الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسست وفى القياس عليهما خلاف. وقوله: وقرن فى اقررن وقرن نقلا، يعنى أنه استعمل هذا التخفيف فى فعل الأمر فقيل فيه قرن بكسر القاف وهى قراءة غير نافع وعاصم فى قوله عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 33] وقوله وقرن نقلا أشار به إلى قراءة نافع وعاصم ووجه قراءة قرن بالكسر أن أصله من قرّ بالمكان يقر بفتح العين فى الماضى وكسرها فى المضارع فلما لحقت الفعل نون الضمير خفف بحذف عينه بعد نقل حركتها إلى الفاء وكذلك الأمر منه فتقول على هذا يقرن فى المضارع وقرن فى الأمر ووجه قراءة الفتح أنه من قررت بالمكان أقر بكسر العين فى الماضى وفتحها فى المضارع ففعل به ما تقدم فى الكسر من الحذف والنقل فهما لغتان فصيحتان. وظلت مبتدأ وخبره استعملا والألف فيه للتثنية وفى ظللت متعلق باستعملا وقرن مبتدأ وخبره فى اقررن والتقدير وقرن مقول فى اقررن وقرن نقلا مبتدأ وخبر ويجوز أن يكون قرن الآخر مبتدأ محذوف الخبر أى وكذلك قرن، يعنى أنه استعمل ويكون نقلا جملة فى موضع الحال من قرن المفتوح الفاء أى نقل سماعا فلا يقاس عليه والأول أظهر.
الإدغام
يقال الإدغام بسكون الدال مصدر أدغم والادّغام بتشديدها مصدر ادّغم قيل والادّغام بتشديد الدال عبارة البصريين، وبالإسكان عبارة الكوفيين وهو فى اللغة الإدخال، وفى الاصطلاح إدخال حرف فى حرف وهو باب متسع واقتصر منه هنا على إدغام المثلين المتحركين فى كلمة. واعلم أن ما اجتمع فيه مثلان فى كلمة على ثلاثة أقسام واجب الإدغام وواجب الإظهار وجائز الوجهين وقد أشار إلى الأول بقوله:
(أوّل مثلين محرّكين فى * كلمة ادغم)
يعنى أنه إذا اجتمع فى كلمة واحدة مثلان متحركان وجب إدغام الأول فى الثانى ويلزم من ذلك تسكين الأول لأن
المحرك لا يمكن إدغامه إلا بعد تسكينه وشمل نوعين: الأول أن يكون قبل المثل الأول متحرك نحو رد وظن أصلهما ردد وظنن فسكن المثل الأول وأدغم فى الثانى. والآخر أن يكون قبل المثل الأول ساكن نحو يرد ويظن ومرد أصلها يردد ويظنن ومردد فنقلت حركة المثل الأول إلى الساكن قبله وبقى ساكنا فأدغم فى المثل الثانى وفهم منه
أن أول المثلين إذا كان فى صدر الكلمة نحو ددن لا يدغم إذ لا يصح الابتداء بالساكن. وأول مفعول بأدغم ومحركين نعت لمثلين وفى كلمة فى موضع الصفة أيضا لمثلين ويجوز أن يكون متعلقا بأدغم والأول أظهر ثم أشار إلى الثانى بقوله:
لا كمثل صفف *
…
وذلل وكلل ولبب *
ولا كجسّس ولا كاخصص ابى
…
* ولا كهيلل
فذكر سبعة مواضع اجتمع فيها مثلان فى كلمة ولا يجوز فيها الإدغام. الأول صفف وهو جمع صفة والصفة صفة السرج وصفة البنيان والصفة أيضا الكلة. الثانى ذلل وهو جمع ذلول بالذال المعجمة وهى ضد الصعبة يقال دابة بينة الذل بكسر الذال من دواب ذلل وذلول. الثالث كلل جمع كلة والكلة نوع من الثياب معروف. الرابع لبب اسم مفرد وهو موضع القلادة من الصدر من كل شئ والجمع الألباب واللبب أيضا ما يشد على صدر الدابة أو الناقة يمنع الرحل من الاستئخار واللبب أيضا ما استرق من الرحل. الخامس نحو جسس وهو جمع جاس اسم فاعل من جس الشئ إذا لمسه أو من جس الخبر إذا فحص عنه وهو الجاسوس. السادس ما كانت فيه حركة ثانى المثلين عارضة نحو اخصص ابى أصله اخصص بالسكون ثم نقلت حركة الهمزة من أبى. السابع ما كان فيه ثانى المثلين زائدا للإلحاق نحو هيلل إذا أكثر من قول: لا إله إلا الله وهو ملحق بدحرج وإنما امتنع الإدغام فى هذه المواضع السبعة لمانع فيها أما الثلاثة الأول فإنها مخالفة لوزن الأفعال والإدغام أصل فى الأفعال فأظهرت لبعدها عنها وأما الرابع وهو لبب فلخفة الفتحة وفى إظهاره تنبيه على ضعف الإدغام فى الأسماء لأن نظيره من الأفعال واجب الإدغام نحو رد وأما الخامس وهو جسس فإنه وإن اجتمع فيه مثلان متحركان المثل الأول مدغم فيه ساكن قبله فلو أدغم المحرك الأول لالتقى ساكنان. وأما السادس وهو اخصص ابى فلأن الحركة الثانية عارضة لأنها منقولة من الهمزة. وأما السابع وهو هيلل فلأن ثانى المثلين زائد للإلحاق فلو أدغم لخالف الملحق به فى الوزن المطلوب منه موافقته وقد جاء الفك فيما يجب فيه الإدغام لتوفر الشروط وإلى ذلك أشار بقوله:
(وشذّ فى ألل * ونحوه فكّ بنقل فقبل)
يعنى أنه قد شذ التفكيك فى ألفاظ مما يجب إدغامه منها ألل السقاء إذا تغيرت رائحته، وفهم من قوله ونحوه أنه سمع التفكيك فى غير ألل وذلك ثمانية ألفاظ أخر وهى ذبب
الإنسان إذا نبت الشعر فى جبينه وصكك الفرس إذا اصطك عرقوباه وضببت الأرض إذا كثر ضبابها وقطط الشعر إذا اشتدت جعودته ولججت العين إذا التصقت ومششت الدابة إذا ظهر فى وظيفها نتوء وعززت الناقة إذا ضاق مجرى لبنها وبحح الرجل إذا كثر فى صوته بحة فهذه الألفاظ كلها شاذة تحفظ ولا يقاس عليها. ولا فى قوله ولا كمثل عاطفة والمعطوف عليه محذوف والتقدير أدغم أول مثلين متحركين فى كلمة مغايرة لأوزان مخصوصة لا كمثل هذه الأوزان ويجوز أن تكون لا ناهية وكمثل مفعول بفعل محذوف والتقدير لا تدغم كمثل صفف والكاف فى قوله كمثل زائدة كزيادتها فى قوله عز وجل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وما بعد صفف معطوف عليه وفك فاعل بشذ وبنقل متعلق بفك. ثم انتقل إلى القسم الثانى وهو ما يجوز فيه التفكيك والإدغام فقال:
وحيى افكك وادّغم دون حذر
…
كذاك نحو تتجلّى واستتر
فذكر ثلاثة مواضع يجوز فيها الإدغام والتفكيك: الأول حيى وعيى فمن أدغم نظر إلى أنهما مثلان متحركان بحركة لازمة فى كلمة، ومن فك نظر إلى أن الحركة الثانية كالعارضة لوجودها فى الماضى دون المضارع لأن مضارعه يحيى قيل والتفكيك فى ذلك أجود وفى تقديمه له فى النظم إشعار بذلك. الثانى نحو تتجلى وقياسه الفك لتصدّر المثلين ومنهم من يدغم فيسكن أوله ويدخل همزة الوصل فيقول اجلى قيل وفيه نظر لأن همزة الوصل لا تدخل على أول المضارع. الثالث نحو استتر وهو كل فعل على وزن افتعل اجتمع فيه تاءان فهذا أيضا قياسه التفكيك ليبقى ما قبله ساكنا ويجوز إدغامه بعد نقل حركته إلى الساكن قبله فتذهب همزة الوصل فيصير ستر. وحيى مفعول بادّغم وهو مطلوب أيضا لافكك فهو من باب التنازع المتقدم عليه المتنازع فيه ونحو مبتدأ وخبره كذاك. ثم قال:
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر
…
فيه على تا كتبيّن العبر
هذا من باب تتجلى وهو الفعل المضارع المجتمع فى أوله تاآن أولاهما للمضارعة والثانية تاء تفعل أو تفاعل نحو تذكر فى تتذكر وتيسر فى تتيسر وقد تقدم أنه يجوز فيه عنده الإدغام واجتلاب همزة الوصل وذكر هنا أنه يجوز فيه حذف إحدى التاءين والاستغناء بالأخرى عنها ولم يعين المحذوفة وفيه خلاف والمشهور أنها الثانية لأن الأولى تدل على معنى المضارعة. والحاصل فيما اجتمع فى أوله من المضارع تاءان أنه يجوز فيه عنده ثلاثة
أوجه إثباتهما وإدغام الأولى فى الثانية مع اجتلاب همزة الوصل وحذف إحداهما. وما مبتدأ وهى موصولة وصلتها ابتدى وبتاءين متعلق به وخبره قد يقتصر وفيه فى موضع المفعول الذى لم يسم فاعله بيقتصر ويجوز أن يكون النائب عن الفاعل تاء والضمير الرابط بين الصلة والموصول على الوجهين المجرور بفى. ثم قال:
وفكّ حيث مدغم فيه سكن
…
لكونه بمضمر الرّفع اقترن
يعنى أنه إذا التحق بالمدغم فيه ما يوجب تسكينه كاتصال بعض ضمائر الرفع به وجب تفكيكه إذ لا يتصور الإدغام فى ساكن وذلك أن يتصل به ضمير متكلم أو مخاطب أو مخاطبة أو نون إناث نحو رددت ورددنا ورددت ورددن وقد مثل ذلك بقوله: (نحو حللت ما حللته) أصله قبل اتصال الضمير به حل بالإدغام فلما سكنت اللام الأخيرة لاتصال التاء به وجب الفك. وفك فعل أمر ومفعوله محذوف أى فك المدغم فيه أو فك الإدغام ويحتمل أن يكون فك ماضيا مبنيا للمفعول وفيه ضمير مستتر عائد على المدغم فيه أو على الإدغام كما تقدم ومدغم مبتدأ وفيه فى موضع رفع على أنه مفعول لم يسم فاعله بمدغم وسكن خبر المبتدأ والجملة مضاف لها حيث واللام فى لكونه متعلق بفك واقترن فى موضع خبر الكون وبمضمر متعلق باقترن. ثم قال:
(وفى * جزم وشبه الجزم تخيير قفى)
يعنى أن المدغم فيه إذا سكن فى جزم نحو لم يرد أو شبه الجزم وهو فى الوقف نحو رد جاز فيه بقاء الإدغام والتفكيك نحو لم يردد واردد وإنما جعل فعل الأمر شبيها بالمجزوم لأن حكمه حكم المضارع فهو شبيه به ويلزم فى فعل الأمر اجتلاب همزة الوصل لأن تفكيكه يوجب تسكين أوله كالصحيح والتفكيك لغة أهل الحجاز والإدغام لغة تميم وبلغة أهل الحجاز جاء القرآن غالبا نحو وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [البقرة: 217]، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر: 6] وهو فى القرآن كثير ومما جاء فيه مدغما قوله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ [الحشر: 4] فى سورة الحشر عند جميع القراء ومن يرتد منكم [البقرة: 217] فى قراءة ابن كثير وأبى عمرو والكوفيين وإنما خير الناظم فى الوجهين لأن المتكلم به يجوز له أن يتكلم باللغتين معا لا أن العربى الذى لغته التفكيك مخير لأنه لا ينطق به إلا مفككا وكذلك الذى لغته الإدغام لا ينطق به إلا مدغما. وتخيير مبتدأ وخبره فى جزم وقفى فى موضع النعت
لتخيير ومعنى قفى تبع ثم إن ما ذكره فى الأمر من جواز الفك والإدغام يوهم أن ذلك أيضا جائز فى أفعل فى التعجب لأنه على صيغة الأمر وفى هلم لأنه أمر فى المعنى فأخرجهما بقوله:
وفكّ أفعل فى التّعجّب التزم
…
والتزم الإدغام أيضا فى هلمّ
يعنى أن أفعل فى التعجب يلزم فكه وليس حكمه حكم فعل الأمر من جواز الوجهين كما أن هلم أيضا يلتزم إدغامه وأصله هلمم فنقلت الضمة إلى اللام وأدغمت الميم فى الميم ومعناها أقبل وهى عند أهل الحجاز اسم فعل فيخاطب بها عندهم الواحد والمثنى والمجموع بصيغة واحدة وإنما ذكرها الناظم هنا اعتبارا للغة بنى تميم فإنها عندهم فعل أمر لا يتصرف ولذلك يقولون فى التثنية هلم وفى الجمع هلموا. ولما أتى على ما أراد جمعه من علم النحو وما وعد به فى الخطبة بقوله * مقاصد النحو بها محويّه * أخبر بذلك فقال:
وما بجمعه عنيت قد كمل
…
نظما على جلّ المهمّات اشتمل
يعنى أن ما عنى به من جمع مهمات النحو قد كمل وعلى معظم مقاصده وأغراضه اشتمل فتمّ موفيا لما قصد من إيراده وجاء على وفق قصده ومراده. وما مبتدأ وهى موصولة وصلتها عنيت ويلزم بناؤه للمفعول وبجمعه متعلق بعنيت وقد كمل فى موضع خبر ما ونظما حال من الهاء فى بجمعه واشتمل نعت لنظما وعلى جل المهمات متعلق باشتمل. ثم وصف قوله نظما بصفة أخرى فقال:
أحصى من الكافية الخلاصه
…
كما اقتضى غنى بلا خصاصه
يعنى أن هذا النظم جمع خلاصة الكافية أى معظمها وجلها. والخلاصة الصافى غير المشوب بما يكدره وأصله فى السمن يخلص مما يغيره. يقول إن هذا النظم أحصى لبّ الكافية، وقوله كما اقتضى غنى بلا خصاصة أى كما أخذ من مسائل العربية الغنى غير المشوب بالخصاصة وهى ضد الغنى، من قولهم اقتضيت الدين إذا أخذته مستوفى. فأحصى فعل ماض وفيه ضمير مستتر عائد على نظما والخلاصة مفعول بأحصى والجملة من أحصى فى موضع الصفة لنظما وغنى مفعول باقتضى وبلا متعلق باقتضى وقد وقفت على نسخة بخط بعض شيوخنا فيها أحظى بالظاء فأنكرت ذلك عليه وقلت له ما معناه وما إعرابه فقال معناه أنه
يقول الخلاصة أحظى من الكافية لأن هذا الرجز اسمه الخلاصة فالخلاصة على هذا مبتدأ وأحظى خبره فقلت أل فى الخلاصة لماذا هى؟ فقال للعهد فقلت له وأى عهد تقدم فى هذا النظم ذكر فيه الخلاصة؟ فقال لى اجعلها للغلبة فقلت ما فيه أل للغلبة ملحق بالعلم ولم يسمها الناظم خلاصة وإنما سميت خلاصة بعد نظمها لكونه ذكر أنها جمعت الخلاصة من الكافية، ثم قلت له ما موضع الجملة فلم يأت بمقنع فقلت له لعلها استئنافية فقال لا يليق أن ينسب ذلك إلى الناظم لما فيه من عدم الارتباط ثم رجع إلى أنه أخطأ وأن كتبه بالظاء سهو منه. ثم قال:
فأحمد الله مصلّيا على
…
محمّد خير نبى أرسلا
وآله الغرّ الكرام البرره
…
وصحبه المنتخبين الخيره
لما أكمل مراده ختم كتابه بالصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومصليا حال من الضمير فى أحمد وخير نبىّ بدل من محمد وأرسلا فى موضع نعت لنبى والغر جمع أغر وهو نعت لآله والبررة جمع بار والمنتخبين المختارين والخيرة المختارين أيضا وقد صرح الزبيدى بأنه مصدر وجعله الجوهرى وصاحب الخلاصة اسما من قولك اختار الله تعالى، فعلى ما قاله الزبيدى يكون نعتا للمنتخبين لأن المصدر يوصف به المفرد والمثنى والمجموع وقد جاء الإخبار به عن المفرد كقولهم: محمد صلى الله عليه وسلم خيرة الله من خلقه وخيرة الله أيضا بالتسكين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: قد أتينا على ما أردنا جمعه من الشرح والإعراب واستوفينا ما وعدنا به فى أول الكتاب، فجاء شرحا مكمل المقاصد، مسهل المعانى والفوائد، ينتفع به البادى ويستحسنه الشادى، موافقا لما رويته، موفيا بما أردت من اختصاره وقد قصدته، فالحمد لله على ما منح من التيسير والتسهيل، وفتح من التبصير والتكميل، فهو حسبى ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم.