الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها لأنها تمنع من حضور الجماعة وهي عندهم فرض عين قال وحجة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم من أحاديث: "كل فإني أناجي من لا تناجي" وقوله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي"). اهـ ولهذا قال ابن حزم من الظاهرية بعدم التحريم وإن كان يقول بوجوب الجماعة وظاهر الحديث يدل على منع آكل الثوم وما عطف عليه من المسجد وإن كان خاليًا للعلة المذكورة وقد ألحق العلماء بآكل هذه البقول كل من تلازمه رائحة كريهة نحو السمَّاك ومن يتعاطى بيع ما فيه نتن وينبغي أن يلحق به شارب الدخان لنتن رائحته وهكذا قالوا يلحق به من به قروح أو جروح منتنة وألحق به بعضهم المجذوم لأن الناس يتأذون منه والحديث في بعض رواياته يؤذينا بريحه فدل ذلك على العلة شاملة لأذية الناس والملائكة وأما إلحاق الأبرص به فهو عندي بعيد لأنه لا رائحة فيه والتأذي منه دون درجة المجذوم وقد ألحق به بعضهم من به بخر شديد يتأذى منه الناس وفي التعليل بتأذي الملائكة ما يرد قول من قال إن القوم إذا كانوا كلهم آكلين الثوم لا يمنعون من المسجد ولكن هذا يصلح في حق من قال بأن مجامع الناس كلها مثل المسجد فإنهم شملتهم الرائحة الكريهة كلهم لا بأس باجتماعهم أما في المسجد فلا وألحق بما ذكر من يؤذي الناس بلسانه قال العيني: ولا يبعد أن يعذر من كان معذورًا بأكل ما له رائحة كريهة لما روى ابن حبان من حديث المغيرة وفيه: فأخذت يده فأدخلتها فوجد صدري معصوبًا فقال أنت معذور. اهـ قلت: وهذا ليس صريحًا في جواز الدخول له لأنه وإن كان معذورًا يجلس في بيته حتى يذهب عنه الريح. والله أعلم.
مَنْ يُخْرَجُ مِنَ الْمَسْجِدِ
705 -
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ مِنْ شَجَرَتَيْنِ مَا أُرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلُ وَالثُّومُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا.
• [رواته: 7]
1 -
محمَّد بن المثنى الزمن أبو موسى العنزي: تقدم 80.
2 -
يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي القطان: تقدم. .
3 -
هشام بن عبد الله وهو ابن سنبر الدستوائي: تقدم. .
4 -
قتادة بن دعامة السدوسي الضرير: تقدم 34.
5 -
سالم بن أبي الجعد: تقدم 77.
6 -
معدان بن أبي طلحة ويقال ابن طلحة الكناني اليعمري الشامي تابعي روى عن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه وأبي الدرداء وثوبان وعمرو بن عبسة وعنه سالم بن أبي الجعد والسائب بن حبيش والوليد بن هشام المعيطي ويعيش بن الوليد على خلاف فيه قال ابن معين أهل الشام يقولون ابن طلحة وقتادة وهؤلاء يقولون ابن أبي طلحة وأهل الشام أثبت فيه وقال ابن سعد والعجلي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات قلت ذكره ابن سعد ومسلم وخليفة في الطبقة الأولى من أهل الشام.
7 -
عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه: تقدم 75.
• التخريج
هذا طرف من حديث عمر رضي الله عنه في خطبته التي خطبها بالمدينة بعد رجوعه من الحج وقبل مقتله رضي الله عنه وهي في البخاري من غير ذكر الثوم والبصل وهذا القدر منها أخرجه مسلم وابن ماجه والإمام أحمد وابن أبي شيبة من طريق ابن علية عن ابن أبي عروبة عن قتادة كإسناد المصنف وهذا الإسناد أخرجه به ابن ماجه عن ابن أبي شيبة في الفرائض وفي الأطعمة وروايته إلا أنه قال في يوم جمعة وأخرجه أبو عوانة مطولًا فذكر الخطبة بتمامها من طريق شعبة عن قتادة إلخ الإسناد.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (أن عمر بن الخطاب) هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين وقوله: (أي) في خطبة الجمعة أول خطبة خطبها مرجعه من الحجة التي هي آخر حجة حجها رضي الله عنه فقال في آخرها: ثم إنكم أيها الناس والهمزة في أي
النداء وهي أحد حروفه كقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ} أي يا أيها، وتقدم الكلام على أيها أول الكتاب وكذا الناس وقوله:(تأكلون) أي في الغالب أو في العادة شجرتين تقدم الكلام على تسمية الثوم شجرة في الحديث الذي قبله والبصل مثله في ذلك وتقدم أن هذا دليل على الإباحة وقوله: (ما أراهما إلا خبيثتين) أي أظن وأعتقد إلا أنهما خبيثتان خبث رائحة لا خبث تحريم فإن الخبث أمر نسبي في كل شيء تحبه ولو كان الخبث بمعنى التحريم لصرح بذلك وقد تقدم التصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك وأرى بضم الهمزة وهذا بيان لوجه العلة في النهي عنهما وقوله: (هذا البصل) إشارة إلى الجنس المعلوم في الذهن كما تقدم مثله وقوله: (البصل) بالرفع على أن هذا خبر لمبتدأ محذوف أي هما هذا البصل أو بالنصب على أنه بدل من قوله شجرتين فالتقدير يأكلون هذا البصل والثوم معطوف عليه وقوله: (ولقد رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم) اللام للابتداء أو موطئة للقسم والتقدير والله لقد رأيت وقد للتحقيق وقوله: (إذا وجد ريحهما) تقدم الكلام على إذا وجملة الشرط وجوابه في محل نصب على الحال لأن رأى بصرية لا تنصب إلا مفعولًا واحدًا وقوله: (وجد ريحها) أي شمها من الوجدان الذي هو الحصول على الشيء ضد الفقدان أي عدم الوجود وقوله: (الرجل) متعلق بوجد أي شم ريحها من الرجل أي والحال أنه في المسجد وأما في غير المسجد فلم يثبت ذلك عنه وقوله: (أمر به) أي أمر أصحابه بإخراجه فأخرج امتثالًا لأمره أي أمر الصحابة بأن يخرجوه إلى البقيع فيخرجونه امتثالًا لأمره صلى الله عليه وسلم والبقيع محل معروف كان قريبًا من المسجد ولعله غير بقيع الغرقد أو هو بقيع الغرقد قبل أن يكثر الدفن فيه لأنه جاء في باب الصلاة ما يقتضي أنهم كانوا يقضون فيه حوائجهم والبقيع في الأصل الموضع الذي فيه أروم الشجر من ضروب شتى وبه سمي البقيع الغرقد والغرقد نبت كان فيه وهو شجر معروف سمي به لكثرته فيه وهو مقبرة المدينة وقد جاء ذكره في الشعر كثيرًا قال عمرو بن النعمان البياضي يرثي قومه وقد قتل بعضهم بعضًا:
خلت الديار فسدت غير مسود
…
ومن العناء تفردي بالسؤدد
أين الذين عهدتهم بغبطة
…
بين العقيق إلى بقيع الغرقد
وقال حسان رضي الله عنه في النبي صلى الله عليه وسلم:
وجهي يقيك الترب للعين ليتني
…
غيبت قبلك في بقيع الغرقد
وفي المدينة أماكن يطلق على كل منها البقيع فلهذا ميز محل المقبرة بإضافته إلى الغرقد وقد فسره السمهودي بأنه كبار العوسج وبجانبه بقيع الخجبة ويجانبهما بقيع الخيل شرقي المسجد وبقيع الزبير نسب إليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه إياه فكان صدقة على ولده وابتنوا به دورهم وفيه يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة:
ليت شعري ولليالي صروف
…
هل أرى مرة بقيع الزبير
ذاك مغني أحبه وقطين
…
تشتهي النفس بأن ينال بخير
وبقيع الخجبة قريب من بقيع الغرقد أيضًا له قصة في بناء المسجد الشريف وبالمدينة أيضًا بقيع الخضمات ويقال بالنون أول موضع صليت فيه الجمعة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وبقيع بطحان وبه منزل الأشعريين أبي موسى وأصحابه والمحتمل من هذه هو بقيع الغرقد وبقيع الخجبة وهو قريب من المسجد وبقيع الزبير وكذا بقيع الخيل وكلها كانت قريبة من المسجد وقوله: (فمن أكلهما) يحتمل أن الفاء سببية ويحتمل أنها عاطفة والأول أظهر أي فبسبب ذلك من أكلهما أي أراد أكلهما فليمتهما طبخًا أي ليطبخهما حتى يذهب عنهما الريح الخبيثة لأن كسر حدة الشيء وقوته يعتبران قتلًا له ومنه قتل الخمر بالماء قال حسان رضي الله عنه قبل تحريم الخمر:
إن التي ناولتني فرددتها
…
قتلتك فهاتها لم تقتل
وقال آخر:
فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها
…
وحب بها مقتولة حين تقتل
وقوله: (طبخًا) مصدر نصب على التمييز أي بالطبخ.
• الأحكام والفوائد
الحديث فيه: تنبيه الإِمام الناس على المسائل المحظورة في الخطبة لأن هذا من أعظم مقاصد الخطبة وفيه: جواز وصف ما ليس حرامًا بالخبث ولا يعارض ذلك قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} لأن المراد بالخبائث هنا