الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- فلم يدر إلا الله ما هيّجت لنا
…
عشية آناء الديار وشامها (65)
فقدم الفاعل وهو محصور على المفعول وما موصولة وهى مفعول مقدم بأخر وصلتها انحصر وبإلا متعلق بانحصر وفهم من قوله قد يسبق أن ذلك قليل وأن ذلك لا يكون إلا مع إلا لأن القصد لا يظهر إلا معها. ثم قال:
وشاع نحو خاف ربّه عمر
…
وشذّ نحو زان نوره الشّجر
يعنى أن تقديم المفعول الملتبس بضمير الفاعل على الفاعل كثير وهو قوله خاف ربه عمر فربه مفعول مقدم ملتبس بضمير الفاعل وإنما كثر ذلك لأن الضمير وإن كان عائدا على ما بعده فإن المفسر للضمير مقدم فى النية لأن تقديمه هو الأصل وقوله: (وشذ نحو زان نوره الشجر) يعنى أن تقدم الفاعل الملتبس بضمير المفعول على المفعول قليل وإنما قلّ ذلك لأن الضمير الملتبس به عائد على متأخر لفظا ورتبة لأن المفعول فى نية التأخير. ونحو فاعل بشاع وهو على حذف مضاف والتقدير شاع نحو قولك وكذلك شذ.
النائب عن الفاعل
يسمى النائب عن الفاعل ويسمى المفعول الذى لم يسم فاعله. قوله:
ينوب مفعول به عن فاعل
…
فيما له كنيل خير نائل
يعنى أن الفاعل يحذف وينوب عنه المفعول به. وقوله فيما له أى فيما استقر له من الأحكام كوجوب الرفع والتأخير وعدم الحذف وتسكين آخر الفعل الماضى معه ولحاق تاء التأنيث فى الماضى إذا كان مؤنثا ثم مثل بقوله: (كنيل خير نائل) أصله نلت خير نائل فلما حذف الفاعل ارتفع المفعول به لنيابته عنه. ولما كانت نيابة المفعول به عن الفاعل مشروطة بتغيير فعل الفاعل عن بنيته إلى بنية تدل على النيابة نبه على ذلك بقوله:
(65) البيت من الطويل، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 999، والدرر 2/ 289، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 2/ 131، وتخليص الشواهد ص 487، وشرح الأشمونى 1/ 177، وشرح ابن عقيل ص 248، والمقاصد النحوية 2/ 493، والمقرب 1/ 55، وهمع الهوامع 1/ 161.
والشاهد فيه قوله: «فلم يدر إلا الله ما» حيث قدّم الفاعل المحصور ب «إلّا» ، وهو لفظ الجلالة، على المفعول «ما» وهذا غير جائز عند جمهور النحاة، وكان الكسائى يسوّغه فى الشعر.
فأوّل الفعل اضممن والمتّصل
…
بالآخر اكسر فى مضىّ كوصل
واجعله من مضارع منفتحا
…
كينتحى المقول فيه ينتحى
يعنى أن أول الفعل المبنى للمفعول يضم، وشمل الماضى والمضارع فإنهما يشتركان فى ضم الأول فإن كان ماضيا كسر ما قبل آخره وإلى ذلك أشار بقوله:(والمتصل * بالآخر اكسر فى مضىّ) ثم مثل ذلك بقوله: (كوصل) وأصله وصلت الشئ فحذف الفاعل وأقيم المفعول به مقامه فتغير فعل إلى فعل وإن كان مضارعا فتح ما قبل الآخر، وإلى ذلك أشار بقوله:(واجعله من مضارع منفتحا) أى اجعل ما قبل الآخر من المضارع
منفتحا ثم مثل بقوله: (كينتحى المقول فيه ينتحى) فقوله وأوّل الفعل مفعول مقدم باضممن والمتصل مفعول مقدم أيضا باكسر وفى متعلق باكسر وبالآخر متعلق بالمتصل والهاء فى اجعله عائدة على ما قبل الآخر ومن مضارع متعلق باجعله ومنفتحا مفعول ثان باجعل والمقول نعت لينتحى وفيه متعلق بالمقول وينتحى محكى بالمقول ويجوز ضبط المقول بالضم فيكون قد تمّ الكلام عند قوله كينتحى ثم استأنف فالتقدير على هذا واجعله من مضارع كينتحى منفتحا فالمقول فيه إذا على هذا العمل الذى هو ضم الأول وفتح ما قبل الآخر ينتحى فينتحى على هذا الوجه خبر عن المقول لا محكى وبالأول جزم المرادى. ثم إن ضم الأول فى الماضى والمضارع وكسر ما قبل الآخر فى الماضى وفتحه فى المضارع مطرد فى جميع الأفعال المبنية للمفعول وقد يضم إلى ذلك فى بعض الأفعال تغيير آخر، وذلك فى نوعين: الأول أن يكون أول الفعل الماضى تاء المطاوعة، وإلى ذلك أشار بقوله:
والثّانى التّالى تا المطاوعه
…
كالأوّل اجعله بلا منازعه
يعنى أن الحرف الثانى من الفعل الماضى المفتتح بتاء المطاوعة يضم أيضا كالأول فتقول فى تعلمت الحساب تعلم الحساب بضم الأول والثانى وفهم من قوله تا المطاوعة أن المراد بالفعل هنا الماضى لأن المضارع لا يفتتح بتاء المطاوعة بل بحرف المضارعة والثانى مفعول بفعل محذوف يفسره اجعله وتاء المطاوعة مفعول بالتالى. وكالأول فى موضع المفعول الثانى لا جعله وبلا منازعة متعلق باجعله وهو تتميم للبيت لصحة الاستغناء عنه. الثانى أن يكون الفعل الماضى مفتتحا بهمزة الوصل وإلى ذلك أشار بقوله:
وثالث الّذى بهمز الوصل
…
كالأول اجعلنّه كاستحلى
يعنى أن الفعل إذا افتتح بهمز الوصل جعل ثالثه مضموما كالأول فتقول فى انطلق انطلق
وفى استحلى استحلى وفهم من قوله بهمز الوصل أن ذلك الفعل لا يكون إلا ماضيا لأن المضارع لا يفتتح بهمزة الوصل. وثالث مفعول بفعل مقدر من باب الاشتغال والذى نعت لمحذوف والتقدير وثالث الفعل الذى ابتدئ بهمز الوصل والعامل فيه ابتدئ وافتتح وليس العامل فيه الكون المطلق وإعراب البيت كإعراب البيت الذى قبله. ثم قال:
واكسر أو اشمم فا ثلاثىّ أعلّ
…
عينا وضمّ جا كبوع فاحتمل
يعنى أن فى الفعل الماضى الثلاثى المعتل العين ثلاث لغات: الأولى إخلاص الكسر وهى المشار إليها بقوله واكسر. الثانية الإشمام وهى المشار إليها بقوله أو اشمم وحقيقته عند الجمهور أن تكون الكسرة مشوبة بشئ
من صوت الضمة وهاتان اللغتان فصيحتان وقرئ بهما فى المتواتر. الثالثة إخلاص الضمة وهى المشار إليها بقوله وضم جا كبوع، ومنه قوله:
- ليت وهل ينفع شيئا ليت
…
ليت شبابا بوع فاشتريت (66)
وشمل قوله فا ثلاثى المفتوح العين نحو باع والمكسور العين كخاف وشمل قوله أعل ما عينه ياء كباع وما عينه واو كقال والأصل فى هذه اللغات كلها فعل بضم الفاء وكسر العين كالصحيح والأصل فى بيع بإخلاص الكسر بيع فاستثقلت الكسرة فى الياء فنقلت إلى الباء وذهبت حركة الياء وسكنت العين لزوال حركتها والأصل فى قيل قول استثقلت أيضا الكسرة فى الواو فنقلت إلى القاف وبقيت الواو ساكنة فقلبت ياء لسكونها وكسر ما قبلها وأما على لغة قول وبوع فإن الكسرة حذفت من حرف العلة فسلمت الواو وقلبت الياء واوا لسكونها وضم ما قبلها وأما على لغة الإشمام فهى مركبة من اللغتين. وفا ثلاثى مفعول باشمم على إعمال الثانى ومفعول اكسر محذوف وأعل فى موضع الصفة لثلاثى وعينا تمييز وضم مبتدأ وسوغ الابتداء به كونه فى معرض التفصيل وخبره جا وقصره ضرورة واحتمل معطوف على جا وكبوع فى موضع الحال من فاعل جا. ثم قال:
وإن بشكل خيف لبس يجتنب
…
وما لباع قد يرى لنحو حبّ
(66) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص 171، والدرر 4/ 26، 6/ 260، وشرح التصريح وشرح شواهد المغنى 2/ 819، والمقاصد النحوية 2/ 524، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 92، وأوضح المسالك 2/ 155، وتخليص الشواهد ص 495، وشرح الأشمونى 1/ 181، وشرح ابن عقيل ص 256، ومغنى اللبيب 2/ 632، وهمع الهوامع 1/ 248، 2/ 165.
والشاهد فيه قوله: «بوع» على لغة بعض العرب، والمشهور «بيع» .
يعنى أنه إذا خيف لبس النائب عن الفاعل بالفاعل بسبب شكل ترك ذلك الشكل الموقع فى اللبس واستعمل الشكل الذى لا لبس فيه وذلك نحو بيع العبد إذا أسندته إلى ضمير المخاطب فقلت بعت يا عبد بإخلاص الكسر لم يعلم هل هو فعل وفاعل أو فعل ومفعول فيترك الكسر ويرجع إلى الضم أو الإشمام وكذلك طلت يا زيد إذا أسندته أيضا إلى ضمير المخاطب فقلت طلت بالضم التبس بفعل الفاعل فترجع إلى الإشمام أو الكسر إذ لا لبس فيهما. وإن شرط وخيف فعل الشرط ولبس مفعول لم يسم فاعله وبشكل متعلق بخيف ويجتنب جواب الشرط. ثم قال (وما لباع قد يرى لنحو حب) يعنى أنه يجوز فى فاء الفعل الثلاثى المضاعف نحو حب وردّ ما جاز فى فاء باع من كسر وإشمام وضم وقد قرئ هذه بضاعتنا ردّت إلينا بكسر الراء وفهم من قوله قد يرى أن ذلك قليل ولم يقرأ بها فى
المتواتر. فما مبتدأ موصول وصلته لباع وقد يرى الخبر ولنحو فى موضع المفعول الثانى ليرى. ثم قال:
وما لفا باع لما العين تلى
…
فى اختار وانقاد وشبه ينجلى
يعنى أن ما كان من الفعل المعتل العين على وزن افتعل نحو اختار أو على وزن انفعل نحو انقاد وما أشبههما يجوز فى الحرف الذى تليه العين ما جاز فى فاء باع من الأوجه الثلاثة المذكورة فتقول اختير واختور وبالإشمام وفهم من تمثيله باختار وانقاد أن ما صحت عينه من هذين الوزنين لا يجرى فيه ما ذكر نحو اعتور بل يجرى مجرى الصحيح. وما موصولة مبتدأ وصلتها لفا باع وخبرها لما العين تلى والعين مبتدأ وخبره تلى والجملة صلة ما الثانية وفى اختار متعلق بتلى والتقدير ما استقر من الأوجه الثلاثة لفا باع ثابت للحرف الذى تليه العين فى اختار وانقاد وما أشبههما وينجلى فى موضع الصفة لشبه أى وما يشبههما فى الوزن والإعلال. ثم إن الذى ينوب عن الفاعل أحد أربعة أشياء المفعول به والظرف والمصدر والجار والمجرور وقد ذكر فى أول الباب المفعول به وأشار هنا إلى بقية ما ينوب عن الفاعل فقال:
وقابل من ظرف أو من مصدر
…
أو حرف جرّ بنيابة حرى
يعنى أنه ينوب عن الفاعل ما يقبل النيابة من ظرف وشمل ظرف الزمان وظرف المكان، ويشترط فى نيابتهما أن لا يكونا مبهمين فلا يجوز سير وقت ولا جلس مكان وأن يكونا متصرفين فلا يجوز سير سحر ولا جلس عند أو ما يقبل النيابة من مصدر ويشترط أيضا فى نيابته أن لا يكون مؤكدا وأن لا يكون غير متصرف نحو سبحان أو حرف جر يعنى مع مجروره
ويشترط فى نيابته أن لا يلزم طريقة واحدة كحروف القسم والاستثناء ومذ ومنذ وهذه الشروط كلها مستفادة من قوله: (وقابل من ظرف أو من مصدر) فإنك إذا رمت إسناد الفعل المبنى للمفعول إلى أحد هذه الأشياء تعذر ذلك فمثال ما توفرت فيه شروط النيابة سير بزيد يومين وفرسخين سيرا شديدا إن أقمت المجرور وسير بزيد يومان فرسخين سيرا شديدا إن أقمت ظرف الزمان وسير بزيد يومين فرسخين سير شديد إن أقمت المصدر، وقابل مبتدأ ومن ظرف متعلق به وهو الذى سوّغ الابتداء به. وحرى بمعنى حقيق وهو خبر المبتدأ وبنيابة متعلق به. ثم قال:
ولا ينوب بعض هذى إن وجد
…
فى اللّفظ مفعول به وقد يرد
اعلم أنه إذا اجتمع مع المفعول به أحد هذه الأشياء الأربعة المذكورة لا ينوب واحد منها بحضرته هذا هو مذهب
البصريين، ومذهب الكوفيين أنه يجوز أن ينوب كل واحد منها بحضرة المفعول به وبه أخذ الناظم وإلى ذلك أشار بقوله:(وقد يرد)، وفهم منه أن ذلك قليل ومنه قراءة بعضهم: ليجزى قوما بما كانوا يكسبون على إقامة المجرور مقام الفاعل وهو بما كانوا مع حضرة المفعول به وهو قوما. وقوله بعض فاعل بينوب وهذى إشارة إلى الأربعة المذكورة وإن وجد شرط محذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه وفاعل يرد ضمير مستتر والتقدير وقد يرد ذلك أى نيابة أحد المشار إليه مع وجود المفعول به. ثم قال:
وباتّفاق قد ينوب الثّان من
…
باب كسا فيما التباسه أمن
يعنى أن النحويين اتفقوا على جواز نيابة المفعول الثانى من باب كسا ويعبر أيضا عن هذا النوع بباب أعطى وهو ما كان المفعول الثانى فيه غير الأول واحترز به من المفعول الثانى من باب ظن وذلك مع أمن اللبس فتقول على هذا كسى زيدا ثوب وأعطى عمرا درهم وفهم من قوله: فيما التباسه أمن أنه إذا وجد لبس وجب إقامة الأول كقولك أعطى زيد عمرا وفهم أيضا من سكوته عن الأول أنه يجوز نيابته باتفاق لدخوله تحت عبارته فى قوله فى أول الباب:
ينوب مفعول به عن فاعل. وقد إما للتحقيق لأنه جائز اتفاقا وإما للتقليل بالنظر إلى نيابة الأول فإنه أكثر وباتفاق متعلق بينوب وكذلك فيما والثان فاعل ومن باب فى موضع الحال من الثان. ثم قال: