الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجوز أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك في الحلة؛ لأنها كانت يومئذٍ أيسرَ عليهم.
"وخير الأضحية الكبش الأقرن"، لأنه أعظم جثة وسمناً في الغالب.
* * *
1166 -
عن ابن عباس قال: أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِقَتْلَى أُحُد أن يُنزعَ عنهم الحديدُ والجُلودُ، وأن يُدفَنُوا بدمائهم وثيابهم.
"وعن ابن عباس أنه قال: أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقتلى أحد": جمع القتيل.
"أن يُنزَعَ عنهم الحديد": المراد به: السلاح والدرع.
"والجلود": المراد منها ما كان معهم من الغِراءِ والكِساء الغير المتلطِّخة بالدم.
"وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم": المتلطخة بالدم.
* * *
5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها
(باب المشي بالجنازة والصلاة عليها)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1167 -
قال رسول صلى الله عليه وسلم قال: "أَسرِعوا بالجنازَةِ، فإن تَكُ صالحة فخيرٌ تقدمونَها إليه، وإن تكنْ سوى ذلك فشرٌّ تضعونَه عن رقابكم".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أسرعوا بالجنازة؛ فإن تك"؛ أي: الجنازة، أراد بها: الميت.
"صالحة، فخيرٌ تقدمونها إليه"؛ يعني: إن كان حال ذلك الميت حسنًا طيبًا، فأسرعوا به حتى يصلَ إلى تلك الحالة الطيبة عن قريب.
"وإن تك سوى ذلك، فشرٌّ تضعونه عن رقابكم".
* * *
1168 -
وقال: "إذا وُضعَتْ الجنازَةُ فاحتمَلَهَا الرجالُ على أعناقِهم؛ فإن كانتْ صالحةً قالت: قدِّموني، وإن كانت غيرَ صالحةٍ قالت لأهلها: يا ويلها، أين تذهبون بها!، يسمعُ صوتَها كل شيءٍ إلا الإنسان، ولو سَمعَ الإنسان لصَعِقَ"، يرويه أبو سعيد الخُدري.
"عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا وضعت الجنازة، فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدِّموني"؛ أي: أسرعوا إلى منزلي؛ لما يرى من حسنه.
"وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها، أين تذهبون بها؟ ": لأنها ترى منزلها، وحالها غير حسن، وهذا الكلام إما الحقيقة فإنه تعالى قادر، وهو كإحيائه في القبر ليسأل، أو المجاز باعتبار ما يؤول إليه بعد الإدخال.
"يسمعُ صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسات لصعق"؛ أي: مات، أو أغمي عليه.
* * *
1169 -
وعنه أيضًا قال: "إذا رأيتم الجنازَة فقدمُوا، فمن تَبعَها فلا يقعدْ حتى تُوضعَ".
"وعنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا": أمر بالقيام عند رؤيتها؛ لإظهار الفزع والخوف عن نفسه، فإنه أمر عظيم، ومن لم يقم، فهو علامة غلظ قلبه وعظم غفلته، فالمراد بالقيام: تغييرُ الحال في قلبه وظاهره، لا حقيقتُهُ.
"فمن تبعها، حلا يقعد حتى توضع"؛ أي: الجنازة عن أعناق الرجال، وقيل: في اللحد، وهذا النهي لاستيفاء أجر التشييع على وجه الكمال.
* * *
1170 -
وقال: "إنَّ الموتَ فَزَعٌ، فإذا رأيتُم الجَنازَة فقُوموا" برويه جابر.
"وعن جابر أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن الموت فزع"؛ أي: ذو فزع وصف به للمبالغة والتأكيد.
"فإذا رأيتم الجنازة فقدموا".
* * *
1171 -
وروي عن علي رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقومُ للجنازةِ، ثم يَقعدُ بعدَه".
"ورُوي عن علي رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقوم للجنازة، ثم يقعد بعد"؛ أي: يقوم إذا رآها، ثم يقعد بعد مرورها؛ ليعلم الناس أن اتباعها غير واجب، بل مستحب، أو كان يقوم لها مدة، ثم تركه،
فيكون نسخًا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر بالقيام.
كذا قيل، والمختار: أنه غير منسوخ، فيكون الأمر بالقيام للندب، وقعوده عليه الصلاة والسلام لبيان الجواز؛ لعدم تعذر الجمع.
* * *
1172 -
قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ تَبعَ جنازةَ مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان مَعها حتى يُصلَّى عليها ويُفْرَغَ من دَفْنِها، فإنه يَرْجِعُ من الأجرِ بقيراطيْنِ، كلُّ قيراطٍ مثل أُحُدٍ، ومن صلَّى عليها ثم رجعَ قبلَ أن تُدْفَنَ فإنه يرجعُ بقِيْراطٍ".
"وكان أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من اتبع جنازة مسلم إيمانًا" بالله ورسوله، لا للرياء ولتطييب قلب أحد.
"واحتساباً"؛ أي: طلبًا للثواب من الله.
"وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغَ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين": القيراط قيل: نصف دانق، وقيل: نصف عُشْر دينار في الأكثر، وعند أهل الشام: جزءٌ عن أربعة وعشرين، وقد يطلق على بعض الشيء، كما هو ها هنا؛ يعني: يرجع بحصتين من جنس الأجر.
"كل قيراط مثل أُحُد"؛ أي: لو صُوِّر جسمًا يكون مثل جبل أحد.
"ومن صلى عليها، ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط".
* * *
1173 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ على نعَى للناس النَّجاشِي اليومَ الذي ماتَ فيهِ، وخرجَ النبي صلى الله عليه وسلم بهم إلى المُصَلَّى، فصَفَّ بهم وكبَّر أربَعَ تكبيرات.
"عن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام نعى للناس النجاشيَّ"؛ أي: أخبرهم بموته "اليوم الذيَ مات فيه"، والنجاشي كان مسلمًا يكتم إسلامه من قومه الكفار، وذلك معجزة منه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان بينهما مسيرة شهر.
"وخرج بهم إلى المصلى، فصفَّ بهم، وكبَّر أربع تكبيرات": ذهب الشافعي إلى جواز الصلاة على الغائب بهذا، وعند أبي حنيفة: لا يجوز، قلنا: يحتمل أن يكون حاضرًا؛ لأنه تعالى قادرٌ على أن يحضره.
* * *
1174 -
ورُوي: أن زيدَ بن أرقَم كبَّر على جنازة خمسًا، وقال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكَبرُها.
"وروي: أن زيدًا": والمراد به: زيد بن أرقم.
"كبَّر على جنازة خمسًا، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها": وبه قال حذيفة، ولم يعمل به واحد من الأئمة، لكن لو كبر خمسًا لم تبطل صلاته على الأصح.
* * *
1175 -
وروي: أَنَّ ابن عباس رضي الله عنهما صلى على جنازة فقرأَ فاتِحَةَ الكتابِ فقال: لِتَعْلموا أنها سُنَّة.
"وروي: أن ابن عباس رضي الله عنهما صلى على جنازة، فقرأ فاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنها"؛ أي: قراءة الفاتحة.
"سنة"؛ أي طريقة مروية عنه عليه الصلاة والسلام، وهي المقابلة للبدعة.
والمراد منه: أنه متبعٌ لفعل النبي عليه الصلاة والسلام، لا أن قراءتها بعد
التكبيرة الأولى فريضة، كما قال الشافعي وأحمد.
* * *
1176 -
وقال عوف بن مالك: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازةٍ فحَفظتُ من دُعائه، وهو يقول:"اللهم اغفرْ له، وارحمْه، وعافهِ واعف عنه، وأكَرِمْ نزلَهُ، ووسِّع مُدْخَلَهُ، واغسلْه بالماء والثلج والبَرَدِ، ونقِّه من الخطايا كما نَقَّيتَ الثوبَ الأبيضَ من الدَّنسِ، وأبدِلْه دارًا خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهلِه، وزوجًا خيراً من زَوجه، وأدَخِلْه الجنةَ، وقِهِ فِتْنةَ القَبرِ وعذابَ النارِ" حتى تمنيت أن أكون ذلكَ الميتَ.
"وقال عوف بن مالك: صلَّى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على جنازة، فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه": أمر من (المعافاة)؛ أي: خلِّصه من المكاره.
"واعف عنه، وأكرم نُزله": بضم النون وسكون الزاي وضمها، والضم أفصح، وهو: ما يهيئ للضيف من الطعام؛ أي: أحسن نصيبه من الجنة.
"ووسعْ مدخله"؛ أي: قبره.
"واغسله بالماء والثلج والبرد"؛ أي: طهره من الذنوب بأنواع المغفرة، كما أن هذه الأشياء أنواع المطهوات من الدنس.
"ونقِّه من الخطايا، كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيراً من داره، وأهلاً خيرًا من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وَقِهِ فتنة القبر"؛ أي: احفظه من فتنته، أراد بها: التحير في جواب منكر ونكير.
"وعذاب النار"، وقال عوف:"حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت"، وهذا يدل على أن الدعاء على الميت سنة.
* * *
1177 -
وقالت عائشة رضي الله عنها: صلَّى رسولُ الله بمكة على ابني بَيْضاءَ في المسجدِ، سُهيلٍ وأخيهِ.
"وقالت عائشة رضي الله عنها: صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد": نُسِبا إلى أمهما، واسمها: دعْد بنت الحزم، وقيل: بنت الجَحْدَم.
"سهيل وأخيه": اسمه سهل، قيل: ماتا سنة تسع، فعند الشافعي: يجوز الصلاة على الميت في المسجد، وقال أبو حنيفة: تكره.
* * *
1178 -
وقال سَمرَة بن جُندَبٍ: صلَّيتُ وراءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عَلى امرأةٍ ماتتْ في نِفاسِها، فقامَ وسَطَها.
"وقال سمرة بن جندب: صلَّيت وراء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على امرأة ماتت في نِفاسها، فكتام النبي عليه الصلاة والسلام وسطها": بسكون السين، فالسنة أن يقف الإمام وسط المرأة، كأنه ستر كفلها عن القوم.
* * *
1179 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبْرٍ دُفِنَ ليلاً فقال: "متى دُفِنَ هذا؟ "، قالوا: البارحةَ، قال:"أفلا آذَنتمُوني؟ "، قالوا: دفنَّاه في ظُلمةِ الليلِ، فكرهْنا أن نوقِظَكَ، فقامَ فَصَفَفْنَا خلفَهُ، فصلَّى عليه.
"عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مرَّ بقبر دفن ليلاً، فقال: متى دُفن هذا؟ فقالوا: البارحة"؛ أي: الليلة الماضية.
"فقال: أفلا آذنتموني؟ قالوا: دفناه في ظلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك،
فقام فصففنا خلفه، فصلَّى عليه": وهذا يدل على أن الدفن في الليل جائز؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينكر عليهم، وعلى أن الصلاة على القبر جائزة.
* * *
1180 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أسودَ كان يكون في المسجد يَقُمُّ المسجدَ، فماتَ فأَتى - يعني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبرَهُ فصلَّى عليه، ثم قال:"إنَّ هذه القبورَ مَمْلُوءةٌ ظُلمةً على أهلِها، وإنَّ الله يُنَوِّرُهَا لهم بصلاتي عليهم".
"وعن أبي هريرة: أن أسود": يريد: واحدًا من سودان العرب، وقيل: اسم رجل.
"كان يكون في المسجد يقُمُّ": بضم القاف وتشديد الميم؛ أي: يكنسه، والقُمامة: الكناسة.
"فمات، فأتى - يعني: رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم - قبره، فصلى عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن هذه القبور": المشار إليها القبور التي يمكن أن يصلي النبي عليه الصلاة والسلام عليها.
"مملوءةٌ ظُلمةً على أهلها، وإن الله ينوِّرها لهم بصلاتي عليهم": وبهذا ذهب الشافعي إلى جواز تكرار الصلاة على الميت.
قلنا: صلاته صلى الله عليه وسلم كانت لتنوير القبر، وذا لا يوجد في صلاة غيره، فلا يكون التكرار مشروعاً فيها؛ لأن الفرض منها يؤدَّى بمرة.
* * *
1181 -
وقال: "ما من مسلم يموتُ فيقومُ على جنازتهِ أربعونَ رجلًا لا يُشركونَ بالله شيئًا إلا شَفَّعَهم الله فيه".
"وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما من مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون باللهِ شيئًا، إلا شفَّعهم الله فيه"؛ أي: قَبلَ شفاعتهم في ذلك الميت.
* * *
1182 -
وقال: "ما من ميتٍ تُصلي عليهِ أُمَّة من المسلمين يبلغونَ مائةً، كلُّهم يشفعونَ له إلا شُفِّعُوا فيه".
"وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما من ميت تصلي عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مئة، كلهم يشفعون له، إلا شُفِّعوا فيه": علي بناء المجهول؛ أي: قُبلت شفاعتهم في ذلك الميت، والطريق في مثل الأربعين والمئة: أن يكون أقل العدد متأخرًا عن أكثر؛ لأن الله تعالى إذا ومحمد المغفرة لمعنى، لم يكنْ من سنته أن ينقص من الفضل الموعود بعد ذلك، بل يزيد عليه تفضلاً منه على عباده.
* * *
1183 -
وقال أنس رضي الله عنه: مَرُّوا بجنازةٍ فأَثْنَوا عليها خيراً، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"وَجَبَتْ"، ثم مَرُّوا بأُخرى فأَثْنَوا عليها كثراً فقال:"وَجَبَتْ"، فقالَ عمرُ: ما وَجَبَتْ؟، قال:"هذا أَثْنَيْتُم عليهِ خيراً فوجبتْ له الجنةُ، وهذا أثنيتُم عليه شراً فوجبت له النارُ، أنتم شُهداءُ الله في الأرض".
وفي روايةٍ: "المؤمنونَ شهداء الله في الأرضِ".
"وقال أنس: مروا"؛ أي: الصحابة "بجنازة فأَثنوا عليها خيراً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: وجبت، ثم مروا بأخرى فأَثْنوا عليها شراً، فقال: وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له
الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار": والثناء بالخير والشر غيرُ موجب لجنة ولا نار، بل ذلك علامة كونه من أهلهما.
وأما جزمه عليه الصلاة والسلام للأول بالجنة، وللثاني بالنار؛ فبإطلاعه تعالى عليه.
وقيل: إن كل مؤمن مات فألهم الله الناسَ الثناءَ عليه، كان ذلك دليلاً على أنه من أهل الجنة، وأن الله تعالى شاء مغفرته، وإلا لم يكن للثناء فائدة.
يؤيده ما روي: أنه عليه الصلاة والسلام قال حين أثنوا على جنازة: "جاء جبرائيل وقال: يا محمَّد! إن صاحبكم ليس كما يقولون: إنه كان يعلن كذا، ويُسرُّ كذا، ولكن الله صدَّقهم فيما يقولون، وغفر له ما لا يعلمون".
"أنتم شهداء الله في الأرض": وإضافة الشهداء إلى الله للتشريف، ومشعرة بأنهم عند الله بمنزلةٍ في قبول شهادتهم.
"وفي رواية: المؤمنون شهداء الله في الأرض".
* * *
1184 -
وقال عمر رضي الله عنه: عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أيُّما مسلم شَهِدَ له أربعةٌ بخيرٍ أَدخلهُ الله الجنةَ" قلنا: وثلاثةٌ: قال: "وثلاثة"، قلنا: واثنان؟ قال: "واثنانِ"، ثم لم نسألْه عن الواحدِ.
"وقال عمر رضي الله عنه: قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أيُّما مسلم شهد له أربعة بخيرٍ، أدخله الله الجنة": بفضله وبسبب خيره وصلاحه، وربما يكون له ذنب، فيغفر الله ذنبه، ويدخله الجنة؛ لتصديق ظنِّ المؤمنين في كونه صالحًا.
"قلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، قلنا: واثنان؟ قال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد": قيل: يحتمل أن يريد بشهادتهم: صلاتهم عليه ودعائهم وشفاعتهم
له، فيقبل الله ذلك.
* * *
1185 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبوا الأَمواتَ، فإنهم قد أَفْضَوا إلى ما قَدَّموا".
"عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضَوا إلى ما قدَّموا"؛ أي: وصلوا إلى جزاء ما عملوا، وأما ثناء الشر في الحديث المتقدم فيحتمل أن يكون قبل ورود النهي، أو النهي في شأن غير الكفرة؛ المنافقين والمظاهرين بفسق وبدعة، وأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بالشر بعد موتهم؛ تحذيرًا من طرائقهم والتخلق بأخلاقهم.
* * *
1186 -
وعن جابر رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كانَ يجمعُ بين الرَّجُلينِ مِنْ قتلى أُحُدٍ في ثوبٌ واحدٍ، ثم يقولُ:"أيُّهم أكثرُ أخذاً للقرآن؟ "، فإذا أُشيرَ له إلى أحدٍ قَدَّمَهُ في اللَّحدِ، وقال:"أنا شهيدٌ على هؤلاء يومَ القيامةِ"، وأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بدمائِهم، ولم يصل عليهم ولم يُغسلوا.
"وعن جابر رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحُدٍ في ثوب": يريد به: قبرًا واحداً؛ لا أنها مجردان عن الثياب بحيث تلاقي بشرة أحدهما بشرة الآخر، فإنه غير جائز، بل كان على كل منهما ثيابه، ولكن أضجع كلًا منهما بجنب الآخر في قبر واحد.
"ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدٍ قدَّمه في اللحد"؛ أي: جانب القبلة.
"وقال: أنا شهيد على هؤلاء"؛ أي: أشهد لهم "يوم القيامة"؛ فإنهم بذلوا أرواحهم في سبيل الله تعالى، وقيل: تعدية شهيد بـ (على) لتضمينه معنى: رقيب وحفيظ؛ أي: أنا حفيظ عليهم، أراقب أحوالهم، وأصونهم من المكاره، شفيع لهم.
"وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلِّ عليهم، ولم يغسلوا": يدل على أن الشهداء لا يغسلون، ولا يصلى عليهم، وبه قال الشافعي، وعند أبي حنيفة: يصلى عليهم.
* * *
1187 -
قال جابر بن سَمُرَة رضي الله عنه: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بفرسٍ مُعْرَوْرًى فركبه حين انصرفَ من جنازةِ ابن الدَّحْدَاحِ ونحنُ نمشي حوله.
"وقال جابر بن سَمُرة: أُتِيَ النبي عليه الصلاة والسلام" بصيغة المجهول "بفرس مُعْرَوْرًى"؛ أي: مجرد عن السرج والأداة.
"فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدَّحْداح، ونحن نمشي حوله": يدل على جواز الركوب عند الانصراف من الجنازة.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1188 -
عن المُغيرة بن زياد رضي الله عنه يقال: إنه رفعَهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "الراكبُ يسيرُ خلفَ الجنازةِ، والماشي يمشي خلفَها وأمامَها، وعن يمينِها وعن يسارِها قريبًا منها، والسِّقْط يُصلَّى عليه ويُدْعَى لوالدَيْهِ بالمغفرةِ والرحمةِ".
"من الحسان":
" عن المغيرة بن شعبة: أنه رفعه"؛ أي: المغيرة الحديثَ "إلى النبي
- عليه الصلاة والسلام قال: الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها ويسارها قريباً منها، والسقط يصلى عليه": وهذا مذهب الشافعي، وعند أبي حنيفة: إن استهلَّ حين انفصل عن أمه يصلَّى عليه، وإلا فلا.
وقال أحمد: إن كان له أربعة أشهر وعشرًا في البطن، ونفخ فيه الروح، يصلَّى عليه.
"ويُدعَى لوالديه بالمغفرة والرحمة".
* * *
1189 -
عن الزُّهري، عن سالم، عن أبيه قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ يمشونَ أمامَ الجنازةِ. ورواه بعضهم مرسلاً.
"عن الزهريّ، عن سالم، عن أبيه" عبد الله بن عمر "قال: رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه ويلم وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة": وهذا يدل على أن المشي قُدامها أفضل، وبه قال الشافعي، وذلك لأن الماشين معها شفاء إلى الله، والشفيعُ يمشي قُدَّام المشفوعِ له.
"ورواه بعضهم مرسلاً"؛ أني: يشير إسناده بقوي.
* * *
1190 -
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الجَنازةُ متبوعة، ولا تَتْبَعُ"، وإسناده مجهول.
"وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام: الجنازة متبوعة"؛ يعني: يُمشى خلفها.
"ولا تتبعُ"؛ أي: الجنازةُ الناسَ، وبه قال أبو حنيفة، والحكمة في ذلك: لينظر الناس إليها، فينتبهوا عن نوم الغفلة، ويعتبروا بها.
"إسناده مجهول".
* * *
1191 -
وقال: "مَنْ تَبعَ جَنازَةً وحَمَلَها ثلاثَ مراتٍ فقد قَضَى ما عليهِ من حَقِّها"، غريب.
"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من تبع جنازة وحَمَلَها"؛ يعني: يعاونُ الحاملين في الطريق، ثم ينزلها ليستريح، ثم يحملها في بعض الطريق، يفعل ذلك "ثلاث مرات، فقد قضى ما عليه من حقها": من جهة المعاونة، لا من دَينٍ وغِيبةٍ ونحوهما.
"غريب".
* * *
1192 -
وروي: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حملَ جنازَة سَعْدِ بن مُعاذٍ بين العَمُودَين.
"وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام حمل جنازةَ سعدِ بن معاذ بين العمودين": بأن يحملها ثلاثة، يقف أحدهم قُدَّامها بين العمودين، واثنان خلفها، يضع كلّ واحد منهما عموداً على عاتقه، وهذا عند حملها من الأرض، ثم لا بأسَ بأن يعاونهم من شاء كيف شاء، وبهذا قال الشافعي، وعند أبي حنيفة التربيع أفضل، وهو: أن يحملها أربعة بأن يأخذ كل واحد عموداً.
* * *
1193 -
وروي عن ثَوبانَ أنه قال: خرجنا معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جنازةٍ، فرأى
ناساً، ركبانًا فقال:"ألا تستَحْيُون؟، إنَّ ملائكةَ الله على أقدامِهم وأنتم على ظُهورِ الدوابِّ" ووقفه بعضهم على ثَوبان.
"وروي عن ثوبان أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في جنازة، فرأى ناسًا رُكباناً، فقال: ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله على أقدامهم، وأنتم على ظهور الدواب": فالمشي ركبانًا خلف الجنازة مكروه؛ لأنه تنعمٌ وتلذذٌ، وهذا غير لائقٍ في مثل هذه الحالة، إلا إذا كان الشخص ضعيفًا.
"ووقفه بعضهم على ثوبان".
* * *
1194 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ على الجنازةِ بفاتِحَةِ الكتابِ.
"وعن ابن عباس: أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب": وبه قال (1) الشافعي.
1195 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا صلَّيتم على الميت فأخلصوا له الدعاء".
"وعن أبي هريرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إذا صلَّيتم على الميت فأخلصوا له الدعاء"؛ أي: ادعوا دعاء بالاعتقاد.
1196 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى على جنازةِ قال: "اللهم اغفر لِحَينا ومَيتِنَا، وشاهِدنا وغائِبنا، وصغيرِنا وكبيرِنا، وذكرِنا وأُنثانا، اللهم مَن أحييتَه منا فأَحْيهِ على الإِسلام، ومن توفيتَه منا فتوفَّه
(1) في "م": "إليه ذهب".
على الإيمان" اللهم لا تحرِمْنا أجرَهُ، ولا تَفتِنا بعدَه واغفر لنا وله".
"وعن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا صلَّى على الجنازة قال: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا"؛ أي: حاضرنا.
"وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا": واستغفاره عليه الصلاة والسلام للصبيان هو من ذنوب قُضيت لهما؛ أي: يصيبوها بعد البلوغ.
"وذكرنا وأُنثانا، اللهم من أحييته منا، فأحيِهِ على الإِسلام، ومن توفيته منا، فتوفَّهُ على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره"؛ أي: أجر الإيمان.
"ولا تضلَّنا بعده"، وفي بعض النسخ:(ولا تفتنا)؛ أي: لا تلقي علينا الفتنة بعد الإيمان، والمراد بها هنا: خلاف مقتضى الإيمان.
* * *
1197 -
وعن وَاثِلة بن الأسَقَع قال: صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رجلٍ من المسلمين فسمعتُه يقول: "اللهم إنَّ فلانَ بن فلانٍ في ذِمَّتِكَ، وحبلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ من فتنةِ القبرِ وعذاب النار، وأنت أهلُ الوفاء والحقِّ، اللهم اغفرْ له وارحَمْهُ، إنَّك أنت الغفورُ الرحيمُ".
"وعن واثلة بن الأسقع أنه قال: صلَّى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: اللهم إن فلان بن فلان في ذمَّتك، وحبلِ جِوارك": الذمة: الأمان، والحبل: العهد؛ أي: في كنف حفظك، وفي عهد طاعتك.
قيل: كان من عادة العرب إذا سافر أحدهم أخذ عهدًا من سيدِ كلِّ قبيلة، فيأمن ما دام في حدودها حتى ينتهي إلى الآخر، فيأخذ مثل ذلك، فهذا حبلُ الجِوارِ.
وقيل: أي: في وسيلة قربك، وهو الإيمان أو القرآن.
"فَقِهِ"؛ أي: احفظه "من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم".
* * *
1198 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اذكُروا مَحاسِنَ موتَاكم، وكُفُّوا عن مَساوئهم".
"وعن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: اذكروا محاسن موتاكم": جمع (حُسن) على غير القياس.
"وكفوا عن مساوئهم": جمع (شوء) أيضًا؛ أي: اتركوها.
* * *
1199 -
عن أنس رضي الله عنه: أنه صلَّى على جنازةِ رجلٍ فقامَ حِيال رأسِه، ثم جاؤوا بجنازةِ امرأةٍ فقامَ عندَ حِيالِ وسطِ السَّرير، فقيلَ له: هكذا رأيتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قامَ على الجنازةِ مَقَامَكَ منها، ومِن الرجلِ مَقَامَكَ منه؟، قال: نعم.
"وعن أنس: أنه صلَّى على جنازة رجل، فقام حِيالَ رأسه"؛ أي: إزاءه.
"ثم جاؤوا بجنازة امرأة، فقام حيال وسط السرير، فقيل له: هكذا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قام على الجنازة مقامك منها، ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم".
* * *