الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره
(باب تمني الموت وذكره)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1133 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنَّى أحدُكم الموتَ إما محسِناً فلعلَّه يزدادَ خيراً، وإما مُسيئاً فلعله أن يستَعْتِب".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يتمنين" بنون التأكيد، وفي بعض النسخ بدونها ودون الياء بمعنى النهي، وبإثباتها أيضاً نهياً على صيغة الخبر؛ أي: لا يتمنى "أحدكم الموت" من ضر أو مكروه أصابه، وهذا لأن الحياة حكم الله عليه، وطلبُ زوال الحياة عدمُ الرضاء بحكمه.
"إما" بكسر الهمزة، والأصل: إن ما، فأدغمت، فـ (ما) زائدة عوضٌ عن الفعل المحذوف؛ أي: إن كان "محسناً فلعله أن يزاد خيراً"، (لعل) هنا بمعنى عسى.
"وإما مسيئاً"؛ أي: إن كان مسيئاً "فلعله أن يستعتب"؛ أي: يسترضي؛ أي: يطلب رضاء الله عنه بالتوبة.
* * *
1134 -
وقال: "لا يتمنَّى أحدُكم الموتَ، ولا يَدْعُ به من قبْلِ أنْ يأتيَهِ، إنه إذا مات انقطع عملُه، وإنه لا يزيدُ المؤمنَ عُمْرُهُ إلا خيراً".
"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع" في أكثر النسخ بحذف الواو على أنه نهي، ووجهُ صحة عطفه على النفي من حيث إنه بمعنى النهي.
"به"، أي: بالموت.
"من قبل أن يأتيه إنه" بكسر الهمزة، والضمير للشأن.
"إذا مات انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيراً".
* * *
1135 -
وقال: "لا يتمنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ من ضُرٍّ أَصابَه، فإنْ كان لا بُدَّ فاعلاً فليقلْ: اللهمَّ أحيني ما كانت الحياةُ خيراً لي، وتَوَفَّني إذا كانت الوفاةُ خيراً لي".
"عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً؛ أي: مريداً أن يتمنى الموت.
"فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيراً لي".
* * *
1136 -
وقال: "مَنْ أحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ الله لقاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لقاءَ الله كرِهَ الله لقاءَهُ، والموتُ قبلَ لقاءِ الله، فقالتْ عائشةُ رضي الله عنها: إنا لنَكْرَه الموتَ؟، قال: "ليس ذلكِ"، ولكنَّ المُؤمنَ إذا حضَرهُ الموتُ بُشِّرَ برِضوانِ الله وكَرامَتِهِ، فليسَ شيءٌ" أحبَّ إليه مما أَمامَه، فأحبَّ لقاءَ الله وأحبَّ الله لقاءَهُ، وإن الكافر إذا حُضره بُشِّرَ بعذابِ الله وعقوبتِه، فليس شيءٌ أكْرَهَ إليه مما
أمامَه، فكرِهَ لقاءَ الله وكرِهَ الله لقاءَهُ".
"عن عبادة بن الصامت أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من أحب لقاء الله"؛ أي: المصيرَ إلى دار الآخرة "أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، والموتُ قبل لقاء الله" فيه بيانُ أن الموت غيرُ اللقاء، ولكنه معترض دون الغرض [المطلوب](1)، فيجب الصبر عليه وتَحمُّلُ مشاقِّه ليصل بعده إلى الفوز باللقاء؛ لأنه إنما يصل إليه بالموت، وهذا يدل على أنه تعالى لا يُرى في الدنيا في اليقظة لا عند الموت ولا قبله، وعليه الإجماع.
"فقالت عائشة رضي الله عنها: إنا لنكره الموت، قال: ليس ذاك"؛ أي: ليس الأمر كما ظننت يا عائشة "ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشِّر برضوان الله تعالى وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه" من المنزلة والكرامة عند الله.
"فأحب لقاء الله وأحب الله لقائه" معناه أفاض عليه فضله وأكثر العطايا له.
"وإن الكافر إذا حُضرَ" - على بناء المجهول - "بشر بعذاب الله وعقوبته" ذكر التبشير في العذاب للتهكم.
"فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه" معناه: يبعده عن رحمته ويريه نقمته.
* * *
1137 -
وقال أبو قَتادة رضي الله عنه: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُرَّ عليه بجنازةٍ قال: "مُستريحٌ أو مُستَراحٌ منه"، قالوا: يا رسول الله!، ما المُستريحُ؟ وما المُستَراحُ منه؟، قال: "العبدُ المُؤمنُ يستريح من نصَبِ الدُّنيا وأَذها إلى رحمةِ الله،
(1)"المطلوب" من، "فتح الباري"(11/ 360).
والعبدُ الفاجرُ يستريحُ منه العبادُ والبلادُ والشجرُ والدَّوابُّ".
"وقال أبو قتادة: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مُر عليه بجنازة فقال: مستريحٌ أو مستراحٌ منه، قالوا: يا رسول الله! ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: العبد المؤمن يستريح"؛ أي: يجد الراحة "من نصب الدنيا"؛ أي: من تعبها "وأذاها"؛ أي: ذاهباً "إلى رحمة الله"
"والعبد الفاجر يستريح منه"؛ أي: يخلص من شره "العباد" من جهة أنه حين فعل منكراً إذا منعوه أذاهم وإن سكتوا أذنبوا.
"والبلاد والشجر والدواب" وهذا من جهةِ أن المطر يُمنع بشؤم الفاجر فينقص أغديتهم، فإذا مات ارتفع ذلك فيستريحون.
* * *
1138 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِمِنْكَبي فقال: "كُنْ في الدُّنيا كأنكَ غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ"، وكان ابن عمرَ يقول: إذا أَمسيتَ فلا تَنْتَظِر الصَّباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظِر المَساءَ" وخُذْ من صِحَّتِكَ لمرضكَ، ومن حياتِكَ لموتِك".
"عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب"؛ أي: لا تَمِلْ إليها فإنك مسافرٌ عنها إلى الآخرة فلا تتخذْها وطناً.
"أو عابر سبيل"(أو) فيه للتخيير والإباحة، والأحسن أن يكون بمعنى (بل)، شبَّه النبي عليه الصلاة والسلام الناسك السالك أولاً بالغريب الذي ليس له مسكنٌ يؤويه، ثم ترقَّى وأضرب عنه بقوله أو عابر سبيل لأن الغريب قد يسكن في بلاء الغربة ويقيم فيها، بخلاف عابر السبيل القاصد للبلد الشاسع.
"وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك"؛ أي: اغتنم الصحة وأَكثِرْ من العمل الصالح في حال الصحة ليجبر ذلك ما فات من العمل في حال مرضك.
"ومن حياتك لموتك"؛ أي: خذ في حال حياتك زادَ آخرتك، وهو العمل الصالح والتقوى.
* * *
1139 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَمُوتَن أَحَدُكُمْ إلا وهو يُحسِنُ الظنَّ بالله".
"وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله"؛ يعني: ليكن الرجل عند الموت رجاؤه غالباً على خوفه، وليظنَّ أن الله سيغفر له ذنبه وإن كان عظيماً.
وهذا في الحقيقة حثٌّ على الأعمال الصالحة المُفْضية إلى حسن الظن؛ لأنه إنما يُحسن الظنَّ به من حَسُن عمله، فكأنه قال: أحسنوا أعمالكم يَحسُنْ بالله ظنُّكم، فإنه مَن ساء عمله ساء ظنه، والخوفُ والرجاء كالجناحين للسائر إلى الله تعالى لا يمكن السير بأحدهما بل بهما، لكن ينبغي أن يغلِّب الخوفَ على الرجاء في الصحة ليتدرَّج به فيها إلى تكثير الأعمال الصالحة، فإذا حان الموت وانقطع (1) الأعمال ينبغي أن يغلِّب الرجاء وحسن الظن بالله.
* * *
(1) في "ت": "وانقطاع".
مِنَ الحِسَان:
1140 -
عن مُعاذ بن جبَل رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنْ شئتُم أَنبأتُكم ما أولُ ما يقولُ الله للمؤمنينَ يومَ القيامةِ، وما أولُ ما يقولونَ له؟ "، قلنا: نعم يا رسول الله!، قال:"إن الله تعالى يقولُ للمؤمنين: هل أَحْبَبْتُم لقائي؟، فيقولون: نعم، يا ربنا، فيقولُ: لِمَ؟، فيقولون: رَجَوْنا عَفْوَك ومغفرتَك، فيقولُ: قد وجبتْ لكم مغفِرتي".
"من الحسان":
" عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن شئتم أنبأتكم"؛ أي: أخبرتكم "ما أول ما يقول الله للمؤمنين يوم القيامة، وما أول ما يقولون له؟ قلنا: نعم يا رسول الله! قال: إن الله تعالى يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا! فيقول: لم أذنبتم؟ "؛ أي: لأي شيء أذنبتم؟ "فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك، فيقول: قد وجبت لكم مغفرتي".
* * *
1141 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثِروا ذكْرَ هاذِمِ اللذاتِ" يعني: الموت.
"وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أكثروا ذكر هاذم اللذات"؛ أي: الذي يكسر كل لذة وطيبٍ وعيش.
"الموت" بالرفع خبر مبتدأ محذوف، وبالجر عطف بيان، وبالنصب بتقدير أعني؛ يعني: اذكروه ولا تنسوه حتى لا تغفلوا عن القيامة، ولا تتركوا تهيئة زاد الآخرة.
* * *
1142 -
وعن ابن مَسْعود رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ ذاتَ يومٍ لأصحابه: "استحْيُوا من الله حق الحَياءِ"، قالوا: إنا نستحْيي من الله يا نبيَّ الله، والحمد لله، قال:"ليسَ ذلك، ولكن مَن استحْيى من الله حقَّ الحياء فليحفظْ الرأسَ وما وَعَى، وليحفظْ البطْنَ وما حَوَى، وليذْكر المَوتَ والبلَى، ومَن أرادَ الآخرةَ تركَ زينةَ الدنيا، فمن فعلَ ذلك فقد استحْمى من الله حق الحَياء"، غريب.
"عن ابن مسعود: أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: إنا نستحي من الله يا نبي الله والحمد لله، قال: ليس ذلك"؛ أي: ليس الحياء ما تحسبونه.
"ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس"؛ أي: لا يستعمله في غير خدمة الله تعالى بأن يسجد - نعوذ بالله - لصنم أو لأحدٍ تعظيماً له، أو يصلي للرياء.
"وما وعى"؛ أي: ما وعاه رأسه؛ أي: جمَعه من السمع والبصر واللسان حتى لا يستعملها إلا فيما يحل.
"وليحفظ البطن"؛ يعني: لا يأكل إلا الحلال.
"وما حوى"؛ أي: ما جمعه البطن من الفرج والرجلين واليدين والقلب حتى لا يستعملها في المعاصي.
"وليذكر الموت والبلى، بكسر الباء: من بَلِيَ الشيء: إذا صار خلقاً متفتتاً؛ يعني: وليذكر صيرورته في القبر عظاماً بالية.
"ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء".
"غريب".
* * *
1143 -
وقال: "تُحفَةُ المُؤمن المَوتُ".
"وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: تحفة المؤمن الموت"؛ يعني: يكون الموت عند المؤمن عزيزاً؛ لأنه شيء أعطاه الله تعالى إياه، وما أعطاه الحبيب يكون عزيزاً عظيم القَدْر؛ لأنه سبب الوصول إلى ربه.
* * *
1144 -
وقال: "المؤمنُ يموتُ بعَرَقِ الجَبينِ".
"عن بريدة الأسلمي أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: المؤمن يموت بعرق الجبين"؛ يعني: يشتد الموت على المؤمن بحيث يعرق جبينه من الشدة؛ ليمحِّص عنه ذنوبه أو ليزيد درجته.
* * *
1145 -
ويُروى: "موتُ الفَجْأَةِ أَخْذَةُ الأَسَفِ".
"عن عبيد الله بن خالد أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: موت الفجأة أخذة الأسَف" بفتح السين: هو الغضب، وبكسرها والمد، والإضافةُ بمعنى مِن؛ أي:[هو] من آثار غضب الله؛ لأنه أخذه بغتة فلم يتركه حتى يتوب ويستعد لمعاده، ولم يُمْرِضه ليكون كفارة لذنوبه، قال تعالى:{أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام: 44] وهو خاصٌّ على الكافر لمَا روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة الآسف للكافر".
* * *
1146 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم دخل على شابٍّ وهو في