة".

قيل: أصلها أن تكون في العارية، ثم سمي به كل عطية فمدح عليه الصلاة والسلام هذا الفعل.

"والشاة الصفي منحة، تغدو": صفة مادحة لمنحة، أو استئناف جواب عمن سأل عن سبب كونها ممدوحة.

"بإناء"؛ أي: ملتبسة بملء إناء.

ص: 469

"وتروح بآخر"؛ أي: بإناء آخر.

* * *

1344 -

وقال: "ما مِن مُسلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أو يَزْرعُ زَرْعًا، فيأْكْلُ منهُ إنسانٌ أو طَيْرٌ أو بَهيْمةٌ إلا كانتْ له صدَقةٌ".

ويروى: "ما سُرِقَ منه لهُ صدَقةٌ".

"وعن أنس أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: ما من مسلم يغرس غَرسًا": بفتح الغين المعجمة وكسرها.

"أو يزرع زرعًا، فيأكل منه إنسان، أو طير، أو بهيمة، إلا كانت له صدقة": معناه بأي سبب يؤكلُ مالُ الرجل يحصلُ له الثوابُ.

"ويروى: ما سرق منه فهو له صدقة"، أي: يحصل له مثل ثواب تصدق المسروق.

* * *

1345 -

وقال: "غُفِر لامرأةٍ مُومِسَةٍ مرَّتْ بكلْبٍ على رأْسِ رَكيٍّ يَلْهثُ، كَادَ يَقتلُه العَطَشُ، فنَزَعَتْ خُفَّها، فأَوْثَقَتْه بِخِمارِها، فَنَزَعَتْ لهُ من الماءِ، فغُفِرَ لها بذلك"، قيل: إنَّ لَنا في البَهائِم أَجْرًا"، قال: "في كلِّ ذاتِ كَبدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ".

"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: غفر لامرأة مومسة"؛ أي: فاجرة زانية.

"مرت بكلب على رأس رَكِّي": وهي: البئر.

"يلهث"، أي: يخرج لسانه من شدة العطش والحر.

ص: 470

"كاد يقتله العطش، فنزعت خفَّها، فأوثقته"؛ أي: شدته "بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك، قيل: إن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: في كل ذات كبد رطبة أجرٌ"؛ أي: لمن سقاها حتى تصير رطبة أجر، لكن بشرط أن لا يكون من المأمور بقتله، كالحية والعقرب وغير ذلك.

وفي رواية: (في كل ذات كبد حَرَّى)؛ فُعْلى من (الحر)، تأنيث حران.

وفي الحديث دليلٌ على غفران الكبيرة من غير توبة، وهو مذهب أهل السنة.

* * *

1346 -

وقال: "عُذِّبت امرأةٌ في هِرَّةٍ أَمْسَكَتْها حتى ماتَتْ مِنَ الجُوعِ، فلم تكنْ تُطْعِمُها، ولا تُرسلُها فتأكلَ من خَشاشِ الأَرضِ".

"وعن ابن عمر، وأبي هريرة: أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: عُذِّبت امرأة في هرة": (في) هنا للسببية؛ أي: بسبب هرة.

"أمسكتها حتى ماتت من الجوع، فلم تكن تطعمها، ولا ترسلها فتأكلَ": بالنصب جوابًا للنفي.

"من خَشاشِ الأرض": بفتح الخاء المعجمة على الأشهر: هوامها وحشراتها، قيل: هذه المعصية صغيرة، وإنما صارت كبيرة بإصرارها.

* * *

1347 -

وقال: "مرَّ رجلٌ بغُصْنِ شَجَرةٍ على ظَهْرِ طريقٍ، فقالَ: لأُنحِّينَّ هذا عن طريقِ المُسلمينَ لا يُؤْذيهم، فأُدخِلَ الجنَّةَ".

"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: مرَّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال: لأنحينَّ"؛ أي: لأبعدن.

ص: 471

"هذا عن" طريق "المسلمين؛ لا يؤذيهم"؛ أي: كيلا يؤذيهم.

"فأدخل الجنة": يمكن أن يكون إدخاله الجنة بمجرد نيته الصالحة، وإن لم ينحِّه، وأن يكون قد نحِّاه.

* * *

1348 -

وقال: "لَقَدْ رأَيتُ رجُلاً يتقلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرةٍ قطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّريقِ، كانتْ تُؤذي النَّاسَ".

"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: لقد رأيت رجلًا يتقلب في الجنة"؛ أي: يمشي ويتبختر.

"في شجرة"؛ أي: بسبب شجرة.

"قطعها عن ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس".

* * *

1349 -

عن أَبي بَرْزة قال: قُلْتُ: يا نَبَيَّ الله، علِّمْني شَيئًا أنتَفِعُ به؟ قال:" اعزِلِ الأَذى عَنْ طَريقِ المُسلِمين".

"وعن أبي بَرْزة الأسلمي أنه قال: قلت: يا نبي الله! علمني شيئًا أنتفع به"؛ أي: بعمله.

"قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين".

* * *

مِنَ الحِسَان:

1350 -

قال عبد الله بن سَلَام رضي الله عنه: لَمَّا قَدِم النبيُّ - صلى الله تعالى عليه وسلم -. المَدينةَ جئْتُ، فلمَّا

ص: 472

تَبَيَّنتُ وجْهَهُ عرفْتُ أنَّ وجههُ ليسَ بوجهِ كذَّابٍ، فكانَ أَوَّلَ ما قالَ:"يا أيُّها الناسُ، أَفشُوا السَّلامَ، وأَطعِمُوا الطَّعامَ، وصِلُوا الأَرحامَ، وصَلّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نِيَامٌ تَدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ".

"من الحسان":

" قال عبد الله بن سلام: لما قدم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - المدينه، جئت فلما تبينت"؛ أي: تأملت "وجهه": أبصرت وجهه ظاهرًا، "عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال: يا أيها الناس! أفشوا"؛ أي: أظهروا وأكثروا "السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ".

* * *

1351 -

عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعبُدوا الرحمنَ، وأَطعِمُوا الطَّعام وأَفْشُوا السَّلام، تَدخلُوا الجنَّةَ بسَلامٍ".

"وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام".

* * *

1352 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصَّدَقةَ لَتُطفِئ غضَبَ الرَّبِّ، وتَدفَعُ مِيْتةَ السُّوءَ".

"عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: إنَّ الصدقةَ لتطفئُ غضب الربِّ": يجوز أن يحمل إطفاء الغضب على المنع من إنزال

ص: 473

المكروه في الدنيا، كما ورد:"لا يرد القضاء إلا الصدقة".

"وتدفع مِيتة السُّوء" بكسر الميم: الحالة التي عليها الموت، أصله موتة، قلبت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها.

والمراد بميتة السوء: ما لا يحمد عاقبته، كالفقر المدقع، والألم الموجع، ونسيان الذكر، وكفر أنَّ النعمة، والتردي، والغرق، والحرق، والهدم، والفجاءة.

* * *

1353 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصَّدَقةُ تُطْفِئُ الخَطيئةَ كما يُطفئ الماءُ النَّارَ".

"وعن أنس أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: الصدقةُ تطفئ الخطيئة"؛ أي: تزيل الذنوب، كما قال الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]"كما يطفئ الماءُ النارَ".

* * *

1354 -

وقال: "كلُّ مَعْروفٍ صَدَقةٌ، وإن مِنَ المَعْرُوفِ أنْ تَلْقَى أَخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ، وأنْ تُفرِغَ من دلْوِكَ في إناءَ أَخيكَ ".

"عن معاذ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلُّ معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقَى أخاك بوجه طلقٍ، وأن تفرغ "؛ أي: تصبَّ "من دلوك": عند استقائِكْ.

"في إناء أخيك"؛ كي لا يحتاج إلى تعب الاستقاء.

"غريب".

* * *

ص: 474

1355 -

وقال "تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخيكَ صَدقة، وأَمرُكَ بالمَعروفِ صدَقةٌ، ونهيُكَ عن المُنكَرِ صدَقةٌ، وإرشادُكَ الرَّجلَ في أَرضِ الضَّلالِ لكَ صدَقةٌ، ونَصْرُكَ الرَّجلَ الرَّديءَ البصَرِ لكَ صدَقةٌ، وإِماطتُكَ الحجَرَ والشَّوكَ والعَظْمَ عن الطَّريق لك صدَقةٌ، وإفْراغُكَ من دَلْوِكَ في دَلْوِ أَخيكَ لكَ صدقةٌ"، غريب.

"عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: تبسّمُك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادُك الرجلَ في أرض الضلال"؛ أي: في أرض لا علامة فيها للطريق، يضل فيها السائر.

"لك صدقة، ونصرك الرجل الرديء البصر": وهو من لا يبصر أصلًا، أو يبصرُ قليلاً.

"لك صدقة، وإماطتك الحجرَ والشوكَ والعظمَ عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة. غريب".

* * *

1356 -

عن سَعْد بن عُبَادة أنه قال: يا رسولَ الله!، إنَّ أُمَّ سَعْدٍ ماتتْ، فأيُّ الصَّدَقةِ أَفْضَل؟، قال:"الماءُ"، قال: فَحَفَرَ بِئْرًا، وقال: هذه لأِمِّ سَعْدٍ.

"عن سعد بن عُبادةَ أنه قال: يا رسول الله! إن أمَّ سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل؟ قال: الماء.

"قال"؛ أي: الراوي عن سعد: "فحفر بئرًا، وقال: هذه لأمِّ سعد".

* * *

ص: 475

1357 -

وقال: "أيُّمَا مُسلِمٍ كَسَا مُسلِمًا ثَوبًا على عُري؛ كسَاهُ الله مِن خُضْرِ الجنَّةِ، وأيُّما مُسلم أَطْعَمَ مُسلمًا على جُوعٍ أَطعَمَهُ الله مِنْ ثِمَارِ الجنَّة، وأَيُّما مُسلمٍ سَقَى مُسلِمًا على ظَمَإٍ سَقاهُ الله من الرَّحيقِ المَخْتُومِ ".

"وعق أبي سعيد أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: أيُّما مسلم كسا مسلمًا ثوبًا على عُري، كساه الله من خُضْرِ الجنة"؛ أي: من ثيابها الخضر، أقام الصفة مقام الموصوف، وهو إشارة إلى قوله تعالى:{وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا} [الكهف: 31].

"وأيما مسلم أطعم مسلمًا على جوع، أطعمه الله تعالى من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلمًا على ظمإ"؛ أي: عطش، "سقاه الله من الرحيق": وهو اسم الخمر الخالصة التي لا كدرَ فيها، يريد: خمر الجنة.

"المختوم": الذي يُختم؛ كيلا تصل إليه يدُ أحد، ولم يتبدل، وقيل: الذي يختم بالمسك مكان الطين ونحوه، وقيل: ما كان خاتمةَ رائحتِهِ المسكُ.

* * *

1358 -

وقال: "إنَّ في المَالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكاةِ، ثم تلا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: 177] الآيةَ".

"عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: إن في المال لحقًا سوى الزكاةِ": وهو أن لا يحرم سائله ومستقرضه منه، ولا يمنع مستعيره إن كان من أمتعة البيت، كالقدر والقصعة وغير ذلك، ولا يمنع الماء والملح والنار.

"ثم تلا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: 177] الآية": والمراد: أنه ذكر إيتاء المال في وجوه البر، ثم قفَّاه - أي: عقَّبه - بإيتاء الزكاة، فدل ذلك

ص: 476

على أن في المال حقًا سوى الزكاة.

1359 -

وسُئل رسولُ الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -، ما الشَّيءُ الذي لا يحلُّ منعُه؟، قال:"الماءُ"، قيل: ما الشيءُ الذي يحلُّ منعُه؟ قال: "المِلْحُ".

"عن بهيسة، عن أبيها، وعن عائشة: أنهما قالا: سُئِل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: ما الشيءُ الذي لا يحلُّ منعه؟ قال: الماءُ، قيل: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، قيل: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: النار".

* * *

1360 -

وقال: "مَنْ أَحيَا أَرضًا مَيْتةً فله أَجْرٌ، وما أكَلَتْ العافيَةُ منهُ فهوَ له صدَقةٌ".

"عن جابر أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: من أحيا أرضًا ميتةً فله فيها أجر، وما أكلت العافيةُ": وهو كل طالب رزق من إنسان، أو بهيمة، أو طائر.

"منه"؛ أي: من المأكول، أو من النبات.

" فهو له صدقة".

* * *

1361 -

وقال: " مَن مَنَحَ مِنْحَةَ وَرِقٍ، أو أَهدى زُقَاقًا، أو سَقَى لَبنًا؛ كان له كعِدْلِ رقَبةٍ أو نَسَمةٍ".

وفي روايةٍ: " كانَ لهُ مِثْلُ عِتْق رقَبةٍ".

"عن البراء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: من

ص: 477

مَنَحَ مِنحةَ وَرقٍ": بفتح الواو مع كسر الراء وسكونها وكسرها مع سكونها: الدراهم؛ أي: من أعطى عطية من الدراهم، وقيل: منحة الورق: القرض؛ لأن المنحة مردودة.

"أو أهدَى زُقاقاً": بتخفيف الدال، من هداية الطريق، و (الزُّقاق): السكة؛ أي: دل ضالًا إلى طريق سكته أو بيته.

ويروى بالتشديد؛ إما مبالغة الهداية، أو من الهدية؛ أي: مَنْ أهدى وتصدَّق بزُقاقٍ من النخل - وهو: الصفُّ من أشجارها - أو جعلها وقفًا.

"أو سقى لبنًا، كان له كعدل رقبة أو نسمة": شك من الراوي، والمراد بهما: العبد.

"وفي رواية: كان له مثل عتق رقبة".

* * *

1362 -

عن أبي تَمِيْمَةَ الهُجَيْمي، عن أبي جُرَيٍّ جابرِ بن سُلَيم قال: رأيتُ رجلًا يصدرُ الناسُ عنْ رأْيهِ، قلتُ: مَن هذا؟، قالوا: رسولُ الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -، قلتُ: عليكَ السَّلامُ، يا رسولَ الله مرَّتين، قال:"لا تقلْ: عليكَ السلامُ، عليكَ السلامُ تحيةُ الميَّتِ!، قلْ: السَّلامُ عليكَ"، قلت: السلامُ عليكَ، قلتُ: أنتَ رسولُ الله؟، قال:"أنا رسولُ الله الذي إذا أَصابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كشَفَ عنكَ، وإنْ أصابَكَ عامُ سَنةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لك، فإذا كنتَ بأرضٍ قَفْرٍ أو فَلاةٍ فَضَلَّتْ راحلَتُكَ فدعوتَه ردَّها عليكَ"، قلتُ: اعْهَدْ إلَيَّ، قال:"لا تَسُبن أحدًا"، فما سبَبْتُ بعدَه حُرًّا ولا عَبْدًا ولا بَعْيرًا ولا شاةً، قال: "ولا تحقِرَنَّ شيئًا من المَعْروف، وأن تُكلِّم أخاكَ وأنتَ مُنبسِطٌ إليه وجهُك، إِنَّ ذلكَ مِنَ المَعروف، وارفَعْ إزارَكَ إلى نِصْفِ السَّاقِ، فإن أَبَيْتَ فإلى الكَعْبَينِ، وإِيَّاكَ وإسبالَ الإزارِ، فإنَّها من المَخِيْلةِ، وإنَّ الله لا يحبُّ المَخِيْلةَ، وإنِ امرؤٌ شتمَكَ

ص: 478

وعيَّرَكَ بما يعلمُ منكَ فلا تُعَيِّرُهُ بما تعلَمُ منه، فإنَّما وبالُ ذلكَ عليهِ".

وفي رواية: "فيكونُ لكَ أَجرُ ذاكَ، ووبالُهُ عَليهِا".

"عن أبي تميمة الهُجَيمي رضي الله عنه، عن أبي جُرَي جابر بن سُليم أنه قال: رأيت رجلًا يصدر الناس عن رأيه"؛ أي: ينصرفون كما يراه، ويفعلون ما يأمرهم، ولا يخالفونه.

"قلت: من هذا؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه. قلت: عليك السلام يا رسول الله! مرتين، قال: لا تقل: عليك السلام، عليك السلام تحيةُ الميتِ"؛ يعني: هذا اللفظ يقال في المقابر؛ لأنه لا يتوقع الجواب من الميت، وأما الحي يتوقع الجواب منه، "قل: السلام عليك"؛ ليقول هو لك: وعليك السلام؛ لأن فائدة التسليم حصول الأمن والسلامة للمسلَّم عليه من المسلِّم، وهو بتقديم لفظ السلام أليقُ؛ فإنه إذا افتتح بـ (عليك)، لم تحصل به السلامة، بل المخافة، بل قد يتوهم أنه يدعو عليه.

"قلت: السلام عليك، قلت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضُرٌّ فدعوته، كشف"؛ أي: أزال ذلك الضر "عنك، وإن أصابك عام سنة"؛ أي: قحط، لا تنبت الأرض شيئًا، "فدعوته، أنبتها"؛ أي: أنبت الأرض لك.

"وإذا كنت بأرض قَفْرٍ"؛ أي: أرض خال من النبات والشجر، "أو فلاة": وهي المفازة البعيدة من العمران.

" فضلت راحلتك، فدعوته، ردها عليك، قلت: اعهد إلي"؛ أي: أوصني.

"قال: لا تسبن أحدًا"؛ أي: لا تشتمن أحدًا.

"فما سببتُ بعده"؛ أي: ما شتمت بعد العهد "حرًا، ولا عبدًا،

ص: 479

ولا بعيرًا، ولا شهاةً": إنما عهد صلى الله عليه وسلم[إليه] بترك السب؛ لعلمه أنه كان الغالب على أحواله ذلك، فنهاه عنه.

"قال: ولا تحقرنَّ شيئًا من المعروف، وأنْ تكلِّم أخاك": مبتدأ خبره (إن ذلك)، أو عطف على (شيئًا)، و (إن ذلك) استئناف علة له.

"وأنت منبسط إليه وجهُكَ"؛ أي: ذو بشاشة، تتواضع إليه، وتُطيب كلامَكَ له حتى يفرحَ قلبه بحسن خلقك.

"إن ذلك من المعروف، وارفْع إزارك"؛ أي: ليكن سراويلك وقميصك قصيرين.

"إلى نصف الساق، فإن أبيت"؛ أي: لم ترضَهُ نفسُك.

"فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار"؛ أي: احذر من إطالته.

"فإنها"؛ أي: خصلة إسبال الإزار.

"من المَخيلة": بفتح الميم؛ أي: من الكبر والعجب.

"وإن الله تعالى لا يحب المخيلة، وإن امرؤٌ شتمك أو عيَّرك"؛ أي: عابك بما "يعلم منك"، "فلا تعيره بما تعلم منه، فإنما وبالُ ذلك": الشتم والتعيير.

"عليه، وفي رواية: فيكون لك أجر ذلك، ووباله عليه".

* * *

1363 -

عن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذَبَحوا شاةً، فقالَ النبيُّ - صلى الله تعالى عليه وسلم - "ما بقيَ منها؟ "، فقالت: ما بقِيَ إلا كَتِفُها، قال:"بقِيَ كلُّها غيرَ كتِفِها"، صحيح.

"عن عائشة أنهم"؛ أي: أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام "ذبحوا شاةً، فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -: ما بقي منها؟ ": (ما) استفهامية؛ أي: أيُّ شيء بقي منها؟

ص: 480

"فقالت: ما بقي إلا كتفها، قال صلى الله عليه وسلم: بقي كلُّها غيرَ كتفِها"؛ يعني: ما تصدَّقت فهو باقٍ، وما بقي عندك فهو غير باقٍ، كما قال الله تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96].

"صحيح".

* * *

1364 -

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما مِن مُسلِمٍ كسَا مُسلِمًا ثَوبًا إلا كانَ في حِفْظٍ من الله ما دامَ منهُ عليهِ خِرْقةٌ".

"عن ابن عباس أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول: ما من مسلم كسا مسلمًا ثوبًا، إلا كان في حفظٍ من الله ما دام منه عليه خِرْقة": وإنما لم يقل: في حفظ الله؛ ليدل التنكير على نوع تفخيم وشيوع، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة؛ فلا حصرَ ولا عدَّ لثوابه.

* * *

1365 -

عن عبد الله بن مَسْعود - يرفعُه - قال: "ثلاثةٌ يُحبهم الله: رجلٌ قامَ من اللَّيل يتلُو كتابَ الله، ورجلٌ يتصدَّقُ بصدَقةٍ بيمينِهِ يُخفيها - أُراهُ قالَ مِن شِمَالِهِ، ورجلٌ كانَ في سَرِية، فانهزَمَ أَصحابُه، فاستْقَبلَ العَدوَّ"، غريب.

"وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرفعه"؛ أي؛ الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

"قال: ثلاثة يحبهم الله: رجل قام عن الليل يتلو كتاب الله"؛ أي: يقرأ القرآن.

"ورجل يتصدق بصدقة بيمينه يخفيها، أُراه ": من (الإراء)؛ أي: قال ابن مسعود: أظن النبي عليه الصلاة والسلام "قال: من شماله"؛ أي: يخفي الصدقة من شماله.

ص: 481

"ورجل كان في سرية"؛ وهي قطعة من الجيش، فانهزم أصحابه، "فاستقبل العدو.

"غريب".

* * *

1366 -

عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثة يُحِبُّهم الله، وثلاثة يُبغِضُهم الله، فأما الذين يُحِبُّهم الله: فرجلٌ أتى قَوماً، فسألهَم بالله ولم يسألْهم لقَرابةٍ بينَهُ وبينَهم فَمَنَعُوه، فَتَخَلَّفُ رجلٌ بأَعقابهم فأَعطاه سِرًّا، لا يعلمُ بعطيَّتِهِ إلا الله والذي أَعطاهُ، وقومٌ سَارُوا ليلَتَهم حتى إذا كانَ النَّومُ أحبَّ إليهم مما يُعدَلُ، به فَوَضَعُوا رؤُوسَهم، فقامَ سِرًّا، يَتَمَلَّقُني ويتلُو آياتي، ورجل كانَ في سَرِيةٍ، فلقوا العَدوَّ، فهزِمُوا، فأقبلَ بصَدْر حتى يُقتلَ أو يفتَحَ له، والثلاثة الذين يُبغِضهم الله: فالشيخُ الزَّاني، والفَقيرُ المُخْتَالُ، والغَنىُّ الظَّلومُ".

"عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يبغضهم الله: فأما الذين يحبهم الله؛ فرجل أتى قومًا، فسألهم بالله"؛ أي: قال: أعطوني بحق الله.

"ولم يسألهم بقرابة"؛ أي: لحقِّ قرابة "بينه وبينهم، فمنعوه"؛ أي: لم يعطوا ذلك الرجل شيئًا.

"فتخلف رجل بأعيانهم": الباء للتعدية؛ أي: بأشخاصهم وأنفسهم؛ أي: ترك القوم المسؤول منهم خلفه وتقدم، "فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتى إذا كان النومُ أحبَّ إليهم مما يعدل به"؛ أي: من كل شيء يقابل النوم.

"فوضعوا رؤوسهم، فقام سراً يتملَّقني"؛ أي: يتواضع إلي، ويتضرع ويبكي من خشيتي، "ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية، فلقي العدو، فهزموا،

ص: 482

فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له.

والثلاثة الذين يبغضهم الله؛ الشيخُ الزاني، والفقير المختال"؛ أي: المتكبر.

"والغني الظلوم"؛ أي: كثير الظلم.

إنما خص الشيخ وأخويه بالذكر؛ لأن هذه الخِصَال فيهم أشدُّ مَذَمَّة وأشنع نكرًا، أعاذنا الله بلطفه من ذلك.

* * *

1367 -

عن أَنس رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لَمَّا خلَقَ الله الأرضَ جَعلَتْ تَمِيدُ، فخلَقَ الجبَالَ فقال بها عليها، فاستقرَّتْ، فعجبَتِ المَلائكةُ من شِدَّةِ الجبالِ، فقالوا: يا ربِّ، هل مِنْ خلْقِكَ شيءٌ أشَدُّ من الجبالِ؟، قال: نَعَم، الحديد فقالوا: يا ربِّ، هَلْ من خلْقِكَ شيءٌ أَشدُّ من الحديدِ؟ قال: نَعَم، النارُ، فقالوا: ياربِّ، هل مِنْ خلْقِكَ شَيْءٌ أشدُّ مِنَ النارِ؟، قال: نعم، الماء، فقالوا: يا ربِّ، هل مِنْ خلقِكَ شيءٌ أشدُّ من الماءِ؟، قال: نعم، الريحُ، فقالوا: يا ربِّ، فهل مِنْ خلقِكَ شيءٌ أشدُّ مِنَ الريح؟، قال: نعم، ابن آدم تَصَدَّقَ صدقةً بيمينِهِ يُخفيها مِنْ شِمالِهِ"، غريب.

"عن أنس، عن النبي - عليه الصلاة السلام - أنه قال: لما خلق الله الأرضَ، جعلت تَميدُ"؛ أي: طفقت تتحرك وتضطرب بشدة، ولا تستقر.

"فخلق الجبال، فقال بها عليها"؛ أي: فضرب بالجبال على الأرض.

"فاستقرت، فعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالوا: يا رب! هل من خلقك شيءٌ أشدُّ من الجبال؟ قال: نعم، الحديد": كونه أشد من أجل أنه يكسر الحجر.

ص: 483