الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد جمع السهيلي رحمه الله بأن الحديث الوارد في ذلك عن أبي سعيد وغيره أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعارض الآية في مسجد قباء بل يحمل الحديث على أن المراد به أن مسجده صلى الله عليه وسلم. مؤسس على التقوى وهذا ما لا شك فيه فيكون كل منهما أسس على التقوى وقد جنح إلى هذا الجمع كثير من أهل التفسير والحديث ومال إليه ابن كثير رحمه الله وهو عندي أولى وإن استبعده الألوسي فإن الروايات وردت كثيرة في أن قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} أنهم أهل قباء وإن كان غالب أحاديثها لا يسلم من مقال في بعض رواته لكنها يعضد بعضها بعضًا مع كثرة طرقها ولم يرد في شيء منها لا صحيح ولا ضعيف أن قوله: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} نزلت في غير بني عمرو بن عوف يضاف إلى ذلك أمور منها: أن مسجد الضرار كان بجنب مسجد قباء ومنها: أن مسجد قباء بنى أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قبل مسجده الشريف بلا خلاف ومنها: أن لفظ الآية الكريمة ليس صريحًا في أن المراد مسجد واحد بل هو صالح للحمل على المسجدين ولا يقال إن الحديث الوارد في التعيين أصح وهو مقدم على غيره فإن هذا مسلم لو كان الفرض مقابلته بالروايات وسلم التعارض لكن الواقع أن المقابل لدلالته سياق القرآن والاتفاق على نزول {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} على أنها في أهل قباء إذ لم يختلف النقل في ذلك ومن المعلوم أن الضمير في قوله: فيه رجال يعود إلى ما يعود إليه الضمير في قوله (أحق أن تقوم فيه). فإن من تتبع الروايات في ذلك يجدها كثيرة كلها تنص على نزول الآية في أهل قباء وسؤاله صلى الله عليه وسلم لهم عن هذا الطُهُورِ وفي بعضها الذي أثنى الله عليكم به في قصة مسجدكم ولم يرد منها شيء كما قدمنا في أهل مسجده الشريف ولا يقال إن هذا معارض لحديث أبي سعيد لأنه إنما هو سؤال عن المسجد الذي أسس على التقوى وليس فيه التصريح بالسؤال عن الذين نزلت فيهم الآية حتى يعارض به ما ذكرنا. والله أعلم.
فَضْلِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَالصَّلَاةِ فِيهِ
695 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا.
• [رواته: 4]
1 -
قتيبة بن سعيد: تقدم ..
2 -
مالك بن أنس إمام دار الهجرة -رحمه الله تعالى-: تقدم 7.
3 -
عبد الله بن دينار: تقدم 260.
4 -
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: تقدم 12.
• التخريج
أخرجه البخاري بزيادة "فيصلى فيه ركعتين" ومسلم في الحج وأخرجه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر وأبو داود وابن حبان في صحيحه وفيه: "كل يوم سبت" وفي لفظ له: "يزور" بدل "يأتي" وأخرجه أحمد والطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف وأخرجه البيهقي كرواية المصنف.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قباء) اسم لقرية بالعوالي معروفة هي العصبة والمسجد في أولها وهي منازل بني عمرو بن عوف، ونزل بها أكثر المهاجرين عند قدومهم المدينة حتى قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بها وتقدم الكلام عليها في حديث ابن عمر في تحويل القبلة (490) وقوله:(كان رسول الله) تقدم الكلام على لفظ كان وأنها أحيانًا تدل على الاستمرار وأحيانًا لا تدل عليه وهي هنا تدل على تكرار الفعل منه صلى الله عليه وسلم وقوله: (راكبًا وماشيًا) حالان أي أحيانًا يركب وأحيانا يمشي، وتقدم أنه في بعض الروايات التصريح بأن ذلك الإتيان في يوم السبت كما في صحيح ابن حبان وفي رواية كل سبت وهي محتملة ليوم السبت أو كل أسبوع لأن السبت يطلق على الأسبوع والتصريح في رواية ابن حبان يدفع هذا الاحتمال مع أنه قد يقال إنه مبين لعين اليوم الذي كان يأتي فيه من سائر أيام الأسبوع.
• بعض فوائده
الحديث فيه دليل على فضيلة مسجد قباء والأحاديث والآثار في ذلك معروفة وتقدم الكلام على شيء من ذلك ويأتي له مزيد وفيه: جواز الركوب إليه والمشي على الأقدام وفي بعض الروايات أنه كان يصلي فيه ركعتين ويأتي ذلك إن شاء الله وهو من أدلة صلاته صلى الله عليه وسلم للضحى.
فضل مسجد قباء والصلاة فيه
696 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكِرْمَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: قَالَ أَبِي: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَصَلَّى فِيهِ كَانَ لَهُ عَدْلَ عُمْرَةٍ".
• [رواته: 5]
1 -
قتيبة بن سعيد: تقدم 1.
2 -
مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري القبائي المدني حفيد مجمع بن يزيد، روى عن أبيه وابني عمه محمَّد وإبراهيم ابني إسماعيل بن مجمع ومحمد بن سليمان الكرماني وربيعة بن عبد الرحمن ومعاوية بن السائب بن أبي أمامة وسعيد بن عبد الرحمن بن رقيش وغيرهم وعنه يونس بن محمَّد المؤدب ويحيى بن حسان وإسماعيل بن أبي أويس والقعنبي وقتيبة ومحمد بن عيسى بن الطباع وغيرهم قال النسائي وابن معين: ليس به بأس وكذا قال أبو حاتم ووثقه ابن سعد مات بالمدينة سنة 160 وذكره ابن حبان في الثقات ونقل ابن حجر من خط الذهبي قال: (هذا وهم في تاريخه وفاته فإن رحلة قتيبة كانت بعد السبعين ومائة). اهـ قال ابن حجر: (وقد أرخه في سنة ستين ومائة أيضًا خليفة بن خياط وابن قانع فلينظر في رواية قتيبة عنه) ا. هـ. قلت: من الجائز أن يكون قتيبة سمع منه قبل الرحلة. والله أعلم.
3 -
محمَّد بن سليمان بن سلمان المدني القبائي الكرماني روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه في فضل مسجد قباء وعنه سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة وعبد الرحمن بن أبي الموالي وعاصم بن سويد القبائي وعبد العزيز الدراوردي وعيسى بن يونس ومجمع بن يعقوب الأنصاري وحاتم بن إسماعيل ذكره ابن حبان في الثقات. اهـ قال المصنف في التقريب نزل كرمان مقبول من السادسة وقوله نزل كرمان بيان لسبب نسبته كرماني وهو من أهل قباء بالمدينة.
4 -
أبو أمامة واسمه أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري: تقدم 672.
5 -
أبوه سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث الأوسي الأنصاري أبو ثابت ويقال أبو سعيد ويقال أبو سعد ويقال أبو عبد الله ويقال أبو الوليد المدني روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زيد بن ثابت وعنه ابناه أبو أمامة أسعد وعبد الله ويقال عبد الرحمن وأبو وائل وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعبيد بن السباق ويسير بن عمرو والرباب جدة عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم قال ابن عبد البر: (شهد بدرًا والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكان بايعه على الموت ثم صحب عليًا من حين بويع فاستخلفه على البصرة وشهد معه صفين وولاه فارس ومات سنة 38 وصلى عليه علي رضي الله عنهما وكبر ستًا) قال ابن حجر: (وقال ابن سعد آخى رسول الله بينه وبين علي وشهد بدرًا) وكان عمر يقول سهل غير حزن ولما توفي كبر علي عليه خمسًا ثم التفت إليهم فقال إنه بدري قلت: وفي السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لئن كنت صدقت القتال لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة.
• التخريج
أخرجه ابن ماجه وأخرج ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر بلفظ من صلى فيه كان كعدل عمرة يعني مسجد قباء وأخرجه أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مجمع مثل رواية المصنف وفي ابن ماجه زيادة من تطهر في بيته وللبخاري في التاريخ من أتى مسجد قباء فصلى فيه كانت كعمرة.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله: (من خرج حتى يأتي) من شرطية وقد تقدم الكلام عليها أول الكتاب (وخرج) أي من محله وتقدم في بعض الروايات زيادة من تطهر في بيته ثم خرج أي إلى قباء يعني مسجدها كما صرح به في هذه الرواية حتى يأتي هذا المسجد مسجد قباء وتقدم الكلام على (حتى) في أحاديث الطهارة ويأتي منصوبًا بأن مضمرة بعد حتى كما تقدم، وقوله:(فصلى فيه) أي فيصلي فيه فالفاء عاطفة وصلى بمعنى يصلى وقوله: (كان له) أي حصل له من الأجر أو
كان ذلك الفعل المذكور له عدل أي معادل وهذا على رواية نصب عدل على أنها خبر لكان وعلى الوجه الأول برفعها على أن كان تامة والعدل بكسر العين وفتحها والعديل بمعنى المثل والمعادل وبهما قرئ في السبع {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} . وقال الفراء: (العدل بالفتح ما عادل الشيء من غير جنسه والعدل بالكسر المثل إلى أن قال وقد أجمعوا على واحد الأعدال أنه عدل بالكسر). اهـ. وقال الزجاج: (العدل والعدل واحد في معنى المثل والمعنى واحد كان المثل من جنسه أو من غير الجنس). اهـ وهذا قول ابن الأعرابي أيضًا وقال في التاج: (العدل المثل والنظير كالعدل بالكسر والعديل كأمير وقيل هو المثل وليس بالنظير الجمع أعدال وعدلاء). اهـ. وفي كلام الراغب (أنه بالفتح فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام والعدل بالكسر والعديل فيما يدرك بالحاسة كالموزونات والمعدودات والمكيلات). اهـ وعدلت الشيء بالشيء سويته به قال ابن جرير بن الخطفي:
أثعلبة الفوارس أو رياحًا
…
عدلت بهم طُهية والخشابا
وقال:
أَبِالكيرْين تعدل ملجمات
…
عليهن الرحائل واللبود
رجعن بهانئ وأصبن بشرًا
…
وبسطاما يغص به الحديد
وقال مهلهل في العِدل بالكسر بمعنى المثيل:
على أن ليس عِدلًا من كليب
…
إذا برزت مخبأة الخدور
وقالوا في العَدْل بالفتح: (أصله مصدر من قولك عدلت الشيء بالشيء سموا به ليفرقوا بين المثل وعدل المتاع). اهـ والمعنى أن هذا الفعل يكتب لصاحبه من الأجر مثل ما يكتب لمن اعتمر عمرة.
بعض ما يستفاد منه:
فيه دليل ظاهر على فضيلة هذا الفعل الذي هو الصلاة في مسجد قباء لكن الأكثرين على أن هذا بالنسبة للقريب منها لا أن ذلك يدخلها في جملة ما تشد إليه الرحال وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله في الحديث بعده وفيه سعة فضل الله على عباده وكثرة طرق الخير وفضل الصلاة والمشي إليها.