الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - باب البُكاء على المَيت
(باب البكاء على الميت)
مِنَ الصِّحَاحِ:
1221 -
قال أنس رضي الله عنه: دخلنا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على أبي سَيْفٍ القَيْنِ - وكان ظِئراً لإبراهيمَ - فأخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إبراهيمَ فَقَبَّلَهُ وشمَّه، ثم دخلنا عليهِ بعدَ ذلكَ، وإبراهيمُ يجودُ بنفسه، فجعلَتْ عينا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تَذْرِفَانِ، فقالَ له عبدُ الرحمن بن عَوْفٍ: وأنتَ يا رسولَ الله؟، فقَالَ:"يا ابن عوفٍ! إنها رحمةٌ"، ثم أتبَعَها بأُخرى فقال:"إن العينَ تَدمعُ، والقلب يحزنُ، ولا نقولُ إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفِراقِكَ يا إبراهيم لَمَحْزُونون".
"من الصحاح":
" قال أنس: دخلنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أبي سيف": زوج أم سيف.
"القين"؛ أي: الحداد.
"وكان ظئراً لإبراهيم": ابن النبي عليه الصلاة والسلام، (الظئر): المربي والمرضع للطفل، يقع على الذكر والأنثى، والأصل فيه العطف، وسمي زوج المرضعة ظئراً؛ لأن اللبن منه، فصار بمثابة الأب في العطف.
"فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إبراهيمَ فقبَّله وشمه"؛ أي: وضع أنفه ووجهه على وجهه، كمن يشمُّ رائحة، وهذا يدل على أن محبة الأطفال والترحم بهم سنة.
"ثم دخلنا عليه بعد ذلك"؛ أي: بعد أيام.
"وإبراهيم يجود بنفسه": وهو يتردد في الفراش؛ لكونه في النزع والغرغرة.
"فجعلت عينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تذرفان"؛ أي: تدمعان، وتجريان بالدموع.
"فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت": عطف على مقدر؛ أي: الناس يبكون، وأنت "يا رسول الله تبكي"، كما يبكي غيرك؟؛ يعني: تتفجع للمصائب، وقد نهيتنا عن الجزع، وأمرتنا بالصبر على المصيبة؟ فأجاب عليه الصلاة والسلام بقوله:
"يا ابن عوف! إنها"؛ أي: الحالة التي تشاهدها مني "رحمةٌ" ورقَةٌ على المقبوض تنبعث عمَّا هو عليه، لا ما توهَّمت من الجزع وقلة الصبر.
"ثم أتبعها"؛ أي: أتبعَ النبي عليه الصلاة والسلام الدمعةَ الأولى "بأخرى"، وأتبع الكلمة المذكورة، وهي أنها رحمة بكلمة أخرى.
"فقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون": وهذا يدل على أنه إذا لم يقل بلسانه شيئًا من الندب والنياحة، وما لا يرضاه الله تعالى، فلا بأسَ بالبكاء.
* * *
1222 -
وقال أُسامة بن زيد: أَرْسَلَتْ ابنةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إليه: إن ابنًا لي قُبضَ فأْتِنَا، فأرسلَ يُقْرِئُ السلامَ ويقول:"إنَّ للهِ ما أَخَذَ وله ما أَعْطَى، وكلُّ عندَه بأجَلٍ مسمًّى، فلتصبرْ ولتحتسبْ"، فَأَرْسَلَتْ إليه تُقْسِمُ عليه ليأتينها، فقامَ ومعَه سعدُ بن عُبادَةَ، ورجالٌ، فَرُفع إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الصبيُّ ونْفسُه تتَقَعْقَعُ، ففاضَتْ عيناهُ، فقال سعدٌ: يا رسولَ الله!، ما هذا؟، قال:"هذه رحمةٌ جعلَها الله في قُلوبِ عبادِهِ، فإنما يرحمُ الله من عبادِه الرحماءَ".
"قال أسامة بن زيد: أرسلت ابنة النبيِّ عليه الصلاة والسلام إليه صلى الله تعالى عليه وسلم: إن ابنًا لي قُبضَ"؛ أي: في حال القبض ومعالجة النزع.
"فأتنا، فأرسل"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام أحدًا إلى ابنته؛ ليقول لها: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم "يُقرِئ السلامَ ويقول: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلُّ شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبرْ ولتحتسب"؛ أي: لتطلب الثواب من الله تعالى بالصبر.
"فأرسلت"؛ أي: ابنة النبي عليه الصلاة والسلام إليه مرة أخرى.
"تقسم عليه ليأتينها"؛ أي: تقول له: أقسمت عليك أن تأتيني.
"فقام ومعه سعد بن عبادة ورجال، فرُفِعَ إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الصبيُّ"؛ أي: وضعه أحدٌ في حجره عليه الصلاة والسلام.
"ونفسه تتقعقع"؛ أي: تضطرب وتتحرك؛ لكونه في النزع.
"ففاضت عيناه"؛ أي: نزل الدمع من عيني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
"فقال سعد: يا رسول الله! ما هذا"؛ أي: ما هذا البكاء منك؟
"قال: هذه"؛ أي: التبكية من رقة القلب (رحمة جعلها الله في قلوب عباده"، وهذه صفة محمودة.
"وإنما يرحم الله من عباده الرُّحماء": جمع الرحيم؛ بمعنى: الراحم.
* * *
1223 -
وقال عبدُ الله بن عُمرَ: اشتكَى سعدُ بن عُبادَةَ شَكْوى، فأتَاهُ النبي صلى الله عليه وسلم يعودُهُ مع عبدِ الرحمن بن عَوفٍ، وسعدِ بن أبي وقَّاص، وعبدِ الله بن مسعودٍ رضي الله عنهم، فلما دخلَ عليه وجدَه في غاشِيةٍ، فبكَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلما رَأَى القومُ
بُكاءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بَكَوا، فقال:"ألا تَسْمَعون؟، إن الله لا يُعَذِّبُ بدمعِ العينِ، ولا بحُزْنِ القْلبِ، ولكن يعذبُ بهذا - وأشار إلى لسانِهِ - أو يرحمُ، وإن الميتَ ليُعَذَّبُ ببكاءِ أهلِهِ عليه".
"وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: اشتكى سعد بن عبادة شكوى"؛ أي: مرض مرضًا.
"فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فلما دخل وجده في غاشية"؛ أي: في شدة من المرض، ولم يرد به حال الموت؛ لأنه لم يمت في مرضه ذلك، بل عاش بعد النبي عليه الصلاة والسلام مدة، وتوفي في خلافة عمر رضي الله عنه.
"فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، بكوا فقال: ألا تسمعون"؛ أي: أما سمعتم؟ وأما علمتم؟
"إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا؛ وأشار إلى لسانه"؛ أي: يأثم بما يصدر من لسانه إن [كان] شراً من ندبة، أو نياحة، أو غيرهما.
"أو يرحم": بهذا إن خيراً مثل أن يقول: إنالله وإنا إليه راجعون، أو يترحم عليه، أو يستغفر له.
"وإن الميتَ ليعذبُ ببكاء أهله عليه": قيل: هذا محمول على ما إذا أوصى أهله أن يبكوا عليه، ويشقوا ثيابهم، ويضربوا خدودهم، كما كان يفعل أهل الجاهلية، فيكون آمراً بمعصية وراضياً بها؛ لأن الله تعالى قال:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
* * *
1224 -
وقال: "ليس منا مَن ضرَبَ الخدود، وشَق الجيوبَ، ودعا بدعَوى الجاهليةِ".
"وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ليس منا"؛ أي: من أهل سنتنا.
"من ضربَ الخدود وشقَّ الجيوب": عند المصيبة.
"ودعا بدعوى الجاهلية"؛ أي: قال عند البكاء ما يقول أهل الجاهلية مما لا يجوز شرعًا.
* * *
1225 -
وقال: "أنا بريءٌ ممن حَلَقَ، وسَلَقَ، وخَرَقَ".
"وعن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أنا بريءٌ ممن حلقَ"؛ أي: حلق الشعر عند المصيبة إذا حلَّت به، وكان من عادة العرب إذا مات لأحدهم قريب أن يحلق رأسه، كما أن عادة العجم قطع بعض شعر الرأس، وقيل: أراد به التي تحلق وجهها للزينة.
"وسَلَقَ"؛ أي: صاح ورفع صوته بالبكاء والنَّوح، وقيل: السلقُ: اللطمُ والخدش.
"وخَرَقَ"؛ أي: شقَّ ثوبه عند المصيبة، وكان الجميع من صنيع الجاهلية.
* * *
1226 -
وقال: "أربعٌ في أُمَّتي من أمرِ الجاهليةِ لا يتركُونهَن: الفخْرُ في الأَحسابِ، والطَّعنُ في الأنسابِ، والاستسقاءُ بالنُّجومِ، والنِّياحةُ".
وقال: "النائحةُ إذا لم تتبْ قبلَ موتها، تُقامُ يومَ القيامَةِ وعليها سِرْبالٌ من
قَطِرَانٍ ودِرْعٌ من جَرَبٍ".
"وعن أبي مالك الأشعري أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أربع"؛ أي: أربع خصال.
"في أمتي من أمر الجاهلية"؛ أي: من أفعال أهلها.
"لا يتركونهن": أراد أن الأمة بأسرها لا يتركونهن تركهم غيرها، بل إن تركها طائفة فعلها أُخرى.
"الفخر في الأحساب"؛ أي: في شأن الأحساب: جمع حسب، وهو: ما يعده الرجل من مفاخر آبائه من الخصال المحمودة التي تكون فيه كالشجاعة والفصاحة وغيرهما، وقيل: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن لآبائه شرفٌ فيفضل نفسه، ويحقر غيره.
"والطعن في الأنساب": وهو أن يعيب في نسب أحد، ويفضل آباءه على آبائه.
"والاستسقاء بالنجوم"، أي: طلب السُّقيا عند وقوع النجوم، كما كانوا يقولون: مُطرنا بنوء كذا؛ أي: لا يجوز اعتقاد نزول المطر بسبب ذلك.
"والنياحة": وهي أن يقول: واويلاه، واحزناه، وقيل: هي: الصوت التي تعد [به] المرأة خصالَ الميت.
"وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: النائحة إذا لم تتبْ قبل موتها"؛ أي: قبل حضور موتها؛ لأن من شرط التوبة أن يتوبَ، وهو يأمل البقاء.
"تقام يوم القيامة": بين أهل الموقف.
"وعليها سِربالٌ"؛ أي: قميص.
"من قطِران"؛ أي: - بكسر الطاء - طلاء يُطلَى به الإبل الجَرْبَى، فيحرق
بحدته وحرارته الجرب.
"ودرع من جرب": خصت النائحة بهذا النوع من الوعيد؛ لأنها كانت تلبس الثياب السود في المصائب، وتجرحُ القلوب بكلماتها المبكية، وتخمشُ وجهها عندها، فألبسها الله قميصاً من قطران، ودرعًا من جرب بأن يسلط عليها، فيغطي جلدها تغطية الدرع، ويجمع لها بين حدة القطران وحرارته وحرقته وسواده ونتنه، وبين الجرب الذي لا صبرَ لها معه إلا بمزق الجلد وتقطيع اللحم؛ لتذوق وبال أمرها.
* * *
1227 -
وقال أنسٌ رضي الله عنه: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأةٍ تبكي عندَ قبرٍ، فقال:"اتقي الله واصْبري"، فقالت: إليكَ عَنِّي، فإنك لم تُصَبْ بمصيبَتي - ولم تعرفه - فقيلَ لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتَتْ بابَ النبي صلى الله عليه وسلم، فَلَم تَجدْ عندَه بَوابينَ، فقالت: لم أعرفْكَ، فقال:"إنما الصبرُ عند الصَّدمةِ الأُولى".
"وقال أنس: مر النبي عليه الصلاة والسلام بامرأة تبكي عند قبر فقال "اتقي الله واصبري، قالت: إليك": اسم فعل؛ أي: تنحَّى "عني"، ولا تلمني.
"فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها": بعدما ذهب صلى الله عليه وسلم.
"إنه النبي عليه الصلاة والسلام"، فندمت على ما جاوبته عليه الصلاة والسلام.
"فأتت باب النبي عليه الصلاة والسلام، فلم تجد عنده بوَّابين": كما هو عادء الملوك الجبابرة.
"فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى"؛ أي:
الصبر المرضي المثاب عليه إنما هو عند ابتداء المصيبة ولحوق المشقة، وأما إذا طالت الأيام عليها، فيصير الصبرُ طبعاً، فلا يؤجر عليه.
* * *
1228 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتُ لمسليم ثلاثة من الوَلَدِ فيَلِجَ النارَ إلا تَحِلَّةَ القَسَم".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد، فيلجُ النار"؛ أي: لا يدخلها، والمعنى هنا: نفي الاجتماع لاعتبار السببية، فالتقدير: لا يجتمع موت الأولاد وولوج النار.
"إلا تَحِلَّةَ القسم": استثناء من قوله: (فيلج).
(تحلة) بكسر الحاء: مصدر حللت اليمين؛ أي: أبررتها، تحلة القسم: ما يفعله الحالف مما قسم عليه مقدارَ ما يكون بارًا في قسمه بأن يمر على النار بلا ضررِ منها، والقسم:{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ. . . كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 68 - 71].
* * *
1229 -
وقال لِنِسْوَةٍ من الأنصارِ: "لا يموتُ لإحداكُنَّ ثلاثةٌ من الولد فتحتسبَهُ إلا دخلَتْ الجنةَ"، فقالت امرأة: واثنانِ يا رسول الله؟، قال:"واثنانِ".
وفي روايةٍ: "ثلاثةٌ لم يبلغوا الحِنْثَ".
قال ابن شُميل: معناه قبل أن يبلغوا فيُكتبَ عليهم الأثمُ.
"وعنه أنه قال قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لنسوة من الأنصار: لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد، فتحتسبه"؛ أي: تحتسب موته ثواباً عند الله بالصبر عليه، وتعتده فيما يُدَّخَرُ عند الله.
"إلا دخلت الجنة، فقالت امرأة: أو اثنين يا رسول الله! قال: أو اثنين".
"وفي رواية: ثلاثة لم يبلغوا الحِنْثَ"؛ أي: الحد الذي يكتب عليه الحنث، وهو الإثم.
* * *
1230 -
وقال: "يقولُ الله تعالى: ما لِعَبْدي المُؤمنِ عندي جزاءٌ إذا قَبَضْتُ صَفِيَّه مِن أهلِ الدنيا ثم احتسَبَهُ إلا الجنة".
"عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: يقول الله تعالى: ما"؛ أي: ليس "لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضتُ صفيَّه من أهل الدنيا": صفي الرجل: الذي يصافيه الودَّ ويخلصه له، فعيل بمعنى: فاعل أو مفعول، وقيل: إنه ولدٌ لا يكون له غيره.
"ثم احتسبه"؛ أي: صبر عليه؛ طلباً للثواب من الله تعالى، وضمير المفعول للصفي.
"إلا الجنة"؛ أي: ما له جزاء إلا الجنة.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1231 -
عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّائِحَةَ والمُستمعة.
"من الحسان":
" عن أبي سعيد الخدري أنه قال: لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم النائحة والمستمعة".
* * *
1232 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَجَباً للمؤمن!، إنْ أصابَهُ خيرٌ حَمِدَ الله وشَكَرَ، وإنْ أصابَتْهُ مصيبة حَمِدَ الله وصبَر، فالمؤمن يؤجر في كلِّ أمرِهِ، حتى في اللُّقمةِ يرفعُها إلى في امرأتِهِ".
"وعن سعد بن أبي وقاص أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: عجباً للمؤمن": أصله: أعجب عجبًا، فعدل من النصب إلى الرفع للثبات، كقولك: سلام عليك.
"إن أصابه خير حمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر": حمده عند المصيبة لعلمه بما يثاب عليه من الثواب العظيم، والثواب نعمةٌ، فحمدَ الله لذلك، يدل على أن الحمد محمود عند النعمة وعند المصيبة.
"فالمؤمن يؤجر في كل أمره": من الأمور المباحة، فإنه إذا نوى به الطاعة انقلب المباح مثابًا عليه، ألا ترى أنه لو قصد بالنوم زوال الكلال والملال؛ ليقوم لصلاة الصبح عن النشاط، وبالأكل قوة بدنه؛ ليقدر على الطاعة، لكان مثابًا فيه؟! "حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته"؛ أي: إلى فمها.
* * *
1233 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مُؤمنٍ إلا وله
بابانِ بابٌ يصعدُ منهُ عملهُ، وبابٌ ينزلُ منه رِزْقُهُ، فإذا ماتَ بَكَيَا عليه، فذلكَ قوله عز وجل:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} ".
"عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما من مؤمن إلا وله بابان من السماء: بابٌ يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه": وجه بكائهما عليه: أن الله تعالى خلق السماء والأرض لعباده من الملائكة والجن والإنس، فمن صدر منه خيرٌ تحبه السماء والأرض، وما كان من السماء والأرض مشغولاً به يبكي بفراقه؛ لانقطاع خيره منه.
وأما الكافر؛ فتتأذى به السماء والأرض؛ لصدور الشر والكفر منه، فيفرحان بموته، ولا يبكيان عليه.
"فذلك قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29] ".
* * *
1234 -
عن ابن عباس قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَن كانَ له فَرَطَانِ من أمتي أدخلَهُ الله بهما الجنةَ"، فقالت عائشةُ رضي الله عنها: فَمَن كانَ له فَرَطٌ مِن أمتِكَ؟، قال:"وَمَن كانَ له فَرَط يا مُوَفَّقة"، فقالت: فمَن لم يكن له فَرَط من أمَّتك؟، فقال:"فأنا فَرَط أمَّتي، لن يُصابوا بمِثلي"، غريب.
"وعن ابن عباس: أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من كان له فَرَطان": بفتحتين، أي: ولدان لم يبلغا أوانَ الحلم، بل ماتا قبله.
"من أمتي، أدخله الله تعالى بهما الجنةَ": والمعنى: أنهما يتقدمان والديهما! فيهيـ[ئان] لهمـ[ـا] في الجنة نزلاً ومنزلاً، كما يتقدم فارطُ القافلة، وهو: الذي يسبقهم، فيعيِّنُ لهم المنازل وغيرها مما يحتاجون إليه.
"فقالت عائشة رضي الله عنها: فمن كان له فرط من أمتك"؛ يعني: مات
له ولد واحدٌ، فهل له هذا الثواب؟
"قال: ومن كان له فرط"؛ أي: من كان له ولد واحد، فله هذا الثواب.
"يا موفَّقة": وإنما قال لها ذلك؛ لأنها قد نور الله قلبها بحسن السؤال عن أسباب المثوبات شفقةً على الأمة، ولا شك أن ذلك توفيق من الله الكريم لها، عدا ما كانت عليه من الحرص على تعلم الأحكام الشرعية، ثم تبليغها إلى الأمة، وأيُّ توفيق أبلغ من ذلك؟
"فمن لم يكن له فرط من أمتك قال: فأنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي"؛ أي: أنا مصيبتهم العظمى التي أصيبوا بها، فإنه عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين وأمنة لأصحابه، فأي مصيبة أعظم من فقده؟
"غريب".
* * *
1235 -
وقال: "إذا مات ولدُ العبدِ؛ قال الله لملائكتِهِ: قَبَضْتُم ولَد عبدي؟، فيقولونَ: نعم، فيقول قَبَضْتُم ثَمَرَةَ فؤادِهِ؟، فيقولون: نعم، فيقولُ: ماذا قالَ عبدي؟، فيقولون: حَمِدَكَ واسْتَرْجَعَ، فيقولُ الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنةِ، وسَمُّوهُ بيتَ الحمدِ".
"وقال أبو موسى الأشعري: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولدَ عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول الله تعالى: قبضتم ثمرة فؤاده؟ ": قيل للولد: ثمرة الفؤاد؛ لأنه نتيجة الأب، كالثمرة نتيجة الشجرة.
"فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع"؛ أي: قال: إنا الله وإنا إليه راجعون.
"فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيتَ الحمد"؛ أي: اجعلوا اسم ذلك البيت بيت الحمد، أضاف ذلك البيت إلى الحمد الذي قاله عند المصيبة؛ لأنه يكون جزاءَ ذلك الحمد.
* * *
1236 -
وقال: "مَنْ عَزَّى مصاباً فله مثلُ أجرِه".
"وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من عزَّى مصاباً"؛ أي: حمله على الصبر بوعد الأجر، والتعزية أن يقول: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، وغفر لميتك، و (العزاء) بالمد: الصبر.
"فله مثل أجره"؛ أي: مثل أجر صبره به.
* * *
1237 -
عن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَزى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا في الجنَّةِ"، غريب.
"وعن أبي برزة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من عزَّى ثَكلى": وهي المرأة التي مات ولدها، أو التي لا يعيشُ لها ولد.
"كُسِي برداً في الجنة".
"غريب".
* * *
1238 -
وروي: أنّه لمَّا جاءَ نَعْيُ جَعْفرَ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصنَعُوا لآلِ جعفرٍ طعاماً، فقد أتاهُمْ ما يَشْغَلُهم".