المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - كتاب الزكاة - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٢

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌12 - باب الرُكُوع

- ‌13 - باب السُجود وفَضْله

- ‌14 - باب التَّشهُّدِ

- ‌15 - باب الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضْلِها

- ‌16 - باب الدُعاء في التَّشهُدِ

- ‌17 - باب الذِّكر بعد الصَّلاة

- ‌18 - باب ما لا يَجُوزُ من العَمَل في الصَّلاة وما يُباحُ منه

- ‌19 - باب سُجُود السَّهْوِ

- ‌20 - باب سُجود القُرآن

- ‌21 - باب أَوقات النَّهْي عن الصَّلاة

- ‌22 - باب الجَماعة وفَضْلِها

- ‌23 - باب تَسْوية الصَّفِّ

- ‌24 - باب المَوْقِفِ

- ‌25 - باب الإِمامةِ

- ‌26 - باب ما علَى الإِمامِ

- ‌27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق

- ‌28 - باب مَنْ صلَّى صلاةً مرَّتَين

- ‌29 - باب السُّنَن وفَضْلها

- ‌30 - باب صلاة الليل

- ‌31 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌32 - باب التَّحريض على قِيَام اللَّيل

- ‌33 - باب القَصْد في العمَل

- ‌34 - باب الوِتْر

- ‌35 - باب القُنوت

- ‌36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان

- ‌37 - باب صلاة الضُّحى

- ‌38 - باب التطوع

- ‌39 - باب صلاة التَّسْبيح

- ‌40 - باب صلاة السَّفَر

- ‌41 - باب الجُمُعة

- ‌42 - باب وجوبها

- ‌43 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌44 - باب الخُطبة والصَّلاة

- ‌45 - باب صلاة الخَوف

- ‌46 - باب صَلاةِ العِيْد

- ‌فصل في الأُضحيَة

- ‌47 - باب العَتِيْرةِ

- ‌48 - باب صلاة الخُسُوف

- ‌فصل في سجود الشكر

- ‌49 - باب الاستِسقاء

- ‌فصل في صفة المَطَر والرِّيح

- ‌5 - كِتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب عِيَادة المَريض وثَواب المَرَض

- ‌2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره

- ‌3 - باب ما يقال لمَنْ حَضَرَهُ الموتُ

- ‌4 - باب غسْلِ المَيِّت وتكفينه

- ‌5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها

- ‌6 - باب دَفْن الميِّت

- ‌7 - باب البُكاء على المَيت

- ‌8 - باب زيارة القبور

- ‌6 - كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌2 - باب ما يجب فيه الزكاةُ

- ‌3 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - باب من لا يحل له الصَّدَقة

- ‌5 - باب مَنْ لا تَحِل له المَسْألة ومَنْ تَحِل له

- ‌6 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌7 - باب فضل الصدقة

- ‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

- ‌9 - باب صدَقة المَرأَة من مال زَوجها

- ‌10 - باب مَنْ لا يَعْود في الصَّدقَة

- ‌7 - كِتَابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رُؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

الفصل: ‌6 - كتاب الزكاة

‌6 - كِتَابُ الزَّكَاةِ

ص: 391

6 -

كِتَابُ الزَّكَاةِ

(كتاب الزكاة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

1243 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعثَ مُعاذاً إلى اليَمنِ فقال: "إنك تأتي قومًا أهلَ كتابٍ، فادعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، فإنْ هُمْ أطاعوا لذلك فأَعْلِمْهُم أن الله قد فَرَضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في اليومِ والليلةِ، فإنْ هم أَطاعوا لذلك فأَعْلِمْهم أنَّ الله قد فرض عليهم صدقةً تُؤْخَذْ مِن أغنيائهم فتُرَدُّ على فُقرائهم، فإنْ هم أَطاعوا لذلك فإيَّاكَ وكرائمَ أَموالِهِم، واتَّقِ دعوةَ المَظلومِ، فإنَّه ليسَ بينَها وبينَ الله حِجَاب".

"من الصحاح":

" عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال: إنك تأتي قومًا أهل كتاب": يريد به؟ اليهود والنصارى.

"فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا يدل على وجوب دعوة الكفار إلى الإِسلام قبل القتال، لكن هذا إذا لم تبلغهم الدعوة، أما إذا بلغتهم فغير واجبة؛ لأنه صح أن النبي عليه الصلاة والسلام أغار [على] بني المصطلق وهم غافلون.

ص: 393

"فإن هم أطاعوا لذلك": إشارة إلى شهادة أن لا إله إلا الله؛ أي: إن قبلوا الإِسلام.

"فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة": يستدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع، كما ذهب إليه بعض الأصوليين.

"فإن هم أطاعوا لذلك": إشارة إلى (خمس صلوات).

"فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة"؛ أي: زكاة.

"تُؤخَذ من أغنيائهم": عمومه يدل على لزوم الزكاة على الطفل الغني.

"فترد على فقراءهم": يدل على أنها تصرف إلى فقراء بلد المال للإضافة، ولو نقلت عنه إلى آخر كره، وتسقط بالإجماع.

"فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم": جمع كريمة، وهي: خيار المال؛ أي: اتق نفسك أن تأخذ خيار أموالهم، يدل على أن ليس للساعي أخذ خيار المال إلا أن يتبرع رب المال.

"واتق دعوة المظلوم": عطف على عامل (إياك) المحذوف؛ يعني: لا تظلم أحدًا بأن تأخذ ما ليس بواجب عليه، أو تؤذيه بلسانك، فإنك إن ظلمت ودعا عليك بسوء، يقبل الله دعاءه.

"فإنه ليس بينها"؛ أي: بين دعوته.

"وبين الله حجاب": وهذا مجاز عن سرعة القبول وعدم الرد.

* * *

1244 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ صاحبِ ذَهبٍ ولا فِضةٍ لا يؤدِّي منها حقَها إلا إذا كانَ يومُ القيامةِ صُفِّحَت له صَفائحَ مِن نارٍ، فأُحمِيَ عليها في نار جهنَّم، فيُكْوَى بها جَنْبُه وجَبينُهُ وظَهْرُهُ، كلَّما بَرَدَتْ

ص: 394

أُعيدَتْ له في يومٍ كانَ مِقدَارَه خمسينَ ألفَ سَنَةٍ حتى يُقْضَى بينَ العبادِ، فَيَرَى سبيلهُ إمَّا إلى الجنَّةِ وإمَّا إلى النارِ، قال: ولا صاحبِ إبلٍ لا يُؤُدِّي منها حقَّها، ومِن حقِّها حَلْبُها يومَ وِرْدِها إلَّا إذا كانَ يومُ القيامةِ بُطِح لها بقاعٍ قَرْقَرٍ أوفَرَ ما كانت، لا يفقِدُ منها فَصِيلاً واحداً تَطؤه بأَخْفافها، وتَعَضه بأَفواهِهَا، كلَّما مَرَّ عليهِ أُولاهَا رُدَّ عليهِ أُخراها في يومٍ كانَ مِقْدَارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ حتى يُقْضى بينَ العبادِ، فيَرَى سبيله إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النارِ، ولا صاحبِ بقَرٍ ولا غنَمٍ لا يُؤَدِّي منْها حَقَّها إلا إذا كانَ يومُ القيامةِ بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ لا يَفْقِدُ منها شيئًا ليس فيها عَقْصَاءُ ولا جَلْحَاءُ ولا عَضْبَاءُ تنطحُهُ بُقرونها، وَتَطَؤُهُ بأَظلَافِهَا، كلَّما مَرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخراها في يومٍ كانَ مِقدارَه خمسينَ ألفَ سنةٍ حتى يُقضَى بينَ العبادِ، فَيَرَى سبيلهُ إمَّا إلى الجنَّةِ وإمَّا إلى النارِ".

قال: "والخيلُ ثلاثَةٌ: لِرَجُلٍ أجرٌ، ولرجلٍ سِتْرٌ، وعلى رجلٍ وِزْرٌ، فأمَّا الذي له أجرٌ: فرجلٌ ربَطها في سبيلِ الله، فأَطالَ لها في مَرْجٍ أو رَوْضَةٍ، فما أصابَتْ في طِيَلِها ذلكَ من المَرْج أو الرَّوضةِ كانَ له حَسَنَاتٍ، ولو أنه انقطعَ طِيَلُها فاسَتنَّت شَرَفاً أو شَرَفَيْنِ كانتْ آثارُها وأرواثُها حسناتٍ له؛ ولو أنها مَرَّت بنهرٍ فَشَرِبَتْ منه ولم يُردْ أنْ يسقيَها كانَ ذلك حسناتٍ له، وأمَّا الذي هي له سِترٌ: فرجلٌ ربَطها تَغَنِّيا وتَعَفُّفًا، ثم لم يَنْسَ حَقَّ الله تعالى في رِقابها ولا ظهورِها، فهي له سِتْرٌ، وأما الذي هي عليه وِزْرٌ: فرجلٌ ربطَها فخرًا ورياءً ونجواءً لأهلِ الإِسلام، فهي على ذلك وِزرٌ".

وسُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمر الحُمُرِ؟، فقال: "ما أُنزِلَ على فيها شيءٌ إلا هذه الآيةُ الفاذَّةُ الجامعةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8].

"وعن أبي هريرة: أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:

ص: 395

ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقَّها": الضمير راجع إلى (الفضة) لقربها، أو أراد كل واحد منهما، و (الذهب) مؤنث؛ لأنه بمعنى: العين.

"إلا إذا كان يوم القيامة صُفَّحت له": علي بناء المجهول وتشديد الفاء، ضمن فيه معنى: صُيرت.

"صفائح": جمع صفيحة وهي: العريضة من حديد وغيره، نصب على أنه مفعول ثانِ؛ يعني: جعلت ذهبه وفضته كأمثال الألواح.

"من نار": فإنها لفرط إحمائها في نار جهنم جُعِلت كأنها مأخوذة من نار.

"فأُحميَ": على صيغة المجهول، والجار والمجرور، وهو "عليها" قائمٌ مقام الفاعل، والضمير المجرور راجع إلى (الصحائف)؛ أي: تلك الصفائح النارية تحمى مرة ثانية.

"في نار جهنم"؛ ليشتد حرها.

"فيكوى بها"؛ أي: تلك الصفائح.

"جنبه وجبينه"؛ أي: جبهته "وظهره"، وذلك لأنه إذا رأى الفقير الطالب للزكاة أعرض عنه بوجهه، وصرف إليه جنبه، ويُعبس جبهته، فإذا بلغ في السؤال يقوم من موضعه، ويولي ظهره إليه ويذهب، فتكوف مسألة أعضاؤه التي آذى به الفقير.

"كلما بردت أعيدت له"؛ يعني: كلما وصل كي هذه الأعضاء من أولها إلى آخرها، أعيدت للكي إلى أولها حتى توصل إلى آخرها، والمراد: دوام التعذيب.

" {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] ": يريد به: يوم القيامة بشهادة قوله:

"حتى يُقضى": يُحكم "بين العباد"؛ أي: يستمر هذا النوع من العذاب

ص: 396

إلى أن يقضي الله بينهم.

"فيرى سبيله؛ إما إلى الجنة": إن لم يكن له ذنب سواه، أو كان ولكنه تعالى عفا عنه.

"وإما إلى النار": إن كان على خلاف ذلك.

"وقال عليه الصلاة والسلام: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، وكان حقها": من تبعيضية؛ أي: ومن بعض حقوقها "حلْبها": بسكون اللام.

"يوم وِرْدها": الورد: الماء الذي ترد الماشية عليه، والمراد: أن يحلبها عند نوبة وردها على الماء؛ ليصيب الناس من لبنها، وخص يوم الورد؛ لاجتماعهم غالبا على المياه، وهذا على سبيل الاستحباب.

وقيل: معناه: ومن حقها أن يحلبها في يوم شربها الماء دون غيره؛ لئلا يلحقها مشقة العطش ومشقة الحلب.

"إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح"؛ أي: ألقي صاحب الإبل على وجهه.

"لها"؛ أي: لإبله.

"بقاع"؛ أي: في مكان مستوٍ.

"قرقر"؛ أي: أملس، وقيل: القرقر بمعنى القاع، ذكره للتأكيد.

"أوفر": حال من المجرور في (لها)، والعامل (بطح)؛ أي: حال كونها أوفر.

"ما كانت" في الدنيا؛ أي: أتم في القوة والسمن؛ ليكون أثقل وطئًا.

"لا يفقد"؛ أي: لا يعدم صاحبها.

"منها"؛ أي: من الإبل.

"فصيلًا واحداً"؛ أي: ولد الإبل، بل يحضر جميعها، والجملة تأكيد

ص: 397

لقوله: (أوفر).

"تطؤه"؛ أي: تضربه الإبل.

"بأخفافها"؛ أي بأرجلها.

"وتعضه بأفواهها"، أي: بأسنانها، وتشق جلده وتعذبه.

"كلما مر عليه،"؛ أي: على صاحبها.

"أولاها"؛ أي: أولى الإبل.

"ردَّ عليه أخراها": قيل: فيه تحريف، لأن الرد إنما يستعمل في الأول لا في الآخر؛ لأنه تبع للأول في مروره.

وفي رواية عن أبي هريرة: (كما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها).

" {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدّي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح له بقاع قرقرٍ، لا يفقد منها شيئاً، ليس فيها عقصاء"؛ أي: التي التوى - أي: مال - قرنها إلى خلف أذنها.

"ولا جلحاء"؛ أي: التي لا قرن لها.

"ولا عضباء"؛ أي: التي كسرت قرنها.

"تنطحه بقرونها": النطح: الضرب بالقرن.

"وتطؤه بأظلافها": جمع ظلف: وهي للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس.

"كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} حتى يُقضَى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قال: والخيل ثلاثة"؛ أي: ربطها على ثلاثة أنحاء.

ص: 398

"لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي [هي] له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله"؛ أي: ليجاهد الكفار على ظهرها.

"فأطال لها"؛ أي: للخيل حبلها "في مرج": وهو الموضع الذي ترعى فيه، "أو روضة": شك من الراوي.

"فما أصابت في طِيَلها ذلك": صفة (طيل)، وهو - بكسر الطاء وفتح الياء -: الحبل الذي يطول للدابة؛ لترعى "من المرج أو الروضة": (من) فيه بيانية.

"كانت له حسنات"؛ أي: يحصل لمالكها أجر وحسنة مقدار مواضع إصابتها في ذلك الحبل؛ لأن نيته في ذلك الجهاد، وهو طاعة عظيمة.

"ولو أنه"؛ أي: الضمير فيه للشأن.

"انقطع طيَلها، فاستنَّت": بتشديد النون؛ أبي: عَدَت ولمزاجها نشاطها "شرفاً أو شرفين"؛ أي: شوطًا أو شوطين، وإنما سمي شرفاً لأن الدابة تعدو حتى تبلغ شرفاً من الأرض؛ أي: مرتفعًا منها، فتقف عند ذلك وقفة، ثم تعدو ما بدا لها.

"كانت آثارها"؛ أي: مقدار آثارها.

"وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهْرٍ": بسكون الهاء وفتحها: واحد الأنهار.

"فشربت منه ولم يرد": والحال أنه لم يرد "أن يسقيها، كان ذلك"؛ أي: ما شربت منه؛ يعني: مقداره.

"حسنات له": فالحاصل أنه يحصل لمالكها بجميع حركاتها وسكناتها وفضلاتها حسنات.

"وأما الذي هي له ستر، فرجلٌ ربطها تغنياً"؛ أي: استغناء عن الناس، وطالباً لنتاجها.

ص: 399

"وتعففاً" عن السؤال؛ يعني: ليركبها عند الحاجة، ولا يسأل مركوباً من أحد.

"ثم لم ينس حقَّ الله في رقابها": أراد به أداء زكاتها إذا كانت سائمة.

"ولا في ظهورها": أراد به: ركوبها في سبيل الله، أو إعارتها للركوب عليها أو للفحل.

(فهي له ستر): يحفظه عن السؤال والاحتياج.

"وأما الذي هي عليه وزر، فرجل ربطها فخراً ورياءً"؛ أي: ليفخر بها على الفقراء، وليظهر من نفسه التكبر والعظمة.

"ونواء" بكسر النون؛ أي: معاداة "لأهل الإسلام، فهي"؛ أي: تلك الخيل "على ذلك" القصد والنية "وزر" لصاحبها.

"وسئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الحمر": جمع حمار؛ يعني: هل تجب فيها الزكاة؟

"فقال: ما أُنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة"؛ أي: المنفردة في معناها؛ يعني: ليس في القرآن آية مثلها في قلة الألفاظ وجمع معاني الخير والشر فيها.

"الجامعة": سماها جامعة؛ لاشتمال اسم الخير على جميع أنواع الطاعات؛ فرائضها ونوافلها.

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} ؛ أي: مقدار نملة صغيرة.

{خَيْرًا يَرَهُ} ؛ أي: ثوابه في الآخرة.

{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8]؛ أي: عقابه في الآخرة.

ص: 400

1245 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن آتَاهُ الله مالاً فلَم يؤدِّ زكَاتَهُ مُثِّلَ له مالُه يومَ القيامةِ شُجاعاً أقرعَ له زَبيبتانِ، يُطَوِّقُه، ثم يأخذُ بِلِهْزِمَتَيهِ - يعني شِدقيه - يقول: أنا مالُكَ أنا كنزُك"، ثم تلا هذه الآيةَ:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمران: 180].

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من آتاه الله"؛ أي: أعطاه.

"مالاً، فلم يؤدِّ زكاته مثِّل له": على صيغة المجهول.

"ماله يوم القيامة شُجاعاً" بالضم، قيل: وبالكسر: الحية الذكر، وقيل: الحية مطلقاً.

"أقرع": وهو الذي لا شعرَ على رأسه من غاية سُمِّه.

"له زبيبتان": هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه، وقيل: هما الذبدتان يكونان في الشدقين.

"يطوقه": على بناء المجهول؛ أي؛ يجعل ذلك الشجاع طوقاً في عنقه.

"ثم يأخذ بلِهْزمتيه": بكسر اللام وسكون الهاء.

"يعني: بشدقيه": والشدق: جانب الفم.

"ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180]؛ أي: لا تظنن بخل الذين يبخلون {هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ} [آل عمران: 180]؛ أي: المال الذي منعوا زكاته بأن يجعل حية تطوق في عنق مانعها يوم القيامة، تنهشه من قرنه إلى قدمه.

ص: 401

1246 -

وعن أَبي ذَرٍّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَا مِنْ رَجُلٍ يكونُ له إبلٌ أو بقرٌ أو غنمٌ لا يؤدي حقَّها إلا أُتِيَ بها يومَ القيامةِ أعظمَ ما يكونُ وأَسْمَنَهُ، تَطَؤُه بأخفافِها، وتنطَحُهُ بقرونها، كلَّما جازَتْ أُخراها رُدَّت عليه أُولاها حتى يُقضَى بينَ الناس".

"وعن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما من رجل يكون له إبلٌ أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أُتي بها يوم القيامة أعظم ما يكون، وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها، كما جازت عليه أُخراها، رُدَّت عليه أولاها حتى يُقضى بين الناس".

1247 -

وعن جَريرٍ أنه قال: قال رسول الله رضي الله عنه: "إذا أَتاكُم المُصَدِّقُ فليَصدُرْ عنكم وهو عنكم راضٍ".

"وعن جرير أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا أتاكم المصَدِّق": بتخفيف الصاد وتشديد الدال: الذي يأخذ الصدقات، وهو العامل.

"فليصدر"؛ أي: فليرجع.

"عنكم، وهو عنكم راضٍ"؛ أي: حصلوا رضاءه.

1248 -

وقال عبد الله بن أبي أَوْفَى: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وإذا أتَاه قومٌ بِصَدَقَتِهِم قال: "اللهم صَلِّ على آلِ فُلانٍ"، فأَتاهُ أَبي بصدقتِه فقال:"اللهم صلِّ على آلِ أبي أَوْفَى".

ص: 402

وفي رواية: إذا أتى الرجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم بصدقته فقال: "اللهم صَلِّ عليه".

"وقال عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صلِّ على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى": الصلاة بمعنى: الدعاء والتبرك، قيل: تجوز على غير النبي عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى في معطي الزكاة: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]، فأما الصلاة التي لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فإنها بمعنى: التعظيم والتكريم، وهي خاصة له.

"وفي رواية: إذا أتى رجل النبي عليه الصلاة والسلام بصدقة قال: اللهم صلِّ عليه": وهذا يدل على أن المستحبَّ للساعي أن يدعوَ لمعطي الزكاة، فيقول: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك فيما أبقيت، وجعله لك طهوراً.

1249 -

عن أبي هريرة أنَّه قال: بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُمرَ على الصَّدقةِ، فقيل: منعَ ابن جَميلٍ وخالدُ بن الوَليد والعبَّاسُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ما ينقِمُ ابن جَميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسولُه؟، وأما خالدٌ فإنكم تَظلِمُونَ خالداً، قد احتبسَ أَدراعَهُ وأَعتُدَه في سبيلِ الله، وأما العبَّاسُ فهي عليَّ ومثلُها معها"، ثم قال:"يا عمرُ، أَمَا شَعرتَ أن عمَّ الرجلِ صِنْوُ أبيه".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عمر رضي الله عنه على الصدقة"؛ أي: بعثه لأخذ الزكاة من أرباب الأموال.

"فقيل"؛ أي: فجاء أحدٌ إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال: "منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس": وهو عباس بن عبد المطلب عم رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ أي: منع هؤلاء الثلاثة الزكاة؛ أي: لم يؤدوها.

ص: 403

"فقال رسول الله صلى الله لعالرو عليه وسلم: ما ينقَم": بفتح القاف وكسرها؛ أي: ما يغضب.

"ابن جميل": على طالب الصدقة.

"إلا": كفران هذه النعمة، وهي "أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله": أسند صلى الله عليه وسلم الإغناء إلى نفسه أيضاً؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان سبباً لدخوله في الإسلام ووجدان الغنيمة.

وهذا مذمةٌ منه عليه الصلاة والسلام لابن جميل حيث قابل شكر نعمة الله عليه بالكفران.

"وأما خالد؛ فإنكم تظلمون خالداً": بمطالبتكم إياه ما لا يلزمه، وحاله فإنه "قد احتبس أدراعه": جمع درع.

"وأعتده": جمع عَتاد - بالفتح - وهو: ما يُعدُّ من الدواب وآلة الحرب؛ أي: جعلها وقفاً.

"في سبيل الله": فلا يلزمه في ذلك زكاة، وهذا اعتذارٌ منه عليه الصلاة والسلام لخالد.

وفيه دليل على جواز احتباس آلات الحرب حتى الخيل والإبل والثياب والبسط، وعلى جواز وقف المنقولات، كما قال به محمد، وعلى أنه يصح من غير إخراجه من يد الواقف.

"وأما العباس؛ فهي عليَّ ومثلها معها": قيل: هذا إنشاء في التزام الزكاة عن العباس بأن يكون النبي عليه الصلاة والسلام أخَّر صدقة العام المتقدم عنه إلى وقت يساره؛ لحاجته إليه، والتزم صلى الله عليه وسلم إعطاءَ صدقة العام الذي طُولِب فيه والعام الذي قبله.

"ثم قال عليه الصلاة والسلام: يا عمر! أما شعرت"؛ أي: أما علمت؟

ص: 404

الهمزة للاستفهام و (ما) للنفي.

"أن عمَّ الرجل صنوُ أبيه"؛ أي: مثله، وهذا يؤيد معنى الإنشاء؛ لأنه وقع موقع التعليل لقوله صلى الله عليه وسلم:"فهي علي".

وقيل: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "فهي علي" إخبار عما مضى، وهو أنه صلى الله تعالى عليه وسلم استسلف منه صدقة عامين؛ لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال:"إنا تسلَّفنا من العباس صدقةَ عامين".

وروي: "إنا تعجَّلنا"، ففيه دليل على جواز تعجيل الصدقة قبل محلِّها.

1250 -

وعن أبي حمَيد السَّاعِدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأَزْد يقال له: ابن اللُّتْبيَّةِ على الصدقةِ، فلمَّا قَدِمَ قال: هذا لكم وهذا أُهديَ لي، فخطبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فحمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال:"أمَّا بعدُ، فإنِّي أَستعملُ رجالاً منكم على أُمورٍ ممَّا ولَاّني الله، فيأتي أحدُهم فيقولُ: هذا لكم، وهذه هديةٌ أُهديتْ لي، فهلَاّ جلسَ في بيتِ أبيهِ أو بيتِ أمه فينظرَ أيُهدى له أم لا؟، والذي نفسي بيده لا يأخذُ أَحدٌ منه شيئاً إلا جاءَ به يومَ القيامةِ يحملُهُ على رقبَتِهِ، إنْ كان بَعيراً له رُغاءٌ، أو بقَرةً لها خُوارٌ، أو شاةً تَيْعَرُ"، ثم رفَعَ يديه حتى رأَينا عُفْرَةَ إبطَيهِ فقال:"اللهم هل بَلَّغتُ؟ "، ثلاثًا.

"وعن أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: استعمل النبي عليه الصلاة والسلام رجلاً من الأَزد": بفتح الهمزة: قبيلة من بطون قحطان.

"يقال له: ابن اللُّتبية": اسمه عبد الله، ينسب إلى أمه ولم يُعرَف اسمها، و (اللُّتب) بالضم: بطن من العرب؛ أي: جعله عاملاً "على الصدقة، فلما قدم قال"؛ أي: الرجل لبعض ما معه من المال: "هذا لكم، وهذا أُهدي لي"؛ أي:

ص: 405

أعطانيه القوم هديةً.

"فخطب النبي عليه الصلاة والسلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاني الله"؛ أي: جعلني فيه حاكماً.

"فيأتي أحدهم فيقول: هذا لكم، وهذه هدية أُهديت لي، فهلا جلس"؛ أي: لِم لَم يجلس "في بيت أبيه أو بيت أمه فينظرَ": - بالنصب - جواباً لقوله: (فهلا جلس).

"أيهدى له أم لا"؛ يعني: لا يجوز للعامل أن يقبل هدية؛ لأنه لا يعطيه أحد شيئا إلا لطمع أن يترك بعض زكاته، وهذا غير جائز.

"والذي نفسي بيده! لا يأخذ أحدٌ منه"؛ أي: لا يسرق أحد من مال الزكاة "شيئاً، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان"؛ أي: المأخوذ "بعيراً له رُغاء" بضم الراء: صوت البعير.

"أو بقرة لها خُوار" بضم الخاء: صوت البقرة.

"أو شاة تيعر"؛ أي: تصيح؛ ليعلم أهل العرصات؛ ليكون أشهر في فضيحته.

"ثم رفع صلى الله عليه وسلم يديه حتى رأينا عُفرة إبطيه": بياض ليس بخالص أراد به: منبت الشعر من الإبطين؛ لمخالطة بياض الجلد سواد الشعر.

"فقال: اللهم هل بلغت؟ "؛ أي: ما أمرتني بتبليغه أو حكم السرقة.

"اللهم هل بلغت؟ ثلاثاً" كرر ذلك حجة عليهم، وتعظيماً لأمر السرقة، وحفظاً لهم في خواطرهم.

ص: 406

1251 -

وقال: "مَن استعمَلْنَاهُ منكم على عمَلٍ، فَكَتَمَنا مَخِيطاً فما فوقَه؛ كانَ غُلُولاً يأتي به يومَ القيامةِ".

"عن عدي بن عمير أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استعملناه منكم"؛ أي: جعلناه عاملاً على عمل.

"فكتمنا"؛ أي أخفى عنا.

"مِخيطًا" بكسر الميم: الإبرة.

"فما فوقه"؛ أي: شيئاً فوق الإبرة في الصغر.

"كان" ذلك الكتمانُ "غُلولاً"؛ أي خيانة.

"يأتي به"؛ أي: بما غلَّ.

"يوم القيامة": تفضيحاً له، وتعذيباً عليه، قال تعالى:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161].

وفي الحديث: تحريضٌ للعمال، على الأمانة وتحذير من الخيانة وإن كانت في شيء قليل.

مِنَ الحِسَان:

1252 -

عن ابن عباس أنه قال: لمَّا نزلتْ هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] كَبُرَ ذلكَ على المسلمين فقالوا: يا نبيَّ الله، إنه كَبُرَ على أصحابكَ هذه الآية، فقال:"إنَّه ما فرضَ الزكاةَ إلا ليُطَيِّبَ ما بقيَ من أموالِكم"، فكبَّر عمرُ، ثم قال:"أنه أُخبرُكم بخيرِ ما يَكْنِزُ المرءُ؟ المرأةُ الصالحةُ، إذا نظرَ إليها تَسُرُّه، وإذا أمرَها أطاعَتْهُ، وإذا غَابَ عنها حَفِظَتْهُ".

ص: 407

"من الحسان":

" عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] كبُر": بضم الباء؛ أي: شق وعظم.

"ذلك على المسلمين"؛ لأنهم حسبوا أنها تمنع جمع المال وضبطه؛ قل أو كثر.

"فقالوا: يا نبي الله! إنه كبر على أصحابك هذه الآية"، فأشار عليه الصلاة والسلام إلى أن المراد بالكنز: الامتناع عن أداء الواجب، لا الجمع والضبط مطلقاً.

"فقال: إنه ما فرض الزكاة إلا ليطيب"؛ أي: ليطهرَ "ما بقي من أموالكم"؛ فإن من أدى ما وجب عليه من الزكاة فلا حرجَ في اقتناء ما بقي منها.

"فَكَبَّر": بفتحات وتشديد الباء؛ أي: استبشر "عمر" برفع الإشكال وعدم الحرج المظنون في اقتناء الأموال إذا زكت؛ إذ الطباعُ رُكِز فيها حبُّ اقتنائها.

وقال عمر: ما أُدِّي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما لم يؤدَّ زكاته فهو الذي ذكر الله وإن كان على وجه الأرض.

"ثم قال"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى استبشارهم بذلك: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة" فإنها خير ما يدخره الرجل؛ لأن النفع فيها أكثر؛ لأنه "إذا نظر إليها سرته"؛ لحسنها وجمالها، ويحصل له منها تلذذ وكسر الشهوة ودفع الزنا، قال النبي عليه الصلاة والسلام:"من تزوج فقد حصّن ثلثي دينه".

"وإذا أمرها" بأمر "أطاعته"، وخدمته.

"وإذا غاب عنها حفظته"؛ أي: حفظت حقَّ زوجها من بُضعها، وإنعامه عليها، وكذا بيت زوجها وماله وأولاده، فهذه منافع كثيره ديناً ودنيا لا تحصل

ص: 408

من كنز غيرها، ولكن مثل هذه قليلة في زماننا.

1253 -

وقال: "سَيأتيكُم ركبٌ مُبَغَّضونَ، فإذا جاؤوكم فرحِّبوا بهم، فَخلُّوا بينَهم وبينَ ما يَبتغُون! فإنْ عَدَلُوا فلأِنفُسِهِم، وإنْ ظَلَمُوا فعليها، فأرضُوهم، فإنَّ تَمامَ زكاتِكم رِضاهُم، ولْيَدعوا لكُم".

وفي روايةٍ: "أَرضُوا مُصَدِّقيكم"، قالوا: وإنْ ظلَمُونا يا رسولَ الله؟، قال:"أرضوا مصَدِّقيكم وإنْ ظُلِمتُم".

"عن جابر بن عَتيكٍ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: سيأتيكم ركب": جمع راكب.

"مُبغَّضون": بفتح الغين المثقلة، المراد بهم: عمَّال الزكاة وسعاتها، سماهم بذلك لما في النفس من حبِّ المال وكراهة مفارقته، فهم مبغضون طبعاً لا شرعاً إن عدلوا، وإلا فمبغضون طبعاً وشرعاً.

والمراد به: أن بعض العمال قد يكونون سيئي الخلق متكبرين، فأمرهم صلى الله عليه وسلم بالصبر على سوء خلقهم، وبالترحيب بهم (1) وتعظيمهم بقوله:"فإذا جاؤكم فرحبوا بهم"؛ أي: قولوا لهم: مرحباً وأهلاً.

"وخلُّوا بينهم وبين ما يبتغون"؛ أي: يطلبون، يعني: لا تمنعوهم وإن ظلموكم؛ لأن مخالفتهم مخالفة السلطان.

"فإن عدلوا": في أخذ الزكاة، "فلأنفسهم"؛ أي: فلهم الثواب.

"وإن ظلموا": بأن أخذوا الزكاة أكثر مما وجب عَليكم، "فعليها"؛ أي:

(1) في "ت" و"غ": " وبترحيبهم".

ص: 409

فعلى أنفسهم إثمُ ذلك الظلم، ولكم الثواب بتحمل ظلمهم.

"فأرضوهم؛ فإنَّ تمامَ زكاتكم رضاهم، ولْيَدعُوا"؛ أي السعاة لكم بالخير عند إرضائكم بإيفاء الزكاة.

"وفي رواية: أرضوا مصدقيكم، قالوا: يا رسول الله! وإن ظلمونا؟ قال: أرضوا مصدقيكم وإن ظُلِمتم".

1254 -

وقال بشيرُ بن الخَصَاصِية: قُلنا: إنَّ أهلَ الصدقةِ يعتدونَ علينا، أفنَكْتُم مِن أموالِنا بقدرِ ما يعتَدون علينا؟، فقال:"لا".

"وقال بشير بن الخَصَاصيّة": وهي أم بشير، منسوبة إلى خصاصة: حي من الأزد.

"قلنا للنبي عليه الصلاة والسلام: إن أهل الصدقة يعتدون علينا"؛ أي: يجاوزون الحد؛ يعني: يأخذون أكثر مما يجب علينا.

"أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا، فقال: لا": وإنما لم يرخِّص لهم في ذلك؛ لأن كتمان بعض المال خيانة ومكر، ولأنه لو رخَّص لربما كتم بعضهم على عامل غير ظالم.

1255 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العاملُ على الصدقةِ بالحقِّ، كالغازي في سبيلِ الله حتى يرجعَ إلى بيتِهِ".

"عن رافع بن خَديج أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: العاملُ على الصدقة بالحق"؛ أي: العامل الذي لم يظلمُ أربابَ الأموال ولا يخون.

ص: 410

"كالغازي في سبيل الله": في الثواب، "حتى يرجعَ إلى بيته".

1256 -

وقال: "لا جَلَبَ، ولا جَنَب، ولا تُؤخَذ صدقاتُهم إلا في دُورِهم".

"وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا جَلَب": (الجَلَب): نزول العامل موضعاً بعيداً من أرباب الأموال، ويأمرهم أن يجمعوا مواشيهم عنده؛ ليأخذ زكاتهم، نُهي عن ذلك؛ لما فيه من المشقة عليه.

"ولا جَنَب": (الجَنَب): التباعد، نُهي أرباب الأموال أن يبعدوا من مواضعهم المعهودة بحيث تكون مشقة على العامل في إتيانهم.

"ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم"؛ أي: في منازلهم.

1257 -

وعن ابن عمر: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن استفادَ مالاً فلا زكاةَ فيهِ حتى يَحولَ عليهِ الحَولُ"، والوقْف على ابن عمرَ أَصحُّ.

"وعن ابن عمر، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من استفاد مالاً فلا زكاةَ فيه حتى يحول عليه الحول"؛ يعني: من وجد مالاً وعنده نصابٌ من ذلك الجنس، مثل أن يكون له ثمانون شاة، ومضى عليها ستة أشهر، ثم حصل له واحد وأربعون شاة بالشّراء أو بالإرث أو غير ذلك، لا تجب عليه للأحد والأربعين حتى يتمَّ حولها من وقت الشراء أو الإرث؛ لأن المستفادَ لا يكون تبعاً للمال الموجود في ملكه، وبه قال الشافعي وأحمد.

ص: 411

وعند أبي حنيفة ومالك: يكون المستفاد تبعاً له، فإذا لمَّ حول الثمانين، وجب الشاتان، كما أن النتاج تبعٌ للأمهات.

"والوقف على ابن عمر أصح"؛ يعني: أن بعضهم يرويه عن ابن عمر، ولا يقول ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح.

1258 -

وعن عليٍّ رضي الله عنه قال: سألَ العبَّاسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في تعجيلِ صدَقتِه قبلَ أن تَحِلَّ، فرخَّصَ له في ذلك.

"عن علي رضي الله عنه أنه قال: سأل العباسُ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل"؛ أي: يصير حالاً بمضي الحول.

"فرخَّص له في ذلك": وهذا يدل على جواز تعجيل الصدقة بعد النصاب قبل تمام الحول.

1259 -

عن عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ وَلِيَ يتيماً له مالٌ فَلْيتَّجر فيهِ، ولا يَتركْه حتى تأكلَه الصَّدَقَة"، ضعيف.

"وعن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من وَلِي" بفتح الواو وكسر اللام "يتيماً له مالٌ فليتَّجر فيه، ولا يتركه حتى تأكله الصدقةُ"؛ أي: يأخذ الزكاة منها، فينقص شيئاً فشيئاً، وهذا يدل عليه وجوب الزكاة في مال الصبي، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وعند أبي حنيفة: لا زكاة فيه.

"ضعيف": قيل: ضعفه من جهة أنه يرويه ابن الصبَّاح، عن عمرو بن

ص: 412