الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عطف النسق
النسق فى اللغة النظم قال الزبيدى والنسق العطف على الأول. قوله:
تال بحرف متبع عطف النّسق
فتال جنس وقوله بحرف متبع مخرج لما عدا عطف النسق من التوابع. ثم مثل بقوله:
(كاخصص بودّ وثناء من صدق) فتال خبر مقدم وعطف النسق مبتدأ وبحرف متعلق بتال ومتبع نعت لحرف ومن صدق مفعول باخصص. ثم شرع فى حروف العطف فقال: (فالعطف مطلقا بواو ثمّ فا * حتى أم او) ذكر فى
هذا البيت من حروف العطف ستة وهى كلها تشرك ما بعدها مع ما قبلها فى اللفظ والمعنى وذلك مستفاد من قوله مطلقا، أما الواو وثم والفاء وحتى فلا إشكال فى تشريكها فى اللفظ والمعنى، وأما أم وأو فذكرهما أكثر النحويين فيما يشرك فى اللفظ لا فى المعنى وجعلهما الناظم مما يشرك فيهما باعتبار أن ما قبلهما وما بعدهما مستو فى المعنى الذى سيقتا له من شك وغيره. فالعطف مبتدأ وخبره بواو وما بعده ومطلقا حال من العطف وثم وما بعدها معطوف على واو بإسقاط العاطف والتقدير بواو وثم وفاء وحتى وأو وأم. ثم مثل بقوله:
(كفيك صدق ووفا) ثم قال: (وأتبعت لفظا فحسب بل ولا * لكن) ذكر فى هذا البيت ثلاثة أحرف كلها تشرك ما بعدها مع ما قبلها لفظا لا معنى فتقول قام زيد بل عمرو فالقائم عمرو لا زيد وقام زيد لا عمرو فالقائم زيد دون عمرو وما قام زيد لكن عمرو وقد مثل منها بلكن فقال: (كلم يبد امرؤ لكن طلا) والطلا: الولد من ذوات الظلف. والحاصل من البيتين أن حروف العطف تسعة، وهى على قسمين: قسم يشرك فى اللفظ والمعنى وهى ستة، وقسم يشرك فى اللفظ لا فى المعنى وهى ثلاثة. وبل فاعل بأتبعت ولفظا منصوب على إسقاط الخافض وحسب اسم فعل بمعنى قط، ولا ولكن معطوفان على بل، ثم شرع فى معانى حروف العطف وبدأ بالواو فقال:
فاعطف بواو لاحقا أو سابقا
…
فى الحكم أو مصاحبا موافقا
يعنى أن الواو للجمع المطلق فلا تدل على ترتيب بل يعطف بها لاحق نحو قام زيد وعمرو بعده وسابق نحو جاء زيد وعمرو قبله ومصاحب نحو جاء زيد وعمرو معه فلو قلت جاء زيد وعمرو لاحتمل المعانى الثلاثة المذكورة. ولا حقا مفعول باعطف وأو سابقا وأو مصاحبا معطوفان عليه وفى الحكم متعلق بسابق وهو مطلوب للاحق ومصاحب فهو من باب التنازع، ثم قال:
واخصص بها عطف الذى لا يغنى
…
متبوعه كاصطفّ هذا وابنى
يعنى أن الواو تنفرد من سائر حروف العطف بأن يعطف بها على ما لا يستغنى به عن متبوعه نحو تفاعل وافتعل تقول تخاصم زيد وعمرو واختصم زيد وعمرو واصطف هذا وابنى ولا يجوز العطف فى هذه المثل وشبهها بغير الواو، وأصل اصطف اصتفف فأبدل من التاء طاء وأدغم الفاء فى الفاء يقال صففت القوم فاصطفوا إذا وقفتهم فى الحرب صفّا. ثم انتقل إلى الفاء وثم فقال:
والفاء للتّرتيب باتّصال
…
وثم للتّرتيب بانفصال
يعنى أن الفاء العاطفة تفيد الترتيب والتعقيب وهو المعبر عنه هنا بالاتصال فالمعطوف بها ثان عن المعطوف
عليه من غير مهلة وأن ثم تفيد الترتيب والمهلة وهى المعبر عنها بالانفصال فإذا قلت قام زيد فعمرو، فعمرو قام بعد زيد من غير تراخ ولا مهلة وإذا قلت قام زيد ثم عمرو فعمرو قام بعد زيد وبينهما مهلة. والفاء مبتدأ وخبره للترتيب وبانفصال متعلق بالترتيب، ثم قال:
واخصص بفاء عطف ما ليس صله
…
على الّذى استقرّ أنّه الصّله
يعنى أن الفاء تختص بأن يعطف بها ما لا يصلح أن يقع صلة لعدم الضمير الرابط على ما هو صلة نحو الذى يطير فيغضب زيد الذباب فيطير صلة للذى ويغضب زيد معطوف على الصلة بالفاء وليس فى المعطوف ضمير يعود على الموصول، وفهم من ذلك أن المعطوف بالفاء فى هذا الفصل جملة فعلية لكونه معطوفا على الصلة ولا تكون الصلة إلا جملة. ثم انتقل إلى حتى فقال:
بعضا بحتى اعطف على كلّ ولا
…
يكون إلّا غاية الّذى تلا
يعنى أن حتى لا يكون المعطوف بها إلا بعض المعطوف عليه نحو ضربت القوم حتى زيدا لأن زيد بعض القوم ولا يكون إلا غاية له إما فى زيادة نحو مات الناس حتى الأنبياء، أو فى نقص نحو عليك الناس حتى النساء. وشمل قوله بعضا ما بعضه مصرح به كالمثال المذكور وما بعضيته مؤولة كقوله:
- ألقى الصحيفة كى يخفّف رحله
…
والزاد حتى نعله ألقاها (147)
تقديره ألقى ما يثقله حتى نعله. وبعضا مفعول مقدم باعطف وبحتى متعلق باعطف وكذلك على كل واسم يكون ضمير مستتر عائد على لفظ بعض، ويحتمل أن يكون عائدا على المعطوف المفهوم من قوله اعطف. ثم اعلم أن أم على قسمين: متصلة، ومنقطعة، وقد أشار إلى الأول فقال:(وأم بها اعطف إثر همز التّسويه) يعنى أنّ أم من حروف العطف ويعطف بها إثر همزة التسوية كقولك سواء على أقمت أم قعدت ومنه قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ [البقرة: 6] أو إثر همزة يطلب بها ما يطلب بأى نحو أزيد عندك أم عمرو، والتقدير أيهما عندك، وهذا معنى قوله:(أو همزة عن لفظ أى مغنيه) وإنما سميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بواحد منهما عن الآخر وقد تحذف الهمزة قبلها للعلم بها، وإلى ذلك أشار بقوله:
وربّما أسقطت الهمزة إن
…
كان خفا المعنى بحذفها أمن
فشمل قوله الهمزة التى للتسوية كقراءة ابن محيصن سواء عليهم أنذرتهم بهمزة واحدة والهمزة التى تقدر مع أم بأى كقول الشاعر:
(147) البيت من الكامل، وهو للمتلمس فى ملحق ديوانه ص 327، وشرح شواهد المغنى 1/ 370، ولأبى (أو لابن) مروان النحوى فى خزانة الأدب 3/ 21، 24، والدرر 4/ 113، وشرح التصريح 2/ 141، والكتاب 1/ 97، والمقاصد النحوية 4/ 134، ولمروان بن سعيد فى معجم الأدباء 19/ 146، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص 269، وأوضح المسالك 3/ 365، والجنى الدانى ص 547، 553، وخزانة الأدب 9/ 472، والدرر 6/ 140، وشرح أبيات سيبويه 1/ 411، وشرح عمدة الحافظ ص 614، ورصف المبانى ص 182، وشرح الأشمونى 2/ 289، وشرح قطر الندى ص 304، وشرح المفصل 8/ 19، ومغنى اللبيب 1/ 24، وهمع الهوامع 2/ 24، 36.
والشاهد فيه قوله: «حتى نعله ألقاها» حيث يجوز فى «حتى» ثلاثة أوجه: الرفع على الابتداء، و «ألقاها» خبره، والجر على أن «حتى» حرف جر بمعنى «إلى» والنصب على العطف ب «حتى» ، وردّ الوجه الثالث بأن المعطوف ب «حتى» لا يكون إلا بعضا أو غاية للمعطوف عليه و «النعل» ليس بعض «الزاد» ولا غايته، وأجيب بأن البيت مؤوّل والتقدير: ألقى ما ينقله حتى نعله، فبين المعطوف والمعطوف عليه مناسبة.
- فأصبحت فيهم آنسا لا كمعشر
…
أتونى فقالوا من ربيعة أم مضر (148)
وفهم من قوله وربما أن ذلك قليل وظاهر كلامه فى شرح الشافية أنه مطرد. وإن كان شرط وخفا المعنى اسم كان وهو ممدود فقصره ضرورة وبحذفها متعلق بخفا وأمن فعل ماض فى موضع خبر كان والمراد بالمعنى معنى الهمز وفى بعض النسخ كان خفا الهمز والمعنى واحد. ثم أشار إلى القسم الثانى من قسمى أم، وهى المنقطعة فقال:
وبانقطاع وبمعنى بل وفت
…
إن تك ممّا قيّدت به خلت
أم المنقطعة هى الخالية مما قيدت به أم المتصلة من كونها بعد همز التسوية أو مع همزة تقدر مع أم بأى وسميت منقطعة لوقوعها بين جملتين مستقلتين فما بعدها منقطع عما قبلها.
واختلف فى معناها فقيل الإضراب والاستفهام معا وقيل الإضراب فقط وهو ظاهر كلام الناظم ويمكن أن يكون استغنى بذكر الإضراب للزومها إياه على القولين. وبانقطاع متعلق بوفت وكذلك وبمعنى بل وخلت خبر تكن ومما متعلق بخلت وبه متعلق بقيدت والضمائر المستترة فى يكن وقيدت وخلت عائدة على أم المتقدمة. فإن قلت كيف يصح إعادتها عليها والمنقطعة غير المتصلة. قلت هى عائدة على لفظها دون معناها كقولهم: عندى درهم ونصفه. ثم انتقل إلى أو فقال:
خيّر أبح قسّم بأو وأبهم
…
واشكك وإضراب بها أيضا نمى
ذكر لأو فى هذا البيت ستة معان: الأول التخيير نحو خذ من مالى دينارا أو ثوبا. الثانى الإباحة نحو جالس الحسن أو ابن سيرين والفرق بينهما جواز الجمع بين الأمرين فى الإباحة ومنعه فى التخيير. الثالث التقسيم نحو الكلمة
اسم أو فعل أو حرف. الرابع الإبهام كقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً [سبأ: 24] الخامس الشك نحو قام زيد أو عمرو والفرق بينه وبين الإبهام أن الإبهام يكون المتكلم عالما ويبهم على المخاطب والشك أن يكون المتكلم غير عالم. السادس الإضراب كقوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: 147] وفى قوله: وإضراب بها أيضا نمى إشارة إلى أن الإضراب غير متفق عليه
(148) البيت من الطويل، وهو لعمران بن حطان فى ديوانه ص 111، وخزانة الأدب 5/ 359، وبلا نسبة فى الخصائص 2/ 281، والمحتسب 1/ 50، ومغنى اللبيب 2/ 569، 670.
والشاهد فيه قوله: «من ربيعة أو مضر» حيث حذف همزة الاستفهام، والأصل: أمن ربيعة أو مضر؟
ولذلك فصله عما قبله. وبأو متعلق بقسّم لقربه منه وهو مطلوب فى المعنى لقوله خير واشكك وما بينهما وإضراب مبتدأ ونمى خبره وبها متعلق بنمى أى نسب والمسوغ للابتداء بإضراب التفصيل ويحتمل أن يكون بها متعلقا بإضراب فيكون المسوغ للابتداء به عمله فى المجرور وهو أظهر. وبقى من معانى أو أن تكون بمعنى الواو وإليه أشار بقوله: (وربما عاقبت الواو) يعنى أن أو تعاقب الواو أن تكون بمعناها وذلك إذا أمن اللبس وهو المنبه عليه بقوله: (إذا * لم يلف ذو النطق للبس منفذا) أى إذا كان المتكلم بها لا يجد فى استعمالها بمعنى الواو منفذا للبس أى طريقا، ومنه:
- جاء الخلافة أو كانت له قدرا
…
كما أتى ربّه موسى على قدر (149)
أى جاء الخلافة وكانت له قدرا، وفهم من قوله وربما عاقبت أن ذلك قليل. وإذا متعلق بعاقبت وفاعل عاقبت ضمير عائد على أو، ثم قال:
ومثل أو فى القصد إمّا الثّانيه
…
فى نحو إمّا ذى وإمّا النّائيه
مذهب أكثر النحويين أن إما المسبوقة بمثلها عاطفة، وذهب بعضهم إلى أنها غير عاطفة وإليه ذهب الناظم ولذلك قال فى القصد ولم يجعلها مثل أو مطلقا، وفهم من قوله مثل أو أنها تكون لجميع المعانى المذكورة لأو، وليس كذلك لأن إما لا تكون للإضراب ولا بمعنى الواو، والعذر له فى ذلك أن كونها للإضراب أو بمعنى الواو قليل فلم يعتبره، فمثالها للتخيير إما ثوبا وإما دينارا ومثالها للإباحة جالس إما الحسن وإما ابن سيرين، ومثالها للتقسيم الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف ومثالها للإبهام قام إما زيد وإما عمرو وكذلك الشك والفرق بينهما كما تقدم فى أو وفهم من قوله إما الثانية فائدتان الأولى أن التى بمعنى أو إنما هى الثانية دون الأولى والأخرى أنها لا
بد أن تكون مسبوقة بإما أخرى وفهم من المثال أنها لا بد أن تكون معها الواو. ومثل أو مبتدأ وفى القصد متعلق بمثل وإما خبر المبتدأ والثانية نعت لإما وفى نحو متعلق بفعل محذوف تقديره أعنى وذى مفعول بفعل محذوف والتقدير خذ إما ذى أو مبتدأ محذوف الخبر والتقدير لك إما ذى وهو على حذف القول والتقدير فى نحو قولك.
(149) البيت من البسيط، وهو لجرير فى ديوانه ص 416، والأزهية ص 114، وخزانة الأدب 11/ 69، والدرر 6/ 118، وشرح التصريح 1/ 283، وشرح شواهد المغنى 1/ 196، ومغنى اللبيب 1/ 62، 70، والمقاصد النحوية 2/ 485، 4/ 145، وبلا نسبة فى أوضح المسالك 2/ 124، والجنى الدانى ص 230، وشرح الأشمونى 1/ 178، وشرح ابن عقيل ص 499، وشرح عمدة الحافظ ص 627، وشرح قطر الندى ص 184، وهمع الهوامع 2/ 134.
ثم انتقل إلى لكن فقال: (وأول لكن نفيا أو نهيا) يعنى أن لكن العاطفة تأتى تابعة للنفى نحو ما قام زيد لكن عمرو وللنهى نحو لا تضرب زيدا لكن عمرا وفهم منه أنها لا تجئ فى الإيجاب ولكن مفعول أول بأول ونفيا مفعول ثان. ثم انتقل إلى لا فقال: (ولا * نداء أو أمرا أو اثباتا تلا) يعنى أن لا العاطفة تجئ تابعة للمنادى نحو يا زيد لا عمرو، وللأمر نحو اضرب زيدا لا عمرا وللإثبات نحو قام زيد لا عمرو. ولا مبتدأ وخبره تلا ونداء وما عطف عليه مفعول بتلا وفى تلا ضمير مستتر يعود على لا والتقدير: لا تلا نداء أو أمرا أو إثباتا وظاهر كلام المرادى فى شرحه لهذا الموضع أن لا معطوف على لكن وأنه معمول لأول وهو وهم منه. ثم انتقل إلى بل فقال: (وبل كلكن بعد مصحوبيها) يعنى أن بل إذا وقعت بعد مصحوبى لكن وهما النفى والنهى كانت بمنزلة لكن فى تقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها نحو ما قام زيد بل عمرو فيكون القيام منفيا عن زيد مثبتا لعمرو وكذلك لا تضرب زيدا بل عمرا فزيد منهى عن ضربه وهو مثبت لعمرو فبل فى ذلك كلكن فى المعنى ثم مثل ذلك بقوله (كلم أكن فى مربع بل تيها) المربع موضع الربيع والتيها القفر وبل مبتدأ وخبره كلكن وبعد متعلق بالاستقرار فى موضع نصب على الحال وها فى مصحوبيها عائد على لكن ثم إن بل تقع بعد مصحوبى لكن كما تقدم وبعد الخبر الموجب وبعد الأمر وإلى ذلك أشار بقوله:
وانقل بها للثّان حكم الأوّل
…
فى الخبر المثبت والأمر الجّلى
يعنى أن بل إذا وقعت بعد الخبر المثبت أو بعد الأمر فانقل بها حكم ما قبلها لما بعدها مثال الخبر قام زيد بل عمرو فالحكم هو القيام المسند إلى زيد فقد أزلته عنه ونقلته لما بعد بل وهو عمرو ومثال الأمر اضرب زيدا بل عمرا فالأمر المتوجه على ضرب زيد نقلته عنه لما بعد بل. وحاصل بل: أنها يعطف بها فى أربعة مواضع: فى النفى
والنهى والخبر المثبت والأمر وقوله الجلى تتميم لصحة الاستغناء عنه. ولما فرغ من ذكر حروف العطف ومعانيها ومواضعها شرع فى بيان أحكام تتعلق بالباب فقال:
وإن على ضمير رفع متّصل
…
عطفت فافصل بالضّمير المنفصل
يعنى أنك إذا عطفت على ضمير الرفع المتصل فصلت بين المعطوف عليه وحرف العطف بضمير منفصل وفهم منه أنك إذا عطفت على الضمير المتصل المنصوب لم يلزم الفصل نحو رأيتك وزيدا وفهم منه أيضا أن ضمير الرفع إذا كان منفصلا لم يفصل بينهما نحو أنت وزيد
قائمان وشمل ضمير الرفع المتصل ما اتصل بالفعل وكان بارزا نحو قمت أنت وزيد، ومستترا نحو قم أنت وزيد وما اتصل بالوصف ولا يكون إلا مستترا نحو زيد قائم هو وعمرو. وقد يجوز الفصل بغير الضمير المنفصل وعلى ذلك نبه بقوله:(أو فاصل مّا) ومن الفصل بغير الضمير المنفصل جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ [الرعد: 23] فالفصل هنا بضمير المفعول وإن شرط وعطفت فعل الشرط وعلى ضمير متعلق به وأو فاصل معطوف على الضمير المنفصل وما زائدة أو صفة. ثم نبه على أنه قد ورد العطف على ضمير الرفع المتصل من غير فصل بقوله:
وبلا فصل يرد
…
فى النّظم فاشيا
فمن ذلك قول الشاعر:
- قلت إذ أقبلت وزهر تهادى
…
كنعاج الفلا تعسّفن رملا (150)
فعطف قوله وزهر على الضمير المستتر فى أقبلت من غير فصل ولا توكيد وقول الشاعر:
- ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه
…
ما لم يكن وأب له لينالا (151)
فأب معطوف على الضمير المستتر فى يكن وليس بينهما توكيد ولا فصل وفهم من قوله فاشيا أنه كثير فى الشعر، وفيه إشعار بأنه غير فاش فى النثر ومنه قولهم مررت برجل سواء والعدم فالعدم معطوف على الضمير المستتر فى سواء وليس فيه فصل. ثم نبه على أنه مع فشوّه ضعيف بقوله:(وضعفه اعتقد) ووجه ضعفه أن ضمير الرفع المتصل شديد الاتصال برافعه فصار كأنه حرف من حروف عامله فإذا لم يفصل بينهما فكأنه عطف اسم على فعل وفى يرد ضمير مستتر عائد على العطف وفى النظم متعلق بيرد وكذلك بلا فصل وفاشيا منصوب على الحال من الضمير فى يرد. ثم قال:
(150) البيت من الخفيف، وهو لعمر بن أبى ربيعة فى ملحق ديوانه ص 498، وشرح أبيات سيبويه 2/ 101، وشرح عمدة الحافظ ص 658، وشرح المفصل 3/ 76، واللمع ص 184، والمقاصد النحوية 4/ 161، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 79، والخصائص 2/ 386، وشرح الأشمونى 2/ 429، وشرح ابن عقيل ص 501، والكتاب 2/ 379.
والشاهد فيه قوله: «أقبلت وزهر» حيث عطف قوله: «زهر» على الضمير المستتر فى «أقبلت» وذلك للضرورة الشعرية. والقياس القول: أقبلت هى وزهر، بتأكيد المستتر، ليقوى ثمّ يعطف عليه.
(151)
البيت من الكامل، وهو لجرير فى ديوانه ص 57، والدرر 6/ 149، وشرح التصريح 2/ 151، والمقاصد النحوية 4/ 160، وبلا نسبة فى الإنصاف 2/ 476، وأوضح المسالك 3/ 390، وشرح الأشمونى 2/ 429، والمقرب 1/ 234، وهمع الهوامع 2/ 138.
والشاهد فيه قوله: «لم يكن وأب» حيث عطف الاسم الظاهر المرفوع، وهو قوله:«أب» على الضمير المرفوع المستتر فى «يكن» الذى هو اسم «يكن» من غير أن يؤكّد ذلك الضمير بالضمير المنفصل أو يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، وهذا فاش فى الشعر.
وعود خافض لدى عطف على
…
ضمير خفض لازما قد جعلا
يعنى أنه إذا عطف اسم على الضمير المخفوض لزم إعادة الخافض وشمل المخفوض بالحرف نحو مررت بك وبزيد والمخفوض بالاسم نحو جلست بينك وبين زيد فإعادة الخافض فى نحو ذلك لازمة عند جمهور البصريين إلا فى الضرورة وذهب الكوفيون وبعض البصريين إلى أنه لا يلزم وهو اختيار الناظم ولذلك قال: (وليس عندى لازما) يعنى أن إعادة الخافض فى ذلك لا تلزم عندى ثم استدل على صحة اختياره بقوله: (إذ قد أتى * فى النظم والنثر الصحيح مثبتا) وقد استدل على ذلك فى مصنفاته بشواهد كثيرة منها قوله:
- فاذهب فما بك والأيام من عجب (152)
والمراد بالنثر الصحيح القرآن كقراءة حمزة رضى الله تعالى عنه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ [النساء: 1] بخفض الأرحام عطفا على الضمير فى به. ثم قال:
(والفاء قد تحذف مع ما عطفت) يعنى أن الفاء العاطفة قد تحذف هى ومعطوفها كقوله عز وجل: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشعراء: 63] أى فضرب فانفلق ثم قال: (والواو) أى والواو قد تحذف أيضا مع ما عطفت ومنه قوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل:
81] أى والبرد وذلك فى الفاء والواو مشروط بأمن اللبس، وإلى ذلك أشار بقوله:(إذ لا لبس) أى إن لم يكن لبس فى حذف الفاء والواو مع معطوفيهما وفهم من قوله قد تحذف أن ذلك قليل والفاء مبتدأ وخبره قد تحذف والواو
مبتدأ وخبره محذوف أى والواو كذلك ويجوز أن يكون الواو معطوفا على الفاء. ثم قال:
وهى انفردت
…
بعطف عامل مزال قد بقى
معموله دفعا لوهم اتّقى
(152) صدره:
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا
والبيت من البسيط، وهو بلا نسبة فى الإنصاف ص 464، وخزانة الأدب 5/ 123، 126، 128، 129، 131، وشرح الأشمونى 2/ 430، والدرر 2/ 81، 6/ 151، وشرح أبيات سيبويه 2/ 207، وشرح ابن عقيل ص 503، وشرح عمدة الحافظ ص 662، وشرح المفصل 3/ 78، 79، والكتاب 2/ 392، واللمع فى العربية ص 285، والمقاصد النحوية 4/ 163، والمقرب 1/ 234، وهمع الهوامع 2/ 139.
والشاهد فيه قوله: «فما بك والأيام» حيث عطف «الأيام» على الضمير المجرور فى «بك» بغير إعادة حرف الجر، وهذا عند البصريين ضرورة، أما الكوفيون فيجيزون ذلك.
يعنى أن الواو انفردت من سائر حروف العطف بأنها يعطف بها عامل مزال أى محذوف بقى معموله وذلك كقوله:
- علفتها تبنا وماء باردا
…
حتى غدت همّالة عيناها (153)
فتبنا مفعول ثان بعلفتها والواو التى بعدها عاطفة لعامل محذوف تقديره وسقيتها وهو عامل فيما باشرته الواو فى اللفظ وهو ماء فالعامل المزال هو سقيتها والمعمول الباقى هو ماء وقوله دفعا لوهم اتقى يعنى أن حمل مثل هذا على حذف العامل إنما هو لدفع ما يتقى من كون الماء معطوفا على تبن إذ لا يصلح لعدم اشتراكه معه فى العامل ومن كونه مفعولا معه لأن المعية متعذرة فيه. ثم قال:
(وحذف متبوع بدا هنا استبح)
يعنى أن حذف المتبوع وهو المعطوف عليه جائز إذا ظهر معناه وذلك كقولك لمن قال: ألم تضرب زيدا بل وعمرا أى بل ضربته وعمرا ومفهومه أن ذلك سائغ فى جميع حروف العطف وليس كذلك بل إنما ورد فى الفاء والواو وأو وهو فى أو قليل. ثم قال: (وعطفك الفعل على الفعل يصحّ) يعنى أن الأفعال يجوز عطف بعضها على بعض كما يكون ذلك فى الأسماء نحو زيد قام وقعد ويقوم ويقعد وعطفك مبتدأ وهو مصدر مضاف إلى الفاعل والفعل مفعول بالمصدر وعلى متعلق به ويصح فى موضع خبر المبتدأ. ثم قال:
(واعطف على اسم شبه فعل فعلا *)
يعنى أنه يجوز أن يعطف الفعل على الاسم الشبيه بالفعل كقوله عز وجل: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الحديد: 18] فأقرضوا معطوف على المصدقين لشبهه بالفعل لكونه اسم فاعل والتقدير إن الذين تصدقوا وأقرضوا وكذلك قوله عز وجل: أَوَلَمْ
(153) الرجز بلا نسبة فى الأشباه والنظائر 2/ 108، 7/ 233، وأمالى المرتضى 2/ 259، والإنصاف 2/ 612، وأوضح المسالك 2/ 245، والخصائص 2/ 431، والدرر 6/ 79، وشرح الأشمونى 1/ 226، وشرح التصريح 1/ 346، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص 1147، وشرح شذور الذهب ص 312، وشرح شواهد المغنى 1/ 58، 2/ 929، وشرح ابن عقيل ص 305، ولسان العرب 2/ 287 (زجج)، 3/ 367 (قلد)، 9/ 255 (علف)، ومغنى اللبيب 2/ 632، والمقاصد النحوية 3/ 101، وهمع الهوامع 2/ 130.
والشاهد فيه قوله: «وماء» حيث لا يصح أن يكون مفعولا به؛ لأنه لا يصح أن يشترك مع لفظة «التبن» بعامل واحد، وهو قوله:«علفتها» لأن الماء لا يعلف، وإنما يسقى، فلا بدّ من تقدير عامل، والتقدير:«سقيتها» ، وقيل:«الماء» مفعول معه. وقيل: إنه معطوف على تبنا لأن الشاعر ضمّن الفعل «علفتها» معنى الفعل «أنلتها» أو «قدّمت لها» .