المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - باب صيام التطوع - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٢

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌12 - باب الرُكُوع

- ‌13 - باب السُجود وفَضْله

- ‌14 - باب التَّشهُّدِ

- ‌15 - باب الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضْلِها

- ‌16 - باب الدُعاء في التَّشهُدِ

- ‌17 - باب الذِّكر بعد الصَّلاة

- ‌18 - باب ما لا يَجُوزُ من العَمَل في الصَّلاة وما يُباحُ منه

- ‌19 - باب سُجُود السَّهْوِ

- ‌20 - باب سُجود القُرآن

- ‌21 - باب أَوقات النَّهْي عن الصَّلاة

- ‌22 - باب الجَماعة وفَضْلِها

- ‌23 - باب تَسْوية الصَّفِّ

- ‌24 - باب المَوْقِفِ

- ‌25 - باب الإِمامةِ

- ‌26 - باب ما علَى الإِمامِ

- ‌27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق

- ‌28 - باب مَنْ صلَّى صلاةً مرَّتَين

- ‌29 - باب السُّنَن وفَضْلها

- ‌30 - باب صلاة الليل

- ‌31 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌32 - باب التَّحريض على قِيَام اللَّيل

- ‌33 - باب القَصْد في العمَل

- ‌34 - باب الوِتْر

- ‌35 - باب القُنوت

- ‌36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان

- ‌37 - باب صلاة الضُّحى

- ‌38 - باب التطوع

- ‌39 - باب صلاة التَّسْبيح

- ‌40 - باب صلاة السَّفَر

- ‌41 - باب الجُمُعة

- ‌42 - باب وجوبها

- ‌43 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌44 - باب الخُطبة والصَّلاة

- ‌45 - باب صلاة الخَوف

- ‌46 - باب صَلاةِ العِيْد

- ‌فصل في الأُضحيَة

- ‌47 - باب العَتِيْرةِ

- ‌48 - باب صلاة الخُسُوف

- ‌فصل في سجود الشكر

- ‌49 - باب الاستِسقاء

- ‌فصل في صفة المَطَر والرِّيح

- ‌5 - كِتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب عِيَادة المَريض وثَواب المَرَض

- ‌2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره

- ‌3 - باب ما يقال لمَنْ حَضَرَهُ الموتُ

- ‌4 - باب غسْلِ المَيِّت وتكفينه

- ‌5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها

- ‌6 - باب دَفْن الميِّت

- ‌7 - باب البُكاء على المَيت

- ‌8 - باب زيارة القبور

- ‌6 - كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌2 - باب ما يجب فيه الزكاةُ

- ‌3 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - باب من لا يحل له الصَّدَقة

- ‌5 - باب مَنْ لا تَحِل له المَسْألة ومَنْ تَحِل له

- ‌6 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌7 - باب فضل الصدقة

- ‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

- ‌9 - باب صدَقة المَرأَة من مال زَوجها

- ‌10 - باب مَنْ لا يَعْود في الصَّدقَة

- ‌7 - كِتَابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رُؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

الفصل: ‌6 - باب صيام التطوع

"والصحيح أنه موقوف على ابن عمر".

* * *

‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

(باب صيام التطوع)

مِنَ الصِّحَاحِ:

1450 -

قالتْ عائشةُ رضي الله عنها: كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حتَّى نقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتى نَقُولَ: لا يَصُومُ، وما رَأَيْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَكْمَلَ صِيامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رمَضانَ، وما رَأَيْتُهُ في شَهْرٍ أكْثَرَ مِنْهُ صِياماً في شَعبانَ، كانَ يصُومُ شَعبانَ إلَّا قَلِيلاً.

وفي روايةٍ: بَلْ كانَ يصُومُ شَعبانَ كُلَّهُ.

"من الصحاح":

" قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصوم حتى نقول": بنون المتكلم، وهو الروايةُ، وفي بعض النسخ بالتاء على الخطاب؛ أي: حتى تقول أنت أيها السامع: لو أبصرته، ويجوز بياء الغائب أيضاً؛ أي: يقول القائل: "لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيامَ شهرٍ قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر": ثاني مفعولي (رأيت)، والضمير في:"منه" راجع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

"صياماً في شعبان": متعلق بـ (صيام).

ص: 535

"كان يصوم شعبان إلا قليلاً"؛ يعني: كان عليه الصلاة والسلام يصوم في شعبان وفي غيره من الشهور سوى رمضان، وكان صيامُهُ في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه.

"وفي رواية: كان يصوم شعبان كله": قيل: كان يصومه في وقت، ويصوم بعضَهُ في سنة أخرى، وقيل: كان يصوم تارةً من أوله وتارة من آخره وتارة بينهما.

ولفظ (كله) تأكيد؛ لإفادة الشمول ورفع التجويز من احتمال البعض.

* * *

1451 -

وقالتْ: ما عَلِمْتُهُ صامَ شَهْراً كُلَّهُ إلَّا رَمضانَ، ولا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حتَّى يصومَ منهُ، حتَّى مَضَى لِسَبيلِهِ.

"وقالت: ما علمتُهُ صام شهراً كلَّه إلا رمضانَ، ولا أفطره"؛ أي: الشهر "كلَّه": تأكيد له.

"حتى يصوم منه": و (من) هذه للتبعيض؛ أي: إنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر شيئاً "حتى مضى لسبيلِهِ"؛ يعني: حتى توفي.

* * *

1452 -

وقال عِمْرانَ بن حُصَين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له أَو لآخَر: "أَصُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعبانَ؟ "، قال: لا، "قال:"فإذا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَينِ".

"وقال عِمرانُ بن حُصينٍ: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم له أو لآخر": شك من الراوي في أنه عليه الصلاة والسلام قال لعمران، أو لرجل آخر.

ص: 536

"أصمتَ من سَرَرِ شعبان": (السَّرر) والسِّرار - بالفتح والكسر -: الليلتان من آخر الشهر.

"قال: لا، قال: فإذا أفطرتَ"؛ أي: اليومين الآخرين من شعبان، وقيل: أي: إذا فرغت من رمضان.

"فصم يومين"؛ لقضائهما، وكأنَّ الراوي قد أوجب على نفسه صومه بنذر، فأمره صلى الله عليه وسلم بالوفاء به، أو كان ذلك عادة له، فلما فاته استحبَّ له النبي عليه الصلاة والسلام أن يقضيه.

* * *

1453 -

وقال: "أفْضَلُ الصِّيامِ بعدَ رَمضانَ شَهْرُ الله المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بعدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أفضلُ الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم"؛ أي: عاشوراء، والإضافة لتعظيم هذا الشهر.

"وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".

* * *

1454 -

وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: ما رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ على غيرِهِ؛ إلَّا هذا اليومَ يومَ عاشوراءَ، وهذا الشهرَ، يعني: شهرَ رمضانَ.

"وقال ابن عباس: ما رأيت النبيَّ عليه الصلاة والسلام يتحرَّى صيامَ يوم": التحري: طلبُ الصواب والمبالغةُ في طلب شيء.

"فضله": بدل من (صيام)؛ يعني: ما رأيته يبالغ في تفضيل صوم يوم "على غيره إلا هذا اليوم"؛ يعني: عاشوراء.

ص: 537

"وهذا الشهر؛ يعني: شهرَ رمضان": فإنه عليه الصلاة والسلام فضَّل صومَ هذه الأيام على صوم غيرها، أما رمضان فلأنه ((مفروض))، وأما عاشوراء فلأنها كانت فريضة في أول الإسلام، ثم نُسِخت فريضتها بوجوب رمضان، ولا شك أن السُّنةَ التي كانت فريضةً أفضلُ من سنة لم تكنْ كذلك.

* * *

1455 -

وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: حِينَ صامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ عاشوراءَ وأَمَرَ بصِيامِهِ قالوا: يا رسُولَ الله!، إنَّهُ يومٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ، فقال:"لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ".

"وقال ابن عباس: حين صام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يومَ عاشوراء": رُوي أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مهاجراً من مكة، رأى اليهود يصومون اليومَ العاشر من المحرم، فسألهم عنه، فقالوا: هذا يوم نعظمه، أظفرَ الله فيه موسى عليه الصلاة والسلام وبني إسرائيل على فرعون، فقال عليه الصلاة والسلام:"نحن أولى بموسى"؛ أي: بموافقته، فصام صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك اليوم.

"وأمر": أصحابه "بصيامه"، فلما كانت السنة العاشرة من الهجرة، "قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود": كارهين موافقتهم.

"فقال عليه الصلاة والسلام: لئن بقيتُ إلى قابل"؛ أي: لئن عشتُ إلى المحرم القابل.

"لأصومنَّ التاسع": عزمُهُ صلى الله عليه وسلم على صوم التاسع كراهةَ أن يصوم العاشر منفرداً، كما كره صوم يوم الجمعة بلا وصل بالخميس أو السَّبت - مخالفةٌ لأهل الكتاب، فلم يعشْ إلى السنة القابلة، بل توفي في الثاني عشر من الربيع الأول،

ص: 538

فصار صوم التاسع من المحرم سنةً؛ لعزمه صلى الله عليه وسلم، وإن لم يصمه.

* * *

1456 -

وقالتْ أُمُّ الفَضْل بنت الحارِث: إنَّ ناساً تَمارَوْا يومَ عَرَفَةَ في صِيامِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأَرْسَلْتُ إليهِ بِقَدَحِ لَبن وهو واقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ.

"وقالت أمُّ الفضل بنت الحارث: إن ناساً تمارَوا"؛ أي: شكُّوا "يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم": هل هو صائم فيه، أو لا؟ "فأرسلت إليه بقدح لبن"؛ إزاحةً لمِرْيَةِ القوم.

"وهو واقفٌ على بعيره بعرفة، فشربه"، فعلم الناسُ أنه عليه الصلاة والسلام ليس بصائم، استحبَّ الأكثرُ إفطارَ يوم عرفة بعرفة؛ ليتقوى على الدعاء.

* * *

1457 -

وقالت عائشةُ رضي الله عنها: ما رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صائِماً في العَشْرِ قَطُّ.

"وقالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيتُ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صائماً في العشر"؛ أي: من أول ذي الحجة.

"قط": وهذا لا ينفي كونه سنة؛ لأنه جاز أنه عليه الصلاة والسلام صامها قبل تزوُّجِهِ بعائشة رضي الله عنها، أو لم يصمْ في نوبتها، فإذا تعارضَ النفيُ والإثباتُ، فالإثباتُ أولى.

* * *

ص: 539

1458 -

وعن أَبي قَتادة قال: قال عُمر: يا رسُولَ الله!، كيفَ مَنْ يصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ؟، قال:"لا صامَ، ولا أفْطَرَ، ثَلاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، ورَمَضانُ إلى رَمَضانَ، فهذا صِيامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيامُ يومِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ على الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ التي بعدَهُ، وصِيامُ يومِ عاشُوراءَ أَحْتَسِبُ على الله أنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَها".

"عن أبي قتادة أنه قال: قال عمر: يا رسول الله! كيف من يصوم الدهر كله؟ قال: لا صامَ، ولا أفطرَ": هذا دعاءٌ عليه، وزجرٌ له عن صنيعه، ويشبه أن الذي سُئِل عن حاله من صوم الدهر كان لا يفطر الأيامَ المنهيَّ عنها.

أو إخبار؛ أي: لم يكابدْ سَورةَ الجوع وحرَّ الظمأ، لاعتياده الصيام حتى خفَّ عليه، فكأنه لم يصمْ حيث لم ينلْ ثوابَ الصائمين بكلفة الصبر على الجهد، ولا أفطر حيث لم ينلْ راحةَ المفطرين ولذتهم.

"ثلاثٌ من كلِّ شهر": قيل: المراد أيام البيض، والصحيح: أن الرجلَ مخيَّرٌ فيها بحديث عائشةَ رضي الله عنها يأتي بعدها.

"ورمضانُ إلى رمضان، فهذا صيامُ الدهر كله، وصيامُ يومِ عرفةَ أحتسبُ"؛ أي: أرجو "على الله أن يكفِّر"؛ أي: الله أو الصيامُ "السنةَ التي قبله، والسنة التي بعده": معناه: يحفظه الله تعالى من أن يذنب بعدُ إذا جاء تلك السنة، أو أنه يثيبه في السنة الحاضرة ثواباً يُكفِّر للسنة الماضية والآتية إن اتفقَ له فيها ذنوبٌ، ولعل المراد بهذه الذنوب: غيرُ الكبائر.

"وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّرَ السنةَ التي قبله".

* * *

1459 -

وسُئل عَنْ صَوْمِ يومِ الإثْنَينِ فقال: "فيهِ وُلِدتُ، وفيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ".

ص: 540

"عن أبي قتادة: أنه سُئِل رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن صوم يوم الإثنين فقال: فيه ولدتُ، وفيه أُنزِلَ عليَّ": أجاب صلى الله عليه وسلم بما يدلُّ على أن هذا اليوم مباركٌ، وصومه محبوب.

* * *

1460 -

وسُئِلت عائشةُ رضي الله عنها: أَكانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثةَ أَيَّامٍ؟، قالت: نعم، فقيل: مِنْ أَيِّ أيَّامِ الشَّهْرِ؟، قالت: لمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أيَّامِ الشَّهْرِ يصُومُ.

"وسُئِلت عائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، فقيل: من أيِّ أيام الشهر؟ قالت: لم يكنْ يُبالي من أيِّ أيام الشهر يصوم".

* * *

1461 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صامَ رَمضانَ، وأتْبَعَه سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كانَ كصِيامِ الدَّهْر".

"عن أبي أيوب أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من صام رمضان، وأتبعَهُ ستاً من شوال، كان كصيام الدهر كلِّه": لصيرورة كل يوم بعشرة أيام؛ لأن الحسنة بعشرة أمثالها؛ فعشرة أشهر لرمضان، وشهران لستة من شوال.

* * *

1462 -

وقال أبو سَعيد الخُدري رضي الله عنه: نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يومِ الفِطْرِ والنَّحْرِ.

ص: 541

"وقال أبو سعيد الخدري: نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن صوم يوم الفطر والنحر": اتفقوا على حرمة صوم يوم العيد، ولو نذره لا ينعقد عند الأكثر، وقال أصحاب الرأي: ينعقد، وعليه صوم يوم آخر.

* * *

1463 -

وقال: "لا صَوْمَ في يَوْمَيْنِ: الفِطْرِ، والأَضْحى".

"وعن أبي سعيد أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صومَ في يومين: الفطرِ والأضحىِ".

* * *

1464 -

وقال: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أيَّامُ أَكْلٍ، وشُرْبٍ، وذِكْرٍ لله".

"عن نُبيشَةَ الهُذليِّ أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أيام التشريق أيامُ أكل وشرب": اتفقوا على حرمة صومها، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر.

والتشريق لغة: جعل اللحم قديداً، والفقراءُ يقدِّدون ما يُعطَون من لحوم الأضاحي في هذه الأيام، فسميت بها، وإنما حرم صوم يومي العيد وأيام التشريق؛ لأن الناس أضياف الله فيها.

"وذكر الله"؛ أي: أيام ذكر الله، حتى لا ينسى العبدُ فيها حقَّ الله، ويستغرق في حظوظ نفسه، وهذا إشارة إلى قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203].

* * *

1465 -

وقال: "لا يصُومُ أَحَدُكُمْ يومَ الجُمعةِ إلَّا أنْ يصُومَ قَبْلَهُ، أو يصُومَ بعدَهُ".

ص: 542

"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يصوم أحدُكم يومَ الجمعةِ إلا أن يصومَ قبله أو بعده"؛ يعني: الخميس أو السبت.

* * *

1466 -

وقال "لا تَخْتَصُّوا ليلةَ الجُمعةِ بِقيامٍ مِنْ بينِ اللَّيالي، ولا تخْتَصُّوا يومَ الجُمعةِ بصيامٍ مِنْ بينِ الأَيَّامِ إلَّا أنْ يكُونَ في صَوْمٍ يَصُومُه أَحدُكم".

"وعنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تختصُّوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصُّوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام": كراهية موافقة أهل الكتاب في تعظيم يوم واحد وليلة واحدة.

"إلا أن يكون" يوم الجمعة واقعاً "في يومِ صومٍ يصومه أحدكم": من نذر أو ورد.

* * *

1467 -

وقال: "مَنْ صامَ يوماً في سَبيلِ الله بَعَّدِ الله وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَريفاً".

"وعن أبي سعيد أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من صام يوماً في سبيل الله"؛ أي: لله ولوجهه، أو في جهاد مع الكفار.

"بعَّد الله وجهه من النار سبعين خريفاً"، أي: سنةً.

* * *

1468 -

وقال عبد الله بن عَمْرو بن العاص: قالَ لي رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 543

"يا عَبْدَ الله!، أَلَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تصُومُ النَّهارَ، وتقُومُ اللَّيْلَ؟ "، فقلتُ: بلَى يا رسُولَ الله، قال:"فلا تَفْعَلْ، صُمْ وأفْطِر، وقُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ علَيْكَ حقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حقًّا، وإنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حقًّا، لا صامَ مَنْ صامَ الدَّهْرِ، صَوْمُ ثلاثةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّه، صُمْ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاثَةُ، واقْرأ القُرآنَ في كُلِّ شَهْر"، قلت: إنَّي أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذلك، قال:"صُمْ أفْضَلَ الصَّوْم صَوْمَ داوُدَ، صيامُ يومٍ وإفْطارُ يومٍ، واقْرَأْ في كُلِّ سَبْعٍ لَيالٍ مَرَّةً، ولا تَزِدْ على ذلكَ".

"وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: يا عبد الله! ألم أُخبَرْ": على بناء المجهول.

"أنك تصوم النهار": ولا تفطر.

"وتقوم الليل"؛ أي: جميعه، ولا تنام.

"قلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صمْ وأفطر، وقمْ ونم؛ فإن لجسدك عليك حقاً"، فلا يجوز لك إضاعته وإضراره بحيث يعجز عن العبادات وقضاء الحقوق.

"وإن لعينك عليك حقاً"؛ أي: من النوم، ويحتمل أن يراد به: الباصرة؛ أي: ينتقص نورها بالصوم.

"وإن لزوجك عليك حقاً"؛ فتعجز بالصوم عن المضاجعة والمباشرة بها.

"وإن لزَوْرِك عليك حقاً" بفتح الزاي ثم السكون: الزائر، مصدرٌ في الأصل وُضع موضعَ الاسم، كـ (صوم) و (نوم) بمعنى: صائم ونائم، وقد يكون جمعاً كـ (رَكْب).

أي: تعجز به عن مجالسة الزوار - أي: الأضياف - والقيام بخدمتهم.

"لا صامَ من صام الدهر"؛ لعدم لحوق المشقة باعتياده الصوم.

ص: 544

"صوم ثلاثة أيام من كل شهر صومُ الدهر كله"؛ لأن الواحد بعشرة.

"صم كل شهر ثلاثة أيام، واقرأ القرآن في كل شهر"؛ يعني: اقرأ في كل يوم وليلة جزءاً من ثلاثين جزءاً حتى تختم كلَّ شهر ختمة واحدة.

"قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم أفضل الصومِ صومَ داودَ": بيان لأفضل الصوم.

"صيامَ يوم وإفطارَ يوم، واقرأْ في كلِّ سبع ليال مرةً، ولا تزدْ على ذلك".

* * *

مِنَ الحِسَان:

1469 -

قالتْ عائشةُ رضي الله عنها: كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يصُومُ يومَ الإثْنَيْنِ، والخَمِيس.

"من الحسان":

" قالت عائشة: كان رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصوم يومَ الإثنين والخميس".

* * *

1470 -

وقال أبو هُريرة رضي الله عنه: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تُعْرَضُ الأَعمالُ يومَ الإثْنَيْنِ والخمِيسِ، فأُحِبُّ أنْ يُعْرَضَ عَمَلي وأنا صائِمٌ".

"وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: تُعرَضُ الأعمالُ"؛ أي: على رب العالمين.

"يوم الإثنين والخميس": وهذا لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: "يرفع عملُ الليل قبلَ

ص: 545

عمل النهار، وعملُ النهار قبلَ عمل الليل"؛ للفرق بين العرض والرفع؛ لأن الأعمال تُجمَع في الأسبوع، وتُعرَض في هذين اليومين.

"فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".

* * *

1471 -

عن أبي ذَرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذَرٍّ! إذا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثلاثَةَ أيَّامٍ فصُمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ، وأرْبَعَ عَشْرَةَ، وخَمْسَ عَشْرَةَ".

"وعن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم؛ يا أبا ذر! إذا صمت من الشهر ثلاثة أيامٍ، فصمْ ثلاث عشرةَ، وأربع عشرة، وخمس عشرة"؛ يعني: أيام البيض.

* * *

1472 -

عن عبد الله قال: كان رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثلاثَةَ أيَّامٍ، وقَلَّماً كانَ يُفْطِرُ يومَ الجُمعةِ.

"وعن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصوم من غُرَّةِ كلِّ شهر"؛ أي: من أوَّله.

"ثلاثة أيام، وقلما كان يفطر يوم الجمعة": تأويله أنه يصومه منضماً إلى ما قبله، أو ما بعده حتى لا يكون مناقضاً؛ لنهيه عن صوم يوم الجمعة وحدها، أو هو مختصٌّ به عليه الصلاة والسلام بأن يصومه منفرداً، كما كان صوم الوصال مختصاً به، أو أراد بعدم الإفطار إمساكَ بعض النهار؛ لما كان ذلك عادتهم يوم الجمعة؛ فإنهم ما كانوا يفطرون فيه إلا بعد فرض الوقت.

* * *

ص: 546

1473 -

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ، والأَحَدَ، والإثْنَيْنَ، ومِنَ الشَّهْرِ الآخر الثَّلاثاءَ، والأَرْبعاءَ، والخَمِيسَ" "وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصوم من الشهر السبتَ والأحدَ والإثنينَ، ومن الشهر الآخر الثلاثاءَ والأربعاءَ والخميسَ": أراد عليه الصلاة والسلام أن يبين سنةَ صومِ جميع الأسبوع، وإنما لم يصمْ جميع هذه السُّنةِ متوالية؛ كيلا يشقَّ على الأمة الاقتداءُ به.

* * *

1474 -

وعن أُمّ سَلَمة رضي الله عنها قالت: كانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يأْمُرُني أنْ أصُومَ ثلاثةَ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أوَّلُها الإثْنَيْنُ أو الخَمِيسُ.

"وعن أم سَلَمة أنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يأمُرُني أن أصومَ ثلاثةَ أيامٍ من كل شهر، أولها الإثنين"؛ أي: يجعل أولَ الأيامِ الثلاثةِ الإثنين.

"والخميس"، فالواو بمعنى: أو، وذلك أن الشهر إن كان مفتتحه بما بعد الخميس افتَتحَ الصومَ بيوم الإثنين مع الثلاثاء والأربعاء، وإن وقعَ افتتاحُ الشهر بما بعد الإثنين افتَتحَ الصومَ بالخميس مع الجمعة والسبت.

* * *

1475 -

عن مُسلِمٍ القُرَشي قال: سُئِلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صِيامِ الدَّهْرِ، قال:"صُمْ رَمَضَانَ، والذي يَلِيهِ، وكُلَّ أرْبعاءَ، وخَمِيسٍ، فإذا أنْتَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ".

ص: 547

"عن مسلم القُرَشي أنَّه قال: سُئل النبيُّ عليه الصلاة والسلام عن صيام الدهر، قال: صُمْ رمضانَ والذي يليه"؛ أي: يأتي بعده، أراد ستًا من شوال، وقيل: أراد به شعبان.

"وكلَّ أربعاء وخميس، فإذًا أنت": جزاء شرط محذوف؛ أي: إنك إذا فعلتَ ما قلتُ لك فأنتَ "قد صمت الدهر".

* * *

1476 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صَوْمِ يومِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ.

"وعن أبي هريرة: أنَّ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم نَهَى عن صوم يوم عرفة بعرفة": وليس هذا نهيَ تحريمٍ.

ورُوي عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تصومُه، وعطاء قال: أصومُه في الشتاء ولا أصومُه في الصيف.

* * *

1477 -

عن عبد الله بن بُسْرٍ، عن أُخته: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَصُومُوا يومَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا افْتُرِضَ علَيْكُمْ، فإنْ لمْ يَجدْ أَحَدُكُمْ إلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضَغْهُ".

"عن عبد الله بن بُسْر، عن أخته الصمَّاء"، اسمها: بُهَيمة، وتُعرف بالصمَّاء.

"أنَّ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لا تصوموا يومَ السبت"؛ لأنه يُعظِّمه اليهود.

ص: 548

"إلا فيما افتُرض عليكم": يتناول المكتوبة المنذورة، وقضاء الفوائت الواجبة، وصوم الكفَّارة، وفي معناه ما وافَقَ وِرْدًا أو سُنَّةَ مؤكَّدةَ، كما لو كان السبتُ يومَ عرفة، أو تاسوعاء، أو عاشوراء، أو عشر ذي الحجة، أو في غير الصيامِ صيامِ داود؛ فإذًا المَنهيُّ شدةُ الاهتمام والعناية به، حتى كأنهم يَرَونه واجبًا كما يفعله اليهود.

"فإن لم يجد أحدُكم إلا لِحَاءَ عِنَبة" بكسر اللام؛ أي: قشرَها، استعارة من: قشر العود، وأُريد بالعِنَبة هنا: الحبة، وهي غرس العِنَب.

"أو عود شجرة": عطف على (لحاء).

"فَلْيَمضَغْه".

* * *

1478 -

وقال: "ما مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلى الله أنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فيها مِنْ عَشْرِ ذي الحِجَّةِ، يُعدَلُ صِيامُ كُلِّ يَومٍ منها بصِيامِ سَنَةٍ، وقِيامُ كُلِّ لَيْلَةٍ منها بقِيامِ لَيْلَةِ القَدْرِ".

"عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما مِن أيامٍ أحبُّ": صفة (أيام) بالرفع على المحل، وبالنصب على اللفظ.

"إلى الله أنَّ يُتعبَّد": في محل الرفع فاعل لـ (أحب).

"له فيها من عشر ذي الحجة، يُعدَل صيامُ كلِّ يوم منها بصيام سَنة، وقيامُ كل ليلة منها بقيام ليلة القَدْر".

"غريب".

* * *

ص: 549

1479 -

وقال: "مَنْ صامَ يَوماً في سَبيلِ الله جعلَ الله بينَهُ وبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقاً كما بَيْنَ السَّمَاء والأَرْضِ".

"عن أبي أُمامة الباهلي أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن صامَ يوماً في سبيل الله جعلَ الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض"؛ أي: يصير صومُه خندقًا بينه وبين النار؛ فكما أنَّ الرجلَ إذا كان بينه وبين عدوِّه خَندقاً لا يَصِلُ إليه عدوُّه، فكذا الصائم لا تَصِلُ إليه النارُ.

* * *

1480 -

وقال: "الغَنِيمَةُ البارِدَةُ الصَّوْمُ في الشِّتاء"، مرسلْ.

"عن عامر بن مسعود أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الغنيمةُ الباردةُ"؛ أي الغنيمةُ الحاصلةُ من غير كثيرِ تعبٍ ومشقةٍ.

"الصومُ في الشتاء"؛ أي: يحصل به الثوابُ من غير أنَّ تصيبَه مشقةُ الجوع، أو يمسَّه حَرُّ العطش، ويستعمل البارد في الشيء ذي الراحة، إنما سُمِّيت بردًا؛ لأن الحرارةَ غالبةٌ في ديار العرب، وماؤهم حارٌّ فإذا أصابوا هواءً باردًا أو ماءً باردًا يقولون: راحة.

"مُرسَل" أي: هذا الحديث مُرسَل؛ لأن راويه عامر بن مسعود القرشي، وهو لم يُدرِكِ النبيَّ عليه الصلاة والسلام.

* * *

فصل مِنَ الصِّحَاحِ:

1481 -

عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: دَخَلَ عليَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ، فقال:"هَلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ "، فقلنا: لا، قال:"فإنِّي إذًا صائِمٌ"، ثُمَّ أَتانا يَوْمًا

* * *

ص: 550

آخَرَ، فقُلْنا: يا رسُولَ الله!، أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ، فقال:"أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أصْبَحْتُ صائِمًا"، فَأَكَلَ.

(فصل)

"من الصحاح":

" عن عائشة أنها قالت: دخلَ عليَّ النبيُّ عليه الصلاة والسلام ذاتَ يوم، فقال: هل عندكم شيءٌ؟ قلنا: لا، قال: فإني إذًا لَصائمٌ": يدل على صحة نية التطوُّع نهارًا.

"ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا يا رسولَ الله! أُهدِي لنا"؛ أي: أُرسِلَ إلينا.

"حَيْس": بالفتح ثم السكون: طعام يُتخذ من تمرٍ وأَقِطٍ وسمنٍ أو زبد.

"فقال: أَرِنِيه" من: الإدارة.

"فلقد أصبحتُ صائمًا"؛ أي: كُنْتُ نَويتُ الصومَ في أول النهار.

"فأكلَ": وهذا يدل على جواز الخروج من صوم النفل.

* * *

1482 -

عن أنسٍ رضي الله عنه قال: دَخَلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم على أُمِّ سُلَيْمٍ، فأَتتهُ بتَمْرٍ وسَمْنٍ، فقال:"أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ في سِقائِهِ وتَمْرَكُمْ في وِعائِهِ فَإنِّي صَائِمٌ"، ثُمَّ قامَ إلي ناحَيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى غَيرَ المَكْتُوبَةِ، فَدَعا لِأمِّ سُلَيْمٍ وأَهْلِ بَيْتِها.

"عن أنس أنَّه قال: دخل النبي عليه الصلاة والسلام على أم سُلَيم، فأتته بتمرٍ وسَمنٍ، فقال: أَعِيدُوا سَمنَكم في سِقَائه وتمرَكم في وِعَائه؛ فإني صائم": هذا يدل على أنَّ مَن صام تطوُّعًا يجوز أنَّ يصومَ ولا يلزمُه الإفطارُ إذا قُرِّبَ إليه طعامٌ وإن أفطرَ يجوز؛ للحديث المتقدم.

ص: 551

"ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سُلَيم وأهل بيتها"، فيه: دليل على أنَّ المُستحَبَّ للضيف الصائم أنَّ يدعوَ للمُضيف.

* * *

1483 -

وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلى طَعامٍ وهو صائِمٍ فَلْيَقُلْ: إنِّي صائِمٌ".

"وعن أبي هريرة أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا دُعِيَ أحدُكم إلى طعام وهو صائمٌ فَلْيقلْ: إني صائم"، إنما أَمرَ النَّببيُّ عليه الصلاة والسلام المَدعوَّ عينَ لا يجيب الداعيَ أن يعتذر عند بقوله: "إني صائم، وإن كان يُستحب إخفاء النوافل؛ لئلا، يؤدي ذلك إلى عداوة وبُغْضٍ في الدَّاعي.

* * *

1484 -

وقال: "إِذَا دُعِيَ أحَدُكُمْ فليُجبْ، فإنْ كانَ صائِمًا فَلْيُصَلِّ، وإنْ كانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ".

"وعنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا دُعِيَ أحدُكم فَلْيُجبْ، فإن كان صائمًا فَلْيُصلِّ"؛ أي: فَلْيَدْع للداعي بالبركة، وقيل: أي: فَلْيُصلِّ ركعَتين، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في بيت أم سُلَيم.

"وإن كان مُفطِرًا فَلْيَطْعَمْ".

* * *

مِنَ الحِسَان:

1485 -

عن أُمِّ هانئٍ رضي الله عنها قالت: لمَّا كانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ جاءَتْ

ص: 552

فاطِمَةُ، فَجَلَسَتْ عَنْ يَسارِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأُمُّ هانِئٍ عَنْ يَمِينِه، فَجاءتِ الوَبيدَةُ بإناءٍ فيه شرابٌ، فناوَلتْهُ، فشَرِبَ منهُ، ثُمَّ ناوَلَهُ أُمَّ هانِئٍ، فَشَرِبَتْ، فقالتْ: يا رسُولَ الله!، إنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فقالَ لها:"أَكُنْتِ تَقْضينَ شَيْئًا؟ "، قالت: لا، قال:"أَنَذْرٌ عليكِ؟ "، قالت: لا، قال:"فلا يَضُرُّكِ إنْ كانَ تَطَوُّعًا".

وفي روايةٍ: "الصَّائَمُ المُتطوِّع أَمِيرُ نَفْسِه، إن شاءَ صامَ، وإنْ شاءَ أَفْطَرَ".

"من الحسان":

" عن أم هانئ أنها قالت: لمَّا كان يومُ فتحِ مكةَ جاءت فاطمة رضي الله عنها، فجلست عن يسار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأم هانئ عن يمينه، فجاءت الوليدة"، أي الأَمَة "بإناء فيه شراب، فناولتْه": الضمير المنصوب للرسول صلى الله عليه وسلم.

"فشرب منه، ثم ناولَه"؛ أي: بقيةَ المشروب "أمَّ هانئ، فشربت، فقالت: يا رسولَ الله! إني كُنْتُ صائمةً، فقال لها: أكنتِ تَقْضينَ شيئًا؟ قالت: لا، قال: أنذزٌ عليك؟ قالت: لا، قال: فلا يضرُّك إن كان تطوُّعًا": يدل على أنَّه لا قضاءَ على المتطوِّع بصومٍ إذا أبطله، وبه قال الشافعي.

وفي رواية: "الصائمُ المتطوِّعُ أميرُ نفسِه"؛ أي: حاكمٌ على نفسه.

"إن شاء صَامَ، وإن شاءَ أفطرَ".

* * *

1486 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كُنْتُ أنا وحَفْصَة صائِمَتَيْنِ، فعُرِضَ لنَا طَعامٌ اشْتَهَيْناهُ، فَأَكَلْنا مِنْهُ، فقالَتْ حَفْصَةُ: يا رسُولَ الله!، إنَّا كُنَّا

ص: 553

صائِمَتَيْنِ، فعُرِضَ لنا طَعامٌ اشْتَهَيْناهُ، فأَكَلْنا منهُ، قال:"اقْضيا يَوْمًا آخَرَ مَكَانَهُ"، وهذا يُروى فرسلًا على الأَصحَّ عن الزُّهريِّ عن عائشة رضي الله عنها.

"وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت أنا وحفصةُ صائمتَين، فَعرضَ لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه فقالت حفصة: يا رسولَ الله! إنَّا كنَّا صائمتَين، فَعرضَ لنا طعام اشتهيناه، فأكلنا منه، قال: اقِضيَا يومًا آخرَ مكانَه": يدل على أنَّ مَن أفطرَ في التطوُّع يلزمُه القضاءُ مكانَه.

قال الخطابي: هذا القضاء على سبيل التخيير والاستحباب؛ لأن قضاء شيءٍ يكون حكمُه حكمَ الأصل.

"وهذا يروى مُرسَلًا على الأصح، عن الزُّهري، عن عائشة".

* * *

1487 -

عن أم عُمارَة بنت كَعْب: أنَّ النَّبيَّ قال: "إنَّ الصَّائِمَ إذا أُكِلَ عِنْدَهُ صَلَّتْ عَلَيْهِ المَلائِكَةُ حتَّى يَفْرُغُوا".

"عن أم عُمَارة" بضم العين وتخفيف الميم. "بنت كعب: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام" حين دخل عليها، فأتتْه بطعام، فدعاها لتأكلَ هي معه، فقالت: إني صائمةٌ، "قال عليه الصلاة والسلام: إن الصائمَ إذا أُكِلَ عندَه"، ومالتْ نفسُه إلى المأكول، فيشتدُّ صومه عليه.

"صلَّت عليه الملائكةُ"؛ أي: يستغفرون له عِوَضًا عن مشقة الأكل.

"حتى يَفْرَغوا"؛ أي: القومُ الآكِلون، قال صلى الله عليه وسلم لها ذلك؛ تفريحًا بإتمام صومها.

* * *

ص: 554