الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه: لم يشرح الشيخ رحمه الله هذا الحديث، وقد جمع مادة شرحه وتوفي رحمه الله قبل أن يستكملها ويكتبها.
اتِّخَاذِ الْبِيَعِ مَسَاجِدَ
698 -
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ مُلَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيعَةً لَنَا فَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَتَمَضْمَضَ ثُمَّ صَبَّهُ فِي إِدَاوَةٍ وَأَمَرَنَا فَقَالَ:"اخْرُجُوا فَإِذَا أَتَيْتُمْ أَرْضَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ وَانْضَحُوا مَكَانَهَا بِهَذَا الْمَاءِ وَاتَّخِذُوهَا مَسْجِدًا"، قُلْنَا: إِنَّ الْبَلَدَ بَعِيدٌ وَالْحَرَّ شَدِيدٌ وَالْمَاءَ يَنْشَفُ، فَقَالَ:"مُدُّوهُ مِنَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا طِيبًا"، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا فَكَسَرْنَا بِيعَتَنَا ثُمَّ نَضَحْنَا مَكَانَهَا وَاتَّخَذْنَاهَا مَسْجِدًا فَنَادَيْنَا فِيهِ بِالأَذَانِ، قَالَ: وَالرَّاهِبُ رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ فَلَمَّا سَمِعَ الأَذَانَ قَالَ: دَعْوَةُ حَقٍّ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ تَلْعَةً مِنْ تِلَاعِنَا فَلَمْ نَرَهُ بَعْدُ.
• [رواته: 5]
1 -
هناد بن السري: تقدم 25.
2 -
ملازم بن عمرو السحيمي: تقدم 165.
3 -
عبد الله بن بدر: تقدم 165.
4 -
قيس بن طلق: تقدم 165.
5 -
طلق بن علي: تقدم 165.
• التخريج
أخرجه ابن حبان في صحيحه كرواية المصنف وأخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وسنده جيد.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (خرجنا) أي من بلادهم وهي اليمامة وقوله: (وفدًا) أي وافدين كما تقدم في الطهارة (165) فهو حال والعامل فيه قوله: (خرجنا) وصاحب
الحال الضمير وفي رواية ابن حبان في صحيحه: "خرجنا ستة" وضبطه المعلق بالشكل بجر وفد على ستة مضاف إلى وفد ويتخرج على أنه من إضافة الموصوف إلى الصفة على مذهب الكوفيين والأغلب عندي أن شكله بذلك خطأ وإنما هو ستة وفدا وفي رواية ابن حبان أيضًا خمسة من بني حنيفة والسادس: رجل من بني ضبيعة بن ربيعة وحنيفة قبيلة مشهورة منسوبة إلى حنيفة بن لحيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وهم قبيلة الراوي طلق بن علي السحيمي والسحيميون فرع منهم وهم أول من سكن اليمامة بعد طسم وجديس وأول من سبق إليها منهم على ما ذكره البكري عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة وهو الذي احتجر ثلاثين دارًا وثلاثين حديقة منها فسميت حجرًا بذلك فهي حجر اليمامة وهي مصرها وقصبتها بعد ذلك وضبيعة بن ربيعة بن نزار يعرف بالأضجم وفي ربيعة أيضًا ضبيعة بن أسد بن ربيعة وهي ضبيعة أضجم وضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكاية بن صعب بن بكر بن وائل وهو أبو رقاش ومنهم الأعشى ميمون الشاعر المشهور من بني سعد بن ضبيعة ومنهم أيضًا المرقش الأكبر وضبيعة ابن عجل بن لحيم بن صعب بن بكر بن وائل وفي قبائل أخرى من العرب وقوله: (فبايعناه وصلينا معه) تقدم الكلام عليه في مس الذكر آخر كتاب الطهارة (165) وكان ذلك في أول الهجرة في السنة الأولى وهو يبني مسجده كما جاء في غير هذه الرواية أن طلقًا كان يعجن لهم الطين وقوله: (وأخبرناه أن بأرضنا) أي في بلدنا وقوله: (ربيعة) بالنصب اسم إن والجار والمجرور خبرها مقدم عليه والبيعة بيت يتخذ للعبادة كالمسجد وهي بكسر الباء متعبد النصارى وقيل كنيسة اليهود الجمع بيع قال تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ} والبيعة الصفقة على إيجاب البيع كما في أثر ابن عمر أنه كان لا يمر بسقاط ولا صاحب بيعة إلا سلم عليه وقوله: (فاستوهبناه) أي طلبنا منه هبة والفاء عاطفة في رواية ابن حبان واستوهبنا وقوله: (من فضل) من بيانية والجار والمجرور صفة لمحذوف هو المفعول الثاني لاستوهبنا التقدير شيئًا من وضوئه وفضل الشيء ما فضل أي زاد على الحاجة منه وتقدم أن الطهور بالفتح اسم لما يتطهر به أي من الماء الزائد على وضوئه وقوله: (فدعا) الفاء سببية أو عاطفة ودعا بمعنى طلب وقوله: (بماء)
الباء فيه للتعدية وقوله: (فتوضأ) أي غسل أعضاء وضوئه وظاهره غسلها كلها ويحتمل أنه اقتصر على بعضها ولهذا عطف عليه قوله: (فتمضمض) وتقدم الكلام على الوضوء والمضمضة وإنما فعل ذلك إجابة لطلبهم وعلى حرصهم على حصول بركته لهم وقوله: (ثم) تقدم الكلام عليها في الوضوء وكذا الإداوة في حديث أنس في الاستنجاء بالماء و (أمرنا) أي بما نضع به فقال الفاء تفسيرية لصيغة الأمر الصادرة منه لهم أخرجوا أمر مفيد للإذن لهم في الرجوع إلى بلادهم أي من المدينة إلى بلادكم ولعله إنما أذن لهم في الرجوع لعلمه بأن ذلك خير لهم أو لأنهم لم يأتوه مهاجرين وإلا لما أذن لهم لأن الهجرة كانت في ذلك الحين شرط في الموالاة حتى قال بعضهم إنها كانت شرطًا في الإِسلام قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} وجملة أخرجوا في محل نصب مقول القول وقوله: (فإذا أتيتم) الفاء عاطفة أو استئنافية وتقدم الكلام على إذا وقوله: (فاكسروا) أي اهدموها والكسر تفريق آخر اليابس من الصلب وهدم البنيان كسر لهم وقوله: (انضحوا) من النضح تقدم في الوضوء وهو صادق بصب الماء وبرشه على المكان لإزالة الشك عنه عند من يقول بذلك ومنه قول عمر كما تقدم في المني بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر وقوله: (مكانها) مكان البيعة بهذا الماء الباء للاستعانة كما في كتبت بالقلم والإشارة إلى الماء الذي توضأ فيه وتفل وقوله: (اتخذوها) يحتمل أن المعنى اتخذوا مكانها فيكون الهاء كناية عن البقعة أو أنه أراد أنهم يكسرون ما فيها من شعار البيعة ويبقى البناء أو بعضه فينضح ويتخذ مسجدًا و (مسجدًا) منصوب على أنه مفعول ثان لاتخذوا قال طلق (قلنا) أي للنبي صلى الله عليه وسلم إن البلد وهو اليمامة بعيد أي من المدينة وبينهما مسافة خمس وعشرين ليلة وقوله: (والحر شديد) يحتمل أن الواو للحال والجملة في محل نصب حال ويحتمل وهو الأقوى أن الحر معطوف على البلد فيجوز فيه الرفع على المحل أو النصب على لفظ البلد الذي هو اسم إن وقوله: (والماء ينشف) جملة معطوفة جملة إن البلد بعيد أي إن الماء لا يبقى في الإداوة وهي من الجلود مع طول المسافة وشدة الحر فقال صلى الله عليه وسلم أي مجيبًا لهم مدوه أي زيدوه من الماء من مدة إذا زاده مدَّ قولهم من النهر، النهر إذا جرى فيه قال اللحياني
يقال لكل شيء دخل فيه مثله فكثره مده مدًا ومنه قوله تعالى: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} أي تزيد فيه والإمداد مثله وهو الإعطاء وقيل أمده إذا كان من غير جنسه ومده من جنسه وقيل أمد في الخير ومد في الشر وهو قول يونس وخالفه اللحياني فقال: مد في الخير وأمد في الشر بالألف نقله الزمخشري عنه وقال الفيروزآبادي في البصائر: (أكثر ما جاء الإمداد في المحبوب والمدد في المكروه قال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ}. وقال: {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا}). اهـ وقوله: (من الماء) يحتمل أن المعنى بشيء أو شيئًا من الماء فمن بيانية والجار والمجرور صفة للمحذوف ويحتمل أنه بغير حذف مد بالحرف للمفعول كما يعدى أمد للثاني بالحرف وقوله: (فإنه) أي الماء لا يزيده أي لا يزيد الماء الطيب الذي في الإداوة إلا طيبًا فالفاء تعليلية وهذا التعليل دليل على أن الماء الذي بَرَّك فيه صلى الله عليه وسلم أو تفل فيه أو توضأ منه لو زيد بماء آخر لا يزيل ذلك بركته بل لا يزيده إلا كثرة البركة فيه وقوله: (فخرجنا) يعني من المدينة راجعين إلى بلادهم وقوله: (حتى قدمنا) تقدم الكلام على حتى وهي هنا لغاية خروجهم أي سفرهم من المدينة وقوله: (فكسرنا بيعتنا) أي امتثالًا لأمره صلى الله عليه وسلم والفاء عاطفة وقوله: (ثم نضحنا مكانها) تقدم الكلام على ثم ونضحنا في الطهارة وقوله: (مكانها) مكان البيعة فهو إما مفعول به أو منصوب على التشبيه بالمفعول به لأن النضح واقع عليه وإن كان ظرفًا في الأصل أي نضحناه بذلك الماء الذي في الإداوة وقوله: (اتخذناها) ظاهره أن البيعة بقي منها شيء يصدق عليه اسمها ويحتمل أن المراد اتخذنا مكانها مسجدًا وهذا يصدق بالأمرين بأن يكونوا أزالوها وبنوا مسجدًا في مكانها أو أزالوا منها علامة البيعة وما تتميز به وبقي بعض البناء فجعلوه مخصوصًا للصلاة فصار مسجدًا وقوله: (فنادينا فيها بالأذان) أي بعد إزالة ما أزيل ونضح الأرض وتخصيصها للصلاة أذنّا فيها وقوله: (والراهب) أي الذي كان فيها والراهب عابد النصارى (رجل من طيء) القبيلة القحطانية المشهورة وقوله: (فلما سمع يعني الراهب الأذان للصلاة قال: دعوة حق) عند سماعه للتكبير والشهادتين لأنهم يعلمون ذلك من كتابهم وقوله: (دعوة حق) مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف التقدير: هذه دعوة حق وقوله: (ثم استقبل تلعة من تلاعنا) التلعة من الأضداد عند بعض العرب ونقله أبو عبيد
وحكى ابن بري عن ثعلب واستشهد بقول الراعي النميري في إطلاقها على المكان العالي:
كدخان مرتجل بأعلى تلعة
…
غرثان ضرم عرفجا مبلولا
والمرتجل هنا الذي أصاب رجلًا من مراد وهي الجماعة منه والبيت شاهد لذلك أيضًا وقال زهير في إطلاقها على المنخفض:
وإني متى ما أهبط من الأرض تلعة
…
أجد أثرًا جديدًا قبلي وباليا
وقيل: وليس كذلك وإنما هي مسيل الماء من أعلى الوادي إلى أسفله فمرة يوصف أعلاها ومرة يوصف أسفلها وقيل: ما اتسع من فوهة الوادي وجمع التلعة تلاع قال النابغة وهو شاهد على أنها مسائل الماء:
عفا ذو حسا من فرتنا فالفوارع
…
فجنبا أريك فالتلاع الروافع
والتلعات أيضًا قال ربيعة بن مقروم الضبي:
كأنها ظبية بكر أطاع لها
…
من حومل تلعات الجو أو أودا
وقال أبو كبير في التلاع:
هل اسود لك في رجال قتلوا
…
بتلاع تريم هامهم لم تقبري
وأما في قول بديل بن عبد مناة الخزاعي:
ونحن صبحنا بالتلاعة داركم
…
بأسيافنا يسبقن لوم العواذل
فهي بالفتح وهي مكان بعينه فيه ماء من مياه العرب بالحجاز وفي قول جرير كذلك مكان قرب اليمامة قال:
ألا ربما هاج التذكر والأسى
…
بتلعة أرشاش الدموع السواجم
وقوله: (من تلاعنا) صفة لتلعة أي تلاع بلادنا وقوله: (فلم نره) أي لم يرجع إلينا بعد ذلك، و (بعد) ظرف مبني على الضم لأنه مقطوع عن الإضافة مع نية معناها.
• بعض الفوائد التي تؤخذ منه
فيه: مشروعية البيعة على الإِسلام وهي ثابتة كتابًا وسنة للنبي صلى الله عليه وسلم وكذا لوالي المسلمين العام ونوائبه في الغزوات أو في بعض البلدان وفيه: التماس الصحابة للبركة منه صلى الله عليه وسلم وهو ثابت في كثير من الأحاديث وفيه: طهارة الريق