المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٢

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌12 - باب الرُكُوع

- ‌13 - باب السُجود وفَضْله

- ‌14 - باب التَّشهُّدِ

- ‌15 - باب الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضْلِها

- ‌16 - باب الدُعاء في التَّشهُدِ

- ‌17 - باب الذِّكر بعد الصَّلاة

- ‌18 - باب ما لا يَجُوزُ من العَمَل في الصَّلاة وما يُباحُ منه

- ‌19 - باب سُجُود السَّهْوِ

- ‌20 - باب سُجود القُرآن

- ‌21 - باب أَوقات النَّهْي عن الصَّلاة

- ‌22 - باب الجَماعة وفَضْلِها

- ‌23 - باب تَسْوية الصَّفِّ

- ‌24 - باب المَوْقِفِ

- ‌25 - باب الإِمامةِ

- ‌26 - باب ما علَى الإِمامِ

- ‌27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق

- ‌28 - باب مَنْ صلَّى صلاةً مرَّتَين

- ‌29 - باب السُّنَن وفَضْلها

- ‌30 - باب صلاة الليل

- ‌31 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌32 - باب التَّحريض على قِيَام اللَّيل

- ‌33 - باب القَصْد في العمَل

- ‌34 - باب الوِتْر

- ‌35 - باب القُنوت

- ‌36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان

- ‌37 - باب صلاة الضُّحى

- ‌38 - باب التطوع

- ‌39 - باب صلاة التَّسْبيح

- ‌40 - باب صلاة السَّفَر

- ‌41 - باب الجُمُعة

- ‌42 - باب وجوبها

- ‌43 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌44 - باب الخُطبة والصَّلاة

- ‌45 - باب صلاة الخَوف

- ‌46 - باب صَلاةِ العِيْد

- ‌فصل في الأُضحيَة

- ‌47 - باب العَتِيْرةِ

- ‌48 - باب صلاة الخُسُوف

- ‌فصل في سجود الشكر

- ‌49 - باب الاستِسقاء

- ‌فصل في صفة المَطَر والرِّيح

- ‌5 - كِتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب عِيَادة المَريض وثَواب المَرَض

- ‌2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره

- ‌3 - باب ما يقال لمَنْ حَضَرَهُ الموتُ

- ‌4 - باب غسْلِ المَيِّت وتكفينه

- ‌5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها

- ‌6 - باب دَفْن الميِّت

- ‌7 - باب البُكاء على المَيت

- ‌8 - باب زيارة القبور

- ‌6 - كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌2 - باب ما يجب فيه الزكاةُ

- ‌3 - باب صدقة الفطر

- ‌4 - باب من لا يحل له الصَّدَقة

- ‌5 - باب مَنْ لا تَحِل له المَسْألة ومَنْ تَحِل له

- ‌6 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌7 - باب فضل الصدقة

- ‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

- ‌9 - باب صدَقة المَرأَة من مال زَوجها

- ‌10 - باب مَنْ لا يَعْود في الصَّدقَة

- ‌7 - كِتَابُ الصَّومِ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب رُؤية الهِلال

- ‌فصل

- ‌3 - باب تَنْزيه الصَّوم

- ‌4 - باب صَوْم المُسافِر

- ‌5 - باب القَضَاء

- ‌6 - باب صِيَام التَّطوُّع

- ‌7 - باب لَيْلَةِ القَدْر

- ‌8 - باب الاعتِكاف

الفصل: ‌5 - باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له

"عن زياد بن الحارث الصُّدائي أنه قال: أتيت النبي عليه الصلاة والسلام، فبايعته، فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال: إن الله لم يرضَ بحكم نبي ولا غيرِهِ في الصدقات حتى حكم فيها"؛ أي: في الصدقات.

"هو"؛ أي: الله.

"فجزَّأها"؛ أي: الله تعالى الصدقات.

"ثمانية أجزاء"؛ أي: أصناف.

"فإن كنتَ من تلك الأجزاء أعطيتُكَ حقَّك": وهذا يدل على أنه يفرق على السهام بحصصهم.

‌5 - باب مَنْ لا تَحِل له المَسْألة ومَنْ تَحِل له

(باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له)

مِنَ الصِّحَاحِ:

1297 -

عن قَبيصَةَ بن مُخارقٍ قال: "تَحمَّلْتُ حَمالَةً، فأتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَسألُه فيها، فقال: "أَقم حتى تأتينَا الصَّدَقةُ، فنأمرَ لكَ بها، ثم قال:"يا قَبيصَةُ، إنَّ المسأَلةَ لا تحَلُّ إلا لأحدِ ثلاثَةٍ: رجل تحمَّلَ حمالَةً، فحلَّت له المَسألةُ حتى يُصيبَها ثم يُمسِكُ، ورجل أصابَته جائحة اجتاحَت مالَه، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَ قِوامًا من عَيْشٍ - أو قال سِداداً من عَيْشٍ - ورجل أصابَته فاقة حتى يقومَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجَا من قومه: لقد أَصابَتْ فُلاناً فاقة، فحلَّت له المسأَلةُ حتى يصيبَ قِواماً من عَيْشٍ - أو قال سِداداً من عيْشٍ - فما سِواهنَّ من المَسألةِ - يا قَبيصةُ - سُحْتٌ يأكلُها صاحبُها سحتاً".

ص: 439

"من الصحاح":

" عن قَبيصةَ بن مُخارق أنه قال: تحمَّلت حَمالة": وهي - بفتح الحاء وتخفيف الميم، ما يتحمَّله عن غيره من دِية أو غرامة؛ لدفع وقوع حرب بسفك الدماء بين فريقين.

"فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها"؛ بمعنى: لأجلها.

"فقال: أقم"؛ أي: اثبت.

"حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة! إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجلٌ": بالرفع خبر مبتدأ محذوف، وبالجر بدل من (ثلاثة).

"تحمَّل حمالة فحلَت له المسألة": بشرط أن يترك الإلحاح والتغليظ في الخطاب.

"حتى يصيبها"؛ أي: يجد الحمالة.

" [ثم] يمسك"؛ أي: عن المسألة؛ يعني: إذا أخذ من الصدقات ما يؤدي ذلك الدين لا يجوز أخذ شيء آخر منها.

"ورجل أصابته جائحة": وهي الآفة المهلكة للثمار والأموال.

"اجتاحت ماله"؛ أي: استأصلته وأهلكته.

"فحلت له المسألة حتى يصيب قِواماً من العيش"، أي: بها يقوم به بعيشته من قُوب ولباس.

"أو قال: سداداً من عيش": شك من الراوي.

(السِّداد) بكسر السين: بها يُسَدُّ به الفقر؛ أي: يدفعه ويكفي الحاجة.

"ورجل أصابته فاقة"؛ أي: فقر.

ص: 440

"حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحِجَى"؛ أي: العقل من قومه.

"لقد أصابت فلان فاقة": وهذا على سبيل الاستحباب والاحتياط؛ ليكون أدلَّ على براءة السائل عن التهمة فيما يدعيه، وأدعى للناس إلى سد حاجته، وخص بكونهم من قومه؛ لأنهم هم العالمون بحاله.

وهذا من باب التبيين والتعريف؛ إذ لا مدخلَ لعدد الثلاث من الرجال في شيء من الشهادات، وقيل: إن الإعسار لا يثبت عند البعض إلا بثلاثة؛ لأنها شهادة على النفي، فثلاث على خلف ما اعتيد في الإثبات للحاجة.

"فحلت له المسألةُ حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال: سداداً من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتٌ": وهو الحرام الذي لا يحل كسبه؛ لأنه يُسحِتُ البركة؛ أي: يذهبها.

"يأكلها صاحبها سحتاً": بدل من الضمير في (يأكلها)، أو تمييز، وتأنيث الضمير لمعنى الصدقة والمسألة.

قالوا: هذا بحث سؤال الزكاة، وأما سؤال صدقة التطوع؛ فمن لا يقدر على كسب؛ لكونه زمنًا، أو ذا علة أخرى، جاز له السؤال بقدر قوت يومه، ولا يدَّخر، وإن كان قادراً عليه، فتركه لاشتغال العلم، جازت له الزكاة وصدقة التطوع، فإن تركه لاشتغال صلاة التطوع وصيامه، لا يجوز له الزكاة، وتكره له صدقة التطوع.

فإن جلس واحد أو جماعة في بقعة واشتغلوا بالطاعة ورياضة الأنفس وتصفية القلوب، يستحبُّ لواحد منهم أن يسأل صدقة التطوع، وكسرات الخبز لهم، واللباس لأجلهم.

ص: 441

1298 -

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سأَلَ النَّاسَ أَموالَهم تَكَثُّراً؛ فإنَّما يَسألُ جَمراً، فليَستَقِلَّ أو ليَسْتكْثِر".

"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من سأل الناس": نصبه بنزع الخافض، أو على أنه مفعول به.

"أموالهم": بدل اشتمال منه.

"تكثُّراً": مفعول له؛ أي: ليكثر ماله، لا للاحتياج.

"فإنما يسأل جمراً"؛ أي: نار جهنم؛ يعني: ما أخذه سبب للعقاب بالنار، إنما جعله جمراً للمبالغة، ويجوز أن يكون جمراً حقيقة يعذب به، كما ثبت في مانعي الزكاة.

"فليستقلَّ، أو ليستكثر": وهذا توبيخٌ له.

1299 -

وقال: "ما يَزالُ الرَّجلُ يَسْأَلُ الناسَ حتى يأتيَ يومَ القِيامةِ ليسَ في وجْههِ مُزْعَةُ لحمٍ".

"عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزْعَةُ لحم" بضم الميم: القطعة اليسيرة من اللحم، وذلك إما ليكون علامة له يعرفه الناس بتلك العلامة أنه كان يسأل الناس في الدنيا، أو إذلالاً له، كما أذل نفسه في الدنيا، وأراق ماء وجهه بالسؤال.

1300 -

وقال: "لا تُلْحِفوا في المَسأَلةِ، فوالله لا يَسألُني أَحَدٌ منكُم

ص: 442

شيئًا فتُخرِجُ له مَسأَلتُه منِّي شيئاً وأَنا لهُ كارِهٌ، فيُبارَكَ لهُ فيما أَعطيتُهُ".

"وعن معاوية أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تُلحِفوا في المسألة": [من] الإلحاف، وهو: الإلحاح، والمسألة مصدر بمعنى: السؤال.

"فوالله لا يسألني أحد منكم شيئاً، فتُخرِج له مسألتُهُ مني شيئاً وأنا له كارهٌ": الواو فيه للحال.

"فيبارك": بالنصب جواباً للنفي؛ أي: فلا يبارك له.

"فيما أعطيته": على تقدير الإلحاف في المسألة.

1301 -

وقال: "لأَنْ يأخُذَ أحدكُم حَبْلَهُ فيأتيَ بحِزْمَةِ حطَبٍ على ظَهْرِه، فيبيعَها، فيَكُفَّ الله بها وجْههُ؛ خَيْرٌ له مِنْ أَنْ يَسأَلَ الناسَ أَعطَوهُ أو مَنَعوه".

"وعن أبي هريرة رضي الله عنه، وزُبيرِ بن العوَّام: أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لأنْ يأخذَ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة حطب على ظهره": الحزمة بضم الحاء: قدر ما يُحمَلُ بين العضدين والصدر، وتستعمل فيما يحمل على الظهر من الحطب.

"فيبيعها": منصوب على تقدير (أن)؛ أي؛ فإن يبيع تلك الحزمة.

"فيكفُّ الله بها وجهه"؛ أي: يمنع بسببها إراقة ماء وجهه بالسؤال.

"خير له من أن يسأل الناس؛ أعطوه أو منعوه".

1302 -

وقال حَكِيْمُ بن حِزَامٍ: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأَعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم قال لي: "يا حَكِيْمُ!، إن هذه المَال خَضرةٌ حُلْوٌ، فمن أخذَه

ص: 443

بِسَخَاوَةِ نفْسٍ بُورِكَ له فيه، ومَنْ أَخذَه بإشرافِ نفْسٍ لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكْلُ ولا يَشْبَعُ، واليدُ العُليا خيرٌ من اليَدِ السُّفْلى"، قالَ حكيم: فقلت: يا رسولَ الله!، والذي بعثَكَ بالحقِّ لا أَرْزَأُ أَحَداً بعدَك شيئاً حتى أُفارقَ الدُّنيا".

"وقال حكيم بن حزام: سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأعطاني، ثم سألت فأعطاني، ثم قال لي: يا حكيم! إن هذا المال خَضرٌ" بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين: وهو الطري الناعم.

"حُلو" بضم الحاء: هو ما يميل إليه الطبع السليم.

وقيل: الخضر يكون في العين طيباً، والحلو يكون في الفم طيبًا، ولا، حملَّ العينُ من النظر إلى الخضر، ولا يملُّ الفم من أكل الحلو، فكذلك النفس حريصة بجمع المال لا تمل منه.

"فمن أخذه بسخاوة نفس"؛ أي: نفس المعطي واختياره من غير حرص من السائل، بحيث لو لم يعطه لتركه، ولم يسأله، أو المراد: نفس السائل، بأن يكون ذلك كناية عن عدم الإلحاح، أو عن إنفاق الصدقة وعدم مسكها.

"بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس"؛ أي: بطمع النفس والتطلع إليه.

"لم يبارك له فيه، وكان"؛ أي: السائل الآخذ للصدقة في هذه الصورة.

"كالذي يأكل، ولا يشبع": وهذا مرض عظيم ومصيبة جسيمة، وقيل: تشبيه بالبهيمة التي ترعى.

"واليد العليا": وهي المعطية.

"خيرٌ من السفلى": وهي الآخذ السائلة، وقيل: السفلى المانعة.

"قال حكيم: فقلت: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق، لا أرْزَأُ أحداً"؛ أي: لا أنقص مال أحد بالسؤال والأخذ منه.

ص: 444

"بعدك"؛ أي: بعد سؤالك هذا شيئًا.

"حتى أفارق الدنيا"؛ يعني: لا أسأل أحداً بعد هذه المرة إلى أن أموت.

1303 -

وقال: "اليدُ العُليا خيرٌ من اليدِ السُّفلى".

1304 -

"واليدُ العُليا هي المنفقةُ، والسُّفلى السَّائلة".

"وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال وهو على المنبر، وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة".

1305 -

وقال أبو سعيد: إنَّ أُناساً من الأَنصارِ سأَلوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأَعطاهُم، ثمَّ سألوه فأَعطاهم، حتَّى نَفِذَ ما عندَه، فقال:"ما يكونُ عِنْدي مِنْ خَيرٍ فلَنْ أَدَّخرَه عنكُم، ومَن يَستعِفَّ يُعِفُّه الله، ومن يَستَغْنِ يُغنِهِ الله، ومَن يَتَصبَّر يُصبره الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيراً وأَوسعَ مِن الصَّبر".

"وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: إن أناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده"؛ أي: فني.

"فقال: ما يكون عندي من خير": (ما) خبرية؛ أي: كل شيء لي من المال أعطيكم.

"فلن أدخره"؛ أي: لم أمنعه.

"عنكم، ومن يستعف": وفي بعض النسخ: (ومن يستعفف)، كلاهما

ص: 445

بمعنى؛ أي: يطلب العفة، وهي الكف عن الحرام.

"يعفه الله"؛ أي: يعطيه العفة؛ يعني: من قنع بأدنى قوت وترك السؤال، يُسهِّل عليه القناعة.

"ومن يستغن"؛ أي: يظهر من نفسه الغناء، ويترك السؤال.

"يغنه الله"؛ أي: يجعله غنياً.

"ومن يتصبر"؛ أي: أمر نفسه بالصبر، وكلَّفها عليه.

"يصبره الله"؛ أي: يسهِّل الصبر عليه.

"وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسعَ عليه من الصبر"؛ لأن نفعه عام موجود في كل ما يشقُّ على النفس من الفقر والطاعات وغيرهما.

1306 -

قال عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه؛ كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُعطيني العَطاءَ، فَأقولُ: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي، فقال:"خُذْهُ فتَمَوَّلْهُ، وتَصدَّقْ به، فما جاءَكَ مِنْ هذا المَالِ وأنتَ غَير مُشرِفٍ ولا سائِلٍ فَخُذْهُ، وما لا فلا تتبعه نفْسَكَ".

"وقال عمر بن الخطاب: كان النبي عليه الصلاة والسلام يعطيني العطاء فأقول: أعطه أفقرَ"؛ أي: أحوج "مني إليه، فقال: خذه فتموَّله"؛ أي: أدخله في مالك.

"وتصدق به، فما جاءك من هذا المال": إشارة إلى جنس المال، أو إلى الذي أعطاه صلى الله عليه وسلم.

"وأنت غيرُ مُشرِف"؛ أي: غير طامعٍ، ولا ناظرٍ إليه.

"ولا سائلٍ، فخذه"؛ أي: فاقبله، وتصدق به إن لم تكن محتاجاً.

"وما لا"؛ أي: وما لا يأتيك بلا سؤال.

ص: 446

"فلا تتبعهُ نفسَك"؛ أي: فلا تجعل نفسك تابعة له، ولا توصل المشقة إليها في طلبه.

مِنَ الحِسَان:

1307 -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المَسائلُ كُدُوحٌ يَكدَحُ بها الرجلُ وجههُ، إلا أنْ يَسأَلَ ذا سُلْطانٍ، أو في أَمرٍ لا يَجدُ منه بُدًّا".

"من الحسان":

" عن سمرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: المسائلُ": جمع مسألة بمعنى: السؤال.

"كَدوحٌ": بفتح الكاف بناء مبالغة من (الكدح)، وهو: الجرح.

وقيل: الكدح: كل أثر من خدش، أو عض، والجمع كُدوح بضم الكاف.

"يكدح بها الرجل وجهه" يعني: يريق بالمسألة ماء وجهه، فكأنه جرحه.

"إلا أن يسأل ذا سلطان"؛ أي: ذا حكم وملك بيده بيت المال، فيعطيه منه إن كان مستحقاً.

"أو في أمر لا يجد منه بداً": كالمذكورين في حديث قَبيصة.

1308 -

وقال: "مَن سألَ الناسَ ولهُ ما يُغنيهِ جاءَ يومَ القيامةِ ومَسْأَلتُه في وجْهِهِ خُمُوشٌ، أو خُدُوشٌ، أو كُدُوحٌ"، قيل: يا رسولَ الله!، وما يُغْنيهِ؟، قالَ:"خمسونَ دِرهماً، أو قِيْمتُها مِنَ الذَّهَبِ".

ص: 447

" عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم: من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة في وجهه خُموش": جمع خمش، "أو خُدوش": جمع خدش، "أو كدوح": جمع كدح؛ بمعنى واحد، وهو علامة مثل الجراحة.

قيل: الخمش جراحة في اللحم، والخدش في الجلد، والكدح فوق الجلد.

قيل: (أو) هذه للشك من الراوي، ويجوز أن يكون الكل من النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل الترتيب بين منازلَ السائلين في الذل والهوان لمَّا كانوا متفاوتين في السؤال على ثلاثة مراتب؛ مستقل، ومتوسط، ومستكثر.

"قيل: يا رسول الله! وما يغنيه؟ قال: خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذهب": وهذا يدل على أن مَنْ ملك خمسين درهمًا، أو مثلها من جنس آخر، فهو غنيٌّ لا تحل له المسألة.

* * *

1309 -

وقال: "مَنْ سأَلَ وعنده ما يُغنيهِ فإنما يستكثر من النارِ"، قالوا: يا رسول الله، وما يُغنيهِ؟، قال:" قدرُ ما يُغديِّه، أو يُعشِّيه".

وفي روايةٍ: "شِبَعُ ليلةٍ ويومٍ".

وقال: "مَنْ سأَلَ منكم وله أُوقَّيةٌ أو عِدْلُها؛ فقد سأَلَ إلْحافًا".

"وعن سهل بن الحنظلية أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم: من سأل الناس وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار"؛ يعني: من جمع أموال الناس بالسؤال من غير ضرورة، فكأنه يجمع لنفسه نار جهنم.

ص: 448

"قالوا: يا رسول الله! وما يُغنيه؟ قال: قدر ما يُغدِّيه"؛ أي: يطعمه طعام غدائه.

"ويُعشِّيه"؛ أي: يطعمه طعام عشائه؛ يعني: من كان له قوت هذين الوقتين لا يجوز له أن يسأل في ذلك اليوم صدقة التطوع.

"وفي رواية: شبْع يوم وليلة": بسكون الباء: ما يشبع، وبفتحها المصدر.

"عن عطاء، عن رجل من بني أسد أنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: من سأل منكم وله أوقية"؛ أي: أربعون درهمًا "من الفضة، أو عدلها"؛ أي: مثلها من ذهب، أو مال آخر.

"فقد سأل إلحافاً"؛ أي: إلحاحًا من غير اضطرار، وهذا في حقِّ من يكفيه أربعون درهمًا.

* * *

1310 -

وقال: "إنَّ المَسأَلةَ لا تَحِلُّ لغنيٍّ، ولا لذي مِرَّةٍ سَوِيٍّ إلا لذي فَقْرٍ مُدْقعٍ، أو لذي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، ومَنْ سألَ الناسَ ليُثريَ بهِ مالَه كانَ خُموشًا في وجههِ يومِ القيامةِ، ورَضْفًا يأْكلُه مِن جهنمَ، فمن شاءَ فليُقِلَّ، ومن شاءَ فليُكثر".

"عن حُبْشِي بن جنادة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن المسألة لا تحل لغنيٍّ، ولا لذي مرة سويٍّ": مرَّ معناهما.

"إلا لذي فقر مُدقع": وهو الفقر الشديد المفضي بصاحبه إلى الدقعاء، وهي التراب؛ أي: الالتصاق به لشدته؛ يعني: لا يكون عنده ما يُستَرُ به.

"أو لذي غرم مفظع": وهو الدين الشديد الشنيع المثقل.

هذا لفظ الحديث، لكن الحكم جواز السؤال لأداء الدَّين، وإن كان

ص: 449

قليلًا، فتحل له الصدقة، فيعطى من سهم الغارمين.

"ومن سأل الناس ليثريَ به"؛ أي: بالسؤال.

"ماله": يقال: أثرى الرجل: إذا أكثر ماله.

"كان خُموشًا في وجهه يوم القيامة، ورَضْفًا": وهو الحجر المحمي.

"يأكله من جهنم": والمراد به التحريق.

"فمن شاء فليُقلَّ، ومن شاء فليُكثر".

* * *

1312 -

ويُروى: "إنَّ المَسألةَ لا تَصلُحُ إلا لثَلاثةٍ: لذي فَقْرٍ مُدْقِع، أو لِذِيْ كُرْمٍ مُفْظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجِعٍ".

"وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدقعٍ، أو لذي غرم مُفظِعٍ، أو لذي دم مُوجِعٍ": وهو المتحمل دية عمن ليس له ولا لأوليائه مالٌ، ولم تؤدَّ أيضًا من بيت المال، فيجوز لشخص السعي فيها والسؤال لها؛ ليؤديها إلى أولياء المقتول لتنقطع الخصومة، وإلا قتل المتحمل عنه، وهو أخوه، أو حميمه، فيوجعه قتله.

* * *

1313 -

وقال: "مَن أصابَتهُ فاقةٌ فأنزلَها بالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فاقتُه، ومن أنزلَها بالله أَوْشَكَ الله له بالغِنى، إمَّا بموتٍ عاجِلٍ، أو غِنًى عاجِلٍ".

"وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصابته فاقة فأنزلها بالناس"؛ أي: عرضها لهم، وطلب منهم إزالة فقره.

ص: 450